تسريب جديد يكشف خلافات حادة وقعت بين عباس وعرفات.. ما سر التوقيت؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سرب مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية وثائق سرية تتعلق بالتحقيق في وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات، أظهرت خلافات حادة بينه وبين خليفته محمود عباس.

وتوفي عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 عن عمر ناهز 75 عاما، في مستشفى "كلامار" العسكري بالعاصمة الفرنسية باريس.

جاءت وفاة الزعيم الفلسطيني إثر تدهور سريع في حالته الصحية، في ظل حصاره لعدة أشهر من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي في مقر الرئاسة (المقاطعة) بمدينة رام الله، وسط الضفة الغربية.

ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بقتل عرفات بواسطة "السُم"، وشكلت السلطة لجنة تحقيق رسمية في ملابسات وفاته، لكنها لم تعلن حتى الآن نتائج واضحة رغم تصريحات رئيسها توفيق الطيراوي في أكثر من مناسبة، أن "بيانات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتياله".

وفي 25 نوفمبر 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة، ورغم وجود غاز "الرادون" المشع في العينات، إلا أن الخبراء استبعدوا فرضية الاغتيال.

لكن معهد "لوزان السويسري" للتحاليل الإشعاعية كشف في تحقيق بثته قناة "الجزيرة" القطرية عام 2012، وجود "بولونيوم مشع" في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسموما بهذه المادة.

تسريبات جديدة

نشرت مجموعة تسمى "أيقونة الثورة" على قناة " تلغرام "شهادات لمسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية أمام لجنة التحقيق".

وتأسست المجموعة المذكورة على تلغرام في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022، وبدأت في نشر الوثائق السرية.  

وتزعم مصادر في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح أن التسريبات جاءت رغبة من حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والخليفة المحتمل لمحمود عباس.

ويهدف من ورائها إلى إزاحة منافسه ورئيس لجنة التحقيق "توفيق الطيراوي" من قيادة حركة فتح، بحسب ما قال موقع " نيوز ون " العبري.

وأردف الموقع: "في إطار معركة الخلافة التي تتصاعد على قيادة حركة فتح، جرى تسريب بعض البروتوكولات السرية للجنة التحقيق التابعة للسلطة الفلسطينية في ملابسات وفاة ياسر عرفات لأول مرة على مواقع التواصل الاجتماعي".

ولفت الموقع العبري إلى أن القاسم المشترك للشهادات المنشورة هو أنها تدل على وجود خلافات حادة كانت قائمة في ذلك الوقت بين عباس وعرفات، وجمعت اللجنة إفادات من 302 شخص حول ملابسات الوفاة. 

وفي التسريبات، قال "نبيل أبو ردينة" مستشار عرفات في شهادته "حتى اللحظة الأخيرة كانت هناك فجوات كبيرة بينه وبين أبو مازن (محمود عباس) وهناك خطوط حمراء لا يمكنني تجاوزها".

وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "حنان عشراوي" إن "هناك شخصيات فلسطينية أرادت تغيير الحكومة ورأت أن ياسر عرفات ليس الشخص المناسب لمنصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية".

وأضافت أنها كانت مقتنعة بأنهم سيغتالونه في نهاية المطاف لأنهم اتخذوا القرار وكان الشيء الوحيد المتبقي هو تنفيذ الإعدام.

وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح "جمال محيسن" في شهادته: "كان هناك خلاف عميق بين أبو مازن وياسر عرفات، وهذا شيء محرج ومخزٍ وآمل أن نجتاز هذه المرحلة".

وردا على تسريبات الوثائق السرية، قال رئيس لجنة التحقيق "توفيق الطيراوي" إن هذا اعتداء شخصي عليه من قبل عملاء الاحتلال الإسرائيلي"، وإن هذه المستندات ملفقة بقصد الإضرار بسمعته. 

وأكد أن التسريبات محاولة للإضرار بعمل لجنة التحقيق ومصداقية أعضاء اللجنة الذين عملوا بهدوء لعدة سنوات وحافظوا على سرية التحقيق.

ويقول مسؤولون كبار في حركة فتح إن التسريبات مرتبطة بالصراع المرير بين "حسين الشيخ" الذي سيخلف أبو مازن وبين "توفيق الطيراوي".

وبحسبهم فإن "حسين الشيخ" يحاول تشويه سمعة "توفيق الطيراوي" في إطار معركة الخلافة من أجل إبعاده عن حركة فتح.

ويحاول الشيخ خلق الانطباع بأن الطيراوي سرب الوثائق من أجل تحميل رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن مسؤولية وفاة ياسر عرفات.

