معهد أميركي: تسلم الإمارات 20 طائرة مسيرة تركية قد يهدد مصالح أنقرة

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

استعرض معهد "ذا أتلانتك كاونسل" (المجلس الأطلسي) الأميركي، تسليم تركيا 20 طائرة مسيرة من نوع "بيرقدار تي بي 2" إلى الإمارات، محاولا إبراز كيفية انتقال العلاقات من التوتر إلى هذا المستوى من التعاون.

وجاء في المقال الذي كتبه أستاذ العلوم السياسية علي باكير، أنه في مارس/آذار 2021، عقد مجلس "توازن" الإماراتي وشركة "بايكار" التركية، المصنعة لمسيرات "بيرقدار" الشهيرة، مناقشات بشأن سبل التعاون بين الجانبين.

استمرت المحادثات بضعة أشهر، قبل أن تقدم الإمارات عرضا مغريا بقيمة ملياري دولار، يتضمن شراء 120 مسيرة تركية من طراز "بيرقدار"، وذخيرة، ووحدات قيادة، وتحكما، وتدريبا.

وفي 21 سبتمبر/أيلول 2022، أكد مسؤول تركي كبير لوكالة رويترز البريطانية أن بلاده سلمت 20 مسيرة إلى الإمارات، وأن الأخيرة تسعى بالفعل للحصول على المزيد.

تطور مفاجئ

ووفق الكاتب، وجد العديد من المراقبين هذا التطور على المستويين الدفاعي والعسكري مفاجئا للغاية؛ لسببين رئيسين:

السبب الأول: أن خطوط إنتاج مسيرات "بيرقدار" مشغولة بالكامل، بعد أن بلغت سعتها القصوى مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022. 

فوفق الرئيس التنفيذي لشركة بايكار خلوق بيرقدار، فإن خط صناعة المسيرات محجوز بشكل تام لمدة ثلاث سنوات.

ويضيف المقال أنه بالرغم من أن تركيا تعمل على زيادة طاقتها الإنتاجية، وسط الطلب الدولي المتزايد على مسيراتها، فلا يوجد مجال في الوقت الحالي للتلبية السريعة للاحتياجات المفاجئة وغير المجدولة.

أما السبب الثاني وفق المقال: فهو السياسة الخارجية الهجومية التي تتبعها أبوظبي، وتجربتها مع الطائرات المسيرة الصينية من طراز "وينج لونج"، والتي قدمتها الإمارات للجنرال الليبي خليفة حفتر، لاستخدامها ضد حكومة طرابلس، المدعومة من تركيا، عام 2019.

وفي هذا السياق، من الممكن أن تستخدم أبو ظبي الطائرات المسيرة التركية بطريقة تتعارض مع مصالح أنقرة الإقليمية، أو حتى تمررها إلى أطراف ثالثة يمكن أن تهدد المصالح التركية.

ويؤكد المقال أن حقيقة تسليم تركيا 20 طائرة للدولة الخليجية، برغم التوتر الذي يكتنف الساحة الليبية، يعني أن أنقرة تولي أهمية كبيرة للعرض الإماراتي، وأن الطرفين قد عالجا المخاوف المتعلقة بطبيعة استخدام المسيرات التركية.

ويعتقد "باكير" أن "الأتراك لم يرغبوا في خسارة الصفقة، لكنهم أيضا لم يقدموا كل ما طلبته الإمارات، وهذه الإستراتيجية من شأنها أن تجعل المحادثات الدفاعية بين الجانبين مستمرة خلال الفترة القادمة".

ويورد أنه في عام 2011، وقعت أبوظبي وأنقرة مذكرة تفاهم بشأن التعاون في الصناعات الدفاعية، وجرى التصديق على هذه المذكرة عام 2017.

وبالرغم من بقاء الإمارات واحدة من أكبر مستوردي المعدات الدفاعية التركية خلال العقد الماضي، لم يجر إحراز أي تقدم كبير في التعاون بشأن الصناعات الدفاعية. 

ولذا، فإن إبرام صفقة بقيمة ملياري دولار هي، بلا شك، خروج عن الحالة التي سيطرت على العلاقات في الفترة الأخيرة، وفق الكاتب.

وأوضح المقال أنه بعد تطبيع العلاقات مع تركيا في فبراير/شباط 2021 ، أعربت الإمارات عن عزمها تسريع وتيرة التعاون بين البلدين على المستوى الدفاعي.

نتج عن ذلك توقيع الطرفين خطاب نوايا بشأن التعاون في الصناعات الدفاعية، كما عقدت اجتماعات دورية بين مسؤولي الدولتين؛ لتحديد مجالات التعاون ومتابعة النتائج.

وخلال اجتماع مع اللجنة التنفيذية المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في يوليو/تموز 2021، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عرض إماراتي لإنشاء مصنع لطائرات "بيرقدار" في أبو ظبي.

ويطرح "باكير" سؤالين: لماذا اختارت الإمارات الطائرات التركية المسيرة على وجه الخصوص؟ وما مبرر شراء 120 طائرة أو حتى بناء مصنع للمسيرات؟

ويذكر المقال أن الأسطول الجوي الإماراتي يعتمد بشكل أساسي على بعض الطائرات المسيرة الأميركية القديمة وكذلك الإصدارات الصينية الحديثة، مشيرا أن معظم هذه الطائرات بدون طيار مخصصة للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع.

