مصلحتي أولا.. ألمانيا تشعل صراعات عميقة بين دول الاتحاد الأوروبي

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تتصاعد التوترات على خط برلين- باريس في وقت حرج يتعين فيه على أوروبا أن تقف جنبا إلى جنب لمواجهة هذه التحديات للتغلب على أزمة الطاقة والاقتصادية الحالية. 

ويقول مركز أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية "أنكاسام" في مقال للكاتبة التركية "أوزلام دينيز كهرمان": يلاحظ أن الخلافات بين المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تتزايد يوما بعد يوم. 

بداية النهاية

وفي الوقت الحالي، يختلف البلدان بشأن مجموعة واسعة بشكل غير عادي من القضايا المهمة، من الطاقة إلى الدفاع إلى التجارة الدولية.

حتى إن صحيفة فرنسية نشرت عنوانا رئيسا "الحرب بين ألمانيا وفرنسا يمكن أن تحدث مرة أخرى". 

وأضافت كهرمان: على الرغم من أن الوضع ليس مظلما للغاية، فمن الممكن القول إن كلا الجانبين يتخذ موقفا من الآخر.

ويمكن الإشارة إلى رفض فرنسا لمشروع خط أنابيب "ميد كات" (لنقل الغاز في أوروبا) والذي تقوده ألمانيا بصفته أول خلاف خطير بين الطرفين.

فالمشروع، الذي قدمته ألمانيا عام 2003 وكاد أن يجرى التخلي عنه عام 2019، ظهر في المقدمة مرة أخرى بسبب أزمة الطاقة التي سببتها حرب أوكرانيا.

ومع ذلك، عارضت باريس مرة أخرى مشروع "ميد كات"، مشيرة إلى ارتفاع التكاليف وعملية البناء الطويلة والأضرار البيئية.

ولكن في الواقع، يشعر ماكرون بالقلق من فقدان مكانة فرنسا التجارية المتميزة في إمدادات الطاقة. 

وأضافت الكاتبة: في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت إسبانيا وفرنسا والبرتغال عن مشروع خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي سيجري تطويره معا.

باختصار، جرى الآن وضع مشروع "ميد كات" على الرف للأبد. وأردفت: في الماضي، طرحت إدارة باريس عددا من المبادرات التي يمكن أن تقودها لإنشاء أوروبا تتمتع بالحكم الذاتي. 

عقدت القمة الأولى للجماعة السياسية الأوروبية، واحدة منها، في 6 أكتوبر 2022 في براغ، عاصمة جمهورية التشيك. كما حضر الاجتماع مستشار ألمانيا. 

وعلى الرغم من أن هذا يبدو علامة إيجابية، لم يحدث تطور كبير في العلاقات الثنائية؛ بل على العكس من ذلك، استمرت الحالة في التدهور، بحسب تقييم الكاتبة التركية.

احتكار الدعم

واستدركت كهرمان: إذا نظرنا إلى المناقشات داخل الاتحاد الأوروبي، فإن فرنسا تريد تطبيق حد أقصى على أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية، لكن الحكومة الألمانية قبلت ذلك بعد فوات الأوان وذكرت أن لديها العديد من الشروط.

كما تعرضت ألمانيا لانتقادات لموافقتها على حزمة مساعدات بقيمة 200 مليار يورو تهدف إلى دعم الشركات الألمانية وعائلاتهم مع عرقلة خطوات لجمع المزيد من الأموال ودعم الدول الأوروبية التي تواجه صعوبات مالية.

بالإضافة إلى ذلك، جرى تأجيل اجتماع مجلس الوزراء في البلدين، الذي يعقد مرة واحدة في السنة، إلى بداية عام 2023. 

وأشارت الكاتبة إلى أنه "على الرغم من محاولة التقليل من شأن إلغاء هذا الاجتماع، فإن تأجيل المفاوضات المذكورة أعلاه التي عقدت منذ عام 1963 يكشف عن خطورة المشاكل في علاقات البلدين". 

