رغم تبنيه قيم الغرب.. لماذا خسر محمد أوز انتخابات أميركا وفاز مسلمون غيره؟

رامي صباحي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

على عكس توقعات غالبية مراكز استطلاع الرأي الأميركية، فاجأت نتائج انتخابات التجديد النصفي كثيرين حول العالم، إذ إنها لم تأت بموجة حمراء كاسحة يركبها المرشحون الجمهوريون المدعومون من الرئيس السابق دونالد ترامب.

فترامب بطل المشهد الأميركي قبل الانتخابات كان يتحرك في جميع ولايات أميركا واثق الخطى، يروج لمرشحيه الجمهوريين الذين يدعمون رؤاه الشعبوية إزاء قضايا مثل التطرف والهجرة غير النظامية ومناصرة الصهيونية.

ومن المثير أنه كان على رأس هؤلاء المرشحين الطبيب المسلم، النجم التلفزيوني الشهير محمد أوز، الذي رغم تنازله عن القيم الإسلامية واستعداده للتخلي عن جنسيته التركية ودفاعه عن الصهيونية والفصل العنصري، مني بهزيمة مباغتة.

وما زاد من آثار الهزيمة أنها أفقدت الحزب الجمهوري ولاية بنسلفانيا الحساسة، التي كان ينظر إلى الحزب الذي يفوز بها على أنه سيحقق الأغلبية بمجلس الشيوخ، وهو ما تحقق لصالح الحزب الديمقراطي.

اللافت أنه تزامنا مع هزيمة محمد أوز التي رحب بها المجتمع الإسلامي بأميركا، حقق مرشحون مسلمون كثر انتصارات كبيرة في المجالس الفيدرالية ومجالس الولايات.

خسارة مدوية

وخسر أوز (62 عاما) مقعد سيناتور ولاية بنسلفانيا بعدما حصل على 46.6 بالمئة من الأصوات، في حين حصل منافسه المرشح الديمقراطي جون فيترمان على 51 بالمئة من مجمل الأصوات، وفق شبكة "سي إن إن" الأميركية.

وفي صبيحة اليوم التالي للانتخابات التي أجريت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، كشفت وسائل إعلام أميركية أن ترامب غاضب بشدة ويصرخ على الجميع ويحمل من حوله مسؤولية خسارة أوز.

وعبر تويتر، نقلت مراسلة صحيفة نيويورك تايمز، ماغي هبرمان عن مقربين لترامب لم تسمهم، أنه "غاضب جدا هذا الصباح، لا سيما بشأن خسارة محمد أوز، ويلقي باللوم على كل من نصحه بدعمه، بما في ذلك زوجته".

كما نقل مقدم البرامج على "سي إن إن" جيم أكوستا عن أحد مستشاري ترامب، أنه "غاضب جدا"، بعد النتائج المخيبة للآمال للحزب الجمهوري، مؤكدا أن مرشحيه "كانوا جميعا سيئين".

وقبل الانتخابات، شهدت بنسلفانيا معركة انتخابية شرسة من قبل أوز وفيترمان، وزاد من حدتها مشاركة ترامب في حملة الأول، فيما شارك الرئيس جو بايدن والرئيس الأسبق باراك أوباما في حملة الثاني.

والسبب في تهافت ترامب وبايدن وأوباما نحو بنسلفانيا يرجع إلى أنها ولاية متأرجحة، فعبرها فاز ترامب بمقعد الرئاسة في 2016 عندما لعب على الوتر الحساس لدى الناخبين من الطبقة العاملة في الولاية.

لكن الشعور السلبي لدى المراكز الحضرية في الولاية أعادها إلى الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة 2020، ما أدى إلى فوز بايدن، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 6 نوفمبر.

وكان يرجح كفة أوز بصورة لافتة تراجع شعبية بايدن إلى 40 بالمئة في بنسلفانيا، وفقا لأحدث استطلاعات الرأي، مع تنامي القلق إزاء التضخم المرتفع وقضية الهجرة غير النظامية، فضلا عن ملف حمل السلاح.

وقبل إجراء الانتخابات بأيام، شارك المرشحان الديمقراطي والجمهوري في مناظرة تلفزيونية، رأت قناة "فرانس 24" أن فيترمان كان متقدما فيها، لكن أوز تمكن من تحسين موقعه في النهاية.

وذكرت القناة الفرنسية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن فيترمان اتهم أوز بتضليل الناخبين، قائلا "في كل مرة يظهر فيها على التلفزيون، يكذب"، فيما رد عليه أوز باتهامه باعتماد "مواقف متطرفة تضر بالجميع".

وخلصت القناة إلى القول إن "المرشحين استندا في المناظرة إلى صورتهما لدى الناخبين: فيترمان كمدافع عن الطبقة العاملة من قلب أميركا، وأوز على المسرح أمام ملايين المشاهدين".

