"أولتراس المنبوذين".. جماهير مونديال قطر تلفظ المشجعين الإسرائيليين

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تزينت ضفاف الدوحة وتلألأت لمونديال 2022 الذي افتتح في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بحفل تاريخي شهده العالم أجمع، لكن كثيرين ميزهم الغيظ من المشهد المعيب.

وكان الغضب والانطفاء ظاهرين على الإسرائيليين، إعلاميا وسياسيا، إذ كرهوا أن يروا عاصمة عربية لفظتهم ورفضت التطبيع معهم، في هذا الثوب الأنيق غير المسبوق. 

خلاصات الماضي هنا بقيت على حالها، وكما يقال "الكرة للشعوب"، فضاقت قطر على وافدي دولة الاحتلال، حين وسعت أمم وأقطار الدنيا في شوارعها وساحاتها المشيدة. 

ظهر ذلك عندما رفض المواطنون القطريون والعرب إجراء أحاديث ولقاءات مع القنوات العبرية، وفي نبذ كل ما يمت بصلة لإسرائيل.

على الجانب الآخر وبالتزامن مع الحملة الغربية ضد قطر، شن الإعلام العبري هجوما مستمرا متعلقا بتنظيم كأس العالم، وبتمسك الدولة العربية بعاداتها وتقاليدها. 

"أولتراس المنبوذين"

وقد نشرت العديد من صحف دولة الاحتلال رسوما كاريكاتورية ضد قطر، منها "يديعوت أحرونوت"، و"إسرائيل اليوم"، و"غلوبس".

وفي 20 نوفمبر، نشرت مقالات لكتاب صحفيين إسرائيليين، مثل "بن دورو يميني"، الذي قال: "مرحبا بكم في مونديال العار".

وأضاف في مقالته بصحيفة "يديعوت أحرونوت": "ستصبح البلاد المظلمة الأكثر لمعانا خلال كأس العالم.. فقطر دولة عدوة، ليس لوجود قناة الجزيرة المحرضة فيها فقط، وإنما لأنها تدعم الإسلام الراديكالي"، وفق زعمه. 

وفي نفس اليوم، سخرت صحيفة "إسرائيل اليوم" من تنظيم قطر لكأس العالم 2022، ونشرت الصحيفة كاريكاتيرا وضعت فيه شنطة من الأموال تحت أقدام لاعبي المنتخب القطري خلال ركلة البداية للمباراة.

كما حذرت القناة 13 العبرية، مواطني الكيان من حضور المونديال عبر تقرير عنونته بـ"4 أسباب لعدم السفر إلى قطر"، وأوردت أن الدوحة لا تربطها علاقات رسمية بإسرائيل، بينما يعد القطريون تل أبيب عدوا لهم. 

فيما قال الدبلوماسي "ألون لافي"، المتحدث باسم الفريق القنصلي الإسرائيلي، في تصريحات لإذاعة جيش الاحتلال، إنه يعمل من فندق بالدوحة ومن بين مهامه تقديم النصح للإسرائيليين بتوخي الحذر، وخصوصا الاهتمام باتباع القوانين المحلية القطرية وتفادي الاحتكاك بأي مشجعين منافسين. 

موقف دولة الاحتلال ضد قطر ليس مستغربا، خاصة وقد شهدت الأجواء بينهما توترات متصاعدة قبيل كأس العالم. 

ففي 15 سبتمبر/أيلول 2022، رفضت الدوحة طلبا إسرائيليا بفتح مكتب قنصلي لها خلال البطولة.

ووردت أنباء عن محادثات بشأن فتح قنصلية مؤقتة لمساعدة الإسرائيليين الذين سيسافرون لمشاهدة مباريات المونديال.

وكان الموقف الأشد قد حدث في 10 أغسطس/آب 2022، عندما تناقلت عدد من المنصات الإعلامية العبرية، مثل صحيفتي "يديعوت أحرونوت"، و"جيروزاليم بوست"، أن اسم إسرائيل غير مذكور في صفحة موقع الاتحاد العالمي لكرة القدم "فيفا". 

وأكدت أن الإسرائيلي لن يجد اسم دولته مطروحا في موقع تذاكر بيع بطولة كأس العالم 2022، التي ستنطلق في قطر بعد عدة أشهر. 

وأوضحت أن الخيار الوحيد لمشجعي كرة القدم في إسرائيل، إذا ما أرادوا الذهاب إلى كأس العالم هو الدخول إلى القائمة واختيار منطقة آسيا والشرق الأوسط، حيث تستعرض كافة الدول.

ومع استثناء "إسرائيل"، ومن ثم اختيار الأراضي الفلسطينية المحتلة، يمكن فقط إتمام الحجز. 

عاصفة غضب

ونقلت الصحف عن سياسيين ورجال أعمال إسرائيليين شعورهم بالاستياء العارم جراء الاستعاضة عن اسم إسرائيل بالأراضي الفلسطينية المحتلة. 

وزعمت وسائل الإعلام العبرية أن ذلك الوضع "وصمة عار كبيرة"، دون تعليق رسمي على الموضوع.

وكان الكيان الإسرائيلي يأمل في الحصول على وضع مميز، خاصة وأنه أبرم صفقة مع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في يونيو/حزيران 2022 من شأنها أن تسمح للإسرائيليين بالسفر إلى قطر لحضور كأس العالم.

