مظاهرات إيران وثورات الربيع العربي.. تعرف على أوجه الشبه والاختلاف

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، محاولا مقارنتها بثورات الربيع العربي، ومستعرضا خيارات المعارضة الإيرانية لإسقاط النظام.

وأوضح الموقع في مقال للمحلل السياسي الإيراني شاهر شهيد سالس، أنه منذ ظهور التيار الإصلاحي بإيران عام 1997، حازت دعوته لإصلاح النظام من داخله- عبر صناديق الاقتراع- دعم فصيل كبير من المجتمع.

لكن في عام 2020، وخلال الولاية الثانية للرئيس المعتدل، حسن روحاني، كانت الانتخابات البرلمانية إيذانا بنهاية تلك الحقبة، وفق وصف الكاتب.

فقد اختار مجلس صيانة الدستور- الذي يدقق ملفات المرشحين- استبعاد آلاف الأشخاص من السباق الانتخابي، واستهدف في الغالب الإصلاحيين والمعتدلين.

ثم جاءت الانتخابات الرئاسية في 2021، ليجرى استبعاد أي مرشح يمكن أن يهدد انتخاب إبراهيم رئيسي، بما في ذلك رئيس البرلمان المخضرم، علي لاريجاني. 

وهذه كانت المرة الأولى التي تسقط فيها أجهزة السلطة الثلاثة جميعا تحت سيطرة المحافظين، منذ أن أصبح علي خامنئي، المرشد الأعلى عام 1989.

ويقول "شهيد سالس"، الذي يحوز الجنسية الكندية بجانب الإيرانية، إنه في هذا الوقت، كانت هناك دلالات بأن الاضطرابات داخل البلاد آخذة في التشكل.

فعلى الرغم من تأكيد خامنئي بأن التصويت "واجب ديني"، ومناشدة القادة الإصلاحيين للشعب للتصويت في الانتخابات، فإن نسبة المشاركة كانت الأدنى في تاريخ الجمهورية الإسلامية، بأقل من 50 بالمئة من مجموع مَن لهم حق التصويت.

وبذلك أدار الناس ظهورهم لصناديق الاقتراع، مشيرين إلى تلاشي إيمانهم وآمالهم في الإصلاح السلمي، وفق وصف الكاتب.

وأضاف أنه في ظل إدارة إبراهيم رئيسي، أصبحت "شرطة الأخلاق" سيئة السمعة، أكثر صرامة فيما يتعلق بتطبيق "قواعد الزي على النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب بشكله الصحيح".

ففي سبتمبر/أيلول 2022، ولهذه التهمة، اعتقلوا مهسا أميني، التي تغيبت عن الوعي في مركز احتجاز بالعاصمة طهران، وتوفيت بعد ثلاثة أيام. ونفت الشرطة التقارير التي تفيد بأن الضباط ضربوها بهراوات، وصدموا رأسها في سيارة شرطية.

أسوأ أزمة اقتصادية

وأردف "شهيد سالس" أن وفاة "أميني" تزامنت مع واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ قيام الجمهورية.

فقد أدى التضخم المتفشي، والبطالة المرتفعة، والفساد المستشري، والافتقار إلى الحريات الاجتماعية والسياسية، والتمييز ضد المرأة إلى استياء متنامٍ في البلاد.

كما أدت جائحة كورونا إلى تفاقم الوضع، هذا فضلا عن إصرار خامنئي على استمرار العمل بالبرنامج النووي الذي دمر سبل كسب العيش لعدة أجيال، حسب الكاتب.

هذا مع الأخذ في الحسبان أن خامنئي نفسه، له فتوى بتحريم امتلاك الأسلحة النووية، وعدم تقديمه أي مبرر مقنع لوجود برنامج إيران النووي، وفق "شهيد سالس".

في هذا السياق، لم تكن البلاد بحاجة سوى إلى شرارة لتنفجر، فبعد وفاة أميني، هزت إيران احتجاجات هي الأكبر منذ سنوات (وهي مستمرة حتى الآن).

غير أن هذه الانتفاضة مختلفة عن تلك التي حدثت خلال العقود الأربعة الماضية.

فلأول مرة، احتلت النساء صدارة الاهتمام، وأصبحت "المرأة.. الحياة.. الحرية" هي صرخة المحتجين في شوارع إيران.

ويشير الكاتب أنه "إذا لم تتراجع النخبة الحاكمة أو المحتجون عن مواقفهم، فقد تتجه البلاد نحو صراع طويل الأمد".

ويقول "شهيد سالس" إنه نادرا ما تعرض خامنئي للهجوم بشكل مباشر على تلك الشاكلة، إذ وجه إليه المتظاهرون شتائم حادة، بهدف نزع القداسة عن منصبه الديني والقانوني.

