أين أخطأ "العدالة والتنمية" في إعادة انتخابات إسطنبول؟

12

طباعة

مشاركة

قالت الصحفية التركية وباحثة الدكتوراه في علم الاجتماع، أوزليم البيرق، في مقال لها على صحيفة "يني شفق" التركية، إن المشكلة في انتخابات إسطنبول، لم تكن في إعادتها، بل في أسباب الإعادة التي أُعلن عنها وأحقية الحزب في ذلك. 

بالفعل كان هناك تزوير في إحصاء الأصوات، وتلاعب في تسجيلها لصالح المعارضة، تشدد البيرق مذكرة أنه ثبت ذلك بالدليل والشهود في أكثر من مكان بإسطنبول، لكن الواقع أن هذه الحجج لم تصل للجمهور؛ بل بدا المشهد كأن حزب "العدالة والتنمية" يستخدم سطوته وقوته من أجل التحكم في الناس باسم الديمقراطية.

قالت معظم القنوات والصحف والآراء، إن تكرار انتخابات إسطنبول يعد بمثابة خطأ كبير، واعتبروا أن حزب "العدالة والتنمية" عوقب بهذه النتائج لأنه أصر على إعادة الانتخابات. 

واستدركت الكاتبة، قائلة: "أي أنه لو لم يعترض الحزب لكان ذلك أفضل!"، قبل أن تتابع، يبدو أن "العدالة والتنمية" خسر إسطنبول في 31 مارس/آذار وخسرها في 23  يونيو/حزيران؛ لكن ما الفرق؟

إهمال المحاسبة

بدأت الباحثة في علم الاجتماع باستعراض الفروق موضحة؛ أنه في مدينة فيها حوالي 9 ملايين ناخب، كان هناك فرق بسيط بين المرشحَين، ولكن الأرقام الصادرة عن مراكز الاقتراع التابعة للحزب وعن اللجنة العليا للانتخابات قد تثير الأسئلة. وكنتيجة للاعتراضات، عندما انخفض الفارق بين المرشحين من 29 ألفًا إلى 13 ألفًا، تم احتساب الأصوات غير الصالحة مرة أخرى وكان هذا الاختلاف لصالح مرشح حزب واحد فقط، عندها كان يحق للعدالة والتنمية أن يجد في الموقف موضع شك.

أُعيد فرز 10 في المائة فقط من الأصوات نتيجة الاعتراضات، فظهر أن الفرق بين المرشحين قد انخفض إلى النصف ومَنح للحزب الحق في المطالبة بإعادة فرز جميع الأصوات، وهذا ليس مطلبًا قانونيًا فحسب، بل مطلب مشروع أيضًا، تضيف الكاتبة. وإذا لم يحدث ذلك -أي إعادة فرز الأصوات التي رفضت من قبل اللجنة العليا للانتخابات- يمكن لذات الحزب أن يعيد الانتخابات من جديد وهذا ما حدث.

إن الخطأ ليس كما يقولون في إعادة الانتخابات، وأن "العدالة والتنمية" سيخسر في الحالتين، بل المشكلة أن الأسئلة والمخاوف بشأن هذه القضية لا يمكن ترجمتها إلى الجمهور.

فترة الانتخابات كانت مليئة بالأحداث؛ فالأصوات التي أعطيت لبن علي يلدرم وانتقلت بشكل ما إلى إكرم إمام أوغلو، وكذلك الأصوات التي حسبت باطلة وهي أصوات صحيحة، والأصوات الباطلة التي حسبت صحيحة في انتخابات مارس/ آذار كان من المفروض التحقيق فيها واعتقال المتورطين في عملية التزوير هذه، لكن هذا الأمر لم يتم. ونظرًا لذلك، بدا الخطاب بأن الانتخابات "مسروقة/ مزورة" مجرد شائعات وثرثرة، بل وتحولت إلى نكتة وغابت مصداقية هذه الحجج، رغم أنها مثبتة بالوثائق والشهود.

