شراكة جديدة.. لماذا يقوي نظام الأسد علاقاته مع حكومة مودي بالهند؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يستغل النظام السوري محاولات الهند تقوية علاقاتها الدبلوماسية أكثر مع دول غرب آسيا، في تحقيق مكاسب اقتصادية وخدمية أكبر له في الوقت الراهن.

وينطلق نظام بشار الأسد في إعادة تمتين العلاقة مع نيودلهي من المواقف المشتركة لهما في قضايا تحكمها الأيديولوجيا السياسية التي يلتقي عندها الطرفان.

شراكة جديدة

ومن أجل ذلك، سافر وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، إلى الهند، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 والتقى سوبرامانيام جاشيانكار وزير خارجيتها، وجاغديب دانخار نائب الرئيس الهندي.

وخلال لقاء المقداد مع جاشيانكار، وجه دعوة للشركات الهندية للاستثمار في الاقتصاد السوري، والمساهمة بإعادة الإعمار.

من جانبه أكد جاشيانكار، على مواصلة الهند جهود تقديم المساعدات الإنسانية كالأدوية والأطراف الصناعية وزيادة المنح التعليمية والتدريبية وبناء القدرات السورية.

ومضى وزير الخارجية الهندي يقول: "إن بلاده مستعدة للتعاون مع سوريا لزيادة حجم التجارة البينية".

وتهدف الزيارة وفق وكالة إعلام النظام السوري "سانا"، إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الهند، من خلال الدعم السياسي لسوريا في المحافل الدولية.

من جهتها، أوضحت وكالة الأنباء الهندية أن الجانبين حددا مجالات التعاون الثنائي الرئيسة، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والأدوية والأسمدة، والطيران المدني والتدريب المهني.

كما جرى تقديم 200 منحة دراسية للطلاب السوريين في إطار المرحلة الثالثة من برنامج الدراسة في الهند خلال 2022، بعدما استفاد ألف طالب سوري من مناطق النظام من المرحلتين الأوليين.

وقدمت الهند خطوط ائتمان بقيمة 280 مليون دولار أميركي إلى سوريا لبناء محطة للطاقة ومصنع للصلب في البلاد، وفق ما قال المقداد في لقاء مع تلفزيون "WION" الهندي في 21 نوفمبر.

وفي مقالة لوزير خارجية الأسد فيصل مقداد نشرها في صحيفة "هندوستان تايمز" بتاريخ 18 نوفمبر 2022، قال: "كلا البلدين علماني وموجه نحو التنمية ويتجهان نحو مستقبل مشترك قائم على احترام القانون الدولي والالتزام بميثاق الأمم المتحدة وتعزيز التعاون الدولي ودعم نظام عالمي عادل، إذ تتمتع جميع الدول بسيادتها واستقلالها".

ومضى المقداد يقول: "إن سوريا تدعم الهند بقوة في مختلف المنظمات الدولية، وتتطلع إلى دور هندي أكثر فاعلية على المستوى الدولي للدفاع عن مبادئ العدالة والقانون، ومنع محاولات الهيمنة التي تمارسها بعض الدول في العديد من المناطق حول العالم".

وزاد بالقول: "مع بدء عملية إعادة بناء سوريا، فإن مشاركة الشركات الهندية موضع ترحيب كبير وسيجري تسهيلها بسوريا".

وسبق أن أجرى رئيس النظام بشار الأسد زيارة واحدة للهند في عام 2008، أي بعد ثماني سنوات من توليه الحكم وراثة عن أبيه حافظ الرئيس السابق عقب وفاته.

وجرى فتح آفاق جديدة للتعاون المتبادل، قبل أن ترد رئيسة الهند آنذاك براتيبا ديفيسينج باتيل بزيارة دمشق عام 2010.

كما أسهمت زيارة وزير خارجية النظام السابق وليد المعلم في يناير/كانون الثاني 2016، إلى نيودلهي، في تعزيز العلاقات في قطاع الكهرباء والنفط والزراعة والتعاون الفني والأكاديمي.

دعم هندي

وخلال السنوات الماضية أبقت الهند حبل العلاقات مع النظام السوري ممدودا، ومتنته عبر إدخال نيودلهي النظام في اتفاقيات دولية، ومنها ضم سوريا إلى "الاتفاق الإطاري لإنشاء التحالف الدولي للطاقة الشمسية".

