لماذا تجاهل قادة الغرب الحديث عن وفاة الرئيس مرسي؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

التاريخ سيكتب أن محمد مرسي هو خامس رئيس لجمهورية مصر العربية، وأول رئيس مدني منتخب في تاريخ الجمهورية التي تأسست في 18 يونيو/ حزيران 1953، وللمفارقة فإن هذا التاريخ تضمن دفن الرئيس مرسي في 2019، الذي توفي أثناء محاكمته على يد قضاء الانقلاب العسكري الذي أطاح به من الحكم في 3 يوليو/ تموز 2013.

وكما صمت قادة الغرب عن استمرار الانقلاب، ووأد التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وباركوا تموقع الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي، صمتوا عن كم هائل من الانتهاكات التي ارتكبها نظام السيسي بحق الرئيس مرسي، الذي "قتل" تدريجيا داخل المعتقل في ظروف حبس بالغة القسوة، لرجل يعاني العديد من الأمراض المزمنة.

وللمرة الثالثة صمتت الحكومات الغربية عن وفاة الرئيس المنتخب، الذي سقط في ساحة المحكمة، على عيون الأشهاد، وتُرك مدة 30 دقيقة كاملة، بلا تقديم رعاية أو أية محاولة للإنقاذ، ودفن دون إجراء فحص الطب الشرعي، وهو الأمر الذي دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتصريح في قمة العشرين يوم 29 يونيو/ حزيران 2019، بأن "هناك شبهات في  وفاة مرسي". 

خزي عالمي

في 17 يونيو/ حزيران 2019، مع إعلان القنوات الرسمية وفاة الدكتور محمد مرسي، تقدم عدد من الرموز السياسية والشعبية، بتقديم النعي والأسى، على موت الرئيس المصري الأسبق بهذه الطريقة.

على رأس من بادروا إلى الحديث رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو الذي كتب على تويتر: "أخي الكريم الممثل الشرعي المنتخب للشعب المصري، محمد مرسي، انتقل إلى رحمة الله تعالى شهيداً، أثناء دفاعه عن شرف شعبه في محكمة انقلاب عسكري غير قانوني محارب للديمقراطية. هذا الخزي يكفي العالم كله".

وفي 18 يونيو/ حزيران 2019، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "لا توجد أي ردود فعل من الدول الغربية حول وفاة الرئيس محمد مرسي، لأنهم لا يعرفون معنى الديمقراطية".

وأثناء كلمته بعد أداء صلاة الغائب على الرئيس المصري الراحل، في مسجد السلطان محمد الفاتح بمدينة إسطنبول، أدان أردوغان وقوف العالم الغربي متفرجا إزاء الانقلاب العسكري ضد مرسي وسجنه ثم مفارقته الحياة.

أردوغان استدعى الأمر في كلمته أمام "قمة العشرين" في اليابان، عندما قال: "إننا ننتظر من هذه القمة تبني قضايا إنسانية مثل قضية الرئيس مرسي، فمن الضروري في مثل هذه الحالات إجراء فحص الطب الشرعي بصورة قطعية، وإلا فإنه من الواضح أن هناك شبهات في هذه القضية".

وأكد أن "إفلات المتورطين في مثل هذه الحوادث من المحاسبة، يمثل خطرا على مستقبل العالم والديمقراطية والسياسة العالمية"، مضيفا: "لم ير القادة الأوروبيون أي غضاضة في مصافحة الانقلابيين خلال هذه القمة".

لا تعليق

وفي يوم وفاة مرسي، كان هناك مؤتمر صحفي للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس في واشنطن، ووجه لها سؤال حول تعليق الإدارة الأمريكية على وفاة الرئيس المصري الأسبق، لتعلق قائلة "علمنا من تقارير إعلامية عن خبر وفاة محمد مرسي، وليس لدينا تعليق".

وعلق الكاتب التركي جاهد طوز، على الموقف الغربي قائلا: "الموقف الدولي هو عار على جبين الإنسانية. صمت الدول الغربية يدل على أنها لم تكن بجانب شعوب الشرق الأوسط في محاولتها لبلوغ تطلعاتها".

ورأى طوز أن "موقف الغرب ليس مستغربا، موقفه بالأساس تجاه الانقلابات والأنظمة لا يكون وفق قيمه ومبادئه، والسبب هو تفضيل المصالح وفق الحاكم الذي يأتي، فإن تصرف لصالحهم، ولو بشكل غير إنساني، فهم يدعمونه، كما يحدث مع خليفة حفتر في ليبيا".

