رادار أمني.. كيف حولت سلطة رام الله الضفة الغربية إلى سجن كبير؟

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تواصل السلطة الفلسطينية فرض سياسة تكميم الأفواه لمنع أي صوت معارض أو منتقد، وتستخدم في ذلك كل الوسائل غير المشروعة، رغبة منها بالإبقاء على صوت واحد يعبر فقط عن توجهاتها، وسياساتها، متجاهلة ما يشهده العالم من ثورة معرفية، وانفجار إلكتروني، وتجاوز لإجراءات الأمن التي عفا عليها الزمن.

شهدت الآونة الأخيرة زيادة في الحوادث التي تسلط الضوء على تراجع الحريات العامة في الأراضي الفلسطينية عموما، لاسيما فيما يتعلق بتزايد وسائل مراقبة أجهزة السلطة الفلسطينية للمواطنين، وتنسيقها الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأثره على حياة الفلسطينيين وحرياتهم.

رقابة إلكترونية

آخر هذه الأحداث، كان في 12 يونيو/حزيران الجاري قررت جامعة الخليل بالضفة الغربية، فصل 7 من طلابها بسبب ما قالت إنه إساءة للجامعة على صفحات التواصل الاجتماعي، وهم: أحمد شريتح، حنين أبو زينة، صفاء عبد النبي، أنسام عطاونة، أنعام بدر، صهيب أبو غيث وعبد الرحمن سليمان.

شريتح أبلغ "الاستقلال" أنه "صدم بقرار فصله من الجامعة مع 6 من زملائه، بعدما قاموا بالتعليق على أحد المنشورات التابعة لصفحة القبول والتسجيل بالجامعة. تعليقاتنا كانت عادية، ولم تحمل إساءة للجامعة، وتندرج في إطار حرية الرأي والتعبير".

هذه الحوادث وكثيرة غيرها تشير إلى ضيق صدر السلطة الفلسطينية والمؤسسات التابعة لها بأي صوت يغرد خارج سربها، الأمر الذي زاد من حوادث الملاحقة بناء على آراء حرة، وتعبيرات مختلفة، وكتابات غير منسجمة مع توجهات السلطة، وتعميماتها.

خليل عساف، سياسي فلسطيني معارض، وعضو لجنة الحريات العامة في الضفة الغربية، قال لـ "الاستقلال": "السلطة الفلسطينية تتبع سياسة المراقبة لكل صوت معارض، وتعمل على الحد منها، بل إنها باتت في الآونة الأخيرة تنتهج عقوبات غير مسبوقة تتمثل في قطع أرزاق معارضيها، بفصلهم من وظائفهم العامة".

مضيفا: "هذه الإجراءات القمعية باتت تشكل تهديدا صريحا وليس ضمنياً بأن كل من يتحدث خارج النسق الذي تضعه السلطة سيفقد مصدر رزقه، ما يتطلب خروج حراك شعبي فلسطيني لوقف هذه الإجراءات التي تخدم فئة معينة، ولا تبني وطنا، ولا تقيم مجتمعا سليما".

هذه الملاحقة والمتابعة الأمنية الفلسطينية أدت إلى انتشار ظاهرة الرقابة الذاتية بين الصحفيين والكتاب، وحصل مع الكثيرين منهم في أحيان عديدة أن ينشر أحدهم منشورا، وبعد 5 دقائق يحذفه، أو يجعله بخاصية "أنا فقط"، لكن من الواضح أن الأمن يحتفظون نسخة منه، واللافت أكثر أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تملك كثيرا من الحسابات الوهمية التي تراقب من خلالها النشطاء.

تجسس وتنصت

صحفي فلسطيني في الضفة الغربية، أخفى هويته، أبلغ "الاستقلال" أن "الآونة الأخيرة شهدت سلسلة استدعاءات لعدد من الصحفيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتمت مراجعتهم في بعض ما يكتبونه على صفحاتهم الشخصية".

مضيفا: "ما خلق شعوراً لديهم بأن الأجهزة الأمنية تتابع صفحاتهم منذ مدة، كل ذلك يجعل الصحفيين والمدونين والكتّاب في حالة إحباط وخوف، فلا ينشرون ما يجول بصدروهم من قناعات وآراء خشية الملاحقة الأمنية".

وتابع: "الفلسطينيون على نطاق واسع يعتقدون أن الأجهزة الأمنية تخصص طواقم جاهزة لرصد مواقع التواصل الاجتماعي، بل أنه لوحظ في الآونة الأخيرة، وجود تفاعل غير مسبوق من قبل عدد من منتسبي الأجهزة الأمنية على هذه المواقع، سواء من خلال متابعة صفحات شخصية، أو عامة لإعلاميين، أو وسائل إعلام، أو لناشطين مجتمعيين وسياسيين، وهؤلاء لديهم قناعة كاملة بأن الأجهزة الأمنية تتابع صفحاتهم".

