تهافت أنظمة التطبيع لشراء أسلحة إسرائيل.. كيف يؤثر على جيوشها وشعوبها؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد توقيع اتفاقات أبراهام التطبيعية في سبتمبر/أيلول 2020، بدأت دول عربية بإنعاش خزينة شركات السلاح الإسرائيلية بمليارات الدولارات، ضمن عقود مثيرة للريبة وهوس متصاعد بالتسلح.

وقفزت مبيعات إسرائيل العسكرية عام 2021 إلى مستوى قياسي بلغ 11.3 مليار دولار بزيادة قرابة 3 مليارات عن العام الذي سبقه، حسبما نقل موقع "وول ستريت جورنال" في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022 عن وزارة الجيش الإسرائيلية.

ووفقا لما نشره موقع "ديفنس نيوز" في 22 يونيو/حزيران 2020، و"أورف أونلاين" في 28 يوليو/تموز 2022، كان إجمالي عائد صفقات تصدير السلاح الإسرائيلية عام 2019 نحو 7.2 مليارات دولار.

وزادت إلى 8.3 مليارات عام 2020، بحسب إدارة المبيعات الدولية بوزارة الجيش الإسرائيلية، لتزداد بنحو 3 مليارات دولار في العام الذي يليه.

وقالت الوزارة الإسرائيلية إن مشتريات دول الخليج وحدها من الصناعات العسكرية الإسرائيلية بلغت 7 بالمئة من إجمالي الصادرات عام 2021، لأول مرة.

الصفقات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة أبرمت مع الإمارات والبحرين والمغرب خصوصا، وطرحت تساؤلات حول أسباب شراء السلاح الإسرائيلي؟ ولماذا تشتريها من تل أبيب رغم توافر أسلحة أعلى كفاءة لدى دول أخرى.

تهافت عربي

خلال لقائه مع مراسلين عسكريين عشية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لدولة الاحتلال في 7 يوليو 2022 قال وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، إن إسرائيل وقعت صفقات تصدير أسلحة مع دول عربية، لا تشمل مصر والأردن، بمبلغ ثلاثة مليارات دولار.

"لم يكن أحد في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يتصور أنه بعد مرور عامين على توقيع اتفاقات أبراهام بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب سيبلغ حجم التعاون الأمني هذه المرحلة"، حسبما تقول صحف عبرية.

مصادر إسرائيلية قالت لموقع Breaking Defense في 5 يوليو 2022 إن الثلاثة مليارات دولار "ليست سوى البداية وغيض من فيض".

وتوقعت أن يزدهر هذا النوع من الصفقات "بشكل كبير"، بسبب إنفاق الدول العربية مليارات على ترقية دفاعاتها ضد التهديدات المحتملة من إيران ووكلائها، خاصة معدات "الدفاع الجوي الإسرائيلية".

صحيفة "إسرائيل هيوم" نقلت عن رئيس إدارة التعاون الدولي بوزارة جيش الاحتلال الجنرال احتياط يائير كولاس، 5 سبتمبر 2022 أن سبب ارتفاع الطلب على أنظمة التسلح الإسرائيلية المتطورة هو "تغيير الأولويات والشراكات العالمية مثل اتفاقات أبراهام".

وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن التعاون العسكري بين إسرائيل والدول الثلاث يقتصر على بيع الأسلحة الدفاعية.

وقال مسؤولون إسرائيليون إنه "لا تزال هناك قيود مشددة على ما ستبيعه إسرائيل لجيرانها في الخليج".

أكد هؤلاء المسؤولون أن "تركيز إسرائيل الآن ينصب على بيع منتجات الدفاع الجوية للدول العربية، وأنه من غير المرجح أن توافق الحكومة الإسرائيلية على بيع أسلحة هجومية متقدمة للعرب في أي وقت قريب".

وأوضح بيني غانتس أن الأمر ليس قاصرا على بيع السلاح للعرب، كاشفا عن قرابة 150 لقاء بين مسؤولين أمنيين وضباط إسرائيليين وبين نظرائهم في دول عربية، ليس بينها مصر والأردن، خلال عامي توقيع اتفاقية "أبراهام".

وبينت "وول ستريت جورنال" أن الكثير من التعاون الدفاعي بين إسرائيل ودول الخليج مستمر "في السر"، بخلاف الاتفاقيات العلنية.

