34 سنة على "طائرة لوكربي".. ما مخاطر اختطاف ليبي متهم بالتفجير؟

طرابلس - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

أعاد اختفاء ضابط المخابرات الليبي السابق "أبو عجيلة مسعود المريمي"، المتهم من قبل الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ تفجير "طائرة لوكربي"، فتح الملف مجددا بعد إغلاقه منذ قرابة 20 عاما.

وانشغلت وسائل إعلام محلية بخبر اختفاء المريمي الذي كان ضابطا في نظام معمر القذافي، إذ نقل بعضها اتهامات موجهة لحكومة عبد الحميد الدبيبة بمسؤوليتها عن الحادثة، وأنها قد تكون سلمته للولايات المتحدة التي لطالما طالبت به خلال السنوات الماضية.

ورغم نفي وزارة العدل أنباء تسليم المريمي فإن الحادثة فتحت جدلا واسعا وغذت الصراع السياسي الدائر في البلاد، وسط تخوفات من أن يتحول الملف إلى أداة لابتزاز ليبيا مجددا تذكر بسنوات الحصار في عهد معمر القذافي.

طائرة لوكربي

واتهمت واشنطن المريمي بالتورط في حادث تفجير طائرة تابعة لشركة بانام الأميركية، فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية عام 1988.

وتعود قضية لوكربي لحادثة انفجار طائرة "بان أميركان" في رحلتها رقم 103 فوق قرية لوكربي بأسكتلندا في 21 ديسمبر/كانون الأول 1988 ومقتل 270 شخصا كانوا على متنها.

أسفرت التحريات الأميركية والبريطانية بشأن حادثة لوكربي عن اتهام ليبيا بتدبير العملية، ووجهت التهمة رسميا إلى النظام الليبي أواخر 1990.

واتهمت الولايات المتحدة اثنين من مسؤولي الحكومة الليبية، وطالبت طرابلس بتسليمهما للمحاكمة خارج ليبيا، بعد أن أصدر قاضي التحقيق في أسكتلندا وهيئة المحلفين الأميركية أمرا بالقبض عليهما في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1991.

في 15 أغسطس/آب 2003، وهو العام الذي شهد تخلي طرابلس عن برنامجها النووي وتسليم معداته وبرامجه إلى واشنطن بضغوط منها، أعلن النظام الليبي مسؤوليته عن حادثة لوكربي وقبوله التعويض لضحاياه، وسلم رسالة رسميا بهذا الاعتراف إلى مجلس الأمن الدولي.

ونصت صفقة تسوية ملف لوكربي على أن تدفع ليبيا لضحايا الطائرة تعويضات مالية بلغت 2.7 مليار دولار أميركي بمعدل عشرة ملايين دولار لكل منهم، وبعد رفع العقوبات الأحادية الأميركية المفروضة عليها وإلغاء اسم ليبيا من "قائمة الإرهاب" الأميركية.

لكن قبل مغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض أثار المدعي العام في عهده وليام بار أمرا يتعلق بقضية لوكربي يطالب السلطات الليبية بتسليم المواطن الليبي بوعجيلة مسعود، بزعم أن له علاقة بتلك القضية.

ونشرت عائلة ضابط المخابرات الليبي المتقاعد المختطف أبو عجيلة المريمي بيانا  نددت فيه باختطافه من منزله بمنطقة أبو سليم واقتياده لجهة غير معلومة، مستنكرة صمت السلطات الليبية.

وذكر البيان أنه "عند الساعة الواحدة والنصف تقريبا بعد منتصف الليل بتاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حضرت سيارتان من نوع تویوتا بهما أشخاص مسلحون يرتدون ملابس مدنية، اقتحموا منزلنا الكائن بمنطقة أبو سليم بطرابلس باستخدام القوة".

وأوضح أن عائلته "لا تعلم بمكان وجوده حتى الآن تحقيقا لأغراض سياسية ترمي إلى الإضرار بمصالح العليا للبلاد”.

وحمل "كافة السلطات الليبية المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة إزاء حالة الصمت لما تقوم به الحكومة من أفعال وممارسات غير مشروعة، خارج المنظومة القضائية في حال تسليمه إلى دولة أجنبية”.

صفقة وصراع

ويتهم معارضو رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، والمجموعات المسلحة الموالية له بالوقوف وراء اختطاف أبو عجيلة لتسليمه إلى واشنطن لمحاكمته على أراضيها، في إطار صفقة سياسية للبقاء في السلطة.

غير أن وزارة العدل في حكومة الدبيبة أكدت أن ملف قضية "لوكربي" أغلق بالكامل سياسيا وقانونيا بموجب اتفاق بين ليبيا وواشنطن ومرسوم سابق صدر عن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش عام 2008.