واستطرد الكاتب التركي: "الغرب لم يتحرك أبدا وفق قيمه الديمقراطية والإنسانية، تم تحويل تلك القيم إلى نظام خاص بهم، بينما الديمقراطية هي وسيلة فقط للوصول إلى مصالحهم".

نفاق الغرب

في 26 يونيو/ حزيران 2019، كتب آلان غابون رئيس القسم الفرنسي في كلية وسيليان بولاية فيرجينيا الأمريكية، مقالا لموقع "ميدل إيست آي" بعنوان "وفاة محمد مرسي ونفاق الغرب"، أكد فيه أنه "لا يمكن الوثوق بالزعماء الغربيين الذين تستغرقهم مصالحهم الضيقة عن دعم ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط".

وأردف: "رغم الصمت المطبق من الحكومات الغربية فإن مقتل الرئيس المصري المدني الأول والوحيد المنتخب ديمقراطيا (الذي كان جريمة قتل بطيئة وممنهجة ومتعمدة)، يعد حدثا عالميا كبيرا وليس حدثا عابرا كما يود الكثيرون أن يكون".

ويرى الباحث الفرنسي أن "الدرس الأكثر مأساوية الذي يؤخذ من وفاة مرسي مؤخرا هو أنه إذا قُدِّر للديمقراطية أن تتحقق في العالم العربي فإنه يجب تحقيقها رغم أنف الحكومات الغربية كذلك".

وأكد غابون أن "الإسلاميين يمكن أن يكونوا ديمقراطيين خلافا للاعتقاد الخاطئ الذي سيطر على العالم الغربي لعقود والذي وضع فيه الإسلاميون مع الإرهابيين في الفئة نفسها كتهديد "للحضارة الغربية"، وهناك فروع إسلامية معينة -بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين المصرية- كثيرا ما أثبتت أنها قوة للديمقراطية".

وختم آلان غابون حديثه "بأن كل ما حدث في المنطقة منذ عام 2011 وكل شيء نراه يحدث الآن، سواء كان ما تفعله روسيا مع بشار الأسد أو ما يفعله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المنشق خليفة حفتر في ليبيا أو المحور الأمريكي السعودي الإسرائيلي الذي يعمل على فرض هيمنة إقليمية، عزز مرة أخرى هذا الدرس التاريخي، وهو أن الحكومات الغربية كانت في الماضي والحاضر وستظل دائما في المستقبل من بين ألد أعداء الحرية العربية".

موت الديمقراطية 

في 18 يونيو/ حزيران 2019، نشر الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" على متن صحيفة "الإندبندنت" مقالة بعنوان "موت الديمقراطية المصرية بجانب مرسي في السجن"، حيث وصف الصمت الغربي على الواقعة قائلا: "كم كان شجاعا ردنا على وفاة محمد مرسي الفظيعة داخل القفص".

مضيفا: "لربما كان سيبعث على الضجر تكرار جميع كلمات الأسف والأسى والحزن، بل والتقزز والرعب، وتعبيرات التنديد التي تخرق الآذان وهي تتوالى تعليقا على موت رئيس مصر المنتخب الوحيد، داخل محكمة بمدينة القاهرة هذا الأسبوع".

وتابع: "من داونينغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية)، من البيت الأبيض، من مقر المستشارة الألمانية إلى قصر الإليزيه – ودعونا لا ننسى البارليمونت (مقر المفوضية الأوروبية في بروكسيل) – حيث رجال وسيدات السياسة المفتخرون التابعون لنا. سيكون مرهقا فعلا التوقف عند كل واحد منهم والحديث عما شعروا به من حزن لموت مرسي".

وأردف معقبا: "لم يوجد شيء من ذلك على الإطلاق، لم يكن هناك سوى الصمت المطبق، لم تكن هناك همسة واحدة، ولا حتى تغريدة عصفور – أو تدوينة في حساب رئيس معتوه – ولا حتى كلمة أسف عابرة. كل أولئك الذي يزعمون أنهم يمثلوننا التزموا الصمت، لم ينطقوا ببنت شفة، وكانت أصواتهم محجوبة عن السمع تماما، كما كان مرسي في قفصه داخل المحكمة، صامتون تماما كصمته داخل قبره في القاهرة". 

وقال فيسك "لعل من المفيد ملاحظة كم كان التعامل مع مرسي مختلفا بعد الانقلاب الذي دمره. لقد احتجز في حبس انفرادي، وحيل بينه وبين أن يتكلم مع أفراد عائلته المقربين، وحرم من الإسعاف الطبي".

