أردوغان لم يصافحه أبدا.. لماذا ترفض أنقرة الاعتراف بالسيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

طيلة 6 سنوات والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرفض رفضا باتا وقاطعا أي لقاء مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أو حتى مصافحته، بل يكاد أردوغان لا يترك مناسبة إلا ويكيل للسيسي الانتقادات اللاذعة والأوصاف غير الحميدة ناعتا إياه بـ"الانقلابي الظالم".

آخر هجوم لأردوغان على السيسي ونظامه جاء في مؤتمر صحفي، بمدينة أوساكا اليابانية، السبت 29 يونيو/حزيران 2019، على هامش مشاركته في قمة العشرين، حين شدّد الرئيس التركي على ضرورة عدم تغييب قضيتي مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، و"الوفاة المشبوهة" للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي عن الأجندة الدولية.

وحسب وكالة الأناضول التركية، قال أردوغان: "يجب عدم السماح بإزالة جريمة قتل خاشقجي ووفاة الرئيس مرسي المشبوهة من الأجندة الدولية"، لافتا إلى أن مرسي الذي حوكم على مدار 6 أعوام في محاكم الانقلاب، توفي بصورة مشبوهة في قاعة المحكمة في 17 حزيران/ يونيو الجاري.

وأكد أردوغان أن "تصريحات الانقلابيين حول مرسي الذي تُرك للموت هناك دون أي تدخل لمدة نصف ساعة، بعيدة عن إراحة الضمائر" معربا عن تطلعه بأن يدافع زعماء مجموعة العشرين عن الديمقراطية والقيم الإنسانية بصورة أكبر، فيما يخص وفاة مرسي.

الوفاة المشبوهة

الرئيس التركي قال: "دفن مرسي دون إجراء فحص الطب الشرعي، مدعاة للتفكير. من الضروري في مثل هذه الحالات إجراء فحص الطب الشرعي بصورة قطعية، وإلا فإنه من الواضح أن هناك شبهات في هذه القضية".

وشدد على ضرورة قيام المجتمع الدولي وفي طليعته الأمم المتحدة بمحاسبة كافة السياسيين المسؤولين عن هذا الأمر (في إشارة للسيسي). وأشار أردوغان إلى أن إفلات المتورطين في مثل هذه الحوادث من المحاسبة، "يمثل خطرا على مستقبل العالم والديمقراطية والسياسة العالمية أيضا، الأمر الذي أبلغته لنظرائي خلال جلسات القمة".

وأعرب الرئيس التركي عن أسفه لتعامي الكثير من الدول الغربية ومنظمات حقوق الإنسان، عن عقوبات الإعدام الصادرة من محاكم الانقلاب في مصر. وأردف: "من يعتبرون مناقشة عقوبة الإعدام حتى من أجل الانقلابيين في تركيا أمرًا غير مقبول، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها، مع الأسف يلتزمون الصمت حيال عقوبات الإعدام في مصر".

أردوغان ذكّر الحاضرين بقمة أوروبية عربية عقدت في شرم الشيخ 25 شباط/ فبراير الماضي، بعد مضي 5 أيام فقط على إعدام 9 شبان مصريين قائلا: "لقد لبوا (الزعماء الأوروبيون) دعوة ذلك الشخص الجاثم على رأس السلطة في مصر (السيسي) الذي أعدم هؤلاء الشبان، رغم أن عقوبة الإعدام محظورة في دول الاتحاد الأوروبي".

ولفت إلى أنه "جرى تنفيذ عقوبة الإعدام بحق أكثر من 45 شخصا في مصر لحين عقد تلك القمة، وأن مشاركة القادة الأوروبيين فيها، أبرز دليل على ازدواجية المعايير. لم ير القادة الأوروبيون أي غضاضة في مصافحة الانقلابيين خلال هذه القمة".

الرئيس التركي أعرب في ختام كلمته عن ثقته بأن "الإعلام الدولي سيلاحق بكل شجاعة قضية الوفاة المشبوهة لمرسي بحثا عن الحقيقة، كما جرى في جريمة قتل خاشقجي".

انقلاب ناعم

في 28 فبراير/ شباط 1997، وقع آخر الانقلابات العسكرية الناجحة في تركيا، وكان انقلابا "ناعما" اكتفى فيه الجيش بإخراج الدبابات إلى الشوارع بالعاصمة أنقرة ليضطر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان إلى الاستقالة، قبل أن يصل الجيش إلى مقر رئاسة الحكومة، وعرف بانقلاب "المذكرة العسكرية".

وقتها اجتمع مجلس الأمن القومي التركي، الذي يترأسه جنرالات الجيش، وقرر  وقف تجربة أربكان عبر انقلاب "أبيض"، وصف بأنه "انقلاب ما بعد الحداثة" تزعمه الأميرال التركي "سالم درفيس أوغلو".

كانت عملية 28 فبراير/شباط التي تبعت إصدار "المذكرة العسكرية" فترة انتهاك شديد للحريات الدينية في تركيا، فأغلقت المؤسسات الدينية ومدارس الأئمة والخطباء وتم حظر الحجاب في الجامعات.

