مناهج التعليم اليمنية.. هكذا حولتها مليشيا الحوثي إلى برامج تعبئة طائفية

صنعاء - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تواصل مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، خطواتها المتسارعة لتشييع المجتمع اليمني عبر عدة إجراءات منها حملات التعبئة الطائفية، في المدارس والمراكز التعليمية وتعديل المناهج الدراسية.

آخر إجراء اتخذته المليشيا، تمثل في إقرار امتحانات مركزية من الصف السادس إلى الثامن من المرحلة الأساسية، بهدف التأكد من أن المنهج الطائفي الذي عدله الحوثي, يُدرس فعلا وفق ما جرى تغييره.

اتخذت المليشيا تلك الخطوة كون كثير من المعلمين يمتنعون عن تدريس المواضيع الطائفية التي أدرجها الحوثيون في المناهج الدراسية، ومن ثم لا يقررونها للطلاب أوقات الامتحانات.

وعمد الحوثيون منذ عام 2016 إلى تجريف قطاع التعليم في اليمن واستخدامه لبث أفكارهم ومعتقداتهم الطائفية التي نقلوا معظمها عن "كتابات" مؤسس المليشيا حسين الحوثي.

إذ نفذوا تغييرات جوهرية على المناهج التعليمية، شملت مقررات التربية الوطنية واللغة العربية والتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا.

وشمل التحوير المتعمد على الكتاب المدرسي، قضايا تاريخية ودينية من خلال فرض الحوثيين وجهة نظرهم المذهبية الشيعية ورؤيتهم التاريخية للأحداث.

وهو ما كشف انحيازهم ضد رموز دينية مثل الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان الذين جرى حذفهم من بعض المقررات الدينية.

ووضعت المليشيا على غلاف "التربية الوطنية" صورة قيادي حوثي قتل في الحدود السعودية نهاية 2016، تحريضا على القتال والإرهاب. كما تضمن داخله قصصا وأفكارا طائفية تحث الطلاب على ترك مقاعدهم الدراسية والذهاب إلى الجبهات.

وتحت إشراف السفير الإيراني السابق لدى الحوثي حسن إيرلو، حذفت المليشيا من منهج "تاريخ العرب الإسلامي" للصف السادس الابتدائي عبارة "الخليج العربي".

وأحلوا مكانها عبارة "الخليج الفارسي" التي تعتمدها إيران في توصيف المنطقة الواقعة بينها وبين شرق الجزيرة العربية.

ويربط الحوثيون علاقة كبيرة بإيران منذ ثمانينيات القرن الماضي، والتي بدأت باستقطاب قيادات المليشيا ومناصريها وإرسالهم إلى قم الإيرانية للتعليم الديني الشيعي، مرورا بالدعم العسكري والمادي.

توجه خطير

وبحسب تعميم صادر عن مكتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلى عموم المدارس الحكومية والأهلية في المديرية، فإن الاختبارات الوزارية هذا العام ستشمل أيضا الصفوف السادس والسابع والثامن الأساسي مركزيا عبر كنترول مركزي بالمنطقة ومكتب التربية بالأمانة.

وقال الإعلامي اليمني، أحمد الكبسي في حسابه على "فيسبوك"، في 18 أكتوبر 2022، إنه "صدر تعميم من مكتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة للمدارس الأهلية بأن الامتحانات من الصف السادس الى الثامن ستكون مركزية للتأكد أن المنهج يدرس فعلا وفق ما جرى تغييره في المناهج".

وأضاف أن "الموضوع مهم لدى السلطة التي تعمل كل ما بوسعها على تغيير عقيدة وهوية جيل قادم بشتى الوسائل".

من جانبه قال الكاتب اليمني، ماجد زايد إن قرارا مفاجئا وغريبا وصادما عممته مكاتب التربية والتعليم على جميع المدارس يقضي بإلغاء مناهج التعليم المطبوعة قبل عام 2023-2022.

خصوصا مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية واللغة العربية والتاريخ والوطنية والجغرافيا، ويلزم الطلاب بشراء المناهج الجديدة من الأسواق.

وأضاف في منشور على حسابه في "فيسبوك": "لأجل التأكد من الأمر، ستتحول الاختبارات من الصف السادس للثامن إلى اختبارات وزارية، وستأتي اختبارات الطلاب من الوزارة".

إضافة الى إلغاء إجازة الخميس لأجل اللحاق الزمني بتغيير الدروس والمنهج قبيل انتهاء الفصل الدراسي الأول.

