بلا رئيس.. لماذا يثير الفراغ السياسي في لبنان مخاوف فرنسا وإسرائيل؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

قررت لجنة الجائزة الفرنسية للأدب "غونكور" الإعلان عن المرشحين هذا العام في حدث خاص في بيروت، تعبيرا عن التضامن مع الشعب اللبناني.

 لكن بعد أن دعا وزير الثقافة المحلي محمد وسام المرتضى إلى منع دخول "الأدب الصهيوني" إلى لبنان، ألغى أربعة من أعضاء اللجنة وصولهم. 

واتهم المرتضى "بعض الأدباء" المشاركين في المهرجان، من دون تحديد أسمائهم، بأنهم "من معتنقي المشاريع الصهيونية (...) وداعميها". وتعد جائزة غونكور أرقى وأعرق الجوائز الأدبية في فرنسا.

التزمت الصمت

وأشار منتدى الفكر الإقليمي (عبري) إلى أن فرنسا التزمت الصمت. وترمز هذه القصة بوضوح إلى تعقيد التدخل الفرنسي في لبنان وإسرائيل على الجانب الآخر. 

وأدانت السفارة الإسرائيلية في فرنسا نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، حديث وزير الثقافة اللبناني (من حزب أمل الشيعي) الذي دعا إلى منع دخول "الأدب الصهيوني" إلى دولة الأرز.

وعبرت السفارة عن خيبة أملها ووصفت تصريح الوزير بأنه "معاد للسامية". وقررت لجنة غونكور الفرنسية عقد حدث استثنائي في بيروت نهاية أكتوبر، للإعلان عن أسماء المرشحين للفوز بالجائزة المرموقة لهذا العام.

وقررت لجنة غونكور إقامة الحفل هذا العام في بيروت بدلا من باريس كعلامة على التضامن الفرنسي مع الشعب اللبناني.

وألغى أربعة من أعضاء اللجنة العشرة وصولهم إلى بيروت بعد حديث الوزير، لكن وزارة الثقافة الفرنسية التزمت الصمت، ربما لأن المرتضى نشر بيانه الإشكالي قبل خمسة أيام فقط من توقيع إسرائيل ولبنان على اتفاقية الحدود البحرية.

وفي 27 أكتوبر، وقع ميشال عون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد، نص اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، دون حضور مراسم التوقيع.

وخاض لبنان وإسرائيل مفاوضات غير مباشرة استمرت عامين بوساطة أمريكية حول ترسيم الحدود في منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربعا.

ويرى المنتدى العبري أن سلسلة الأحداث هذه تُظهر تردد باريس المتزايد بشأن مسار العمل الذي ينبغي أن تتخذه في مواجهة القوى السياسية الناشطة في لبنان. 

وعادت وزيرة الخارجية الفرنسية "كاثرين كولونا" من زيارتها إلى بيروت فور توقيع الاتفاق البحري، ودعت جميع الفاعلين اللبنانيين للتحرك من أجل تعيين رئيس جديد.

وعبرت كولونا في نوفمبر/تشرين الثاني عن خيبة أملها من فشل لبنان في تعيين رئيس بعد انتهاء ولاية "ميشال عون" في نهاية الشهر الذي سبقه. 

"دولة مختلة"

وخلال فترة ولايته السابقة، زار الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لبنان مرتين وكان برفقة اثنين من كبار المسؤولين الذين عملوا سابقا سفيرين في لبنان، في إشارة واضحة إلى أن القضية اللبنانية يهتم بها قصر الإليزيه "المقر الرسمي لرئيس جمهورية فرنسا".

وشارك ماكرون وشعبه بشكل كبير في الجهود المبذولة للترويج للاتفاق البحري بين إسرائيل ولبنان، خاصة ضد عناصر حزب الله وشخصيات لبنانية أخرى.

وفي ذلك الوقت، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "يائير لابيد" الأميركيين والفرنسيين ليس فقط على مساعدتهم في المفاوضات ولكن أيضا على تزويد الطرفين بضمانات لتنفيذ الاتفاقية.

ولفت المنتدى العبري إلى أنهم أعربوا في باريس عن أملهم في أن تؤدي الجهود الشخصية التي استثمرها ماكرون لإعادة تأهيل لبنان بشكل عام وفي الترويج لاتفاقية الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بشكل خاص، إلى تحفيز أعضاء مجلس النواب اللبناني على التوصل إلى حل وسط, وأمر بتعيين زعيم جديد للبلاد، لكن هذا لم يحدث.

وأشارت المراسلة الصحفية "رينا بسيست" إلى أن لبنان يمر بأصعب أزمة اقتصادية وسياسية شهدها على الإطلاق، دون أفق واضح للحل بشأن القيادة.

