نعيم قاسم.. معمم لبناني عجز عن قيادة حزب الله فنظّر لسياساته

بيروت - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

لتعويم ثقافة دخيلة على المجتمع اللبناني وتأطير الخطاب "السياسي الديني" بمنظور خاص، يسخر "حزب الله"، نائب أمينه العام، نعيم قاسم، لتزييف الحقائق والتحريض على الداخل والخارج.

تلك "الثقافة الإيرانية" التي يتولى قاسم ترويجها تصل حد إلغاء خصوم "حزب الله" السياسيين ومصادرة آرائهم، فقط لمجرد رفض البقاء داخل عباءة إيران والارتهان لسياساتها بالمنطقة.

ولهذا قال قاسم في يناير/كانون الثاني 2021 مخاطبا اللبنانيين الرافضين لسلاح حزب الله الذي يحكم به البلاد: "أنتم لا تشبهون لبنان نحن الذين نشبهه".

ورغم أن تلك الجملة تحمل كمية كبيرة من الإقصاء، وتأطير الانتماء للبنان بسياسات "حزب الله"، إلا أنها تعطي مؤشرا على مدى الارتباط بنظام الولي الفقيه.

هذه النظرة التي يريدها قاسم ومن يمثلهم، جعلت لبنان غير مستقر سياسيا واقتصاديا، وتحكمه "مافيات" بقوة السلاح، وطبقة سياسية تبحث عن مصالحها "لا مصلحة الوطن".

وفي ظل الاستعصاء السياسي في لبنان على انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال عون الذي غادر قصر بعبدا قبل يوم من انتهاء ولايته المحددة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، فإن قاسم كان له رأي أدلى به كجزء من مهمته في تمرير رسائل الحزب.

وغرد قاسم في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قائلا: "إنهم لا يوافقون على رئيس يحول الأنظار إلى مشكلة مفتعلة تضر بسيادة لبنان واستقلاله وتحرير أرضه وحمايتها خدمة لأميركا وإسرائيل".

النشأة والتكوين

ولد نعيم قاسم عام 1953 في بلدة كفرفيلا جنوب لبنان من أسرة من الطائفة الشيعية، وأمضى معظم طفولته وشبابه في العاصمة بيروت، وتزوج فيها وله من الأبناء 4 ذكور و2 من الإناث.

حصل قاسم على المراحل العليا من الدراسة الحوزوية على يد كبار العلماء في لبنان، وتزامنت دراسته الدينية مع الدراسة الأكاديمية، وذلك منذ التحاقه بالجامعة اللبنانية عام 1970.

حصل قاسم على الليسانس والكفاءة في الكيمياء باللغة الفرنسية من الجامعة اللبنانية - كلية التربية.

شارك في تأسيس الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، وعمل مع مؤسس حركة "أمل اللبنانية" موسى الصدر، في بداية تأسيس حركة "المحرومين" عام 1974 التي كانت تجسيدا للكيان السياسي لشيعة لبنان.

كما ساهم قاسم في تأسيس "حزب الله" عام 1982، وهو نائب للأمين العام للحزب منذ 1991، كما يعد مسؤولا عن متابعة العمل النيابي والحكومي في الحزب.

وألف نحو 20 كتابا، أشهرها "حزب الله: المنهج.. التجربة.. المستقبل" والذي طبع بسبع لغات، وأيضا كتاب "الإمام الخميني الأصالة والتجديد" الذي ترجم إلى الفارسية.

قاسم يعد أبرز أسماء "شورى حزب الله" حاليا، وهي القيادة العليا وصاحبة القرار الأول والأخير فيه، ولم يغب عنها منذ تطبيق نظام الانتخاب في الحزب عام 1991.

وفي الوقت الراهن يعد قاسم "الرجل الثاني" في الحزب بعد الأمين العام، حسن نصر الله.

عمل قاسم مع "جمعية التعليم الديني الإسلامي"، وتولى لفترة طويلة إدارة هذه المؤسسة التي ساهمت في إدخال التعليم الديني الإسلامي إلى المناهج الدراسية في المدارس الرسمية والخاصة.

قبل أن تؤسس تلك الجمعية مجموعة "مدارس المصطفى" التي تعد أبرز المدارس الشيعية في لبنان.