تم حظر حزب الرفاة الذي يتزعمه أربكان بحكم قضائي وفقا لقانون 1982 بتهمة السعي لتطبيق الشريعة وإقامة النظام الرجعي، وتم إيداع أربكان السجن مع مجموعة من قادة حزبه منهم رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية الحالي وحرمان بعضهم من العمل السياسي لمدة تتراوح من 5 إلى 10سنوات.

حرب باردة

في عام 2001 تم تشكيل حزب "العدالة والتنمية" الذي يعرف في تركيا بـ "Ak Parti" كرد فعل على الانقلاب، وحقق فوزا ساحقا في انتخابات عام 2002، لتبدأ تجربة النهضة الحديثة في تركيا.

فطن الحزب الحاكم الجديد إلى أن أخطر ما يواجهه هو الانقلابات العسكرية، في دولة صعبة المراس شهدت 5 انقلابات عبر تاريخها الحديث، ووأد متكرر للتجارب الديمقراطية.

من هنا كان الرفض القاطع للانقلاب العسكري بمصر في 3 يوليو/ تموز 2013، أمرا محسوما للدولة التركية الحديثة ورئيسها رجب طيب أردوغان، بل إن زعماء المعارضة وكبار الساسة والمفكرين نظروا إلى الانقلاب العسكري في القاهرة نظرة ذات دلالة عابرة للحدث، بل للمعتقد والمبدأ.

منذ انقلاب الجيش في مصر، وصعود عبد الفتاح السيسي، بدأ فصل جديد في العلاقات المصرية التركية، تخطى فصول الرفض، إلى ما يشبه الحرب الباردة، والتراشق الإعلامي، وضرب المصالح الإستراتيجية والاقتصادية، مثل تحالف مصر مع قبرص واليونان، ضد تركيا في قضية غاز البحر الأبيض المتوسط. 

وصولا إلى وفاة الرئيس المصري محمد مرسي في 17 يونيو/ حزيران 2019، حيث شهدت مصر حدثا جللا بوفاة أول رئيس مدني منتخب في تاريخها، الذي وافته المنية أثناء محاكمته الجائرة، ليخرج أردوغان، وسط صمت دولي مستهجن على مستوى القادة ورؤساء الدول، منددا بما حدث لرئيس مصر المنتخب، ومشككا في طريقة وفاته من الأساس.

كلمات حاسمة

عشية موت مرسي، كان أردوغان يلقي كلمة خلال فاعلية بمدينة إسطنبول، وسط حشد جماهيري، وألقى عليهم النبأ المفجع، حيث قال: "التاريخ لن ينسى أبدا الظالمين الذين سجنوا مرسي، حتى استشهد اليوم".

وأكد الرئيس التركي: "عرضت علينا الكثير من العروض حتى نجلس مع هذا الظالم القاتل، الذي قام بقتل الشهيد مرسي، ولكننا لم ولن نقبل أبدا مجرد الحديث معه".

وفي 18 يونيو/ حزيران 2019، بعد أداء صلاة الغائب على الرئيس المصري، في مسجد محمد الفاتح بإسطنبول، خاطب أردوغان الجموع قائلا: "الجبناء يخافون حتى من جثمان مرسي، دفنوه الساعة 5 صباحا لأنهم يخافون من جثمانه الطاهر، ولا أصدق أن وفاة مرسي طبيعية".

وأضاف أردوغان: "لا توجد أي ردود فعل من الدول الغربية حول شهادة الرئيس محمد مرسي، لأنهم لا يعرفون معنى الشهادة، ولا الديمقراطية".

وأكد الرئيس التركي: "السيسي الظالم أقدم على إعدام 50 من الشباب الأبرياء داخل السجون في مصر. يوجد أشخاص في تركيا يشبهون الظالم السيسي، وقالوا لي من قبل عاقبتك ستكون مثل عاقبة مرسي، لكن هؤلاء لا يعرفون شيئا عن قيمة الشهادة".

في 20 يونيو/ حزيران 2019، خاطب أردوغان السلطة في مصر وقضائها بقوله: "فلتستعر الجحيم للقصاص من الظالمين"، وعلق على وفاة مرسي ووصف وفاته بـ"الخاتمة المشرفة".

وقال أردوغان: "بينما كان مرسي يصارع الموت في قاعة المحكمة لمدة 25 دقيقة، لم تطلب الإدارة المصرية الظالمة ولا قضاؤها، الطبيب ولا أي شيء آخر، وانتظروا موته".

وفي اليوم التالي 21 يونيو/ حزيران 2019، في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية في تركيا، في مكتبه بقصر "دولمة بهتشة" في إسطنبول، صرح أردوغان قائلا: "المدعو السيسي ظالم وليس ديمقراطيا، لم يصل إلى الحكم بالطرق الديمقراطية". 

وأردف: "لن نسكت إزاء وفاة رئيس انتخبه الشعب المصري بنسبة 52 في المئة من الأصوات، حتى وإن لزم الصمت أولئك الذين يعملون على تلقيننا دروسا في الحق والقانون والحرية".