وقال مصدر أمني إسرائيلي في 26 أغسطس/آب 2022 إنه بالإضافة إلى التدريبات والاتصالات المعلنة التي تجري بين إسرائيل والمغرب والإمارات والبحرين "ثمة نشاطات عسكرية لم يعلن عنها حسب طلب بعض الدول العربية المشاركة"، وفق ما نشرته قناة "الحرة" الأميركية.

أكد أنه أجري 12 تدريبا وتعاونا في مجالات سلاح الجو والبحرية والمشاة والاستخبارات خلال العامين الماضيين بين الاحتلال وجيوش عربية، دون أن يحددها.

كشف أن حجم التعاون العسكري بين إسرائيل والدول التي وقعت معها اتفاقات أبراهام يفوق حجم التعاون بين تل أبيب وأثينا التي تعد حليفة إقليمية قوية تربطها مصالح مشتركة معها.

ويزعم الإعلام العبري أن تل أبيب كانت تبيع السلاح لأنظمة عربية سرا قبل اتفاقات تطبيع أبراهام.

لم توضح أرقام مبيعات وزارة جيش الاحتلال ما الذي اشترته الدول العربية من السلاح الإسرائيلي بثلاثة مليارات دولار، لكن التقارير الإعلامية الإسرائيلية أعطت بعض التلميحات عن هذه الصفقات.

المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إليكس فيشمان، كتب في 23 يوليو 2022 أن حجم الصفقات العسكرية مع الدول العربية بلغ 3.5 مليارات دولار، وأن المغرب اشترى وحده سلاحا إسرائيليا بقيمة 1.2 مليار دولار خلال عامين.

وقالت صحف إسرائيلية إن سر إقبال المغرب خصوصا، والإمارات على السلاح الإسرائيلي يرجع لوجود علاقات عسكرية سابقة بين تل أبيب وحكام أبو ظبي والرباط، وبيع أسلحة لهم سرا، لذا قفز تعاونهما عقب تطبيع "أبراهام".

وفي 19 يوليو 2022 ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن "إسرائيل والمغرب لديهما علاقات أمنية سرية منذ عشرات السنين"، وأن الرباط تلقت مساعدة من مستشارين عسكريين إسرائيليين لمساعدتها في حربها ضد جبهة البوليساريو (التي تنازعها بدعم جزائري على الصحراء الغربية).

وأكدت "هآرتس" أن منظومات الأسلحة التي باعتها "إسرائيل" للمغرب، في السنوات الأخيرة، تضمنت طائرات من دون طيار وبرامج سايبر هجومية ومنظومات دفاعية وبرامج هجوم سيبرانية، (مثل برنامج بيغاسوس).

تكثيف مغربي للعلاقات

منذ إعلان المغرب وإسرائيل، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، كثف البلدان تعاونهما العسكري بوتيرة متسارعة.

كانت الزيارة الرسمية التي أجراها رئيس الأركان الإسرائيلي السابق أفيف كوخافي إلى المغرب، وزيارته مقرات عسكرية في 22 يوليو 2022 أبرز مؤشر على مدى التطور في علاقات البلدين العسكرية.

في هذا اليوم، كتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" تقول إن اتفاقيات التعاون الدفاعي بين المغرب وإسرائيل "ستتضمن برامج لتطوير صناعة محلية لإنتاج طائرات بدون طيار "انتحارية" إسرائيلية لتعزيز الترسانة الجوية المغربية.

وهي طائرات "كاميكازي" بدون طيار، وتعد إسرائيل أحد المصدريين الرئيسين لهذا النوع، ما أثار تكهنات حول تشجيع تل أبيب الحرب بين المغرب وجارتها العربية الجزائر.

وقالت مجلة "لوبوان" الفرنسية إن التحالف الإستراتيجي والعسكري بين المغرب وإسرائيل "يقلق الجزائر، الخصم الإقليمي للرباط والداعمة للقضية الفلسطينية، والتي تشجب وصول الكيان الصهيوني الآن إلى أبواب المنطقة المغاربية".

وعلقت مجلة لوبوان الفرنسية على زيارة كوخافي للمغرب في 21 يوليو 2022، بالحديث عن "تعميق محور مغربي إسرائيلي جديد لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي".

