ماكرون يواجه خريفا ساخنا في الشارع والبرلمان الفرنسي.. ما القصة؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تظاهر آلاف الفرنسيين في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بالعاصمة باريس احتجاجا على غلاء المعيشة، بالتزامن مع استمرار إضراب عمال مصافي التكرير للمطالبة بزيادة الأجور، ما تسبب في ظهور طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الوقود.

وأوضحت صحيفة "الباييس"، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتوقع أن ينجح تيار اليسار في استقطاب هذه الحشود، محذرة أن الأزمة السياسية والمعيشية قد تحدث شللا في فرنسا يغادر على إثره ماكرون السلطة.

جبهتان مفتوحتان

وقالت الصحيفة الإسبانية إن ماكرون، الذي أعيد انتخابه في مايو/ أيار 2022، يواجه جبهتين مفتوحتين أمامه في أول خريف من سنوات ولايته الثانية والأخيرة في السلطة.

ويواجه ماكرون الجبهة الأولى في الشارع؛ بقيادة اليسار وبعض النقابات الذين يتحدون ضد الرئيس الفرنسي على أمل إطلاق حركة عامة لصالح تحسين الأجور.

أما الجبهة الثانية، فتتمثل في البرلمان؛ حيث يجد ماكرون نفسه دون أغلبية مطلقة منذ الانتخابات التشريعية في حزيران/ يونيو 2022.

ومع إحجام المعارضة عن التعاون، ليس لدى ماكرون مجال كبير للمناورة، ويفكر في اللجوء إلى مرسوم في الأيام المقبلة لاعتماد الميزانيات. 

وأضافت الصحيفة أن اليسار الفرنسي نظم في باريس مظاهرة "ضد غلاء المعيشة والتقاعس البيئي"، روج لها زعيمه المناهض للرأسمالية والمتشكك في أوروبا، جان لوك ميلينشون.

في السياق ذاته، دعت أربع نقابات إلى الإضرابات والاحتجاجات دفاعا عن رفع الأجور والحق في الإضراب.

ويحاول كل من ميلينشون والكنفدرالية العامة للشغل الاستفادة من زخم إضراب الأجور الذي تسبب منذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 في أزمة المصافي، ما نتج عنه طوابير في محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد.

عموما، كلاهما بحاجة إلى استعراض القوة في الشارع.

فيما يريد ماكرون منع انتقال عدوى الإضراب إلى القطاعات الأخرى وإحياء حركة السترات الصفراء، وتمرد الطبقات الوسطى الفقيرة في مقاطعة فرنسا التي كادت أن تدمر ولايته الأولى.

في الحقيقة، لم ير الرئيس ولا الحكومة أن الصراع في المصافي قادم وسيكون له تأثير على سائقي السيارات.

في المقابل، اعتقدوا أنه من خلال تأجيل إصلاح نظام التقاعد إلى يناير/ كانون الثاني 2023 قد نزعوا فتيل بؤرة رفض محتملة هذا الخريف. 

وحتى هذا الأسبوع، لم يتفاعلوا مع أزمة المصافي، مع دعوات شركة النفط توتال إينرجي للتفاوض والتهديدات من أجل إعادة فتح الأنابيب.

"ماكرون ضعيف"

ونقلت الصحيفة الإسبانية عن عالم السياسة المخضرم باسكال بيرينو قوله: "لم ير ماكرون وفريقه أن هذه الأزمة قادمة، وتكمن المشكلة في أن ماكرون ضعيف عندما يتعلق الأمر بالنزول إلى أرض الواقع وتبين حقيقة الوضع في البلاد".

ويشير بيرينو في هذا السياق إلى حزب ماكرون، قليل الخبرة على أرض الواقع، وإلى النواب الذين يتمتعون بوزن سياسي ضئيل، وأيضا إلى ندرة رؤساء البلديات المساندين لماكرون والقادرين على تحذير باريس عند اقتراب عاصفة.

ومع ذلك، يشك بيرينو في أن فرنسا على وشك مواجهة انفجار شارع آخر مثل احتجاجات السترات الصفراء في عام 2018.