رجل المسرح

وأوز دكتور جراح تخرج عام 1982 في جامعة هارفارد، وبعد عمله على مدى عقود طبيبا في أمراض القلب والصدر، بدأ يتردد كضيف بدءا من عام 2004 على برنامج الإعلامية الشهيرة "أوبرا وينفري"، وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في زيادة شعبيته، ومع الوقت صار يمتلك برنامجا خاصا به.

وأنهى أوز برنامجه التلفزيوني في يناير/كانون الثاني 2022، للتركيز على ترشحه لعضوية مجلس الشيوخ في بنسلفانيا، كما أكد أنه سيتخلى عن جنسيته التركية إذا فاز في الانتخابات.

وفي مفاجأة كبيرة، أعلن ترامب، في 9 أبريل/نيسان 2022، أنه يدعم عضوية أوز في انتخابات مجلس الشيوخ، مؤكدا في بيان، أن لديه "فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات ضد الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين".

وعن هذا التحالف المثير الذي سبب خلافات كبيرة في الحزب الجمهوري، قالت مجلة "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأميركية، إن أوز كان داعما لسياسات ترامب دعما مطلقا خلال فترة رئاسته (2016-2020).

كما أن أوز يؤمن بادعاءات سرقة الانتخابات الرئاسية عام 2020 لصالح بايدن، لذا يرد ترامب الجميل له.

من جانبه، كتب المحلل الأميركي كريس سيليزا في موقع قناة "سي إن إن"، أنه "بالنسبة لترامب، فإن العالم كله مسرح. وأهم الأشخاص الموجودين فيه هم الذين يظهرون على شاشة التلفزيون".

وأضاف في تحليل بتاريخ 11 أبريل، أن هذا السبب وراء تفضيل ترامب لأوز على بقية المرشحين الجمهوريين، مشيرا إلى أن الكلمات التي استخدمها الرئيس السابق لإعلان تأييده للدكتور المذكور "معبرة".

وأوضح أن ترامب قال: "عرفت الدكتور أوز لسنوات عديدة، مثله مثل كثيرين آخرين، حتى ولو من خلال برنامجه التلفزيوني الناجح للغاية، لقد عاش معنا عبر الشاشة ولطالما كان يتمتع بشعبية واحترام وذكاء".

وأضاف ترامب خلال تجمع حاشد في ولاية كارولينا الشمالية مؤيدا أوز: "عندما تكون في التلفزيون لمدة 18 عاما، فهذا أشبه بالاستطلاع، هذا يعني أن الناس تدعمك".

فيما شرح المحلل سيليزا هذه النقطة في مقابلة مع قناة "إن بي سي"، بالقول إن "العالم منقسم بالنسبة لترامب بين أولئك الذين يمكنهم فعل الأشياء من أجله وأولئك الذين لا يستطيعون".

وختم قائلا: "أوز يمكنه الفوز بالانتخابات وفق ترامب، لأنه كان يظهر على التلفزيون، وبفوزه سيبدو (الرئيس السابق) في صورة جيدة، لذا يؤيده ضد بقية المرشحين الجمهوريين التقليديين".

تنازل مشين

غير أن شهرة أوز المتحالفة مع شعبوية ترامب لم تكن كافية لإقناع أعضاء الحزب الجمهوري المتمسك بالهوية الأنجليكانية الأصولية التي تناهض اللاجئين والإسلام، بانتخابه.

لذا اضطر أوز خلال حملته الانتخابية إلى التنازل في أكثر من مناسبة عن قيم هويته التركية والإسلامية، أملا في اختراق قناعات الناخب الجمهوري.

وأوز ابن أسرة تركية هاجرت إلى الولايات المتحدة في خمسينيات القرن العشرين، وكان قد صرح في السابق أن والده طبيب مسلم متدين، بينما أمه معلمة مسلمة علمانية.

وعن نفسه، أكد أنه مسلم علماني صوفي، لا يهتم بالجانب الشرعي من الدين، ويميل إلى الاتصال الروحي وتأثيره على الأفراد، ومع ذلك، أعلن أوز خلال حملته أنه اختار المسيحية دينا لأولاده وأنه فخور بذلك.

وعلى عكس المرشحتين المسلمتين الفائزتين للمرة الثانية بعضوية مجلس النواب إلهان عمر ورشيدة طليب، المعروفتين بدفاعهما عن حقوق الشعب الفلسطيني، دافع أوز بشدة طوال حملته عن الصهيونية و"حق" الكيان المحتل في "حماية أرضه من الفلسطينيين المتطرفين".

