مؤرخ أميركي: صندوق النقد أداة واشنطن لإعادة تشكيل العالم وترسيخ نفوذها

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أجرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية مقابلة مع أستاذ التاريخ والدراسات الاجتماعية بجامعة هارفارد الأميركية جيمي مارتن، الذي نشر أخيرا كتابا بعنوان "المتطفلون: السيادة والإمبراطورية وولادة الحكومة الاقتصادية العالمية". 

ويسلط الكتاب الضوء على المؤسسات الاقتصادية العالمية، بداية من المؤسسات التي ولدت منذ ما يزيد قليلا عن قرن من الزمن، في سنوات الحرب العالمية الأولى، إلى أحدث المؤسسات وأكثرها إثارة للجدل مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.

في الآن ذاته، يطرح الكاتب أسئلة مثل سبب إنشاء هذه المؤسسات أو من يقف وراءها ويثير الجدل حول ما تعنيه السيادة الوطنية في عالم يزداد عولمة، مؤكدا أنها تجتمع في النهاية لترسيخ نفوذ أميركا بالعالم.

شبكة مصالح

وفي الحديث عن هذه المؤسسات التي وصفها مارتن بالمتطفلة، أكد الخبير أن العديد من المؤسسات التي تحدث عنها في كتابه، وفي سياق تاريخ الحوكمة الاقتصادية العالمية، ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى بشكل أساسي. 

وتأسست على يد الجانب المنتصر، مثل الإمبراطورية البريطانية أو فرنسا أو الولايات المتحدة، على الرغم من أن بلاد العم سام قد لعبت دورا معقدا في مؤسسات مثل عصبة الأمم. 

كانت هذه المؤسسات الأولى، مثل عصبة الأمم أو فيما بعد بنك التسويات الدولية، موجودة عند التقاطع بين القوة الإمبريالية وسلطة الكيانات الخاصة، وعلى رأسها الكيانات المالية. 

وبهذا الشكل يمكن القول إن المؤسسات الاقتصادية الدولية الجديدة التي ظهرت في ذلك الوقت كانت بمثابة طريقة جديدة للتوسط في السلطة بين الدول والجهات الفاعلة الخاصة، في محاولة لتحقيق نوع جديد من الحوكمة الاقتصادية وحتى السيطرة على الاقتصاد العالمي، الذي سقط إلى الهاوية بعد الحرب.

وأشار الخبير إلى أن المؤسسات الأولى للحوكمة الاقتصادية العالمية في نهاية الحرب العالمية الأولى ظهرت خلال فترة لا زالت فيها إمبراطوريات استعمارية أوروبية قوية قائمة وعلى قيد الحياة. 

ومع نهاية هذه الحرب، تمكنت إنجلترا وفرنسا من تحقيق أكبر امتداد  في التاريخ لإمبراطورياتهما. لهذا السبب لم يكن مفاجئا أن تعكس تلك المؤسسات المالية العالمية المبكرة أشكالا إمبريالية للحكم.

وفي الوقت نفسه شهدت أفكار مثل القومية وتقرير المصير رواجا بعد الحرب العالمية الأولى؛ وهو ما يشكل تحديا أمام هذه المؤسسات الأولى عندما يتعلق الأمر بممارسة السلطة بالتزامن مع إعادة تكييف أدوات الإمبريالية المالية لعالم كانت فيه الإمبراطوريات تفقد شرعيتها ببطء ولكن بثبات. 

لهذا السبب عندما تم إنشاء هذه المؤسسات كان على مؤسسيها أن يشرحوا بعناية فائقة كيف ستحترم هذه المؤسسات السيادة الرسمية لجميع الدول الأعضاء، وهو ما يفترض أنها لن تكون قادرة على حث البلدان بشكل قسري على تنظيم المسائل الاقتصادية أو السياسة الداخلية.

مشاكل عديدة

وأورد أستاذ التاريخ والدراسات الاجتماعية بجامعة هارفارد أن إنشاء هذه المؤسسات رافقه العديد من المشاكل.

فعندما واجهت بعض الدول الأعضاء عدم الاستقرار المالي في عشرينيات القرن الماضي، اتبعت منهج عدم إخبار البلدان الأعضاء بكيفية إدارة سياستها النقدية والمالية. وفي المقابل بدأت بالتوغل وإقحام نفسها في القضايا الداخلية والحساسة للبلدان. 

في الواقع، عندما تأسس صندوق النقد الدولي في أربعينيات القرن الماضي، كان هناك اتفاق مشترك بين مؤسسي المؤسسة الأكثر نفوذا على الجانبين البريطاني والأميركي، يفرض على صندوق النقد الدولي إذا أراد أن يكون مؤسسة ناجحة عدم التدخل بعمق في الشؤون الاقتصادية والسياسية المحلية للدول الأعضاء.