وقال: "لن نظل صامتين حيال وفاة مرسي في محكمة انقلابية، كما يصمت أولئك الذين يدعون الحق والقانون والحرية، وسنسعى بكامل طاقتنا لكشف ملابسات وفاة مرسي".

وأضاف أردوغان أن تضييق النظام الانقلابي في مصر على وسائل الإعلام، زاد من الشكوك حول أسباب وكيفية وفاة مرسي. من غير الممكن أن تكون بلاده منعزلة عن التطورات الحاصلة في العديد من المناطق حول العالم خلال الفترة الحالية، على اعتبار موقعها الجغرافي الهام".

أردوغان ومرسي 

شهدت العلاقات بين البلدين عقب انتخاب مرسي في يونيو/حزيران 2012 تطورا سريعا، وملموسا، في فترة وجيزة، حيث وضع الجانبان أسسا للعلاقات الرسمية والاقتصادية القوية بين القاهرة وأنقرة.

لا سيما وأن رجب طيب أردوغان الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، أعلن مع بدايات الثورة المصرية، في خطابه أمام البرلمان التركي 2 فبراير/شباط 2011، دعم بلاده للثورة، ومطالبة الرئيس الأسبق حسني مبارك بالاستجابة لمطالب الشعب برحيله عن الحكم. 

وفي 12 سبتمبر/أيلول 2011، قام أردوغان بزيارة مصر، والتي تعد الأولى له عقب فوزه مجددا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في يونيو/حزيران 2011.

اصطحب أردوغان في زيارته العديد من الوزراء، والمستشارين والدبلوماسيين وما يزيد على 250 من رجال الأعمال والمستثمرين، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

وخلال زيارة أردوغان الأولى لمصر، تم عقد المنتدى الاقتصادي المصري التركي، بمشاركة نحو 500 من رجال الأعمال من كلا البلدين، لبحث التعاون الاقتصادي في كافة المجالات.

وأعرب رئيس الوزراء التركي عن رغبته فى زيادة حجم التبادل التجاري إلى 5 مليارات دولار خلال عامين‏،‏ مؤكدًا ضرورة أن يعمل الطرفان على تحقيق هذا الهدف المنشود من خلال إزالة كل العقبات التي تعترض طريق رجال الأعمال والمستثمرين.

ومنذ انتخاب مرسي في يونيو/حزيران 2012 بدأت العلاقات التركية المصرية بالتطور، وشهدت تحسنًا سريعًا في فترة وجيزة لم تتجاوز العام الواحد حيث وضع الجانبان أٌسسا للعلاقات الرسمية والاقتصادية لتكون لبنة أساس يبنى عليه عهد جديد من العلاقات الرسمية وغير الرسمية.

وأجرى الرئيس الراحل في سبتمبر/أيلول 2012 زيارة إلى تركيا والتقى أردوغان في أنقرة.

وكبادرة حسن نية من تركيا، دعمت الاقتصاد المصري بـ 2 مليار دولار، كما زار أردوغان مصر للمرة الثانية في نوفمبر/تشرين ثاني 2012 بصحبة عدد من رجال الأعمال الأتراك بهدف فتح أبواب الاستثمار التركي في مصر وتعزيز الاقتصاد المصري.

والتقى، خلال الزيارة، مرسي وألقى كلمة تاريخية بجامعة القاهرة العريقة دشنت مرحلة جديدة من التعاون الإستراتيجي بين الجانبين وتم توقيع 27 اتفاقية في العديد من المجالات.

اشتباك مستمر 

بعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو/ تموز 2016، وفي أول مقابلة تلفزيونية رسمية أجراها الرئيس التركي مع قناة الجزيرة، قال: "السيسي رجل انقلابي قام بالانقلاب بقوة السلاح على الرئيس المنتخب مرسي، كان وزيراً للدفاع وانقلب على مرسي، والسيسي ليست له أية علاقة بالديمقراطية من قريب أو بعيد".

وفي 23 فبراير/ شباط 2019، قال أردوغان في لقائه التليفزيوني، مع قناة CNN TURK: "السيسي منذ تسلمه السلطة أعدم حتى الآن 42 شخصاً كان آخرهم 9 شباب، وهذا أمر لا يمكن قبوله، جوابي لمن يسأل لماذا لا تقابل السيسي، أنا لا أقابل شخصا كهذا على الإطلاق".

ومن هنا فإن سؤال الموقف التركي من الانقلاب في مصر، يضرب بجذوره في أعماق التأزم بين النظامين، ويبدو المشاهد أقرب إلى استعادة الأصل دائما لكل أحقاب تاريخ الجمهورية التركية الحديث في السرديات الكبرى المتعلقة بالانقلابات العسكرية، وسقوط الحكومات على يد نخبة الجيش الضاربة. 

لذلك فإن موقف أنقرة مع انقلاب مصر، ومع عبد الفتاح السيسي جاء شرسا، وغير مهادن أو متوائم، فربما رأى الأتراك في جنرال مصر، صورة قديمة لبعض جنرالات الجيش التركي الانقلابيين مثل جمال جورسيل، وكنعان إيفرين.