السلطة الفلسطينية تستخدم "نموذج نيكاراغوا" لإدانة الاحتلال.. ما القصة؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أبرزت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، القلق الإسرائيلي من تقارير أفادت بأن السلطة الفلسطينية تستخدم قضية "نيكاراغوا" التي رفعت ضد الولايات المتحدة، لنيل حكم مشابه ضد دولة الاحتلال.

وقضية "نيكاراغوا" عرضت على محكمة العدل الدولية عام 1986، وأقرت خرق واشنطن للقانون الدولي عبر دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد الحكومة وبتفخيخ الموانئ في البلد الأكبر بأميركا الوسطى.

وتخشى الحكومة الإسرائيلية وفق ما نقل التقرير من تطبيق مبدأ تلك القضية لدفع تصويت في الأمم المتحدة يطالب محكمة العدل الدولية بإعلان أن سيطرة إسرائيل على شرق القدس والضفة الغربية "احتلال غير شرعي".

احتلال وخسارة

ووفق الصحيفة العبرية، فإن السردية الفلسطينية تعتمد على أن "إسرائيل مسيطرة على الجزء الشرقي من القدس والضفة الغربية منذ 55 عاما".

وعلى هذا فإن سيطرتها المستمرة- والتي يحتمل أن تكون بلا نهاية- على هذه المناطق المحتلة، ترتفع إلى مستوى "الضم الفعلي لتلك المناطق بحكم الأمر الواقع".

وتضيف "جيروزاليم بوست" أن "الدولة اليهودية حريصة، حتى وقتنا هذا، على عدم ضم الضفة الغربية رسميا؛ لتجنب عدة تداعيات مع المجتمع الدولي، رغم أنها ضمت القدس" عام 1967.

وتوضح أن هذه التداعيات قد تشمل التأثير سلبا على العلاقات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة وأوروبا، وإذكاء نار حملات المقاطعة الاقتصادية، وتحريك المحكمة الجنائية الدولية لبعض الدعاوى ذات الطابع الجنائي.

وتتساءل الصحيفة: "هل ستعلن محكمة العدل الدولية أن السيطرة الإسرائيلية المستمرة على القدس الشرقية والضفة الغربية احتلال غير شرعي؟ وكيف ستكون العواقب؟"

وتورد "جيروزاليم بوست" أن "إسرائيل خسرت بالفعل معركة كبرى، عندما أعلنت محكمة العدل الدولية عدم قانونية جدار الضفة الغربية الذي بنته الحكومة كإجراء أمني".

ففي يوليو/تموز 2004، قررت المحكمة - بأغلبية 14 صوتا مقابل صوت معارض، هو القاضي الأميركي توماس بورغنتال- أن الجدار العازل مخالف للقانون الدولي.

وطالبت المحكمة حينها "إسرائيل" بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية بما في ذلك شرق القدس وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار.

ووفق الصحيفة، فإن السوابق القضائية تشير إلى وجود احتمال كبير لأن تحكم الهيئة القضائية ضد إسرائيل مرة أخرى.

وتتمثل هذه السوابق القضائية في الحكم بعدم قانونية الجدار العازل، بالإضافة إلى القرار الصادر عام 2021، بالمضي قُدما في التحقيق مع مسؤولين إسرائيليين، في جرائم حرب محتملة.

كما تشير الصحيفة إلى إقرار محكمة العدل الدولية للسردية الفلسطينية القائلة بأن "الجدار العازل هو استباق إسرائيلي لما ستكون عليه الحدود في المستقبل بين إسرائيل وفلسطين، ما يخلق أمرا واقعا قد تُكتب له الديمومة، وبالتالي فهو بمثابة ضم فعلي".

في هذا السياق، عدّت الصحيفة أن الدعوى الحالية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية تقوم على الأساس ذاته، وهو أن إسرائيل توسعت في ضم أراضٍ بحكم الأمر الواقع.

وأكدت المحكمة حينها على أن "مسار الجدار يدلل على الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها إسرائيل فيما يتعلق بالقدس والمستوطنات، إذ تضمن مزيدا من التغييرات الديمغرافية للمناطق المتنازع عليها"، وفق وصفها.

