"ما هنسمح".. ماذا وراء انقلاب البرهان على الإسلاميين في السودان؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

خلال أسبوع واحد، حذر قائد الجيش رئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان، الإسلاميين وفصائل أخرى من التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية أو محاولة المشاركة في الحكم.

وجاء التحذيران في 7 و13 نوفمبر/تشرين ثان 2022 بالتزامن مع سعي العسكر لإبرام صفقة مع القوى اليسارية، التي كانت تشاركهم الحكم منذ الإطاحة برئيس النظام السابق عمر البشير في 2019.

وانقلب الجيش على تلك الأطراف ممثلة بـ"قوى التغيير والحرية" في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ومنذ 21 أغسطس/آب 2019، يعيش السودان مرحلة انتقالية من المقرر أن تستمر 53 شهرا، على أن تنتهي بإجراء انتخابات مطلع العام 2024.

وكان من المفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك المرحلة، كلٌّ من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة، وقّعت مع الحكومة اتفاق سلام عام 2020.

ماذا جرى؟

وفي 7 نوفمبر، وجه تحذيرا للحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا) والتابع للرئيس السابق عمر البشير من "التخفي وراء الجيش"، زاعما أن المؤسسة العسكرية لا توالي أي فئة أو حزب.

وقال البرهان: "نحذر من يريدون التخفي وراء الجيش، وكلام خاص للمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية نقول لهم: ابعدوا وارفعوا أياديكم عن القوات المسلحة".

أضاف: "المؤتمر الوطني ليس له مكان في الفترة الانتقالية، الجيش لن يعيده إلى السلطة، يكفيكم 30 سنة في الحكم".

وفي 13 نوفمبر، أصدر تحذيرا ثانيا للإسلاميين وفصائل سياسية أخرى من أي تدخل في شؤون الجيش، بينما كان يجرى محادثات مع أطراف يسارية لتشكيل حكومة غير حزبية.

تحذيرا البرهان جاءا بعد إعلان "الآلية الثلاثية" المشكلة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيقاد"، التوصل إلى "تفاهمات أساسية" بين العسكر والمدنيين (القوى اليسارية)، اعترض عليها الإسلاميون.

كما جاءت بعدما سلّمت نقابة المحامين مشروع دستور انتقالي إلى الآلية الثلاثية انتقدته القوى الإسلامية، لأنه ألغى الإسلام واللغة العربية والبسملة، وطالبت باحترام إرادة الشعب والاحتكام لصناديق الاقتراع في انتخابات حرة نزيهة.

وتزامنت مع مظاهرة ضخمة شارك بها الآلاف من القوى الإسلامية وأنصار البشير، في 12 نوفمبر أمام مقر بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم، احتجاجا على "التدخلات الأجنبية في شؤون البلاد" ولنصرة الشريعة، وهو ما أقلق الجيش واليساريين معا.

المظاهرة دعا لها "نداء أهل السودان للوفاق الوطني"، وهي مبادرة أطلقها الداعية الإسلامي البارز الشيخ الطيب، وتضم تيارات إسلامية عدة، وشارك فيها "التيار الإسلامي العريض" الذي يضم 9 حركات إسلامية.

في اليوم الثاني للمظاهرة، كرر البرهان تحذيره للإسلاميين الذين كانوا يتولون السلطة سابقا من التدخل في شؤون الجيش أو محاولة العودة للحكم بدعم من الجيش.

قال في كلمة بقاعدة للجيش غرب العاصمة الخرطوم "ما هنسمح لجهة تعبث بالقوات المسلحة، ولا هنسمح لجهة بأن تفككها ولا تدخل فيها يدها"، و"حذرنا الإسلاميين من محاولات التدخل في الجيش وتقسيمه".

مراقبون يرون أن تحذيرات البرهان المتكررة ربما وراءها تحركات للإسلاميين يخشى أن تطيح به بدعم مجموعات موالية للحركة الإسلامية داخل الجيش، وفي ظل ضغوط مصر والإمارات وقوى دولية لمنع عودتهم.

فريق آخر يرى أن البرهان أطلق هذه التصريحات للرد فقط على اتهامات اليساريين له بأنه موال للحركة الإسلامية ونظام البشير السابق.

أكد هذا القيادي بالحركة الإسلامية السودانية أمين عمر، قائلا إن البرهان "يخضع للابتزاز من قبل قوى سياسية"؟

ولذلك تبرأ من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، ولنفي شائعات واتهامات اليسار بأنه موال لهم، وفق تقديره.

وصف "عمر" ما قاله البرهان حول الحركة الإسلامية بأنه "كلام منابر"، ونفى خلال تصريحات له في 7 نوفمبر 2022 وجود أي صفقات بينهم وبين رئيس مجلس السيادة، مؤكدا "نحن لا نؤمن بالصفقات، هو لم يبعنا ونحن لم نشتره".