عمامة سياسية

رغم أن قاسم لم يكن من بين الدعاة الشيعة اللبنانيين الذين حضروا على هامش "المؤتمر الأول للمستضعفين" في طهران عام 1982 اجتماعا مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الخميني؛ من أجل إنشاء "حزب الله"، إلا أنه ساهم في إطلاقه على الساحة اللبنانية.

وبالفعل وضع اللقاء الخطوط العريضة لـ"حزب الله"، بوصفه ممثلا إسلاميا للطائفة الشيعية في لبنان.

وحزب الله كيان مليشيا مستقل، وليس كبقية القوى السياسية في لبنان، وولاؤه لإيران التي تدعمه بالسلاح والمال، حتى بات يشكل دولة داخل الدولة اللبنانية، خاصة أنه يمتلك 100 ألف مقاتل، باعتراف نصر الله.

ومنذ ثمانينيات القرن العشرين بدأ قاسم، اعتمار العمامة لما تشكله من حماية دينية وسياسية له، والتي سببت له صداما مع الجيش اللبناني.

في تلك الفترة كان حزب الله يطبخ على نار هادئة كي يصبح حزبا في لبنان يريده المتدينون الشيعة، وهذا ما شكل فرصة لدخول قاسم الحياة السياسية من أوسع أبوابها.

وأسهمت مكانة قاسم الدينية في الأوساط الشيعية العالية والقبول الشعبي له كونه يقدم دروسا "دعوية مرنة"، في دفعه لأن يكون من الدائرة الضيقة للحزب، وخاصة أنه عرف بـ"الإداري الناجح".

لكن طموح قاسم لشغل منصب الأمين العام لحزب الله (الثالث) لم تتحقق، إذ خسر انتخابات هيئة الشورى للمنصب المذكور، أمام منافسه نصر الله، عقب اغتيال الشيخ عباس الموسوي من قبل إسرائيل في 16 فبراير/شباط 1992.

تلك اللحظة حددت مسار الرجل ضمن "الصف الثاني" في حزب الله، لكنه أبقى نفسه تحت دائرة الضوء من خلال استغلاله لمنصب نائب نصر الله.

منظر حزب الله

ومنذ ذلك الحين، اتخذ قاسم خطا "مدنيا وليس عسكريا" ورسم صورة خاصة لشخصيته داخل التنظيم، تتمثل بالتزام مهمة "التنظير لسياسات الحرب"، وتمرير رسائل الحزب على الصعيد المحلي والإقليمي.

لكن عندما تدخل حزب الله عام 2012 عسكريا إلى جانب نظام بشار الأسد لقمع الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، وافق قاسم على "قتل السوريين" لبقاء الأسد في السلطة.

وفي يونيو/حزيران 2015، ظهر مع عدد من مقاتلي حزب الله في جبهة "القلمون" بريف دمشق، باللباس العسكري خارقا بذلك التزامه السابق باللباس الديني.

وللمفارقة، فإنه في تلك الفترة أقدمت مليشيا حزب الله على تهجير السوريين من عشرات القرى واحتلالها حتى يومنا هذا، فضلا عن قتل العشرات من أبنائها بدم بارد.

وفي الموقف من سوريا، قال قاسم لوكالة "رويترز" في 9 أبريل/نيسان 2014: "على الجميع أن يعلم أن سوريا فيها خياران لا ثالث لهما، إما أن يبقى بشار رئيسا باتفاق وتفاهم مع الأطراف الأخرى بطريقة معينة، وإما أنه يستحيل أن تكون المعارضة هي البديل أو هي التي تحكم سوريا لأنها غير قادرة ولأنها جربت حظها وفشلت".

وسبق أن أثار قاسم انتقادات عاصفة عنيفة في الأوساط السياسية اللبنانية، حينما قال إن "حزب الله" أصبح جيشا، قبل أن يتراجع عن تصريحه في 22 نوفمبر 2016 بقوله إنه "أصبح أكبر من مقاومة وأقل من جيش". 

ويرد منتقدو قاسم عليه بالسؤال: "كيف لجيش مواز، طعامه وشرابه وسلاحه ورواتبه من إيران يكون مكرسا للحفاظ على السلم بين المواطنين؟"، وفق ما قال الكاتب اللبناني حنا صالح في مقال نشره في ديسمبر/كانون الأول 2021.