وأصدر رئيس النظام بشار الأسد، في 7 يوليو/تموز 2022 قانونا صدق بموجبه على الانضمام للتحالف المذكور، وهو تنظيم حكومي دولي تقوده الهند، جرى الإعلان عنه لأول مرة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في باريس 2015.

ولم تقطع الهند علاقاتها مع نظام الأسد عقب اندلاع الثورة عام 2011. فمنذ ذلك الحين حافظ الجانبان على التمثيل الدبلوماسي وبعض المشاريع الاقتصادية التي لم تكتمل بسبب العقوبات الغربية الناجمة عن قمع النظام للسوريين.

وبما أن الهند تميل إلى تقديم نفسها بوصفها دولة ذات نفوذ في المجال الدولي، فإن النظام السوري الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومحاصر بالعقوبات الغربية، يجد ثغرة في التقارب أكثر مع نيودلهي الساعية لفتح ذراعيها أكثر على مزيد من الدول.

ويأمل النظام السوري أن تنخرط الهند داخل سوريا بمشاريع تتعلق بالمجالات التقنية العالية والصحية والثقافية والعلمية والفنية.

وكانت الهند على رأس الدول التي قدمت مساعدات للنظام السوري لمواجهة جائحة كوفيد 19، إلى جانب الصين والإمارات.

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2022، افتتحت الهند المعسكر الثاني لتركيب الأطراف الصناعية في العاصمة دمشق، والذي يستهدف أكثر من 500 شخص بحاجة لتركيب الأطراف ليمارسوا حياتهم بشكل طبيعي.

كما أن العامل الأيديولوجي المتمثل بتبني الفكر العلماني الذي يجمع نظام الأسد بالهند يكاد يكون الحامل الرئيس للعلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، وهذا ما أشار إليه المقداد في مقاله الصحفي.

ويطمح النظام للاستفادة من هذا الأمر وخاصة أن هناك توقعات أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد بحلول عام 2027.

ووفقا لخبراء اقتصاديين فإن الهند بحاجة إلى سياسة حقيقية لترويج صادراتها من السلع والخدمات وتوسيعها إلى دول جديدة.

وتشتهر الهند بصادراتها من المنتجات البترولية والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة والمجوهرات والمعادن والأغذية والمنسوجات.

تسهيلات لنيودلهي

يبدو أن نظام الأسد يسعى لتقديم المحفزات الخاصة والإعفاءات الضريبية المميزة للهند، خاصة بعدما نجح في دعوة 30 شركة هندية خاصة لمعرض دمشق الدولي عام 2018، وحينها كان لنيودلهي أكبر جناح في المعرض.

ومن بين المشاركين في المعرض شركات عملاقة في أعمال البناء والهندسة المعمارية الهندية مثل "بي إس يو"، و"أو إن جي سي"، و"بي إتش إي إل".

وجاء ذلك نتيجة وجود أرضية خصبة للشركات الهندية، التي لم تغب عن سوريا، خاصة بعد عام 2011، رغم تعرض نظام الأسد لعقوبات دولية.

إذ نجحت حكومة الأسد في عقد شراكة مع شركة "أبولو إنترناشيونال ليمتد" الهندية في مايو/أيار 2015، لبدء تطوير "معمل صهر الخردة الحديدية" في محافظة حماة السورية.

وحينها قدمت نيودلهي لحكومة الأسد قرضا ماليا بقيمة 31 مليون دولار أميركي، لتوريد كامل الآليات والتجهيزات لتأهيل معمل صهر الخردة الحديدية بحماة، ولا سيما أن صناعة الحديد والفولاذ من الصناعات الإستراتيجية في سوريا.

كما عملت شركة "بهارات" الهندية في مارس/آذار 2016 على توسيع محطة تشرين الحرارية لتوليد الكهرباء الواقعة جنوب شرق دمشق.

وكان النظام دعا كذلك نهاية عام 2016 الهند للاستثمار في قطاع الغاز والنفط، إضافة إلى مساعدة سوريا في بناء قدراتها لتوليد الطاقة.

في ظل تلك الخلفية، يجتهد نظام الأسد لتوسيع حظوظ الشراكة الإستراتيجية والاقتصادية مع الدول التي رفضت مقاطعته، ولم تتبن "فكرة الثورة"، في المجالات الخدمية واللوجستية، خاصة مع دول أمثال الهند الطامحة لدخول مجلس الأمن كعضو دائم العضوية.

 

وتحاول حكومة الأسد حاليا إعادة تدوير بعض المصانع وتأهيل الكثير من المنشآت الوطنية التي دمرت بفعل القصف، وذلك من خلال الاستعانة بدول لديها إمكانيات تكنولوجية هائلة مثل الهند يمكن أن تمده بالاحتياجات المطلوبة.