مضيفا: "ولكم أن تقارنوا ذلك بالمعاملة التي لقيها سلفه حسني مبارك بعد عزله – العلاج الطبي المستمر داخل المستشفى والزيارات العائلية، والتعبير العلني عن التعاطف معه، بل وحتى السماح له بإجراء مقابلة صحفية".

"أما مرسي، فكانت كلماته الأخيرة، التي دافع فيها عن كونه ما يزال رئيس مصر الشرعي، فقد حيل بينها وبين أن تصل إلى مسامع الناس بفعل التصميم الميكانيكي للقفص الذي احتجز فيه، والذي لم تكن جدرانه الزجاجية تسمح بعبور الصوت"، حسب فيسك.

شريك في الجريمة

وفي مقال نشرته وكالة الأناضول التركية، بتاريخ 26 يونيو/ حزيران 2019، تناول القضية الدكتور طارق الشرقاوي الخبير في التواصل الإستراتيجي ومدير مركز أبحاث "TRT World" ومؤلف كتاب "أخبار وسائل الإعلام في الحرب: صراع الشبكات الغربية والعربية في الشرق الأوسط".

الشرقاوي قال: إن "وسائل الإعلام الغربية إلى حد كبير اتخذت نهجا يتماشى مع سياسات حكوماتها في الشرق الأوسط، فبعضها تجاهل حقيقة إرهاب الدولة والانتهاكات الفظيعة في العالم العربي، وفي نقل حادثة وفاة مرسي، كرّست المؤسسات الإعلامية التلفزيونية المختلفة في الغرب، القليل من الوقت لنقل الحادثة، فيما عمدت وسائل الإعلام المطبوعة على تخصيص حيز صغير لنقل الخبر".

وأضاف الشرقاوي: "حقيقة تخصيص مثل هذا القدر الصغير من الوقت والمكان لنقل مثل هذا الخبر الجلل يخبرنا بشيء مفاده عدم رغبة الغرب بسماع الأخبار المتعلقة بزعيم منتخب ديمقراطيا جرى عزله بانقلاب عسكري ثم سجنه وتعرضه لمعاملة غير إنسانية وحرمانه من أبسط الحقوق، ثم وفاته في ظروف مريبة بعد سنوات من السجن".

وأردف: "هذه السياسة تدفع الإنسان للتساؤل عمّا إذا كان نهج تلك المؤسسات سيكون مختلفا لو أن ما حدث مع الرئيس مرسي حدث بالضبط مع الزعيم السابق لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا".

وختم حديثه قائلا: "على أية حال، فإن النهج الذي اتبعته بعض وسائل الإعلام الغربية مع نبأ وفاة الرئيس مرسي، يظهر للعيان بعدها عن روح العدالة وحقوق الإنسان والتضامن الإنساني، وتجاهلها للجرائم التي ارتكبها نظام السيسي، ما يجعلها بموقع الشريك في هذه الجرائم". 

على النقيض

في يوم الأحد 24 يونيو/ حزيران 2012، أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية محمد مرسي فائزا في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بنسبة 51.7%، توالت ردود الفعل الدولية والعربية مهنئين أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، وقد أحدث فوزه صخبا عارما، وحرصت العواصم العالمية على تقديم التهنئة، بعكس الصمت الرهيب يوم وفاته.

أجرى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما اتصالا هاتفيا بمرسي مهنئا إياه بفوزه في الانتخابات، مؤكدا "دعم واشنطن للعملية الديموقراطية في مصر"،  وقال البيت الأبيض: "إن أوباما يتطلع الى العمل المشترك مع الرئيس المنتخب مرسي على قاعدة الاحترام المتبادل لتعزيز المصالح المشتركة العديدة بين مصر والولايات المتحدة".

وقالت المتحدثة باسم مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "كاثرين أشتون": إن "الانتخابات تمثل حدثا مهما في التحول الديمقراطي لمصر، وتأمل في أن يكون الرئيس الجديد ممثلا للتنوع في مصر".

بينما رحب وزير الخارجية البريطاني السابق "وليام هيج" بفوز مرسي وحثه على بناء الجسور والحفاظ على حقوق الإنسان. وهنأت الصين مرسي بالفوز وقالت: "إن بكين تحترم خيار الشعب المصري" ونقل التلفزيون عن الرئيس الصيني قوله: إن "الصين تهنىء مرسي على انتخابه رئيسا لمصر".