معركة الميراث

وأشار المحلل السياسي والأمني في الموقع "يوني بن مناحيم" إلى أن معركة الميراث في القيادة العليا للسلطة الفلسطينية ​​تدخل مرحلة عالية المستوى. 

ويرى أن حسين الشيخ هو الوريث المقصود لرئيس السلطة الفلسطينية، وأبو مازن يعمل على القضاء سياسيا على منافسيه السياسيين في القيادة العليا لحركة فتح.

وعلى رأسهم " توفيق الطيراوي" والأسير في سجون الاحتلال "مروان البرغوثي"، وكلاهما عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح ويرون أنفسهم ورثة لعباس.

ويخطّط الشيخ للسيطرة على قيادة فتح من خلال مؤتمر الحركة الثامن (لم يجر تحديد موعده بشكل نهائي) الذي يختار مؤسساتها وقياداتها. 

وكان توفيق الطيراوي رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية سابقا، وهو اليوم عضو في اللجنة المركزية. وفي تقرير صادر عن لجنة التحقيق في السلطة الفلسطينية وجّهت له تهم فساد.

ولفت ابن مناحيم إلى وجود مرشح آخر وهو مروان البرغوثي، مهندس المقاومة في الانتفاضة الثانية الذي حكم عليه لخمس مؤبدات في السجون الإسرائيلية.

والبرغوثي عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح وهو المنافس المرير لأبو مازن وحسن الشيخ. وتظهر استطلاعات الرأي العام الفلسطيني على الدوام أن له شعبية كبيرة كوريث محتمل لأبي مازن. 

وفي العام 2021، أعلن مروان البرغوثي عن نيّته في الترشح في انتخابات السلطة الفلسطينية، التي ألغاها عباس بعد أن كانت مقررة في مايو/أيار من ذات السنة.

ونوه المحلل الأمني في الموقع إلى أن أبو مازن وحسين الشيخ عملا مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومع إسرائيل للتأكد من أنه لن يجرى إطلاق سراح البرغوثي كجزء من أي صفقة تبادل أسرى قادمة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.

فهو "كان ناشطا في الانتفاضة ومن شأنه أن يعطل التنسيق الأمني ​​للسلطة الفلسطينية مع إسرائيل والولايات المتحدة".

ويقول مسؤولون كبار في حركة فتح إن "حسين الشيخ" كان قادرا على إقناع عباس بالتعامل أولا مع "توفيق الطيراوي" وجعله عبرة للبقية كما فعل مع منافسه محمد دحلان عام 2011.

ووجه عباس لدحلان تهما بالفساد، وطرده من لجنة فتح المركزية وأراد أن يحاكمه، لكنه هرب إلى الأردن ومن هناك إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

واتخذ عباس خطوات ضد الطيراوي وطرده من رئاسة جامعة "الاستقلال" للعلوم الأمنية الواقعة في مدينة أريحا شرق الضفة الغربية، وسحب منه حرّاسه.

ويعرف الطيراوي الكثير من الأسرار الخفية عن رئيس السلطة الفلسطينية ويمكنه أن يشرع في الانتقام منه إذا جرى طرده من قيادة حركة فتح.

وأحد الأسرار الخفية التي يحملها هي الإجابة على قضية: من المسؤول عن وفاة ياسر عرفات. وفي ذلك الوقت، تبادل أبو مازن ومحمد دحلان الاتهامات بالمسؤولية عن موته.

والآن يقول كبار المسؤولين في حركة فتح إن المشتبه به الرئيس في مقتله هو طبيب أسنانه، بحسب الموقع العبري. 

وتساءل الدكتور "سعيد الطريفي" الذي كان رئيس جمعية طب الأسنان الفلسطينية وقتها: هل كان هذا الطبيب يمتثل لأوامر أبو مازن أم لمسؤول كبير في السلطة؟

وحسب تقديرات لجنة التحقيق، سمّم ياسر عرفات عن طريق إدخال السم من تلقاء نفسه مباشرة إلى أحد أسنانه، أو من خلال إدخال السم إلى معجون الأسنان الذي استخدمه.

وعندما جاء أفراد الأمن الفلسطينيون إلى منزل الطبيب لاعتقاله بعد أشهر قليلة من وفاة عرفات، قيل لهم إنه مات في ظروف غامضة، وبالتالي جرى حجب التحقيق، وفق الموقع العبري.

وتشير التقديرات إلى أن "توفيق الطيراوي" يحمل معلومات متفجّرة وخطيرة للغاية حول كبار القيادات في حركة فتح بما في ذلك التسجيلات، وقد تستخدم هذه المعلومات في التوقيت الأنسب له لتصفية الحسابات".