تركيا والصين والهند.. ما دورهم في خلاف أميركا والسعودية بشأن النفط؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

استعرضت وكالة بلومبيرغ الأميركية مواقف كل من تركيا والصين والهند من الخلاف الأميركي-السعودي الأخير، بعد قرار منظمة "أوبك بلس"، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، خفض إنتاج النفط.

وذكرت الوكالة في تقرير لها أنه عندما اتهم الرئيس الأميركي جو بايدن، السعودية بالانحياز إلى روسيا بشأن النفط، أظهرت الرياض نفسها كقوة صاعدة تقف في وجه واشنطن، وتهتم بمصالحها الخاصة، وقد اصطفت بعض الدول معها.

وقال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، على هامش قمة المناخ (كوب 27) في منتجع شرم الشيخ بمصر في نوفمبر/تشرين الثاني، إن "منهجنا الرئيس هو أن نكون حذرين، فالأمر يتعلق بالتحلي بالمسؤولية وألا يغيب عنا ما يتطلبه السوق".

ولفت التقرير إلى أن تركيا والصين دافعتا عن القرار السعودي، بالرغم من أنهما سيعانيان منه، كمستوردين للطاقة، إذ إن خطوة "أوبك بلس" حافظت على أسعار النفط عند حوالي 90 دولارا، مع توقعات بتدهور الاقتصاد العالمي.

وبين أن الخلاف النفطي يكشف عن تحول أوسع، مع وجود دول مستعدة لمقاومة النفوذ الأميركي، أو الاعتراض عليه، حتى لو كان هذا يخالف مصالحها الاقتصادية المباشرة.

في مقابل ذلك، تحرص تلك الدول على تعميق العلاقات مع المملكة- التي تشهد انتعاشا اقتصاديا- أو على إيجاد طرق للاستفادة من الخلافات الأميركية- السعودية في نزاعاتهم الخاصة مع واشنطن.

ويأتي ذلك قبيل قمة مجموعة العشرين، في 15 نوفمبر 2022، في مدينة "بالي" بإندونيسيا، والتي يسعى بايدن من خلالها إلى حشد الدعم الدولي نحو مزيد من العزلة لروسيا.

اعتراض تركي

ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مسؤول تركي– اشترط عدم ذكر اسمه- قوله إن "انخفاض أسعار الخام سيكون أكثر فائدة لتركيا".

إذ ساهمت تكاليف الطاقة في ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ عقدين، لكن أنقرة تعترض على تهديد الولايات المتحدة لدول أخرى، وفق قوله.

علاوة على هذا، صرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، في 21 أكتوبر 2022، أن "هناك دولة تهدد السعودية"، مضيفا أن "هذا التنمر ليس صائبا".

وفي رد على تحذير بايدن بأن السعودية ستواجه "عواقب" بسبب قرارها، أكد حينها الوزير التركي أن بلاده "تعترض على رد الفعل الأميركي، حتى لو لم تكن راضية عن ارتفاع أسعار النفط".

وتعتقد "بلومبيرغ" أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لديه "أسباب وجيهة" للوقوف إلى جانب الرياض، منها سعيه للحصول على دعم مالي سعودي، يضاف لخزينة الدولة، قبيل الانتخابات الرئاسية في صيف 2023.

وفيما يخص الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري للسعودية وأكبر مشتر للنفط، فقد أشادت بسعي المملكة إلى الاستقلال فيما يخص سياسات الطاقة، بعد قرار "أوبك بلس".

وقالت بكين إن "على الرياض أن تلعب دورا أكبر في الشؤون الدولية والإقليمية"، وذلك في ظل نزاع أميركي-صيني محتدم على التجارة العالمية.

وفي مقابل ذلك، يخط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طريقه نحو آسيا، إذ كشف وزير خارجيته فيصل بن فرحان، عن زيارة مرتقبة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المملكة.

وقال الوزير السعودي: "شهدنا في السنوات الأخيرة نتائج التطور الملموس في هذه العلاقة وزاد التقارب في وجهات النظر بالعديد من القضايا الإقليمية والدولية، كما أن التجارة المتبادلة بين بلدينا تسير بنسق تصاعدي".

بدوره، قال رافايللو بانتوتشي الباحث البارز في العلاقات الخارجية الصينية بكلية "إس. راجاراتنام" للدراسات الدولية في سنغافورة، إن "الأمر كله يتعلق بمحاولة الاستفادة من الخلافات، وزرع الانقسامات في التحالفات الأميركية التقليدية؛ لتقوية يد الصين على المسرح العالمي".

وتضيف "بلومبيرغ" أن ابن سلمان يستعد لتنفيذ جولة آسيوية أوسع بعد قمة العشرين، إذ يخطط لزيارة الهند، كما سيحضر اجتماعات "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ"، في تايلاند، حسب مسؤولين في تلك الدول.

