وسط أحاديث عن انفراجة سياسية قريبة.. لماذا حل البرهان نقابات السودان؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

ضربة مفاجئة تلقتها النقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل في السودان، عبر قرار رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تجميد أنشطتها والسيطرة على أرصدتها المالية.

واستكمالا للانقلاب على النقابات، أصدر البرهان قرارا آخر بـ"تشكيل لجنة برئاسة مسجل عام تنظيمات العمل بوزارة العدل، لتكوين لجان تسيير النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل".

الانتكاسة التي تعرضت لها النقابات السودانية، فتحت باب جدل واسع، وصل إلى حد وصف نقابيين لقرار التجميد بأنه "ديكتاتوري"، متوعدين بأنه "لن يمر مرور الكرام وسيخلق عداوة مع منظمة العمل الدولية". 

لكن قرار البرهان له ما وراءه، إذ أن النقابات المهنية واتحادات الشغل في السودان تتمتع بقوة كبيرة، ولطالما كانت قادرة على المشاركة في تغيير الأنظمة الحاكمة بالبلاد، بينها عزل الرئيس عمر البشير عام 2019.

صدام متواصل 

بدأت المعركة بين البرهان والنقابات مبكرا، ففي ديسمبر/ كانون الأول 2019، قررت لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام 30 يونيو 1989 حل مجالس إدارة النقابات، لأنها كانت تحت سيطرة البشير، الذي حكم ما بين 1989 إلى 2019.

بعدها تشكلت لجان لتسيير النقابات والاتحادات المهنية خاصة في عهد الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك بين أغسطس/ آب 2019 وأكتوبر/ تشرين الأول 2021 ثم أصدر البرهان في 26 من ذلك الشهر قرارا بحل هذه اللجان التسييرية.

وذلك بعد يوم واحد فقط من انقلابه الذي حل بموجبه الحكومة الانتقالية، وعزل حمدوك، وقام باعتقال بعض رموز المعارضة وقوى الحرية والتغيير. 

لكن بعد صراع قضائي استمر 3 أعوام كاملة، قضت المحكمة العليا في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إلغاء قرار لجنة إزالة التمكين، وإعادة وضع النقابات إلى ما كان عليه من قبل وتمكينها من اختيار مجالسها بصورة ديمقراطية وفقا لأحكام القوانين المنشئة لها.

وهو ما لم يرق للبرهان الذي أبى أن يصل صراعه مع النقابات إلى تلك النتيجة المعاكسة لمساره المقوض لها خلال السنوات السابقة. 

فصمم على قرار التجميد، وإيقاف أنشطة النقابات والاتحادات تماما، خاصة وأن التوقيت شديد الحساسية، نظرا للمفاوضات المتواصلة الرامية إلى بلوغ صيغة اتفاق لتسوية سياسية شاملة، بين الجيش وجملة أحزاب المعارضة بأطيافها المختلفة. 

قلق كبير 

وعن دوافع البرهان لحل وتجميد النقابات، ذكرت صحيفة "سودان تريبيون"، أن ارتياح قيادات الجيش يكمن في تمكين السلطات القضائية التابعة لهم، خاصة وأنهم سارعوا إلى إعادة تفعيل قانون "النظام العام" الذي يقيد الحريات العامة، عقب إجراءات 25 أكتوبر 2021. 

وأضافت الصحيفة السودانية في 29 نوفمبر 2022، أن هناك خلفية أخرى لقرار التجميد والتحكم بالأرصدة تعود إلى اقتناع البرهان نفسه، بضرورة الالتفاف على المحكمة العليا التي ألغت قرارا قضائيا سابقا تم بموجبه حل الاتحاد العام لنقابات عمال السودان.

وهو الأمر الذي أغضب كبار جنرالات الجيش وعدوه تحديا لإرادتهم، توضح الصحيفة. 

وتابعت: السبب الآخر يعود إلى الشارع السوداني نفسه، والتحرك الشعبي الذي لا يغلي لأسباب تخص المطالبة بالديمقراطية والحكم المدني وعودة العسكر إلى الثكنات فقط.

واستدركت: بل لأن الأحوال الاقتصادية وصلت إلى حالة مريعة من التدهور وباتت تخنق المواطن السوداني في عيشه وصحته وتعليمه ورزقه وشغله. 

وأردفت بالقول: هنا يأتي دور النقابات المنتظر والمقلق للعسكر بالتنظيم والتحرك، وقد بدأت الإرهاصات فعلا عندما اشتعلت الإضرابات من نقابة المعلمين (10 مارس/ آذار 2022)، وامتدت الاعتصامات إلى شرائح واسعة متنوعة في صميم المجتمع السوداني. 

تدخل سافر 

وسريعا تفاعل المسرح السياسي السوداني مع قرارات البرهان، إذ أعلن عضو تجمع تصحيح نقابة العمال محجوب كناري، أن قرار البرهان "خاطئ وتدخل فج من الجيش في شؤون النقابات".

