الهجمات تتوالى.. هل يدفع النظام الإيراني المحتجين إلى ثورة مسلحة؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في تطور لافت للاحتجاجات الشعبية العارمة التي تشهدها إيران، تصاعدت أعمال القتل بحق عناصر وقيادات من الحرس الثوري والأجهزة الأمنية الإيرانية، كان آخرها مقتل رئيس استخبارات الحرس الثوري العقيد نادر بيرامي.

وأفادت وكالة "مهر" الإيرانية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بأن "المدافع عن الأمن العقيد نادر بيرامي قتل في هجوم بالأسلحة البيضاء، في مدينة صحنه بمحافظة كرمانشاه على يد مثيري الشغب والبلطجية، وجرى اعتقالهم على الفور من الأجهزة الأمنية وتسليمهم إلى العدالة".

هجمات متوالية

مقتل العقيد بيرامي، سبقه بيوم واحد مصرع تسعة من أفراد قوات الأمن، والتعبئة الشعبية (الباسيج) وحرس الحدود خلال اشتباكات وإطلاق نار وعمليات طعن، في مدن عدة تشهد احتجاجات مناهضة للنظام، حسبما أوردت وسائل إعلام إيرانية رسمية.

وفي 19 نوفمبر، نددت طهران بـ"صمت" المجتمع الدولي إزاء هجمات دامية شهدتها عدة مدن إيرانية، وصفتها الحكومة بأنها أعمال "إرهابية"، واتهمت قوات خارجية بالوقوف وراء حركة الاحتجاج في محاولة لزعزعة استقرار البلاد.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان نشرته وكالة أنباء "إرنا" الرسمية إن "الشعب الإيراني والمجتمع الدولي شهدا في الأيام الأخيرة أعمالا إجرامية من قبل مجموعة من الإرهابيين لا تعرف الرحمة ضد المواطنين الأبرياء والمدافعين عن أمن إيران في مدينة إيذه".

وأضافت الوزارة أن "الصمت المتعمد للمروجين الأجانب للفوضى والعنف في إيران، في مواجهة العمليات الإرهابية… لا نتيجة له سوى تشجيع الإرهابيين وتعزيز الإرهاب في العالم".

واتهم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، "إسرائيل" وأجهزة استخبارات غربية، خلال تغريدة له على "تويتر" في 17 نوفمبر، بالتخطيط لتقسيم إيران وإشعال فتيل حرب أهلية فيها، مشيرا إلى أن الإيرانيين لن يخدعوا بمثل هذه الخطط.

وقبل ذلك، صرح قائد الحرس الثوري في إيران اللواء حسين سلامي، في 17 نوفمبر بأن بلاده "تشهد مؤامرة كبيرة ضد شعبها، يتصدرها مخدوعون أصبحوا صدى للأعداء في الداخل من أجل إثارة الفتن".

وأضاف سلامي أن "أعداء إيران توجهوا اليوم نحو حرب الشهداء"، مشيرا إلى أن "كل شياطين العالم اجتمعت ضد إيران، وهي أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والكيان الصهيوني والسعودية وغيرهم".

وأعلنت وسائل إعلام إيرانية مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين، في 16 نوفمبر، خلال "هجوم إرهابي" شنه مسلحون مجهولون في السوق المركزي في مدينة إيذه في خوزستان غربي إيران.

وقالت وكالة "إسنا" الإيرانية، إن "مجموعة إرهابيين اقتحمت السوق وأطلقت النار على الناس وعناصر الباسيج التابعة للحرس الثوري الموجودين في المكان".

وفي 26 أكتوبر، قتل 20 شخصا على الأقل، خلال هجوم تبناه تنظيم الدولة، على المزار الشيعي "شاه شيراغ"، في مدينة شيراز جنوب غربي إيران، لكن الهجوم شككت فيه وسائل إعلام إيرانية موالية ومعارضة بوقوف التنظيم وراءه.

ومنذ 16 سبتمبر/ أيلول 2022، تشهد إيران احتجاجات واسعة تنديدا بمقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني (22 عاما)، عقب احتجازها من قبل ما يعرف بـ"شرطة الآداب" بدعوى "ارتداء الحجاب بشكل غير لائق".

"شيطنة الاحتجاجات"

وبخصوص أسباب تصاعد الهجمات ضد العناصر الأمنية مع استمرار الاحتجاجات الشعبية، قال الباحث بالشأن الإيراني حامد العبيدي، إن "مقتل عدد من رجال الأمن وشخصية قيادية بحجم رئيس استخبارات الحرس الثوري لا يخل من شكوك حول الموضوع، لأن إيران دولة بوليسية ومن الصعوبة بمكان حصول مثل هذه الحوادث".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "رجال الأمن في إيران يرتدون زيا مدنيا وينتشرون بين المواطنين بشكل مكثف، لذلك لا تكاد ترى رجل أمن بزي رجال الأمن في شوارع المدن الإيرانية، لهذا فإن قتل شخصية بحجم العقيد بيرامي، ربما يكون بتواطؤ من النظام نفسه".

وبين الحامد أن "النظام الإيراني اتهم من أسماهم (مثيري الشغب) بقتل العقيد بيرامي، فهو يسعى بذلك إلى شيطنة المحتجين من خلال اتهامهم بقتل رجال الأمن وشخصيات كبيرة في الحرس الثوري، يعني أنه يبرر عمليات القتل والقمع التي تطال الاحتجاجات بحجة الإرهاب، كما حصل مع الثورة السورية".