سبق هذا زيارة أجراها وفد من كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى المغرب نهاية مارس/آذار 2022، لتوقيع اتفاق تعاون ينص على إنشاء لجنة عسكرية مشتركة.

واتفاقية إطارية جرى توقيعها بالرباط في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مع بيني غانتس تنص على "شراء الأسلحة والتدريب المشترك".

وتحت عنوان "هذه هي الأسلحة التي سيحصل عليها المغرب من إسرائيل"، ذكر موقع "إسرائيل 24"، في 25 نوفمبر 2021، تفاصيل الصفقة.

وأكد الموقع الحكومي أن "عملية بيع الأسلحة الإسرائيلية للمغرب ستشمل طائرات بدون طيار وأنظمة مضادة للصواريخ"، وتحديث بعض طائراته المقاتلة بتقنيات إسرائيلية ونقل تكنولوجيا لتطوير وتصنيع أنواع محددة من المسيرات محليا، وشراء نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي باراك 8، ودراسة إمكانية تطوير مقاتلات إف 5".

في 15 فبراير/شباط 2022 أكدت صحيفة الأعمال العبرية اليومية "غلوبس" أن شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية أبرمت صفقة لتزويد الجيش المغربي بنظام الدفاع الجوي والصاروخي Barak MX في صفقة قيل إن قيمتها تزيد عن 500 مليون دولار.

لم تعلق شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء"(IAI) على ما قالته "غلوبس" لكن المجلة الإسرائيلية ربطت الصفقة بتصاعد التوترات العسكرية بين المغرب وجارتها الجزائر، وعدته سبب حاجة الرباط لنظام دفاع صاروخي فعال ومتقدم.

وقالت صحيفة "هآرتس" التي تعاونت مع غلوبس في نشر التقرير، إنه يمكن لهذا النظام الدفاعي الإسرائيلي اعتراض تهديدات الصواريخ والقاذفات على بعد من 35 إلى 150 كيلو مترا على الأرض أو في البحر.

وتستخدمه البحرية الإسرائيلية والقوات البرية الهندية، واستخدمته أذربيجان لاعتراض الصواريخ الأرمينية خلال حرب قرة باغ عام 2020.

وباعت مجموعة "أفنون" وهي شركة إسرائيلية، المغرب نظام دفاع جوي صغير يسمى "سكاي لوك"، مصمم لحماية المطارات والقواعد العسكرية ومحطات الطاقة ومناطق صغيرة أخرى من هجمات الطائرات بدون طيار.

كما كشف الجيش الإسرائيلي في يوليو 2021 أنه استضاف وحدة كوماندوز مغربية في تدريبات متعددة الجنسيات وأقام علاقات عسكرية مباشرة مع الرباط في مارس 2022، واستضاف ضباطا مغاربة كبارا لبرنامج عمل مشترك لمدة عام.

وتحدثت وسائل إعلام مغربية عن مقترح إسرائيلي بـ "استخدام القوات الجوية الإسرائيلية للقواعد المغربية"، ونبه خبراء ومناهضون للتطبيع من هذه الخطوة التي ستجر البلاد إلى خطر فقدان السيادة الوطنية.

وقال موقع "لوديسك" في 21 يوليو 2022، إن "قائد أركان الجيش الإسرائيلي ناقش لدى استقباله بالمملكة إمكانية استخدام القوات الجوية الإسرائيلية للقواعد المغربية".

تعاون إماراتي متزايد

على غرار المغرب الذي بدأ مبكرا صفقات سلاح وتعاون عسكري واستخباري مع إسرائيل قبل اتفاقيات "أبراهام"، كشفت صحف عالمية وعبرية أن العلاقات العسكرية والأمنية الإسرائيلية الإماراتية سبقت توقيع اتفاق التطبيع.

وذكرت كل من مجلة "إنتلجنس أونلاين" (Intelligence online) الفرنسية المتخصصة، وصحيفة "معاريف" العبرية في 5 فبراير 2018 أن التعاون العسكري بين الإمارات وإسرائيل يزداد متانة وتنوعا.

وأضافتا أن هذا التعاون يشمل تزويد تل أبيب الإماراتيين بطائرات من دون طيار، ما يلبث بعضها أن يوجه لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقوات اللواء الانقلابي الليبي المتقاعد خليفة حفتر.