وبعد أن خلُصت إلى أن أفعال إسرائيل أعاقت بشدة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير، رأت محكمة العدل الدولية أن الجدار الفاصل غير قانوني.

وبالإضافة إلى ذلك، قالت محكمة العدل الدولية إن "أي حجج أمنية إسرائيلية إما لا تبرر تقنين الجدار، أو أنها غير كافية لفعل ذلك، إذا ما قورنت بالأضرار التي لحقت بالفلسطينيين".

وبعد مرور 18 عاما، ومع استمرار توسع المستوطنات، والأخذ في الحسبان أن الوضع الدولي لإسرائيل "مثار جدل" أكثر من أي وقت مضى، فمن الصعب أن تغير محكمة العدل الدولية رأيها بشأن هذه القضايا الجوهرية، وفق الصحيفة.

وتتوقع "جيروزاليم بوست" أن أي قرار جديد لمحكمة العدل الدولية، سيحظى أيضا بدعم من المحكمة الجنائية الدولية.

حق تقرير المصير

بدورها، قالت المدعية السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة- في معرض حديثها عن محاكمة الإسرائيليين- إنه "لا ينبغي معاقبة فلسطين لافتقارها إلى مقومات الدولة، مثل ترسيم الحدود، إذ إن إسرائيل تمنعها، بشكل غير قانوني، من فعل ذلك".

وتضيف الصحيفة أنه بالرغم من تأكيد ألمانيا وبعض الدول الأخرى أن "الدولة الفلسطينية" لا يمكن أن توجد إلا عبر حدود تتمخض عن مفاوضات مع إسرائيل وفقا لقرارات مجلس الأمن، فقد أيدت المحكمة الجنائية الدولية في النهاية "بنسودة".

وبينت الصحيفة العبرية أن جذور كل من الأحكام السابقة لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تكمن في فكرة أن حق الفلسطينيين في تقرير المصير يتغلب في الأساس على كل مبدأ قانوني آخر.

وتضيف أنه "في أحسن الأحوال يمكن لإسرائيل أن تأمل في أن تكون محكمة العدل الدولية أقل صرامة مما كانت عليه في 2004".

ففي 2004، كان الحكم صارما لأنه كان هناك تغيير مادي جديد على الأرض، بينما حاليا لا يوجد تغيير جذري مفاجئ، بل توسع يتزايد ببطء، وفق ادعاء الصحيفة.

ومن هذا المنطلق، فمن المحتمل أن ترى محكمة العدل الدولية الأحكام الصادرة ضد إسرائيل فرصة لمحاولة الضغط عليها للتوصل إلى تسوية إقليمية عاجلة مع الفلسطينيين.

بالرغم من ذلك، فإنه نظرا إلى أن آراء محكمة العدل الدولية استشارية فقط، فلا داعي للقلق بشأن أي عواقب فورية قد تحدث على أرض الواقع، كما قالت.

وتعتقد الصحيفة أن "الهجمات المستمرة على المحكمة العليا داخل إسرائيل لن تُحدث أي فارق، ولن تجعل محكمة العدل الدولية تقف ضد الحكومة، من منطلق إحساسها بأن المؤسسة القانونية الإسرائيلية تفقد صلاحياتها".

وتشير إلى الموقف الأميركي بالتأكيد على أن الولايات المتحدة عارضت الأحكام الدولية المماثلة التي صدرت سابقا ضد إسرائيل، مثل حكم المحكمة الجنائية الدولية الأخير.

وتضيف: "لكن في كل مرة تحكم هيئة دولية كبرى مثل محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، فإنها تقوض شرعية الدولة اليهودية على الصعيد العالمي، وتحشد الدعم لمحاكمة الإسرائيليين، ومقاطعة تل أبيب".

وتختم "جيروزاليم بوست" تقريرها بالقول: "حتى الآن، نجحت إسرائيل في درء سيناريوهات الكابوس الذي يمكن أن تتسبب فيه مثل هذه الأحكام"، وفق زعمها.

واستدركت بالقول: "لكن لا أحد يعلم متى سيتصدع جدار الشرعية الذي يحمي إسرائيل بطريقة أكبر وأكثر خطورة".