وردا على سؤال حول قدرة الصين على ملء الفراغ في العلاقات الاقتصادية مع السعودية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، إن بلاده "تزن مصالحها الوطنية في علاقاتها الثنائية، وفي النهاية، ستتبع مسارا يعتمد فقط على مصالحها وقيمها".

ويرى التقرير أن ابن سلمان "أصبحت لديه قدرة متزايدة على إبراز النفوذ السياسي في المنطقة وخارجها، كونه يقود ارتفاع أسعار النفط إلى أسرع معدل نمو في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسة".

"عدم انحياز"

من جانبها، قالت الباحثة في مركز سياسية الطاقة العالمية، كارين يونغ، إن ولي العهد "لا يتصور بلاده كلاعب من الدرجة الثانية"، واصفة رؤيته بأنها "حركة عدم انحياز جديدة".

وأضافت "يونغ" أن ابن سلمان "يرى النظام الجيوسياسي الصاعد مرنا، ويتألف من مجموعة من الأجزاء المتداخلة، ويعتقد أن الرياض لها الحق في العمل مع كوكبة مختلفة من الشركاء لتحريك الأسواق، وتحقيق الأهداف السياسية".

وردا على أسئلة "بلومبيرغ"، قالت يونغ, إن الولايات المتحدة تواجه بعض الصدمات؛ لأنها تصوغ سياستها الخارجية على أنها "تسلسل هرمي قائم على القيم".

يُفَضل هذا التسلسل التعامل مع الدول الديمقراطية على الدول غير الديمقراطية، ما يصعب من مهمة الإدارة الأميركية في البحث عن شراكات جديدة، حسبما ترى يونغ.

وفيما يخص الهند- إحدى أكبر مستوردي الخام السعودي- فقد صرح مسؤولان هنديان أن بلدهما "تفضل المكاسب طويلة الأجل التي ستجنيها من علاقاتها بالسعودية، على الخسائر الآنية الناجمة عن صعود أسعار النفط".

وأضاف المسؤولان أن "الهند تعتقد أن مصدري النفط الخليجيين يتطلعون إلى تنويع علاقاتهم الجيوسياسية وسط تزايد التنافس بين القوى الكبرى، وأن نيودلهي ستستفيد من هذا الوضع".

ويؤكد التقرير أن كلا من الصين والهند سيستفيدان من الخصومات التي قدمتها موسكو على نفطها، ما يساعد في تخفيف التكلفة المرتفعة للبراميل المستخرجة من الشرق الأوسط.

كذلك، حذر المسؤولون الأميركيون من أن تحرك "أوبك بلس" سيؤدي إلى التضخم، واتهموا المملكة بإجبار مصدري النفط الآخرين على الامتثال لقرارها، قائلين إن تلك الدول أعربت عن مخاوف قوية من أن يتضرر قطاعها الخاص.

وتنقل وكالة "بلومبيرغ" عن اثنين من المسؤولين المطلعين على المناقشات بين واشنطن والمسؤولين الخليجيين، أن "كل السيناريوهات محتملة في اجتماع "أوبك بلس" القادم، المقرر في 4 ديسمبر/كانون الأول 2022".

ووصف المسؤولان كلا من الرياض وواشنطن بأنهما "على خلاف تام مع بعضهما البعض حول كل شيء، بدءا من أساسيات سوق النفط إلى التدابير السياسية الواجب اتباعها".

كما قال أحد المسؤولين اللذين تحدثا لـ"بلومبيرغ": "إذا خفضت "أوبك بلس" النفط مرة أخرى عند 95 دولارا، فهذا إهانة لمستوردي النفط من إفريقيا إلى جنوب آسيا إلى أميركا اللاتينية".

علاوة على ذلك، قال دبلوماسيان أوروبيان كبيران، على اتصال وثيق بالمسؤولين الخليجيين، إن "الولايات المتحدة يجب ألا تنظر إلى قرار أوبك بلس على أنه تحد لواشنطن، وبدلا من ذلك، يجب أن تعترف بأن السعودية تهتم بمصالحها الخاصة".

وأضافا أن واشنطن اعتادت أن يكون لديها "حلفاء مذعنون في منطقة الخليج العربي، لكن هذا تغير"، مشيرين إلى وجود خلاف بين المسؤولين الغربيين حول كيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد.

بدوره، قال دبلوماسي غربي رفيع المستوى يعمل في الخليج إن "الولايات المتحدة بحاجة إلى هذه العلاقات الإقليمية لسنوات قادمة، وإن عليها أن تنجح".

وختم الدبلوماسي الغربي بالقول إنه إذا اعتمدنا سياسة "إن لم تكن معنا فأنت ضدنا" ولم ننخرط في الوضع الجديد، فسنخسر علاقاتنا الإقليمية.