لا دولة ولا اثنتين.. ماذا بقي أمام إسرائيل بعد استبعادها كل الخيارات؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في ضوء نتائج انتخابات الكنيست (البرلمان) الخامسة والعشرين، يتوقع معهد دراسات عبري أن تزال فكرة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في شكل "دولتين لشعبين" من الطاولة.

ومساء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن فوز معسكر رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو بـ64 من مقاعد الكنيست (البرلمان) الـ120 في انتخابات هي الخامسة في غضون أقل من 4 سنوات وسط ترقب تشكيلة حكومته المقبلة التي يسود الظن أنها ستكون يمينية متطرفة.

ويتجاهل المسؤولون الإسرائيليون والجمهور الانزلاق نحو "الدولة الواحدة"، فكيف يمكن منع خطر الانزلاق نحو هذا الخيار؟ 

فقدان الثقة

وأشار معهد دراسات الأمن القومي العبري إلى أن  الانتخابات مرت دون مناقشة مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، باستثناء التعامل مع المقاومة المتصاعدة والتي أسفرت عن سلسلة من الأحداث على مر السنين.

وبين أن صناع القرار في إسرائيل فقدوا الثقة في التوصل إلى اتفاق شامل "للصراع مع الفلسطينيين" بروح فكرة الدولتين.

وأرجع ذلك إلى الإخفاقات المتكررة في صياغة اتفاق حول "تسوية دائمة"؛ والانقسام في المعسكر الفلسطيني بين حركتي التحرير الوطني "فتح" والمقاومة الإسلامية "حماس"؛ ومأسسة الرواية في إسرائيل عن عدم وجود شريك تسوية على الجانب الفلسطيني والمقاومة العنيفة، وفق وصفه.

ويرى المعهد العبري أن حكومات إسرائيل، غير قادرة على اتخاذ قرارات صعبة، فهي تسعى إلى كسب الوقت وتحقيق أطول فترة تهدئة ممكنة في ساحة الصراع.

لكن عدم إحراز تقدم نحو التسوية واستبعاد الطرفين لإدارة الصراع يعمق من تعقيد الساحة، لدرجة أنه لن يكون من الممكن في المستقبل تشكيل كيانين سياسيين، يهودي وفلسطيني متميزا ومنفصلا سياسيا وجغرافيا وديمغرافيا.وهذا يعني تهديدا لصورة دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية آمنة ومزدهرة، بحسب وصف المعهد. 

ويؤكد أن الجمهور الإسرائيلي فقد الثقة في القدرة على صياغة وتنفيذ التسوية مع تمثيل فلسطيني رسمي، هذا إن وجد بالفعل، ويظهر عدم الاكتراث بالوضع الناشئ على الأرض.

كما فقد الجمهور الفلسطيني ثقته في المسار السياسي، وصعد المقاومة (في العامين الماضيين كان هناك زيادة كبيرة في العمليات الفدائية في الضفة الغربية والقدس)، ويظهر اهتماما متزايدا بواقع دولة واحدة، مع الحقوق الكاملة للفلسطينيين.

على هذه الخلفية، في السنوات الأخيرة كان هناك حماس واضح في إسرائيل، وخاصة بين السياسيين، لفكرة "الحد من الصراع"، مما يعني الإدارة المستمرة للنزاع دون عتبة الحرب.

وفكرة "تقليص الصراع" مثلها مثل "السلام الاقتصادي" وتعد وسيلة أخرى لكسب الوقت وتأجيل قرارات ثقيلة، يكون محورها رفع العبء الفلسطيني عن ظهر دولة إسرائيل، وفق المعهد.

ومع ذلك، فإن الوقت حاسم في الاتجاه البطيء وغير المحسوس تقريبا نحو واقع "دولة واحدة" بين البحر الأبيض المتوسط ​​ونهر الأردن.

حتى أولئك الذين يعبدون فكرة "الحد من الصراع" يخشون تهديدين وجوديين، وهما:

التهديد أو الخيار الأول يتمثل بإنشاء دولة ثنائية القومية، أي أنها تقام على أراضي فلسطين التاريخية (التي احتلتها إسرائيل عام 1948).

وفي 9 يناير/كانون الثاني 2022، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية: "حان الوقت لإسرائيل أن تختار بين حل الدولتين أو الذوبان الديمغرافي"، في إشارة إلى خيار "الدولة الواحدة". 

وأضاف "لأول مرة منذ عام 1948، يفوق عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية (إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة) عدد الإسرائيليين اليهود بأكثر من 250 ألف شخص".

وهذا الخيار يعني أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في دولة واحدة على أن يتساووا بنفس الحقوق. 

الخيار الثاني يتمثل بإقامة دولة فلسطينية على أساس تسوية دولتين لشعبين، في حين أنه من المرجح أن تكون الدولة الفلسطينية فوضوية وستكون مناهضة ضد إسرائيل، بحسب وصف المعهد.