إذ قال في فاعلية نظمها "إيباك" اللوبي اليهودي الأقوى بأميركا نهاية أغسطس/ آب 2022، إنه يؤمن بأن "إسرائيل قوة من أجل الخير"، وإنه زارها سابقا واطلع بنفسه على ما أسماها "إنجازات الشعب الإسرائيلي".

وأضاف أنه ذهب خلال زيارته إلى حائط البراق في مدينة القدس المحتلة وشعر بالقشعريرة هناك، منتقدا عدم ذهاب بايدن إلى الحائط في زيارته الأخيرة منتصف يوليو/ تموز 2022، إلى تل أبيب.

وأعرب أوز عن معارضته لتقديم مساعدات إلى الفلسطينيين، وأشاد بقطعها عنهم من قبل إدارة ترامب، منددا بإعادتها جزئيا من قبل بايدن لاحقا.

وفي مذكرة أرسلها لموقع "جويش إنسايدر" قبيل الانتخابات، أكد أوز أنه سيدعم بشدة امتلاك إسرائيل التفوق العسكري النوعي الذي تحتاجه للدفاع عن نفسها ضد "مرتكبي الإبادة الجماعية والإرهابيين".

وأضاف أنه سيقف إلى جانب إسرائيل في المسارح الدولية وبالأمم المتحدة حيث تجري معاملتها بشكل ظالم، وفق تعبيره. كما تعهد بمعارضة حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس"، التي وصفها بـ"المعادية للسامية".

كما عبر عن معارضته "للمكافآت النقدية البشعة التي تمنح لعائلات الإرهابيين الذين يقتلون الإسرائيليين"، في إشارة إلى المخصصات المالية التي تمنحها السلطة الفلسطينية لأسر الشهداء الفلسطينيين. كذلك أكد دعمه لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفق قوله.

بئس المصير

هذه المواقف دفعت المدير التنفيذي لمركز العلاقات الأميركية الإسلامية "كير" أحمد رحاب، للترحيب في بيان عبر فيسبوك بخسارة أوز في الانتخابات النصفية لصالح منافسه الديمقراطي.

وقال رحاب في 9 نوفمبر: "من الغريب أن يرحب زعيم حقوق مدني مسلم بهزيمة ما كان يمكن أن يكون أول سيناتور مسلم في تاريخ الولايات المتحدة. ولكن أنا بالتأكيد لست الوحيد".

وأضاف: "كونك مسلم لا يمنعك من الخضوع للتقييم والمسائلة الموضوعية، فالمسلمون الذين نحتفل بانتصاراتهم اليوم لديهم محتوى شخصي يمكننا الاستناد إليه، لا مجرد تسميات وشعارات، وهم فخورون بأنفسهم، مثلما نحن تماما".

وتابع: إنهم لا يشعرون بالحاجة إلى تربية أطفالهم على دين آخر لإثبات اعتدالهم، ولا يشعرون أنه يتعين عليهم التظاهر بالاحتفال بالصهيونية والفصل العنصري من أجل أن يكونوا آمنين سياسيا، ولا يشعرون بضرورة التذلل لترامب لكي يكونوا مباركين سياسيا".

ومضى رحاب يقول: "الأهم من ذلك، أنهم ليسوا دجالين يعتقدون أن الشهرة والثروة الفارغة هما كل ما يتطلبه الأمر لاكتساح الجماهير وقيادتها"، خاتما بيانه بالقول: "بئس المصير أخي".

وعن سقطات أوز الأخلاقية، أشار الكاتب الصحفي التركي أوغور كاياهان إلى استغلال الطبيب إصابة منافسه فيترمان بسكتة دماغية أبعدته عن حملته الانتخابية نحو 5 أشهر، لتحقيق مكاسب انتخابية.

وكتب كاياهان عبر تويتر: "خسر أوز الانتخابات، لأنه ركز على معاناة منافسه فيترمان من سكتة دماغية سببت له اضطرابا في الكلام، ويبدو أن الثقافة الأميركية لم تكن وحشية بما يكفي لقبول مثل هذه السقطة الأخلاقية، وهذا أحدث ردا فعليا معاكسا".

وبعيدا عن أوز، حقق مسلمو أميركا رقما قياسيا جديدا في انتخابات الكونغرس ومجالس المحليات والولايات والمجالس الفيدرالية، إذ نجح 82 مسلما ومسلمة في تحقيق انتصار انتخابي بشكل نهائي في المجالس المختلفة.

منهم ثلاثة فازوا بعضوية الكونغرس (مجلس النواب)، و38 في مجالس الولايات التشريعية، وذلك مقارنة مع 71 فازوا في انتخابات 2020.

وغالبية الفائزين كانوا مرشحين عن الحزب الديمقراطي أو مستقلين، والقليل منهم مرشح عن الحزب الجمهوري، بحسب مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية.