الجزائر تكتوي بنار الغلاء.. لماذا لم تمنع دموع الوزير الأول من لومه شعبيا؟

عالي عبداتي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم يستطع الوزير الأول الجزائري (رئيس الوزراء) أيمن بن عبد الرحمن، أن يمنع دموعه عندما تحدث عن نقص المواد الاستهلاكية في السوق المحلية، خلال جلسة مجلس النواب في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وخاطب ابن عبد الرحمن النواب بالقول: "أتقدم باعتذار لكل رب بيت وربة بيت وجدوا صعوبة في الحصول على بعض المواد واسعة الاستهلاك".

ووعد الوزير الأول بأن تضرب الدولة بيد من حديد كل من تسول له نفسه اللعب بقوت الجزائريين وتهريبه لخلق جو من البلبلة ودفع الدولة إلى فتح الباب على مصراعيه للعودة إلى الاستيراد الوحشي الذي كان موجودا.

وفي السياق نفسه، أكد وزير العدل حافظ الأختام، عبد الرشيد طبي، 7 أكتوبر 2022، أن جماعات منظمة تسعى إلى زعزعة استقرار المجتمع ومؤسسات الدولة، تقف وراء ظاهرة المضاربة وندرة بعض المواد الواسعة الاستهلاك.

وأوضح وزير العدل في تصريح للتلفزيون الجزائري، أنه "ثبت للجميع وبما لا يدع مجالا للشك بأن هذه الأفعال (المندرجة في إطار المضاربة) أصبحت جرائم منظمة ترتكبها جماعات تسعى الى زعزعة استقرار المجتمع ومؤسسات الدولة"، من خلال "زرع اليأس في نفوس المواطنين عبر ضرب قدرتهم الشرائية بصورة مباشرة".

ولفت طبي إلى أن المضاربة انتقلت حاليا إلى مرحلة أخرى تتعدى رفع الأسعار، وهو ما يؤكده وجود قرائن ودلائل تدفع إلى الاعتقاد بأنها أضحت "أفعالا منظمة تهدف إلى ضرب استقرار الدولة مباشرة".

وإزاء ذلك، يقول الوزير، إنه جرى الإعلان عن "تصنيف القضايا ذات الصلة بالمضاربة ضمن الجرائم التي يعالجها مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية".

ندرة ونقص

في الفترة الأخيرة، طفت على السطح في الجزائر أزمة ندرة عدد من المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها الزيوت النباتية والحليب والسميد، مما أثار غضب المواطنين وأبدت السلطة أيضا عدم ارتياحها مما يجري.

وأصدرت السلطات الجزائرية في مارس/آذار 2022 قرارا يقضي بتجريم تصدير كل ما تستورده الجزائر من منتجات استهلاكية، كالسكر والعجائن والزيت والسميد والقمح.

وشددت جريدة "ميدل إيست أونلاين" في مقال لها، 7 أكتوبر 2022، على أن "الجزائر تواجه شحا في المواد الغذائية الأساسية، ما فاقم متاعب الجزائريين الاجتماعية".

وأشارت إلى أن جمعيات الدفاع عن المستهلك في الجزائر قالت إن الأسواق تشهد ندرة حادة في مواد واسعة الاستهلاك مثل زيت المائدة والحليب والسميد (الطحين).

وأبرز المصدر ذاته، أن هذه المواد تدخل ضمن السلع التي تدعم الدولة أسعارها، لتغطية الفارق بين سعرها الأصلي وسعر التسويق للمواطن. 

وتخصص الجزائر موازنة سنوية مقدارها 15 مليار دولار لما تسميه "سياسة دعم الفئات الهشة".

وارتفعت أسعار البقوليات الجافة، الواسعة الاستهلاك في الجزائر، بشكل لافت في مختلف أسواق ومحلات العاصمة، ومنها الفاصولياء والحمص والعدس والأرز، وفق ما ذكرت وكالة الأناضول التركية في 27 سبتمبر 2022.

ونشر ناشطون صورا للفاصولياء والحمص والعدس، مرفقة بمكسرات على غرار اللوز والفستق وغيرها، في إشارة إلى تصنيفها كمكسرات بسبب ارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق.

يرى المستثمر في المجال الفلاحي أبو جنان القبطان لـ"الاستقلال"، أن السماسرة يحتكرون السلع، ولا يدخلونها إلى بعض المناطق، مما يخلق فيها بعض المشاكل، ولا سيما الزيت والحليب، نظرا لحاجة الأسر لهما بشكل يومي.

لكن، في المقابل، يقول الناشط السياسي الجزائري وليد كبير، إن النقص المسجل في كل المواد الغذائية والاستهلاكية تقريبا، وإن كان يرجع في جزء كبير منه إلى الاحتكار والسمسرة، فإن هذه الممارسات ليست مستقلة بذاتها، بل هي نتاج سوء إدارة وتسيير.

وذكر كبير لـ"الاستقلال"، أن النظام فشل في توفير عدد من المواد الغذائية الأساسية، لأنه يعتمد سياسة دعم تجعل من هذه المواد محل مضاربة وتهريب.

تسييس اقتصادي

ويتحول النقص المسجل إلى طوابير يشغلها المواطنون بحثا عن هذه المواد المدعمة، والتي تباع بفارق كبير مقارنة مع سعرها الحقيقي، كما قال.

وعليه، أردف الناشط السياسي المعارض أن المضاربة جاءت نتيجة لتسييس النظام لاقتصاد البلاد، عوض بناء اقتصاد مهيكل.