قليل من الهزيمة

بمعنى آخر، يوضح المقال، أن الصورة التي بدت عن حزب "العدالة والتنمية" هي أنه "لم يعجبه قرار الشعب بشأن إسطنبول وأعاد الانتخابات باستخدام القوة بطريقة متعجرفة"، هذا على الرغم من أن شعار الحزب منذ تأسيسه هو احترام قرارات الأمة والعمل على تنفيذ رغبات الجمهور بالطرق المتعارف عليها قانونيا، وبدون اغتصاب حقه في التعبير عن رأيه سواء في الانتخابات أو غيرها، لكن هذا كله ربما يكون قد هدم في ساعات قليلة بقرار الانتخابات.

كان من الممكن أن تكون الصورة أن الانتخابات تأتي للوقوف على حماية أصوات المواطنين والوقوف أمام أي محاولة تريد اغتصاب حقوقهم وآرائهم، حتى لو كانت صوتا واحدا، وإزالة الشك عن الانتخابات التي أجريت في مارس/آذار لكن ذلك لم ينجح، ولم يستطع أحد شرح هذه الأسباب للجمهور.

ومع ذلك، فإن هذا لا يفسر لماذا يجب أن نعتبر استخدام الحقوق الديمقراطية والقانونية خطأً لا يغتفر في القضاء على الانتخابات المشكوك فيها.

وقالت البيرق في مقالها: "عندما أزور المناطق التي يتولى تسيير بلدياتها حزب العدالة والتنمية وأرى الحدائق والمرافق الاجتماعية والطرق وأعمال تنسيق الحدائق التي لم تنته بعد، وحتى الأرصفة التي لم يتم تنفيذها بعد. يقول الناس إن الحزب يعد بخدمة إسطنبول، ولكن كل ما وعدوا به، ما زال تحت الإنشاء".  وتابعت الباحثة: "امتلأت المدينة بالخرسانة، لا يوجد مكان عام أو فضاء خارجي ليتجمع فيه الناس، لو حدث زلزال لما وجد الناس مكانًا يلجؤون إليه. لم أكن أعتقد أن هذا رأي مشترك لسكان إسطنبول".

كان الموقف ملحوظا إلى حد أنه وصل إلى الشارع، لكن لا يزال من الممكن الاعتقاد بأن حزب "العدالة والتنمية" سيعود إلى المقدمة، وإن كان ما حصل "قليل من الهزيمة فهو ليس انكسارًا".

ماذا حدث في الجولة الثانية؟

يمكن إجراء العديد من التحليلات حول فقدان إسطنبول في 23 يونيو/حزيران وهي علامة على أن حزب "العدالة والتنمية" في تراجع، وهناك الكثير من المشكلات في الحزب التي يمكن أن تكون مصدرًا لهذه التحليلات.

ومع ذلك، وبعد الأحد الماضي، تقول الكاتبة، عاد الاسم الأول إلى الواجهة هو الرئيس أردوغان. يفتح الناس أفواههم مقيّمين ما حدث قائلين: "لو لم يحدث هذا، لو لم يتم عقد اتفاق مع الحركة القومية، لو لم يتم نشر رسالة عبد الله أوجلان قاتل الأطفال"، وقد نسمع جملا إضافية من قبيل، "إن حزب العدالة والتنمية قد انتهى"، وهذا النوع من الجمل التقييمية.

وقالت الصحفية التركية: "نعم، يحدد أردوغان سياسات حزب العدالة والتنمية وخطابه، لكن الحزب ليس أردوغان فقط. لقد ركن الكثير من الكوادر، وهناك أخرى تنتفع من الحزب، وغيرها خارجة عن السيطرة". عندما ظهر احتمال خسارة حزب "العدالة والتنمية" إسطنبول لأول مرة، أن الشخصيات البارزة في الحزب تشعر بالذعر وترتكب أخطاء، لكن في 31 مارس/ آذار، لم يكن الوضع آمنًا لكنه لم يكن سيئا. 

وهنا تساءلت الكاتبة، لماذا بدلاً من البحث عن شخص لتحميله وزر الخسارة في إعادة الانتخابات، لا تجري متابعة شؤون الحزب، والعودة به لما كان عليه الوضع من قبل؟