ويشير إلى مشاركة الجامعات والمدارس -ولا سيما مدارس الفتيات- في التظاهرات غير مسبوقة.

ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسا، عبر التوثيق الحثيث لحملة القمع التي شنتها السلطات الإيرانية، ما دفع الأجيال الشابة لمواصلة الاحتجاجات.

لكن يطرح الكاتب عدة أسئلة: هل ستغير هذه الاحتجاجات سلوك النخبة الحاكمة، أو حتى تغير النظام نفسه؟ وما الذي يتطلبه نجاح هذه الانتفاضة غير المسبوقة المستمرة منذ أسابيع؟

وهنا يتحدث الكاتب عن مشكلة الفقر، قائلا إن الشعار المحوري للتظاهرات هو "المرأة.. الحياة.. الحرية" هو شعار تقدمي، يحظى بدعم ملايين النساء الإيرانيات.

ومع ذلك، فهو لا يكفي لاستقطاب فئة كبيرة من المجتمع تكافح من أجل لقمة العيش.

فبحسب البيانات الرسمية للحكومة الإيرانية، هناك 30 مليون إيراني يعيشون تحت خط "الفقر المدقع".

ثورات الربيع العربي

ويرى الكاتب أن الحراك الإيراني عَصيّ على الاحتواء بسهولة؛ إذ إنه بلا قيادة، مشيرا إلى أن ثورات الربيع العربي التي أطاحت بالمستبدين كانت نموذجا واضحا للحراك الذي لا قيادة له.

لكن في الوقت نفسه، يعتقد الكاتب أن هناك سلبيات لهذا النوع من الحراك، مبينا أن الآمال المبكرة في أن الثورات العربية ستنهي الفساد، وتبشر بعهد جديد من العدالة الاجتماعية، سرعان ما انهارت مع حدوث فراغ في السلطة.

"حتى إن تونس، التي تعد مهد الربيع العربي، أصبحت الآن دولة استبدادية"، وفق وصف الكاتب الإيراني.

علاوة على ذلك، فإن السلطة في إيران عبارة عن "نظام" شمولي كامل، وليس نظاما يحكمه فرد واحد، بالرغم من أن خامنئي يمثل المركز من هذا النظام.

ويؤكد الكاتب أن هذا النظام الشمولي يحظى بدعم كتلة من المجتمع لا يُستهان بها، ما يصعب مهمة إسقاطه، بخلاف الحال مع إسقاط رئيسَي تونس ومصر، اللذين حكما لعقود، زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، إذ اُطيح بهما خلال أيام معدودة.

ويرى "شهيد سالس" أن الصراع الحالي هو - في جزء منه- استمرار لمعركة عمرها قرن من الزمان بين الحداثيين والتقليديين في المجتمع الإيراني.

ويورد الكاتب اعتقاد البعض بصعوبة وجود زعيم للتظاهرات يعمل من داخل إيران، لأنه قد يُحيَّد مِن قِبل النظام، مثلما حدث خلال احتجاجات 2009 عبر وضع رئيس الوزراء الأسبق والزعيم الإصلاحي، مير حسين موسوي، قيد الإقامة الجبرية.

ويعتقد الكاتب أن الحل الواقعي قد يكون وجود قيادة شعبية تعمل من خارج البلاد، كما فعل "روح الله الخميني"، الذي قاد ثورة 1979.

ويشدد المقال على أنه "في الوقت الحاضر، لا وجود لزعيم معارضة شعبي، يحظى بدعم فئات الشعب المختلفة، سواء أكان داخل البلاد أم خارجها".

وإلى هذه اللحظة، تتمسك النخبة الحاكمة بقوة بـ"نظرية الدومينو"، معتقدة أنه إذا تراجع النظام خطوة واحدة للخلف، فإن المحتجين سيصبحون أكثر شراسة، وسيطالبون بالمزيد حتى ينهار النظام.

ومع ذلك، حاولت بعض الشخصيات الأقل نفوذا إقناع مراكز القوة في النظام بأن مراجعة بعض القوانين "لن تؤدي إلى سقوط النظام كما تسقط قطع الدومينو".

وبشكل عام، ولكي ينجح أي حراك في إيران، فإنه بحاجة إلى زعيم يحشد الشعب، ويُحد صفوفه، ويُعطي التوجيهات، ويملأ فراغ السلطة إذا انهار النظام في نهاية المطاف، حسب الكاتب.

ويختم بالقول إن "على القائد أن يضع مطالب الفئات الفقيرة في الواجهة، وأن يكون صوتا لملايين المواطنين الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة".

كما أكد أن "هذا لا يعني التخلي عن الشعار المهم: "المرأة.. الحياة.. الحرية"، الذي يهدف إلى وضع حد للعنف ضد المرأة.