وأعرب الباحث العراقي عن اعتقاده بأن "الأجهزة الأمنية المتعددة داخل النظام الإيراني بينها صراعات كبيرة، لذلك من غير المستبعد أن تكون عمليات القتل هذه التي تطال قادة أمنيين وعسكريين قد تكون واحدة من أوجه هذا الصراع، والتي تتخذ من الاضطرابات غطاء لها".

وأشار الحامد إلى أن "النظام الإيراني لا يتوانى عن إيجاد مثل سيناريوهات القتل هذه للحيلولة دون سقوطه، فهو على استعداد لقتل قادة وعناصر في الأجهزة الأمنية من أجل تشويه صورة الاحتجاجات التي لا تزال تحافظ على سلميتها منذ انطلاقها في سبتمبر 2022".

من جهته، رأى المحلل السياسي السوري أحمد كامل خلال مقابلة تلفزيونية في 9 نوفمبر أن "الحل الوحيد الممكن لإسقاط النظام هو تفكك الدولة الإيرانية، لأن المظاهرات السلمية، وكذلك العمل العسكري الفردي لن يسقط النظام، ولكن الرهان على الانشقاقات العمودية بانحياز أجزاء من الدولة، كل منهم إلى قوميته".

وأوضح أن "إيران تضم العديد من الأعراق والقوميات، وبالتالي إذا استمر القمع سينحاز البلوشي في الحرس الثوري إلى قوميته وكذا الكردي والتركماني والأذري والعربي، وبالتالي تحدث انشطارات عمودية في الدولة"، متوقعا أن "تشهد الدولة الإيرانية تفككا خلال المرحلة المقبلة إذا تحولت الاحتجاجات إلى ثورة مسلحة".

مصير الثورة

وفيما يخص مصير الاحتجاجات التي تشهدها إيران، كتب الكاتب الأحوازي يوسف عزيزي أن "هناك قانونا للثورات يقول إن كل انتفاضة يمكن أن تدخل طور الثورة إذا توفر فيها شرطان، الأول إذ لم يطق الشعب الاستمرار على منوال حياته الروتينية من جانب، والثاني إذ لم تستطع السلطة الحاكمة استمرار حكمها عليه كما كان في السابق".

وأوضح أن "ما نشهده حاليا في إيران هو أن الجماهير الغاضبة لم تطق بعد حكم الملالي عليهم، غير أن الشرط الثاني لم يتحقق بعد بالكامل، أي أن السلطة لا تزال تستطيع أن تحكم ولو بصعوبة، ومع ذلك يمكننا القول إن الانتفاضة المندلعة منذ شهرين ولجت فيما يعرف بـ(الظروف الثورية) لكنها لم تبلغ (الوضع الثوري) بعد".

واستبعد عزيزي خلال مقال نشرته صحيفة "إندبندنت عربية" في 13 نوفمبر،  أن "يتمكن النظام من القضاء على هذه الثورة، لكنه حتى لو استطاع ذلك فسيكون الأمر مؤقتا، وستندلع بعد فترة قصيرة وبوتيرة أكبر لأسباب تعود للعمق الثقافي للثورة ورسوخها في ضمائر معظم الإيرانيين".

ولفت الكاتب إلى أن "الصراع بين الجزء التحديثي من المجتمع الإيراني ضد الجزء التقليدي منه على أشده هذه الأيام، ويبدو أن الوقت قد حان لينتصر الأول على الآخر بعد صراع طويل، ويمكن تلخيص أسباب الثورة في ثلاثة أسباب، التمييز الجنسي والاضطهاد القومي والأوضاع الاقتصادية المتفاقمة".

وأشار عزيزي إلى أنه "رغم الدور البارز للمرأة الإيرانية وتضحياتها، وكذلك حضور الطبقات الوسطى والمسحوقة خلال الاحتجاجات والتظاهرات الراهنة، غير أن ثمة حاجة إلى مشاركة جماهيرية أوسع والتحاق شعوب لم تلتحق بعد".

ومضى يقول: "وكذلك هناك حاجة إلى أساليب مختلفة للنضال ضد الحكم القائم في إيران بما فيه الإضرابات العمالية، خصوصا عمال شركة النفط، كما ستساعد الانشقاقات بصفوف الطبقة الحاكمة، لا سيما القوات المسلحة، في تقدم معسكر الثورة على حساب السلطة الاستبدادية".

وأفادت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، خلال بيان لها في 18 نوفمبر بأن عدد قتلى احتجاجات إيران ارتفع إلى 342 قتيلا بينهم 43 طفلا و26 امرأة.

وفي 17 نوفمبر قالت وكالة أنباء "ميزان" التابعة للسلطة القضائية في إيران، إن 5 أشخاص اعتقلوا خلال الاحتجاجات، حكم عليهم بالإعدام.

فيما قالت منظمة العفو الدولية على "تويتر" إن السلطات الإيرانية تسعى إلى توقيع عقوبة الإعدام على 21 شخصا على الأقل "في محاكمات صورية يراد بها ترهيب المشاركين في الانتفاضة الشعبية التي هزت إيران منذ سبتمبر، وردع الآخرين عن الانضمام إلى الحراك".