أشار إلى وجود "قوة إقليمية لا تريد أن يكون للإسلاميين أي نفوذ سواء في السودان أو الدول المجاورة، وتضغط على البرهان في هذه النقطة".

وجاء حديث البرهان بعد تزايد الجدل في السودان، عن عودة بعض أفراد حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير) للحياة العامة والخدمة في الدوائر الحكومية.

وروجت صحف غربية وإماراتية لما قالت إنه "عودة الإسلاميين في السودان للساحة على مرأى ومسمع الجيش"، وسط موقف الأخير "المتأرجح"، وفق ما نشر موقع دويتشه فيله الألماني في 22 أبريل/نيسان 2022.

وزعمت أنه سُمح للكثير من حلفاء البشير بالعودة إلى الخدمة المدنية، بينما أُخرج آخرون من السجون في محاولة على ما يبدو لتشكيل حكومة وطمأنة المانحين.

وصدر قراران قضائيان في أكتوبر ونوفمبر 2022، أبطلا قرارات "لجنة إزالة تفكيك النظام السابق" التي شكلها اليساريون وفصلت قضاة وموظفين واستولت على أموالهم وممتلكاتهم بحجة أنهم من أنصار نظام البشير.

وفسرت القوى اليسارية ذلك بأنه توجه من جانب الجيش للتقارب مع نظام البشير السابق، رغم أنها قرارات قضائية لا علاقة لها بالعسكر.

وجرى تزامنا مع ذلك الحديث عن صفقة جديدة محتملة يبدو أنها تستهدف مبادلة "حصانة الجيش" من المحاكمة عن جرائم قتل المتظاهرين، بـ "دستور علماني" وضعته "قوى الحرية والتغيير" يسارية التوجه، وفق مصادر سودانية تحدثت لـ "الاستقلال".

ولفت المصدر إلى أن "الصفقة تجرى بفعل ضغوط مكثفة على الجيش من أطراف عربية خاصة مصر والإمارات والسعودية، وأخرى إفريقية ودولية لتسهيل عودة القوى اليسارية إلى الحكم مع مؤيدين لهم من أحزاب أخرى، وبإغراء استئناف المساعدات للسودان".

لكن القوى الإسلامية ورموز نظام البشير السابق بدأت تفرض وجودها السياسي عبر التظاهر الجماهيري القوي وتحدي اليساريين الراغبين في إقصاء التيار الإسلامي.

وانتقد الإسلاميون مساعي قادة الجيش لتشكيل شراكة مع مجموعات مدنية يسارية، كما انتقدوا التدخل الدولي من الأمم المتحدة وتدخل وسطاء غربيين، لدعم هذا التحالف الذي يُقصيهم.

دستور ومبادرة

في 8 أغسطس/آب 2022 عُقد لقاء في نقابة المحامين لوضع دستور مؤقت، وكان ملفتا حضور ممثلي السفارات الغربية والولايات المتحدة والأمم المتحدة وسفراء الإمارات والسعودية، بجانب قوى سياسية سودانية.

بعد ثلاثة أيام، قدمت قوى المعارضة اليسارية مشروع الدستور، الذي صاغته نقابة المحامين للجيش، ونص على سلطة انتقالية بقيادة مدنية، تشرف على القوات المسلحة، وخروج الجيش من السياسة بعد توقيع الاتفاق.

رحب نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، و9 سفارات غربية، بمشروع الدستور الانتقالي لنقابة المحامين.

أعرب حميدتي، في تعميم موجز وزعه مكتب إعلامه 12 أغسطس 2022، عن أمله في أن يكون مشروع الدستور "نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف السودانية كافة، في سبيل الوصول إلى اتفاق شامل لحل الأزمة السودانية".

مع هذا، ظل موقف الجيش الرسمي من مسودة الدستور غامضا، واكتفى "البرهان" بالقول في 13 نوفمبر إن "الجيش تسلم المسودة التي أعدتها نقابة المحامين، وأبدى عليها بعض الملاحظات".

كما ألمح إلى رفض الموافقة على هذا الدستور قائلا: "لن نمضي أو نبصم على وثيقة سياسية تفكك الجيش".

ثلاثة مصادر سياسية قالت لوكالة "رويترز" البريطانية في 4 نوفمبر، إن قادة الجيش اعترضوا على بعض بنود مسودة الدستور الذي قدمته التيارات اليسارية التي يجرى التفاوض معها بوساطة عربية ودولية، لحلحلة الجمود السياسي.

أكدوا أن الجيش طلب أن يكون له حق تسمية قائده العام، كما قدم "وجهة نظره" بخصوص إعادة الهيكلة، ومشاريع الجيش الاقتصادية والتجارية.

ونصت مسودة الدستور التي اعترض عليها الجيش على "حظر ممارسة القوات النظامية للأنشطة التجارية والاستثمارية، وخضوع القوات المسلحة للسلطة المدنية".