ولكن من الناحية العملية انتهى الأمر بالشيء نفسه كما حدث قبل سنوات مع عصبة الأمم.

وبمجرد إنشاء صندوق النقد الدولي طورت المؤسسة تدريجيا المزيد والمزيد من القوة بطريقة غير متوقعة إلى حد ما.

وبحلول الخمسينيات كان قد بدأ بالفعل بإملاء سياسات مالية على الدول الأعضاء التي طلبت منه الحصول على المساعدة وفرض الطريقة التي يجب أن تدير بها سياستها النقدية.

وفي الحديث عن حقيقة إنشاء المؤسستين لتكونا أدوات لترسيخ قوة الإمبريالية الأميركية؛ أشار المحلل إلى أن أنه عندما ابتكر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تصاميمهما استجابا للطريقة التي اعتقد المسؤولون الأميركيون من خلالها أنهم سيستخدمونها لاحقا.

وفيما بعد، كمؤسسات دولية، اتخذ كل منهما طابعه الخاص واستجاب لحوافزه ومصالح أعضائه.

في الواقع، كانت الولايات المتحدة قادرة على ممارسة حق النقض، ومن الواضح أنه جرى إنشاء صندوق النقد بطريقة لا تسمح له بالوقوف ضد مصالح الولايات المتحدة.

وبمرور الوقت أصبح من الجلي أن كلا المؤسستين أصبحتا في النهاية أدوات مفيدة للغاية، تمكنت الولايات المتحدة من استخدامهما في اللحظات الحاسمة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. 

ترسيخ النفوذ

وفي هذا المعنى، يمكن الحديث عن دور صندوق النقد الدولي في التسعينيات، عندما أشرف على انتقال العديد من الدول الشيوعية إلى الرأسمالية.

من ناحية أخرى، خلال الأزمة المالية في الدول الآسيوية كان من الواضح أن صندوق النقد الدولي يستخدم لخدمة المصالح الأميركية في تشكيل النظام العالمي بعد الحرب الباردة.

وعن وضع صندوق النقد الدولي الآن وإمكانية ظهور مؤسسات أخرى بديلة خاصة بعد أزمة عام 2008 وجائحة كوفيد والحرب الآن في أوروبا؛ أشار المحلل إلى أن شعبية صندوق النقد الدولي قد تراجعت كثيرا في أوروبا، خاصة بعد المخطط الذي اقترحه لإنقاذ اليونان. 

ومع ذلك، فإن نقطة التحول الأكثر أهمية لهذه المؤسسة من حيث شرعيتها طويلة الأجل جاءت في أواخر التسعينيات، عندما لعبت دورا مركزيا في إنقاذ العديد من البلدان الآسيوية التي كانت تعاني من ضغوط مالية شديدة. 

وفي ذلك الوقت كانت مطالب الصندوق في تلك البلدان طموحة بشكل لا يصدق، إلى درجة أنها دفعت الناس حقا إلى رفض صندوق النقد الدولي. 

ومع ذلك، فإن إحدى النتائج الأكثر إثارة للاهتمام بين هذه الأزمة والأزمة الأوروبية لعام 2008 كانت الجهود المنسقة للعديد من البلدان حول العالم لتجنب الاضطرار إلى المطالبة بالمساعدة من الصندوق، مع الأخذ بعين الاعتبار ما حدث بعد مساعدته لدول مثل إندونيسيا. 

ونقلت الصحيفة أن الخبير يعتقد أنه في هذه المرحلة من الممكن أن يلعب صندوق النقد الدولي دورا لأن العديد من البلدان في العالم تعاني من ضغوط ديون شديدة، وتعاني اقتصاداتها من العديد من الصعوبات.

لا سيما البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، إلى جانب الضغط التضخمي بسبب الحرب في أوكرانيا، وآثار وباء كوفيد أو تغير المناخ.

وحول البدائل المحتملة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سلط الضوء على ظهور وكالات إقراض دولية بديلة على غرار بنك التنمية الجديد (من بلدان البريكس: البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا).

والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (تم افتتاحه في عام 2014 ومقره في بكين) أو مقترحات مثل مبادرة شيانغ ماي.

وبمبادرات مثل هذه، هناك محاولة لتحريك حوكمة اقتصادية تختلف عن طريقة عمل الصندوق. لكن تفتقر هذه المنظمات إلى رأس المال، وغالبا ما تكون منظمات إقليمية على وجه التحديد ولا تمتلك الامتداد العالمي لصندوق النقد الدولي.