وأوضح القيادي النقابي في تصريحات لراديو "دبنقا" السوداني، أن الأوضاع في النقابات تحل عبر طريقتين إما بواسطة أعضائها عبر الجمعيات العمومية أو بالقانون. 

وطالب كناري جميع النقابات بمقاومة القرار، وذلك بعقد الجمعيات العمومية وانتخاب نقاباتهم، حتى تعود الحركة النقابية إلى ما كانت عليه في السابق.

من جانبه، أكد أمين نقابة النقل والمواصلات والطيران (مجمدة) يوسف جماع، أن "قرار البرهان ديكتاتورية واضحة وتدخل سافر ومعيب من جهة سياسية وتنفيذية في قرار قضائي".

وأضاف لوكالة الأناضول التركية، أن "مهمة الاتحادات تنظيم نشاط منسوبيها ومرجعيتها الأساسية هي قوانين منظمة العمل الدولية وقانون نقابات العمل لعام 2010".

وأوضح رئيس المجلس التنفيذي للاتحاد العربي للنقل أن "النقابات لم تلجأ للمظاهرات بل لجأت للقانون، وأصدرت المحكمة العليا قرارا بعودة التنظيمات النقابية، وعلى الدولة عدم التدخل فيها بقرارات سياسية أو تنفيذية".

ومضى جماع يقول: "عندما يتدخل الجهاز السياسي في قرارات قضائية فعلى الدنيا السلام، والمسألة ليست دولة بل ديكتاتورية واضحة".

قوة ضاربة 

وللنقابات التي كبح جماحها البرهان، تاريخ عريض في الحياة السياسية والمجتمع السوداني، وبدأ دورها مطلع القرن العشرين، وتحديدا منذ عام 1908.

عندما أعلن عمال مناشير الغابات في عهد الاستعمار البريطاني الإضراب للمطالبة بتحسين الأجور وبيئة العمل.

وفي عام 1947، تم تأسيس الهيئة النقابية الأولى لعمال السكك الحديدية، ونتيجة للضغوط التي مارستها الحركة النقابية رضخت السلطة الاستعمارية الإنجليزية، واعترفت بالحق في التنظيم النقابي.

وفي عام 1948، صدر قانون العمل والعمال، لتنال الحركة النقابية السودانية شرعيتها. 

وأصبحت إحدى الأذرع الرئيسة في تغيير الأنظمة الشمولية، ما جعلها محل استهداف لهذه الأنظمة عند وصولها إلى السلطة، وذلك منذ عهد إبراهيم عبود، وجعفر نميري، وصولا إلى البشير. 

وفي 16 يوليو/ تموز 2020، أكدت صحيفة "إندبندنت"، أن "حركة النقابات السودانية استمرت بممارسة نشاطها بقوة مذهلة منذ منتصف  القرن العشرين، وفرضت نفسها وتأثيرها في المشهد العام في البلاد على الرغم من قسوة المستعمر".

وأضافت الصحيفة البريطانية: "النقابات السودانية تمكنت دائما من إعلاء صوتها والمحافظة على حقوقها، فضلا عن المساهمة في عجلة التنمية".

وتابعت: "على الرغم من محاولات الأنظمة العسكرية، تكبيل صوتها والتنكيل بأعضائها، صمدت وقادت الثورات، وصولا إلى حراك ديسمبر، ما يؤكد أنها قوة ضاربة في جميع الأوقات".

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبدالعاطي، إن "إقدام البرهان على حل مجالس النقابات والاتحادات المهنية في هذا التوقيت ليس غريبا، إذ يريد تفريغ الدولة من كل جهة غير موالية بشكل كامل له وللجيش في ظل عملية إعادة الهيكلة المتوقعة إذا ما توصل مع الأطراف الأخرى من معارضة وغيرها إلى اتفاق".

وأضاف لـ"الاستقلال": "الاتحادات المهنية تمثل شوكة في ظهر البرهان لسيطرة قطاعات يسارية عليها، وجهات متعددة من قوى الحرية والتغيير أو رجال المؤتمر الوطني (المنحل) التابعين للنظام السابق ولا يروق لهم توجهات البرهان الحالية".

ولفت عبدالعاطي إلى أن "البرهان لم يضر النقابات أو الحركة الشعبية السودانية فقط، بل أضر السودان ككيان، البرهان خلق خلافات واضحة بين منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والإفريقية وتنظيماتها" 

خاصة أن المنظمة الدولية ترفض أي تنظيمات تنشأ من خارج إطارها سواء كانت لجان تسيير أو قيام تنظيمات نقابية، يوضح الباحث السوداني.

ومضى يقول: "الأمر أشبه ما يكون بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الذي يرفض أن يتحكم أي كيان سياسي سواء رئيس الجمهورية أو الحكومة، بالاتحادات المحلية، وهو أمر كفيل بوقف نشاط الدولة ككل، وهو ما سيحدث في نطاق النقابات العمالية إذا تصاعد الأمر على المستوى الدولي".