وكان الحوثيون قد ألغوا إجازة السبت في المدارس واستبدلوها بيوم الخميس منذ اجتياحهم للعاصمة صنعاء عام 2014.

وبحسب التقويم الدراسي فمن المقرر انتهاء الفصل الدراسي الأول نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. 

ومنذ انقلاب الحوثيين على الدولة، وسيطرتهم على المؤسسات الحكومية عام 2014، أحكموا قبضتهم على المنظومة التعليمية، وعينوا على الفور يحيى بدر شقيق زعيم المليشيا وزيرا للتربية والتعليم.

وشكل الحوثيون لجنة لإعادة وطباعة مناهج تعليمية تدرّس فكرهم، وتغرس أيديولوجيا طائفية غير متسامحة مع من يخالفهم، بهدف تكريس أفكارها الطائفية والعنصرية البغيضة.

إلى جانب تدمير المدارس وتحويل عدد منها إلى ثكنات عسكرية ومعسكرات للحشد والتعبئة، وتضييق الخناق على المعلمين والتربويين بحرمانهم من مرتباتهم.

وحولت مليشيات الحوثي عددا من مدارس مدينة الحديدة في العام 2018، إلى ثكنات عسكرية لحشد عناصرها القادمين من محافظات مجاورة، بحسب مصادر محلية بالمدينة.

حالة إفلاس 

وحول هذا الأمر، قال أستاذ الفكر التربوي بجامعة صنعاء أحمد الدغشي، إن "قرار الحوثيين جعل الأسئلة مركزية يؤكد مدى الإفلاس الذي وصلوا إليه في عدم قدرتهم على فرض فكرهم على المعلمين الحاليين".

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال"، أن "عددا هائلا من المعلمين الأصليين، أي الذين كانوا على رأس أعمالهم حين قدمت جحافل الظلام الحوثية إلى صنعاء فأسقطتها واحتلتها في 2014، هم بين مشرد ومعتقل ومبعد من عمله".

 فيفترض أن المتبقين معهم محل ثقة ولو على الأغلب، لكن في الحقيقة هناك رفض جماعي عارم لسياسة الحوثيين التعليمية بالخصوص، وفق تقديره.

ومضى شارحا: "لذلك لا يأمنون المعلمين الحاليين وربما لا يأمنون حتى الموجهين أو المشرفين ولا الإدارات التربوية، بالرغم أنهم جميعا في قبضتهم".

وتابع: ولذلك عمدوا إلى هذا القرار الجديد، ليتأكدوا بأنفسهم من أن فكرهم المتخلف هو الذي يفرض على التلاميذ فعليا وهو الذي يُدرس".

ولفت الدغشي إلى أن "التعديلات على المناهج الدراسية بدأت عام 2016 /2017 بإجراءات خفيفة وبأسلوب متدرج ماكر، لينظروا رد الفعل ماذا سيكون؟"

وللأسف رد الفعل كان مجرد احتجاج واستنكار من التربويين ومن بعض الأوساط، ومن هنا مضى الحوثيون في غيهم بحكم سيطرتهم، كما قال.

واستدرك: "في كل عام تزداد جرعة التغيير- وليس التعديل- للمناهج الدراسية حتى وصلوا إلى مستوى كبير من الفجاجة طال الصحابة والتاريخ الإسلامي واليمني بين حذف وإضافة وتشويه وتقديم البديل المزيف، برواياتهم الطائفية والمذهبية الضيقة".

وهكذا الأمر في مقررات في القراءة والنصوص واللغة العربية بصورة عامة، وفي التربية الاجتماعية كذلك، "كل هذا جرى عليه التغيير، وفي كل سنة يزداد أكثر وأكثر".

وأوضح أن "حجم التغيير يتضح في بعض المواد أكثر من غيرها وكلما مر الوقت واطمأنوا أنه لا يوجد مقاومة، أمعنوا أكثر وأكثر في التغيير.

رفض واسع

وحذر الأكاديمي اليمني من أن "الحوثي غزى الجيل من خلال المناهج والنشاط التربوي بمختلف الوسائل وأبرزها ما يسمى بالمراكز الصيفية، فيعملون على غسل أدمغة الشباب ما استطاعوا".

وختم بالقول: "التأثير كبير في الصغار، وفي الكبار أقل، وكل هذا صيحة نذير لكل مسؤول ومواطن ولكل ولي أمر ليتنبه لخطورة ما يفعله الحوثيون بأجيالنا بطرائق متعددة من أبرزها المناهج".