وينوه إلى أن الإمارات طلبت شراء مسيرات "إم كيو 9 ريبر" ذات الكفاءة العالية، من الولايات المتحدة، قبل عامين، إلا أن الرد الأميركي جاء في 2021 بتعليق الطلب.

وفيما يتعلق بالمسيرات الصينية، فبالرغم من أن مسيرة "وينج لونج 2" قادرة على حمل أنواع متعددة من الذخيرة، فإن أداءها كان متواضعا بالمقارنة مع نظيرتها التركية، كما أعرب العديد من مشتريها عن خيبة أملهم من أدائها، وفق المقال.

في هذا السياق، فإن شراء طائرات بدون طيار تركية من شأنه تنويع وتحديث ترسانة الإمارات، علاوة على أنه يخدم الإستراتيجية الحالية للدولة الخليجية، الرامية لتطوير القدرات الذاتية، وقدرات الحرب الإلكترونية والذخائر الذكية.

ويعد الكاتب أن بحث الإمارات عن التكنولوجيا والخبرة والمعدات من كبار الموردين من خارج الولايات المتحدة يعني ضرورة بناء شراكات مع تركيا.

دوافع الصفقة

لكن على الرغم من أهميته، فإن دافع تنويع مصادر السلاح لا يقدم وحده إجابة شاملة عن سبب طلب الإمارات 120 مسيرة تركية أو حتى عرض بناء مصنع لإنتاجها، وفق باكير.

لذا، يورد المقال مجموعة من الأسباب السياسية والتجارية والدفاعية التي تساعد على توضيح الدوافع الكامنة وراء هذا العرض الإماراتي الضخم.

أولا: يجدر النظر في الأداء المميز لمسيرات "بيرقدار" التركية في المواجهات العسكرية، الأمر الذي يجعلها مرغوبة بشكل كبير بالنسبة للعملاء من جميع أنحاء العالم، إذ إنها سلاح عالي الكفاءة ومنخفض التكلفة.

كذلك، اختُبرت المسيرات التركية في العديد من المسارح الجيوسياسية الحرجة، وفي ظروف وبيئات معادية مختلفة، ما يجعلها كفيلة بإحداث نقلة نوعية لسلاح الجو الإماراتي.

ثانيا: تعد الصفقة بمثابة رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها: "إذا لم تعطنا احتياجاتنا العسكرية، فسنحصل عليها من مكان آخر".

فخلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طلبت أبوظبي شراء طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" ومسيرات "إم كيو 9"، ومعدات وذخائر أخرى بقيمة 23 مليار دولار. 

ورغم أن إدارة "ترامب" وافقت في البداية على الطلب، فإن إدارة خلفه، جو بايدن، علقت الصفقة لاحقا، بما في ذلك 18 مسيرة من طراز "إم كيو 9"، ومعدات ذات صلة بقيمة 3 مليارات دولار.

ثالثا: يشير الكاتب إلى أنه لا ينبغي النظر إلى الصفقة البالغ قيمتها ملياري دولار من منظور فني فقط.

فالإمارات ترغب في تعزيز نفوذها داخل تركيا، وإنشاء شراكات قوية مع المؤسسات السياسية، وصناعة الدفاع الناشئة على أساس المصالح والتهديدات المشتركة.

وفي الآونة الأخيرة، تواجه الإمارات وتركيا تهديدا متزايدا من توسع المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في المسارح المجاورة لها. 

وحسب باكير، أثبتت الطائرات المسيرة التركية أنها منصة هجومية فعالة للغاية ضد العتاد العسكري عالي القدرات، والجماعات المسلحة، والمليشيات.

أما بالنسبة لتركيا، فبالرغم من أهمية الصفقة ذات الملياري دولار، فإن لديها العديد من الأمور الحساسة التي يجب مراعاتها قبل المضي قدما.

تتمثل إحدى هذه الأمور الحساسة في أن بيع 120 مسيرة للإمارات في وقت واحد، حتى حال توفرها، من شأنه أن يغير التوازن العسكري الدقيق داخل دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما مع قطر والسعودية.

وعلى هذا، فإنه بتسليم الإمارات 20 طائرة فقط، لا يزال لدى أنقرة فرصة لاختبار استعداد الآخرين لشراء المزيد من طائراتها، وحتى تحفيزهم على ذلك، دون إخلال كبير بالتوازن في منطقة الخليج العربي.

ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه في نهاية المطاف، ربما تعد كل من الإمارات وتركيا أن الاتفاق في صيغته الحالية هو ربح متبادل.

فمن جهة، أثبتت أنقرة أنها قادرة على تأمين المتطلبات الدفاعية للدولة الخليجية حتى في الأوقات العاجلة والملحة.

ومن ناحية أخرى، أثبتت أبو ظبي أنها جادة في فتح صفحة جديدة مع أنقرة، ودعم الخزينة التركية.