لكن في المقابل أعادت هذه الحادثة  التذكير بتصريحات لوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوشة لقناة بي بي سي البريطانية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وتحدثت المنقوش وقتها عن إمكانية تسليم مشتبه به مطلوب من قبل الولايات المتحدة في هذه القضية.

وقالت إن الحكومة الليبية منفتحة تماما على التعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بتسليم المطلوبين، منوهة إلى أن الأمر قيد التنفيذ، وأضافت "نتفهم ألم وحزن عائلات الضحايا".

ورغم أنها لم تتطرق بشكل قطعي للمتهم أبو عجيلة مسعود، فقد ضاعفت تصريحاتها من الشكوك حول احتمال تورط حكومة عبد الحميد الدبيبة في تسليم ضابط المخابرات السابق.

وتحولت حادثة الاختطاف إلى مادة للتجاذب السياسي بين مؤسسات الدولة الليبية المتصارعة.

إذ أصدر المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري بيانا شدد فيه على أن "ملف قضية لوكربي أقفل بالكامل من الناحية السياسية والقانونية بحسب نص الاتفاقية التي أبرمت بين الطرفين عام 2008".

ورفض المجلس "إعادة فتح الملف من بعض الجهات المحلية (لم يسمها) وإرجاعه إلى الواجهة مرة أخرى، وذلك لافتقاره إلى أي مبررات سياسية أو قانونية".

وأضاف "نؤكد عدم التزامنا بكل ما يترتب على هذا الإجراء من استحقاقات تجاه الدولة الليبية".

وفي نفس السياق، أصدر مجلس النواب الليبي ومقره طبرق قرارا يقضي برفض كل محاولات إعادة فتح ملف قضية "لوكربي"، وبين أن هذه المحاولات "خيانة عظمى".

وأقر المجلس قرارا بـ"ملاحقة المتورطين في القبض على المواطن أبو عجيلة مسعود المريمي"، والتأكيد على بطلان كل ما يترتب على احتجازه من نتائج.

ملف أسود 

وبعيدا عن توظيف الملف داخليا في إطار تنازع الشرعيات بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومجلسي النواب والدولة، يتخوف جزء واسع من الفاعلين في الساحة الليبية من إعادة فتح قضية لوكربي نظرا لآثارها على الوضع الاقتصادي في ليبيا.

وحذر مستشار الأمن القومي، إبراهيم بوشناف، في بيان له من إثارة هذا الملف مجددا، داعيا كافة الوطنيين والكيانات السياسية إلى الاصطفاف لمنع ذلك بعيدا عن الصراع السياسي.

وأشار إلى أن "هذه القضية إذا أثيرت من جديد وأصبحت موضوعا لتحقيق جنائي، ستدخل ليبيا في عقود من الاستباحة".

وقضية لوكربي كانت سببا في فرض الدول الغربية حصارا اقتصاديا وسياسيا خانقا على ليبيا تضمن حظر الطيران منها وإليها، مما أدى إلى عزلتها عن أغلب دول العالم.

وقد أدى الحصار إلى ارتفاع نسبة البطالة في البلاد وأوقع خسائر اقتصادية قدرتها وزارة الخارجية الليبية في عهد معمر القذافي بـ24 مليار دولار خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 و1998.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، رأى المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أن "الذين حركوا القضية الآن يريدون أن يثبتوا أن لهم دورا في المشهد الليبي ويمكن أن يقدموا خدمات للولايات المتحدة".

وأضاف الزبير "هذه القضية أغلقت منذ عام 2008 وجرى تسوية ملف التعويضات للضحايا، لكنها الآن برزت من جديد وكأن حكومة الدبيبة هي من تورطت في إعادة فتحها عبر المجموعة المسلحة الموالية لها وعبر التصريحات السابقة لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش".

وأكد المحلل السياسي الليبي "من الصعب الآن بعد الجدل الذي أحدثته القضية وبيانات مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، أن يجري تسليم المريمي للولايات المتحدة، وتسعى كل القوى المؤثرة في العاصمة طرابلس إلى ضبط الوضع".

ونبه الزبير إلى أن فتح هذا الملف مجددا سيفتح على ليبيا أبوابا أخرى لعديد الجرائم التي ارتكبها النظام السابق ودعمه لما كان يعدها حركات تحرر عالمية في عدد من الدول.

وإلى حين تسلم حكومة الدبيبة للضابط السابق في المخابرات الليبية المختطف، أو إطلاق سراحه طواعية من قبل خاطفيه، سيبقى الملف مفتوحا أمام كل الاحتمالات في ظل عدم قدرة الدولة على بسط نفوذها على كامل التراب الليبي بالإضافة إلى قدرة الأجهزة الأجنبية على التحرك الميداني بوسائل مختلفة.