وكان وزير التربية والتعليم اليمني، طارق العكبري قد أوضح في حوار سابق مع "الاستقلال"، أن الحوثيين أجروا تحريفات على المناهج الدراسية بما يتماشى مع مشروعهم الطائفي، كونهم يتحكمون في الكتلة التعليمية الأكبر نظرا لسيطرتهم على محافظات الكثافة السكانية.

ولفت إلى أن المراكز الصيفية التي يقيمها الحوثيون كل عام في المدارس والمساجد والساحات العامة، أقرب إلى المعسكرات، ويتضمن برنامجها تدريبا عسكريا وتعبئة مذهبية وطائفية.

وشدد العكبري على أن الوزارة لن تقبل بعمليات التجريف الحاصلة للمناهج الدراسية والعبث بها من قبل الحوثيين، وذلك عبر إطلاقها أنشطة إرشادية بالمدارس ووسائل الإعلام، من أجل تحصين الشباب.

من جهته قال الكاتب والروائي اليمني، محمود ياسين، إن تنشئة جيل يمني يؤمن بمنهج الحوثي الانتقائي للتاريخ الإسلامي لن يحدث.

وأضاف في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك" في 5 نوفمبر 2022: "سيهمس كل ولي أمر في أذن ابنه: أجب على أسئلة الاختبار الذي أمسى وزاريا كله، أجب عليهم بما يناسبهم، ولكن احتفظ بقناعتك التي أعلمك إياها".

وأوضح أن "هذا سيزلزل نفسية الطالب ويخلق جيلا لا يسعه التعامل مع ما هو رسمي وسلطوي بغير الخداع، محتفظا في قرارة نفسه بأسباب التمترس ناهيك عن تحول الدراسة لمدرسة فرز وتعلم ألف باء الطائفية والمذهبية".

انقسام حاد

ويعاني قطاع التعليم في اليمن من انقسام حاد وتراجع كبير، جراء وجود وزارتين للتربية والتعليم واختلاف المناهج الدراسية.

هذا فضلا عن التحريفات التي أجراها الحوثيون على المناهج بما يتماشى مع مشروعهم الطائفي.

وأضفى فرض رسوم مدرسية على الطلاب، معظمها غير قانونية من قبل الحوثيين بعد أن كان مجانيا قبل الحرب، تعقيدا على الوضع المعقد الذي أثقل كاهل العائلات.

يتزامن ذلك مع استمرار انقطاع رواتب المعلمين للعام السادس على التوالي والذين يعيشون وضعا مزريا.

وترك بعض المعلمين وظيفة التدريس وتحولوا إلى العمل الخاص والغربة خارج اليمن، بينما يعيش آخرون على مساعدات من مغتربين وتجار ومبادرات مجتمعية، جرى تدشينها من الأهالي لمساعدة المعلمين على مواصلة العملية التعليمية.

وبحسب تربويين، يسعى الحوثيون إلى تفخيخ المناهج التعليمية مذهبيا، وتكريس فكرهم فيها، وصبغها بالطائفية.

وهو ما يضاعف خطر تحويل المدارس إلى وحدات إنتاج حشد طائفي ولا سيما بعد غرس الأمامية والمذهبية ومداهمتها لعقول طلاب اليمن ممن مازالوا في سن الطفولة.

ومن شأن خطوات الحوثي المستمرة في تجريف التعليم وتغيير المناهج وإلزام المدارس بتدريسها للطلاب أن تعمق حالة الانقسام في المجتمع.

كما أن عدم تأهيل المدارس التي تضررت بفعل الحرب، وارتفاع المعيشة والأعباء الاقتصادية على أولياء الأمور، فتح نافذة لتسرب كثير من الطلاب إلى سوق العمل لمساعدة أسرهم في توفير احتياجات المعيشة.

في فبراير/ شباط 2021، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومنظمة سام للحقوق والحريات، تقريرا بعنوان "طفولة عسكرية".

أشارا فيه إلى أن الحوثيين جندوا أكثر من 10 آلاف طفل منذ 2014، وحولوا المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات تدريب لتجنيد الأطفال للقتال معهم وغرس أيديولوجيتهم الحربية.

ويحتاج أكثر من 8 ملايين طفل يمني إلى دعم تعليمي طارئ، وفقا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفول "يونيسيف" في فبراير 2021.