ولفت الموقع العبري إلى أن الطبيعة الإشكالية لكلا الخيارين تمنع صانعي القرار من مواجهة تحدي الصراع.

ومع ذلك، جرى اتخاذ سلسلة من القرارات من قبل الحكومات الإسرائيلية دون دراسة عواقبها على المدى الطويل، من حيث دفع الاتجاه نحو واقع دولة واحدة، في حين أن جزءا من المجتمع الإسرائيلي يدعم هذا الخيار ولكنهم أقلية. 

إحباط الانفصال

ورأى المعهد أن عدم وجود رؤية سياسية مختلفة للواقع السياسي يعزز اتجاه الانجراف إلى تصعيد الصراع.

إذ يجري بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، معظمها في المستوطنات المعزولة خارج الكتل الاستيطانية والحاجز الأمني (الجدار الفاصل). 

كل هذا لا يساهم في تهدئة الروح المعنوية لدى الفلسطينيين، ويزيد من التشابك مع المستوطنين وجنود الاحتلال، ويهدف في الواقع إلى إحباط إمكانية الانفصال عن الفلسطينيين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن منح تصاريح دخول للعمل في إسرائيل لـ120 ألف عامل يزيد من اعتماد الفلسطينيين على إسرائيل والعبء الفلسطيني عليها.

سنضيف إلى ذلك حوالي 40 ألف فلسطيني يقيمون في إسرائيل بدون تصريح، ويستغلون الثغرات الموجودة في السياج الأمني ​​الذي استثمر فيه أكثر من 20 مليار شيكل والذي أصبح مثقوبا، بحسب المعهد.

وأشار العميد احتياط "عودي ديكال" والباحث بمعهد دراسات الأمن القومي، ونوي شالو الباحثة في برنامج العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية في معهد دراسات الأمن القومي إلى أنه منذ تجديد الاستيطان اليهودي في إسرائيل، أولى قادة الحركة الصهيونية أهمية كبيرة للبعد الديمغرافي.

إذ وافقت أحزاب صهيونية في فترة الانتداب البريطاني على فكرة تقسيم الأرض إلى دولتين لشعبين، مع الحفاظ على الهوية والأغلبية اليهودية "داخل حدود دولة إسرائيل".

واليوم، عدد اليهود يساوي عدد العرب في أراضي فلسطين الانتدابية، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط ​​(بما في ذلك قطاع غزة)، وفق تقديره. 

وتساءل الباحثان: هل هناك احتمال أن تكون مجموعتان متساويتان في الحجم (حتى في نسبة 60 بالمئة يهود مقابل 40 بالمئة فلسطينيين، بدون قطاع غزة)، معرضين لسنوات عديدة للصراع العرقي والوطني والديني، والذين يدعون ملكية الأرض وأن القدس عاصمة لهم، فهل يستطيعون العيش سويا؟

وزعم الباحثان أنه لكي يتمكن المجتمعان من العيش معا، هناك شرطان أساسيان: المساواة المدنية الكاملة، والتعاون الكامل والثقة بين الجانبين.

وبينا أنه من أجل صياغة اتفاق واسع بين الشعبين على وضع "دولة واحدة"، يلزم اتفاق واسع لكل سمات السيادة المشتركة، الدستورية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

فكيف يمكن إقناع اليهود الإسرائيليين بالتخلي عن الدولة اليهودية واستبدالها بديمقراطية ثنائية القومية، بعد 74 عاما من الحروب الدموية؟ 

وتساءل المعهد: هل سيقبل مواطنو دولة إسرائيل بفهم الانخفاض الكبير المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي للفرد (من 51،500 دولار في السنة إلى 34،500 دولار في السنة)؟

ومن ناحية أخرى، هل يوافق الجمهور الإسرائيلي على التخلي عما أسماها المعهد "الطبيعة الديمقراطية للدولة والعيش في دولة لا يتمتع نصف سكانها غير اليهود بالمواطنة الكاملة؟".

وهل سيوافق السكان الفلسطينيون على العيش في مثل هذه الظروف، في الوقت الذي يتمتع فيه جيرانهم بحقوق متزايدة؟

ولفت الباحثان إلى أن النظام السياسي في إسرائيل، من جهته، منشغل بشؤون اللحظة ولا يتنبأ بالمستقبل، ويتجاهل حقيقة أنه يجب تمهيد الطريق لمنع خلق واقع أن غالبية الجمهور الإسرائيلي ليس مهتما.

وتشير نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه معهد أبحاث الأمن القومي في نوفمبر 2021 إلى أن ما يقرب من 60 بالمئة من الجمهور يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تتخذ الآن خطوات للانفصال عن الفلسطينيين، من أجل منع واقع "دولة واحدة ثنائية القومية".

وخلص الباحثان الإسرائيليان في نهاية مقالهما إلى القول إن اتخاذ الاتجاه المعاكس للانفصال عن الفلسطينيين وعملية منع الانتقال إلى واقع "الدولة الواحدة" هو التحدي الرئيس الذي يواجه الحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عن تركيبتها.