وقطر  من الدول العربية التي لا تسمح بمنح تأشيرات لجوازات سفر إسرائيلية. 

لكن لظروف كأس العالم، جرى قبول الإسرائيليين في قطر دون استخدام جواز سفر، إذ سيتمكنون من التقدم بطلب للحصول على بطاقة هوية المشجعين عبر الإنترنت بعد شراء التذاكر. 

وستكون بطاقة الهوية بمثابة تأشيرة دخول وتسمح بحجز الرحلات الجوية والإقامة بقطر.

لكن يبدو أن قطر عوضت هذا التنازل دون إعلان رسمي، بحذف اسم "إسرائيل" من موقع التذاكر ووضع "الأراضي الفلسطينية المحتلة" بدلا منه لتثير عاصفة غضب هناك.

الباحث السياسي محمد ماهر، قال في حديثه لـ "الاستقلال": "إن موقف دولة الاحتلال من قطر جاء متسقا وطبيعيا، ضد دولة تعدها عدوا، ولم تقم معها أي علاقات دبلوماسية على مستويات رفيعة". 

وأضاف: "قطر رفضت الانسياق إلى قطار التطبيع، بل قاومته بوسائل متعددة، وهي من رعاة المصالحة الفلسطينية".

وأردف: "فتحت الدوحة مكتبا لحركة المقاومة الإسلامية حماس داخل أراضيها، بعكس ما فعلته دول أخرى في المنطقة، انساقت إلى التطبيع، وإلى معاداة الشعب الفلسطيني". 

واستطرد: "إسرائيل تعلم كل هذا، وقد خططت لاختراق الحصن القطري من خلال كأس العالم، لكن الإستراتيجية القطرية كانت ناجعة".

إذ قطعت ذلك الخط، وعبرته بطريقة لا تدينها ولا تجعلها محط انتقاد عالمي، وفي نفس الوقت نبذت كل مؤسسة أو جهة تابعة للاحتلال، ولم تعرها اهتماما، كما قال.

وشدد على أن "الرياضة الآن، وتحديدا كرة القدم، تجاوزت فكرة أنها مجرد لعبة، إلى أداة خطيرة لاختراق الشعوب والقيم والتقاليد، بل والأديان نفسها".

وأضاف: "كما صمدت قطر في معركة الشذوذ الجنسي، والابتزاز الغربي، صمدت في وجه التطبيع والابتزاز الصهيوني". 

رفض شعبي 

على الصعيد الشعبي جرى تداول مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، في 19 نوفمبر، لمواطن قطري وهو يرفض الحديث مع مراسل تلفزيوني يعمل لصالح القناة "13" العبرية.

كان ذلك الشاب هو القطري محسن بن عمير المري، الذي خرج بعدها ولكن خلال مقطع فيديو سجله بنفسه، ونشره على حسابه بـ "تويتر"، ووضح سبب رفضه الحديث.

وقال: "كانت ردة فعلي رد فعل كل شخص عربي مسلم غيور على دينه وأرضه، ومحافظ على موقفه تجاه القضية الفلسطينية".

وشدد الشاب القطري: "موقفنا كمجتمع عربي وإسلامي ثابت ولن يتغير تجاه قضية فلسطين". 

كما حاول إسرائيلي آخر إجراء مقابلات مع مواطنين عرب، لكنهم صدوه وأكدوا "عدم وجود شي اسمه إسرائيل" وأنه لا يوجد سوى فلسطين.

وظهر شابان لبنانيان أمام أحد ملاعب المونديال، ليقترب منهما مراسل إسرائيلي دون أن يحدد هويته، ويقول لهما "مرحبا ما أخبارك، أنت من لبنان؟" وبعد استفسار الشاب حول جنسية المراسل ليجيبه "أنا من إسرائيل يا أخي".

انسحب الشابان بشكل تلقائي من أمام الكاميرا، واستمر المراسل الإسرائيلي بالتصوير ليقول له أحد الشباب "أنت من إسرائيل.. لا توجد إسرائيل، اسمها فلسطين وليس إسرائيل، إسرائيل غير موجودة".

وتعمدت الجماهير العربية رفع علم فلسطين أمام كاميرات المراسلين الإسرائيليين الذين يبثون من العاصمة القطرية الدوحة.

وتنشط على الأراضي القطرية مؤسسات متنوعة تندد بممارسات الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.

وتوجد حركة "شباب قطر ضد التطبيع"، وهي مجموعة غير رسمية تسعى للتواصل مع الشباب القطري المعارض لأي تطبيع مع الكيان الصهيوني.

كما تعمل المجموعة ضمن أهداف حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة دوليا  بـ (BDS).

وفي 18 نوفمبر 2021، طالبت هذه الحركة مجلس الشورى القطري المنتخب بـ"دعم الموقف الشعبي القطري الثابت في رفض التطبيع".

كما دعت إلى تفعيل القانون القطري الصادر عام 1963، والذي يجرم التعامل التجاري مع الشركات الصهيونية أو تلك المدعومة منها والعمل على تشديد أحكامه.

وفي 5 أبريل/نيسان 2022، أطلقت حركة مقاطعة إسرائيل حملة لمعارضة التطبيع الرياضي مع دولة الاحتلال، ورفعت شعار "الرياضة ليست فوق السياسة، بل ساحة لمقاومة التطبيع".