وكان ملفتا تقديم اليساريين تنازلات مقابل تمرير مسودة الدستور. وأكد مصدران من قوى الحرية والتغيير أنه جرى التوصل إلى تفاهم بألا يخضع كبار الضباط العسكريين للمحاكمة، والتشاور حول مواضيع حصانتهم، وفق رويترز.

ويطالب المتظاهرون بتقديم الجنرالات للعدالة بتهمة قتل المتظاهرين وانتهاكات أخرى منذ عام 2019، رافضين فكرة الحصانة.

برغم أن مشروع الدستور الانتقالي جاء ليكون بديلا للوثيقة الدستورية، الموضوعة في 4 أغسطس 2019، والتي أغفلت دين الدولة (الإسلام) ومصدر التشريع (الشريعة الإسلامية)، واللغة الرئيسة (العربية)، وإجراء تعديلات جوهرية عليها. 

فقد جاء نص مشروع الدستور الجديد في أغسطس 2022 متجاهلا أيضا للشريعة والنص على أن "الإسلام" دين الدولة ولغتها "العربية". واكتفى بالقول: "إن السودان دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان وكل المعتقدات".

تحدث عن تكوين "دولة مدنية كاملة" تكفل الحريات الدينية، ونص على أن "طبيعة الدولة ديمقراطية فيدرالية تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والأديان والمذاهب، وفق نظام حكم برلماني".

لذا عارض مشروع الدستور القوى الإسلامية، من ثلاث زوايا: أولها أنه يتجاهل هوية السودان الإسلامية، والثاني أنه لم يشارك في وضعه كل أطياف السودان، والثالث أن قوى دولية تدخلت في صياغته.

وعارضت تيارات إسلامية بينها جماعة الإخوان المسلمين، و"قوى التوافق الوطني" (جناح منشق من قوي التغيير والحرية اليسارية)، وأحزاب أخرى، مشروع الدستور المقترح من نقابة المحامين.

وقال المراقب العام لجماعة الإخوان سيف الدين أرباب، إن الوثيقة الدستورية المطروحة "مزاجية وسياسية" ومعيبة قانونيا، وتلبي أجندة السفارات الأجنبية التي يظهر بوضوح تدخلها في الصياغة لتفكيك الجيش السوداني.

أكد أن الدستور الانتقالي، هو "انتقام سياسي"، ويسيطر على من كتبوه "فوبيا" النظام السابق، ويكرس لسياسة الانتقام، فهو يتحدث عن الحريات ويتناقض معها، بحسب ما قال موقع "النيلين" في 14 سبتمبر/أيلول 2022.

وعززت تصريحات رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس، أمام مجلس الأمن حول الوثيقة الدستورية من قناعة معارضيها بأنها صنيعة الدول الغربية، وتقف وراءها مؤسسة ماكس بلانك للسلام الدولي، وتبنتها قوى الحرية والتغيير.

وكان "فولكر" كشف أن نقابة المحامين السودانية، التي تسيطر عليها القوى اليسارية، عرضت على الآلية الثلاثية، حصيلة عملهم على مشروع إطار دستوري، بحسب ما نشر موقع "الجزيرة" القطري في 15 سبتمبر 2022.

بالتزامن مع طرح مسودة الدستور اليساري، طرح الشيخ "الطيب الجد" من كبار مشايخ الصوفية والقاضي السابق، ورئيس "نداء أهل السودان"، مبادرة مضادة تقوم على المصالحة في كل السودان وعدم استثناء أحد، وناقشها مع القوى الدولية التي تشرف على حل الأزمة.

مقابل مسودة الدستور العلماني لـ "قوى الحرية والتغيير"، تمثلت بنود مبادرة الشيخ "الطيب الجد" في إيقاف خطاب الكراهية الذي يهدد السلم المجتمعي، وإجراء حوار جامع يؤسس لتحقيق وفاق وطني لا يستثني أحد.

و"العودة لدستور ‎2005‏ مع إلغاء بعض التعديلات التي أدخلت عليه، والمحافظة على الهوية الإسلامية واستعادة عزة الشخصية السودانية صاحبة الفضيلة ورفض أشكال التدخلات الخارجية كافة".

والتأكيد على "قيام وإجراء الانتخابات خلال ثمانية عشر شهرا، وبناء دولة القانون والمواطنة والحقوق والواجبات، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، تأسيس تيار وطني منفتح على كل أهل السودان".

إضافة إلى تفويض المجلس السيادي بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة لتسيير ما تبقى من الفترة الانتقالية.

لكن الرافضين لمبادرة الشيخ الجد، من القوى اليسارية خصوصا، أكدوا أن الأهداف الأساسية للثورة غابت من بنود مبادرة الشيخ الطيب، ووصفوها بأنها تُبقي العسكر في السلطة.

قالوا إن المبادرة لا تسعى لتحقيق أهداف الثورة من إقامة نظام حكم مدني، ولا محاسبة قتلة الثوار، وأنها واجهة من واجهات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، بحسب صحيفة "الجريدة" السودانية 13 أغسطس 2022.