في ذات السياق، دأبت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على التنصت على الفلسطينيين، من خلال وحدات المراقبة الإلكترونية، حيث يتم كتابة اسم المواطن الذي تتم مراقبته بشكل رباعي، وفي خانة أخرى يكتب تاريخ ميلاده، ورقم هويته، ومكان سكنه، وانتمائه السياسي، ورقم هاتفه، ومحل عمله، وأسفل هذه التفاصيل يكتب الضابط الخاص بالمراقبة تقريرًا مختصرًا في خانة تسمى "تقدير موقف ضابط الحالة".

ومن النماذج الخاصة بالمراقبة، كتب الضابط أسفل خانة أحد المواطنين: المذكور تهجم على السلطة الفلسطينية والحكومة، ويقوم بالتحريض، ومواصلة الإضراب أمام مجلس الوزراء، والمطالبة بحقوق المعلمين، ويستعرض التقرير أبرز النشاطات التي يقوم بها المواطن محل المراقبة، والصفحات التي يتابعها، ومشاركاته على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يمكن القول أن الفلسطينيين باتوا بلا خصوصية.

إسلام شهوان، المتحدث السابق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية، والخبير الأمني، قال لـ "الاستقلال": "ما تقوم به أجهزة أمن السلطة الفلسطينية الـ13، من متابعة وملاحقة أمنية لرصد تحركات المواطنين ومحادثاتهم، يجعل المجتمع الفلسطيني شاشة مفتوحة أمام هذه الأجهزة، ويلغي كل خصوصية للأفراد".

وأضاف: "هناك عدة أسباب لتنامي هذه الظاهرة السلبية، أولها أن السلطة الفلسطينية تبيع المعلومات عن مواطنيها بالمال لأجهزة أمنية أخرى، قد تكون إسرائيلية أو عربية أو دولية".

"ثاني هذه الأسباب تتعلق بصراع النفوذ والقوى الذي تعيشه الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية. أما ثالث الأسباب أن الضفة الغربية هي ساحة المواجهة المستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذلك يتم إخضاع كل حركة وسكنة فيها لمتابعة الأمن".

التنسيق مع إسرائيل

يتزود ضباط أمن السلطة الفلسطينية بأجهزة أمريكية وإسرائيلية، تسجل مكالمات ومراسلات من هاتف نقال، أو بريد إلكتروني، أو ماسنجر أو واتساب، لأي شخص يخضع للمتابعة.

وبغض النظر عن شبكة الاتصالات التي يستخدمها، ويصل الأمر إلى استخدام نبرة الصوت إذا قام بتغيير أرقامه المعتادة، كل ذلك ضمن دائرة التنسيق الأمني مع إسرائيل.

صحيح أن موضوع التنصت ليس جديدا، وكان معمولا به بشكل فردي من قبل الأجهزة الأمنية، لكن أن يتم تأطيره بشكل مؤسساتي لخدمة الاحتلال الإسرائيلي، فهذا يعني أن السلطة وأجهزتها تحولت لأدوات بأيدي الاحتلال في محاربة المقاومة، ما يعني أن التنصت اليوم يتحول إلى حالة مؤسسة بدلًا من الفردية، يتم من خلالها التنصت على جميع المواطنين.

وتهدف عملية التنصت إلى تعرّف الجهات الأمنية على حياة المواطنين، ومتابعتهم، ومعرفة أحاديثهم، وكذلك السياسيين، وهي حالة لاستنساخ تجربة أجهزة الأمن الإسرائيلية بنسخة فلسطينية.

أحمد زغبر، رئيس كتلة الصحفي الفلسطيني قال لـ "الاستقلال": "حالة الحريات العامة في الضفة الغربية وصلت إلى مستويات سحيقة غير مسبوقة، بفعل الملاحقات الأمنية والسياسية المتبعة من السلطة الفلسطينية وأجهزتها ضد كل صوت معارض".

كتلة الصحفي، حسب زغبر، ترى في غياب أجسام نقابية فلسطينية حقيقية تواجه الانتهاكات والملاحقات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية "أمر في غاية الخطورة، لأن غيابها يشكّل دافعا مشجعا لاستمرار الانتهاكات في الضفة الغربية".

الممارسات الأمنية الفلسطينية ضد مواطنيها أخذت عدة أشكال، بين مراقبة الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفصل الطلاب والموظفين، واعتقال المواطنين بناء على كتاباتهم، ووضع كاميرات مراقبة في الشوارع، وداخل المساجد.

أضف إلى ذلك تسيير مركبات مزوّدة بكاميرات مراقبة على الطرق العامّة، مما أثر سلباً على حياة الفلسطينيين وحرياتهم في الضفة الغربية، وجعلهم يعيشون في سجن كبير يراقبهم رادار أمني في حلهم وترحالهم.