وانتقد أيضا عدم تسطير السلطة لسياسة اجتماعية حمائية تراعي ظروف المواطنين، أو نهج سياسي يمنع تبذير الموارد وإرشاد النفقات، والوقوف أمام آفة المضاربة.

ويتبنى عدد من الفاعلين في الحقل القانوني والاقتصادي المنحى الذي تفسر به الحكومة إشكالية غياب ونقص عدد من المواد، أي إشكالية المضاربة.

ومن ذلك ما عبر عنه المحامي والخبير القانوني الجزائري، نجيب بيطام، من أن "المضاربة اليوم تحولت إلى جريمة منظمة ومعقدة في الجزائر".

كما يوافق ما ذهبت إليه الحكومة من وجود أياد خارجية دون تحديدها تعبث بهذا الملف، قائلا عن هذه المضاربة، في 7 أكتوبر 2022، "يبدو أن لها خيوطا دولية، ولم تعد فقط تتعلق بزيادة الأسعار وإنما تهدف لضرب الاقتصاد الجزائري والاستقرار".

من جانبه، أكد رئيس الفيدرالية الوطنية لتجار الجملة للمواد الغذائية، سعيد قبلي، أن المضاربة موجودة عند باعة المواد الغذائية، فالكثير منها تباع بفارق كبير عن سعرها الحقيقي.

ووفق ما ورد بالجريدة الإلكترونية "الشروق أونلاين"، 4 سبتمبر 2022، دعا قبلي المواطنين للكثير من الوعي، ومحاربة مثل هذه التصرفات التي تصدر من تجار يمتصون دم المواطنين في وقت يشتكي الكثير من تدهور القدرة الشرائية.

في السياق ذاته، أكد الناطق الرسمي لاتحاد التجار والحرفيين، عصام بدريسي، أن المواد الغذائية متوفرة، غير أن بعض الولايات التي ارتفع عدد زوارها زاد بها الطلب على سلع استهلاكية.

 وأدى ذلك إلى تذبذب بسبب نقص الوفرة، وكان من المفروض، بحسبه، توزيع كميات من مواد غذائية كثيرة الطلب.

وفيما يخص المضاربة، أوضح بدريسي أنه لا يوجد قانون يمنع الزيادة في مواد غذائية غير مدعمة وغير مسقفة.

ولكن إذا كانت هناك زيادات سعر مبالغ فيها، فعلى المواطن أن يتفادى تشجيع مثل هذه التصرفات من خلال التعامل مع تجار هدفهم الربح السريع على حساب المواطن البسيط، وفق قوله.

ودعا بدريسي، إلى ضرورة توسيع قائمة المواد الغذائية المسقفة، وهذا في إطار حماية المستهلك الذي يعاني من تدهور القدرة الشرائية، وغلق الطرق أمام التجار المضاربين.

أزمة نظام

وخلال رمضان 2022، واجهت الجزائر أزمة نقص ومضاربة في أسعار عدد من المواد، وأكد حينها الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي أن حل أزمة التلاعب بقوت الجزائريين يفرض اليوم تبني عدة خطوات.

وأضاف خرشي في تصريح نقله "الشروق أونلاين"، 5 أبريل/نيسان 2022، هذه الخطوات "هي رقمنة قطاع التجارة من المنتج إلى المستهلك، وبدرجة أكبر الموزعين الذين يقفون اليوم وراء لهيب الأسعار".

وأيضا فرض الفوترة، ووضع نموذج جديد للتوزيع وإعادة النظر في المتدخلين في هذه الشبكات، مع اعتداد تجار الجملة أهم حلقة في العملية.

وفق المتحدث نفسه فإنه يجب "تشجيع الإنتاج الفلاحي المحلي وإعادة ترتيب كافة احتياجات الشعب، لا سيما الأساسية على غرار الحليب واللحوم والحبوب وتحقيق الاكتفاء الذاتي فيها، فضلا عن ضرورة فتح مساحات تجارية كبرى لبيع المواد الغذائية تكون تحت تسيير الدولة ومراقبتها".

غير أن الناشط السياسي وليد كبير يركز على أن الإشكال يوجد في بنية النظام السياسي في البلاد وليس في وفرة بعض المواد أو الإنتاج.

ويقول كبير لـ "الاستقلال"، إن الدعم المخصص للفئات الهشة، سواء من بعض المواد الغذائية أو لدعم فواتير الماء والكهرباء، مكلف جدا.

وأبرز المتحدث ذاته أن النظام لم يطور سياسة الدعم، بل أبقى على نفس القواعد المعتمدة منذ عقدين من الزمن، لأنه يريد بذلك شراء السلم الاجتماعي، ويخشى فقدان السيطرة على الوضع بما يفضي إلى تغيير سياسي لا يقبله.

وشدد كبير أن مشكل الاقتصاد، بما فيه النقص في بعض المواد أو ارتفاع ثمنها أو المضاربة وغيرها، يتطلب حل الأزمة السياسية.

وبين أن الجزائر تعاني من أزمة سياسية مزمنة ممتدة على ستة عقود، أي منذ الاستقلال إلى اليوم.

وقال إن النظام الجزائري المتصف بضعف الاستقرار يتبنى نظرة شمولية، ويعتمد الاستبداد وقمع وترهيب المعارضين، ويقوض الحريات، ويستفيد من عوائد النفط والغاز لشراء السلم الاجتماعي وتمييع الحياة السياسية.

لذا، يخلص كبير، لا يمكن للنظام في ظل هذه المواصفات بناء اقتصاد مهيكل ومنظم ومتنوع، أو وضع سياسة اجتماعية مضبوطة تلبي حاجيات المواطنين، أو ترشيد النفقات وتمكين المواطنين من حياة كريمة وفي رخاء.