ويعلل رأيه قائلا: "الرأي العام غير مستعد لدعم حركة السترات الصفراء هذه المرة، وعلى عكس ذلك الحين، يعد الشعب أن الاتحاد العام للعمال روج للحركة وتلاعب بها، عندما كانت السترات الصفراء تلقائية".

ويعد الخبير أيضا أن "هذه الفترة غير مواتية لقيادة احتجاجات أو نضالات على مستوى جميع الجبهات". في الحقيقة، قلبت الحرب في أوروبا كل الموازين.

وأشارت الباييس إلى حقيقة أن ماكرون لم يواجه خلال ولايته الأولى، بين 2017 ومايو 2022، مشكلة الأغلبية البرلمانية، حيث إنه تمكن من ضمان رضوخ البرلمان إلى قراراته.

أما الآن، فيصل عدد المقاعد التي تدعمه إلى 250 نائبا: حيث إنهم يشكلون القوة الأولى، لكنهم بعيدون عن الأغلبية البالغ عددها 289. 

ونتيجة لذلك، لم يعد بإمكان ماكرون الموافقة على الميزانيات بمفرده.

ومع وجود 3500 اقتراح تعديل واحتمالات محدودة للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة، قرر الرئيس بالفعل اختيار تطبيق المادة 49.3 من الدستور.

وتسمح هذه المادة بإنهاء المناقشات واعتماد الميزانيات بمرسوم. وفي هذه الحالة سترضخ المعارضة أمام "استبداد" ماكرون. وسيتبقى لديها سلاح واحد لإيقاف المادة 49.3، ألا وهو خيار حجب الثقة.

حجب الثقة 

في هذا السياق، يقول الخبير السياسي بيرينو: "لا أعتقد أن هناك في هذه اللحظة مجال التقاء لتيارات المعارضة المختلفة، من اليمين إلى اليسار أو البيئيين".

ويواصل: "لكن دعونا نتخيل حالة أزمة حقيقية، حيث توجد حالة شلل حقيقة، وحيث يكون اقتراح حجب الثقة السبيل الوحيد للخروج من الأزمة. في هذه الحالة سنذهب إلى نص عام 1962".

وأشارت الصحيفة إلى أن اقتراح حجب الثقة سيفرض الآن ببساطة، إذا نجح، تعيين رئيس وزراء جديد وحكومة جديدة. في هذا السياق يمكن أن يهدد ماكرون بحل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة. 

عموما، من الصعب أن يحدث ذلك الآن، لكن فترة الخمس سنوات طويلة. من جانب آخر، لم يعد شق مؤيدي ماكرون مثلما كان في السابق مطيعا ومواليا للقائد.

في الحقيقة، تظهر العديد من التيارات، وحرب صامتة على الخلافة. علاوة على ذلك لا توجد فترة خمس سنوات دون أزمات غير متوقعة، وهذه الفترة لم تأت بعد. 

في وقت سابق، جرت دعوة آلان مينك، مستشار وكاتب مقالات ومقرب من ماكرون، خلال محادثة في سبتمبر 2022، للقيام بتمرين في الخيال السياسي.

يجرى خلاله تخيل أول ولاية لماكرون مدتها خمس سنوات مع البرلمان الحالي، أي السترات الصفراء وإصلاح المعاشات والوباء وغياب أغلبية مطلقة.

وفي سؤال الصحيفة عن إمكانية نجاة برلمان كهذا من مثل هذه الأحداث. كانت إجابة المحلل سلبية.

ويقول: "الصعوبات ليست هي نفسها اليوم، لكن ستكون موجودة. وفي يوم من الأيام سيقدم الجمهوريون اقتراحا بحجب الثقة، لكن اقتراح سحب الثقة من الجمهوريين يمكن أن يحصل على أصوات أقصى اليسار واليمين المتطرف". 

وأكدت الصحيفة أن لجوء ماكرون إلى انتخابات تشريعية جديدة يحمل الكثير من المخاطر التي تهدد عرشه.

ففي حالة هزيمة ماكرون في الانتخابات التشريعية، ستجبره هذه النتيجة على التعايش مع رئيس وزراء وحكومة ذات توجه سياسي آخر.

في الآن ذاته، يتوقع مينك خيارا آخر، وهو الاستقالة. ويقول: "إذا خسر التشريعية، فأنا لا أستبعد على الإطلاق أنه سيغادر".