ترويج الدعاية

رسائل قاسم الشعبوية كثيرة وخاصة تلك المتعقلة بسلاح حزب الله الذي يهيمن به على لبنان وتطالب كثير من الأحزاب بنزعه.

وكثيرة هي تصريحاته في هذا الشأن، ومنها قوله في 16 يوليو/تموز 2022: "عندما يكون الجيش اللبناني قادرا على مواجهة إسرائيل عندها يجري النقاش عن سلاح حزب الله".

كما أنه قال خلال مؤتمر "الثورة الإسلامية من منظور حزب الله بلبنان" نظم بببروت في 5 نوفمبر 2022، إن "من يسعى إلى نزع سلاح المقاومة، يريد سلب كرامة الشعب اللبناني".

وخلال مقابلة مع قناة "الميادين" المدعومة من إيران في 25 أبريل 2022، قال قاسم: "لدى البعض مشروع لضرب المقاومة في لبنان وعلى رأسها حزب الله، وأميركا لا تجد مشكلة لو جاع كل الشعب اللبناني من أجل تحقيق سياساتها التي هي لمصلحة إسرائيل".

وتعرض قاسم للنقد حول موقفه من سلاح الحزب، خاصة أنه جرى استخدامه في الخارج بسوريا بأمر مباشر من إيران وأوغل في دماء السوريين.

وكثيرا ما يحاضر قاسم في بيروت بندوات حول الثورة الإيرانية، التي يرى أنها قدمت "خدمات للشعب الإيراني وسائر الشعوب وهي جديرة بالثناء".

وخلال كلمته في مؤتمر "الثورة الإسلامية من منظور حزب الله في لبنان"، عد قاسم أن "شخصية الخميني مؤثرة في المنطقة والعالم ومدرسته تقوم على أساس التضحية والجهاد".

وعندما قتل قائد مليشيا "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني، بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020، نعاه قاسم بقوله إن "القاتل سيواجه الآلاف من قاسم سليماني يحملون فكره ويرفعون دمه وثأره"، كما وصفه بـ"شهيد الأمة".

وبشكل مستمر، يدعى قاسم، ممثلا بحزب الله لحضور مناسبات في إيران، وإلقاء كلمة وعلى رأسها فيما يسمى "ذكرى انتصار الثورة الإسلامية"، كما كان حاضرا خلال أداء القسم من قبل الرئيس السابق حسن روحاني.

كما يتولى قاسم ترويج الدعاية السياسية والدينية لحزب الله حتى على مستوى حضوره بقوة لحفل "‏العباءة الزينبية" الذي تقيمه الهيئات النسائية في الحزب بشكل دوري بالضاحية الجنوبية لبيروت.

وخضع قاسم إلى جانب نصر الله في 16 مايو/أيار 2018، لعقوبات من السعودية ودول الخليج، وعد بيان العقوبات أنها جاءت لكون "قادة حزب الله وإيران الراعية لهم يطيلون أمد المعاناة الإنسانية في سوريا، ويؤججون العنف في العراق واليمن، ويعرضون لبنان واللبنانيين للخطر، ويقومون بزعزعة كامل منطقة الشرق الأوسط".

ولا يتوانى قاسم في إبداء الرأي من أي هزة في إيران تقض مضاجع نظام الولي الفقيه، والدفاع عنه.

ويعد قاسم أن الاحتجاجات في إيران المندلعة منذ 16 سبتمبر 2022، احتجاجا على مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما بعد ثلاثة أيام من خروجها من "شرطة الأخلاق"، هي "مؤامرة على إيران وليس بسبب حادثة".

وكتب قاسم مغردا في 1 نوفمبر قائلا: "يريدون إسقاط النظام الذي عجزوا عن إسقاطه 43 سنة، ولم يتركوا عدوانا إلا وارتكبوه ضد إيران، لكن الشعب الإيراني وحرسه خلف قيادة الولي الفقيه الحكيمة سيحافظون على مستقبل إيران واستقلالها على أساس النظام الإسلامي، كما انتصروا دائما".

وأدى قمع التظاهرات في إيران، لمقتل ما لا يقل عن 416 شخصا بينهم 51 طفلا، وفقا لـ"منظمة حقوق الإنسان في إيران" التي تتخذ من أوسلو مقرا.

وبحسب تقارير صحفية فإن النظام الإيراني استعان في قمع الاحتجاجات بحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي الذي يضم مليشيات شيعية.