وعندما كانت الإمارات تبحث عن طرق لحماية معرض إكسبو دبي 2020 من هجمات الطائرات بدون طيار المحتملة التي يشنها الحوثيون في اليمن المدعومون من إيران، لجأت سرا إلى إسرائيل، بحسب ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

قالت الصحيفة، نقلا عن قادة إسرائيليين سابقين ومسؤولين في صناعة الدفاع: اشترت الدولة الخليجية نظام دفاع جوي إسرائيلي صغير مصمم لإسقاط طائرات بدون طيار معادية.

قالوا إن نظام الدفاع الجوي "Rafael Drone Dome" جاء لحماية معرض إكسبو دبي الذي اختتم في مارس/آذار 2021. 

وجاء البيع، الذي أكدته وكالة رويترز البريطانية أيضا في 23 سبتمبر 2022، وسط "إحباط إماراتي من الدعم الأميركي المحدود لها"، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

كما أنها جاءت بعد أن استخدمت مليشيا الحوثي طائرات مسيرة بعيدة المدى لمهاجمة عاصمة البلاد في وقت سابق من العام 2022.

وشاركت شركات الدفاع الإسرائيلية مثل الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) ورافائيل وإلبيت سيستمز ونير أور ويوفيجن وتومر، في معرض دبي الجوي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وعرضت أسلحة عديدة اشترت الإمارات بعضها.

وقالت ستايسي دوتان، كبيرة مسؤولي التسويق ومديرة مجلس الإدارة في مجموعة "أفنون"، وهي شركة إسرائيلية باعت أنظمة دفاع بطائرات بدون طيار للإمارات والمغرب، لصحيفة إنه جرى بيع العديد من الأسلحة في "ساحة اللعب الجديدة" هذه.

وقد مهدت إسرائيل الطريق أيضا لشراء الإمارات نظام دفاع جوي متحرك متطور يعرف باسم "سبايدر" لإسقاط طائرات بدون طيار وصواريخ كروز وتهديدات أخرى، وفقا لتأكيد أشخاص مطلعين على الصفقة لـ "وول ستريت جورنال".

عقيدة الجيوش

أحد أخطر النتائج المترتبة على التعاون العسكري بين الجيوش العربية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن شراء أسلحة من العدو في ظل تنامي الفقر بين العرب، هو احتمالات ارتباط ذلك بتغيير العقيدة العسكرية للجيوش وفق تغير السلاح والعدو المفترض.

الحصول على الأسلحة الإسرائيلية له جوانب خطيرة تتعلق بتغيير تكتيكات عسكرية وعقائد أمنية للجيوش العربية مثلما فعلت مصر والأردن بحيث لم تعد إسرائيل عدوا وباتت هذه الجيوش تبحث عن عدو بديل، وفق مراقبين.

وفي السياق تأتي أنباء عن قرب إرسال إسرائيل ملحقين عسكريين إسرائيليين إلى دول عربية أيضا حسبما أكد المصدر العسكري الإسرائيلي لموقع "الحرة".

وهو ما يعني نقل التعاون إلى مستويات أوسع وأخطر تجعل الصهاينة يتغلغلون في النسيج الدفاعي والسياسي لدول التطبيع.

إضافة إلى أن كثير من الأسلحة التي تشتريها الدول العربية من إسرائيل تتعلق بالاتصالات والمراقبة، ما يعرض الشعوب العربية لخطر التجسس خاصة المعارضين.

وهذا ما أكده الإعلام الإسرائيلي، إذ أشارت القناة الثانية العبرية في 19 سبتمبر 2015 إلى أن "إسرائيل تبيع الأسلحة للكثير من الدول وفي أحيان كثيرة تصل أسلحة إسرائيلية لدول عربية، بل وحتى دول عدوة".

وقال الصحفي "شاي ليفي" المتخصص في الشؤون العسكرية بالقناة الثانية، إنه ورغم السرية التي تفرضها شركات السلاح الإسرائيلية على الصفقات مع دول عربية، وتجنبها الحديث عن نوعيتها ووجهة الأسلحة، فإن المعدات الإلكترونية وأجهزة الاتصالات والمراقبة هي الأكثر مبيعا للبلدان العربية.