فبدون رئيس وحكومة مستقرة، لن يتمكن لبنان من استخدام صندوق النقد الدولي لتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي التي تعد حيوية للغاية لإعادة تأهيله، وفق المنتدى.

ومن الواضح لجميع الأطراف المعنية أنه بدون تنفيذ هذه الخطة، سيجد لبنان نفسه بسرعة على حافة الإفلاس.

 ويمكن القول إن لبنان أصبح دولة مختلة في الأشهر الأخيرة. وحذر عون لدى مغادرته القصر الجمهوري من السطو على المواطنين اللبنانيين الذين فقدوا أموالهم بسبب انهيار البنوك.

وترى المراسلة "بسيست" بأن الفضاء السياسي في لبنان مهم جدا بالطبع من وجهة نظر إسرائيل.

فمنذ استقلال لبنان، توزعت المناصب العليا على مختلف المجموعات العرقية وفق مفتاح ثابت.

وكان من المفترض أن تحل شخصية سياسية أخرى، من الطائفة المسيحية/ المارونية أيضا، محل "عون"، لكن المأزق الحالي قد يدفع بالبلاد نحو تغيير المفتاح الطائفي.

بمعنى آخر، قد يحقق حزب الله الهدف الذي كان يطمح إليه منذ عقدين، بأن يكون في أعلى منصب ببيروت.

أزمة أمنية

في غضون ذلك، لا تتمتع أي من الكتل بأغلبية لفرض قرار على الجانب الآخر، ولكن في لبنان قد يتحول المأزق السياسي بسرعة إلى أزمة أمنية، ومن هنا يكون الطريق إلى الفوضى قصيرا.

ولفتت المراسلة الصحفية إلى أن باريس كانت تستعد لهذا الاحتمال لعدة سنوات، ولم يكن عبثا أن أكد الدبلوماسيون الفرنسيون بعد توقيع الاتفاق البحري أنهم سيواصلون تنمية العلاقات مع الذراع السياسية لحزب الله.

دبلوماسيا، يبدو أن هذا وضع مربح للجانبين، والأميركيون في الجبهة الإعلامية يحصلون على تنازلات من إسرائيل.

كما أن الفرنسيين الأكثر تكتما يعملون في حوار مع القيادة اللبنانية ضد حزب الله حتى ترضى جميع الأطراف. 

ومع ذلك، وعلى الرغم من تحقيق الاتفاق البحري، فإن المشاعر في باريس في اليومين الأخيرين صعبة.

كان ماكرون يأمل في خلق ديناميكية من شأنها أن تحل التعثر اللبناني، لكن هناك إشارات منذ سبتمبر/أيلول 2022 على أن بلاد الأرز لم تنضج بعد للتغيير.

وفي لقائه آنذاك مع "نبيه بري" رئيس مجلس النواب وزعيم حزب أمل، طلب ماكرون من السياسي المخضرم المساعدة في جهود تشكيل حكومة مستقرة. رفض بري الالتزام ورد على الرئيس الفرنسي بـ"إن شاء الله".

وترى المراسلة "بسيست" بأن هناك سيناريوهين ممكنين. الأول أنه قد تستمر حالة الفراغ الحكومي الحالية عدة أشهر وحتى سنوات حتى يتمكن الطرفان من الوصول إلى حل وسط قد يشمل تغييرات في الدستور والاتفاق الطائفي الرئيس.

فمثل هذا التغيير أو اتفاق الطائف الجديد ربما سيفتح الباب أمام رجل من حزب الله (سليمان فرنجية) أو جبران باسيل (صهر عون) أو ربما حتى قائد الجيش العماد جوزيف عون.

ووفق السيناريو الثاني، يوافق معسكر عون - حزب الله على تعيين المسيحي الماروني "ميشال معوض" رئيساً للبلاد مقابل أي مدفوعات سياسية.

وحاليا، حقق معوض أكبر دعم مقارنة بجميع المرشحين الآخرين، رغم أن نسبة تأييده بعيدة جدا عن الأغلبية التي يحتاجها, وربما تفضل باريس وتل أبيب الحل الثاني. 

وخلصت المراسلة الصحفية "ريتا بسيست" في نهاية مقالتها إلى القول, إن إسرائيل تعرف عائلة معوض جيدا.

إذ شغل الأب "رينيه معوض" رئاسة لبنان لمدة سبعة عشر يوما بالضبط حتى اغتياله في هجوم إرهابي عام 1989.

واكتسب الأب شهرته بشكل رئيس من خلال جهوده لفتح حوار من أجل المصالحة الوطنية وتصميمه على طرد القوات السورية من أرض لبنان.

ويعد الابن من أشد المعارضين لسيطرة حزب الله على لبنان. ولا تستطيع إسرائيل حقا أن تطلب أكثر من ذلك.