وأضافت: التقى ماكرون وشولتز في باريس في 26 أكتوبر 2022 للتعويض عن هذا الاجتماع. ومع ذلك، لم يعقد الاثنان مؤتمرا صحفيا على سبيل المجاملة بعدها. وهكذا أظهرت حكومة باريس موقفها البعيد تجاه ألمانيا".

في 13 أكتوبر 2022، توصل 14 عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفنلندا إلى اتفاق لتطوير نظام دفاع جوي وصاروخي مشترك. ومع ذلك، قالت فرنسا إنها لا تريد المشاركة في هذه المبادرة.

وتشمل أسباب عدم المشاركة الرغبة في الترويج لتكنولوجيتها العسكرية الخاصة والاعتماد على رادعها النووي، وعدم رغبتها في شراء أنظمة أميركية أو إسرائيلية لأنها تركز على برامج التسلح الأوروبية، والخوف من استبعاد النظام الفرنسي الإيطالي "مامبا".

ومع ذلك، عندما ننظر إلى ماضي أوروبا، فإن التمكين العسكري الألماني يزعج بعض البلدان، وخاصة فرنسا. لذلك ليس من المستغرب أن باريس لم تشارك في تشكيل عسكري بقيادة ألمانيا.

كما هو معروف، في 26 أكتوبر 2022، منحت ألمانيا إذنا لشركة صينية لشراء أسهم في محطة في ميناء هامبورغ، وهو مركز تجاري مهم للغاية لأوروبا.

وكان هذا مستهجنا من قبل السياسيين في ألمانيا وفي جميع أنحاء أوروبا، وفق الكاتبة التركية.

زعزعة الوحدة

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أيضا، زار شولتز بكين للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأراد ماكرون تنفيذ الزيارة معه، لكن هذه الفكرة رفضها المستشار الألماني. 

وقد أدت هذه الخطوة أيضا إلى زيادة التوتر، لأنه كانت هناك انتقادات بأن شولتز يريد أن يتصرف بشكل مستقل عن أوروبا من تلقاء نفسه. 

وعلاوة على ذلك، ضم شولتز خلال زيارته رجال أعمال ألمانيين إلى وفده ووجه رسالة إلى العالم مفادها أنه سيطور التعاون الاقتصادي مع الصين، وقد أثار هذا القلق في أوروبا.

ولفتت الكاتبة النظر إلى أن "كلا من ألمانيا وفرنسا عاملان أساسيان في ضمان استقرار أوروبا سياسيا، لكن الاختلافات في الرأي تشكل خطرا على التعاون في الاتحاد الأوروبي". 

وأضافت: أكد شولتز في البداية أنه يريد العمل مع ماكرون من أجل أوروبا قوية، لكن هذه الإرادة تتذبذب يوما بعد يوم.

وفي هذا السياق، أشار الرئيس الفرنسي إلى الماضي في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل، قائلا إنه ليس من الجيد لألمانيا أن تعزل نفسها عن أوروبا.  

وذكرت صحيفة ألمانية أن شخصا واحدا فقط سيفوز في الصراع الفرنسي الألماني، وأنه سيكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فهو حذر الأطراف من أنه يريد "تقسيم الاتحاد الأوروبي قدر الإمكان بحربه ضد أوكرانيا"، وفق ما نقلت الكاتبة. 

وختمت مقالها قائلة: يجد البلدان صعوبة في الاتفاق مع بعضهما البعض في سياق الاتحاد الأوروبي وأوروبا القارية، ففرنسا لا تحب القرارات التي اتخذتها ألمانيا. 

لذلك، فإن السبب الحقيقي وراء الضرر الذي لحق بالعلاقات بين الطرفين هو أن برلين تريد التصرف بحرية من خلال رفض قصر سياستها الخارجية على أوروبا القارية ويثير اعتراض باريس على موقف الشريك الأصغر. 

وإذا استمرت الخلافات حول الخط الفرنسي الألماني، فمن المتوقع أن تتضرر روح الوحدة داخل الاتحاد الأوروبي بشكل خطير، بحسب تقييم الكاتبة.