معارك حماة والإصرار الروسي 

خالد أبو صلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تدخل المعارك في ريف حماة الشمالي شهرها الثاني، وتدفع روسيا بثقلها في المعركة التي يبدو أنها لم تكن تتوقعها بهذا الشكل، حيث تعثرت المعارك في أكثر من محور قتالي، حيث كانت خطة روسيا تقتضي السيطرة على مساحة كبيرة جديدة من المناطق المحررة، في مدة وجيزة، وهي المناطق الحيوية المطلة على الطرق الدولية وقضمها وإعادتها لسلطة النظام السوري، في سبيل تحسين أوراقها التفاوضية، مع كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.

فما الذي دفع روسيا إلى خيار الحرب والتصعيد وهي ضامن في أستانة وطرف في اتفاق سوتشي؟

جرت مفاوضات ماراثونية على مدى عدة أشهر بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، حول منطقة شرق الفرات، التي تعدّ أحد أهم أسباب التوتر بين البلدين، وتقول بعض الأنباء المسربة عن هذه الاجتماعات، إن الطرفين قد وصلا إلى صيغ اتفاقية شبه نهائية حول مصير المنطقة، وكانت أحد أهم بنود الاتفاق -كما سُرّب- توافق الطرفين على عدم وجود أي دور لروسيا في شرق الفرات، وهي المنطقة الأغنى اقتصاديا في سوريا، ويتركز فيها النفط والغاز وتعتبر السلة الغذائية للبلاد كلها. 

فيعزو الكثير من المحللين التوتر والتصعيد الأخير على إدلب وريف حماة من قبل روسيا إلى هذا الاتفاق، وعدم قبول روسيا فيه، فلجأت للضغط على تركيا من بوابة إدلب وأرياف حماة، وعلى الولايات المتحدة من خلال إعادة السيطرة على المزيد من الأراضي الحيوية ولا سيما المطلة على الطرق الدولية M5 دمشق/حلب وM4 اللاذقية/حلب، وبالسيطرة على هذين الشريانين ستفرض روسيا واقعا سياسيا جديدا، لا يستثنيها من الحل في شرق الفرات فضلا عن تعزيز أوراقها التفاوضية في بقية الملفات المتعلقة بسوريا. 

لذلك نجد أن الهجوم يتركز على محورين؛

  • المحور الأول هو المحور الغربي، حيث تم شن عشرات المعارك في منطقة جبال اللاذقية على تلة الكبينة بالتحديد، لما لها من موقع إستراتيجي يطل على الطريق الدولي بين اللاذقية وحلب وسهل الغاب، والهدف من هذا الهجوم محاولة التقدم للسيطرة على مناطق جديدة على الطريق الدولي M4. 
  • والمحور الثاني هو المحور الجنوبي الذي بدأ بالسيطرة على قلعة المضيق من ثم كفر نبودة في محاولة للوصول إلى مدينة خان شيخون المطلة على الطريق الدولي M5 وبالسيطرة عليها تسقط مباشرة مدينة مورك الواقعة جنوب خان شيخون، وهي أحد أهم وأعقد المناطق في ريف حماة الشمالي، وحاول النظام السوري مرارا السيطرة عليها ولم ينجح. 

على الرغم من استمرار المعارك وتحولها لاستنزاف كبير، إلا أن الخطة الروسية لم تنجح حتى الآن لعدّة أسباب، يأتي في مقدمتها، القدرات القتالية لفصائل الجيش الحر أبناء المنطقة، فهم يحفظون جغرافيتها بشكل جيد، وشنوا هجوما معاكسا على محور آخر، باغتوا فيه الروس والنظام السوري، وكبدوه خسائر فادحة، وسيطروا على مناطق جديدة، لأول مرة منذ سنوات، مما شتت جهود القوى المهاجمة وجعلها تعيد حساباتها في المعركة. 

أما السبب الآخر والمهم، هو عدم رضا تركيا عن المعركة سيما أن هناك اتفاقات تجمع تركيا وروسيا، بشأن المنطقة ووجود 12 نقطة مراقبة للجيش التركي، تقع اثنتين منها على محاور المعركة، مما دفع تركيا إلى إفشال الخطة الروسية وتشكيل موقف سياسي دولي رافض لها، دعمته الولايات المتحدة، وأيدته الدول الأوروبية الخائفة من موجة هجرة جديدة باتجاهها، لا سميا أن هناك ما يقارب 4 مليون مدني بات محاصرا في منطقة جغرافية صغيرة. 

ولا يبدو أن المعركة ستتوقف قريبا، فروسيا تصرّ على متابعتها على الرغم من تحولها تدريجيا إلى معركة استنزاف، في ظل معاناة النظام السوري من نقص في الأعداد البشرية، فجيشه أصبح بعد ثمان سنوات من الحرب والمعارك أشبه بميليشا، لذلك استعانت روسيا في هذه المعركة بالفيلق الخامس، الذي شكلته بنفسها، وضمته لجيش النظام، وكذلك الأمر استعانت روسيا بالفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الأسد، ماهر، وهي فرقة محسوبة على الجانب الإيراني، ومشاركتها في معارك يقودها الروس ويشرفون عليها، يعد ظاهرة لافتة في ظل الأنباء التي تتحدث عن انكفاء إيران ووجود خلافات بينها وبين روسيا حول الدور الإيراني في سوريا. 

أما السّوريون الموجودون في هذه المنطقة فليس أمامهم سوى الدفاع عن أرضهم، فهي آخر ما تبقى لهم، فلا مكان ينزحون إليه، ولا بلدا إلا وأغلقت أبوابها في وجوههم، وهكذا تستمر كرة النار في أرضهم، وتصفّي القوى الدولية حساباتها على دمائهم.