وينطلق التقارب بين النظام السوري والهند من كونهما عضوين في حركة عدم الانحياز، ويعملان بجميع المحافل الدولية بأفكار ورؤى متقاربة.

في السنوات الأخيرة، تبنى نظام الأسد عقب العقوبات الغربية عليه وخنقه اقتصاديا، "سياسة التوجه نحو الشرق" التي سيعطي فيها الأولوية للدول الصديقة له.

عوامل محركة

ومن هنا فإن الهند تشكل أولوية للنظام السوري خاصة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار والاقتصاد.

ولا سيما مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تسعى موسكو إلى توسيع دائرة حلفائها، وربما يتأتى ذلك عبر البوابة الخلفية وهي سوريا، إذ يمكن لنظام الأسد لعب دور في تمتين علاقاته مع دول محايدة كالهند.

وضمن هذه الجزئية حدد الباحث السوري مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، لـ "الاستقلال"، جملة عوامل تقف وراء تطوير الهند علاقاتها مع النظام السوري.

وقال الكريم: "إن العلاقة بين النظام والهند فيها نوع من المحاباة غير المباشرة لروسيا حليفة الأسد، والتي تمد نيودلهي بالنفط بأسعار تفضيلية".

مما يعني أنها رسالة من نيودلهي لموسكو، بأنها داعمة لها على اعتبار أن الملف السوري حساس لروسيا وهو الباب الخلفي الذي يمكن أن يظهر قوتها.

والنقطة الثانية، وفق الكريم: "هي محاولة من الهند أخذ حيز من الملف السوري على اعتبار أن الصين غير راغبة بالدخول اقتصاديا بسوريا نتيجة تعقيدات العقوبات الدولية.

والنقطة الثالثة: "هي محاولة دخول الهند بقضايا الشرق الأوسط من البوابة السورية على اعتبار أن سوريا مهمة جدا لكل من الخليج العربي وروسيا وإيران والعراق".

وأردف قائلا: "وبالتالي هي فرصة لنيودلهي للدخول إلى الملف الشرق أوسطي من البوابة الوسيعة سوريا"، وفق الباحث.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام السوري والهند عدا عن نظرة كل منهما إلى الآخر كدولة تجسد "الفكر العلماني في محيطها"، فإنهما على مدى عقود تجمعهما روابط إستراتيجية مع روسيا تحت عنوان "مواجهة النفوذ الغربي" بمنطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

وذهب الكريم للقول: "الهدف الخفي للهند هو الدخول في تفاوض ما بين إيران والخليج العربي من جهة، وما بين روسيا والاتحاد الأوروبي عبر لعب دور أكبر وفهم الهند التعقيدات السورية بشكل أكبر على اعتبار وجود فصيل مقاتل من التركمانستان في مناطق المعارضة السورية والذين يعدون ورقة ضغط على الصين وعلى الهند بشكل غير مباشر".

وهناك مقاتلون من تركمانستان إحدى دول وسط آسيا يقاتلون في سوريا، ويخشى من تأثير هؤلاء على استقرار دولتهم في حال عودتهم إليها، ولا سيما أن الهند ترتبط بمشروع نقل الغاز إليها من تلك الدولة.

وختم الكريم بالقول: "الهند تطمح إلى مكافحة المد الإسلامي أيا كان مصدره، على اعتبار أن سياساتها الممثلة برئيس الوزراء ناريندرا مودي، تهدف إلى محاربة المد الإسلامي".

ولا يلقي نظام الأسد بالا لإدلاء مسؤولين بحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم في الهند، مطلع يونيو/حزيران 2022، بتصريحات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي أثارت موجة من الإدانات في الداخل الهندي والعالم العربي والإسلامي.

وبالمحصلة، فإن امتناع الهند عن بيع السلاح لنظام بشار الأسد رغم إرساله لبثينة شعبان مستشارة الأسد في السنوات الأولى من الثورة إلى نيودلهي، لم يفسد كما يقال "للود قضية" بينهما.

ومع توقع نمو اقتصاد الهند في العقد المقبل، فإن جزءا من إستراتيجية نظام الأسد الأوسع هي الاتجاه نحو آسيا للمساهمة بتأهيل بنيته التحتية المدمرة، وأن يحظى بداعم جديد كالهند أمام مرأى ومسمع العالم الرافض لتأهيله من جديد.