هل سيقطف الجيش ثمار الحراك؟ 

ادريس ربوح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أربعة أشهر من انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) 2019 وتحقيقه لمجموعة من الأهداف التي لم يتصور أي أحد أنها سوف تتحقق في هذه الفترة الوجيزة وبشكل متسارع، إذ تم البدء بتحقيق الهدف الرئيسي بتوقيف مشروع العهدة الخامسة للرئيس المقعد عبدالعزيز بوتفليقة، لتليها عملية التفكيك المتواصلة لمنظومة حكمه، وهي المنظومة التي اقتطعت أطول مدّة من تاريخ الجزائر المستقلّة ونشرت طريقتها في الحكم المرتكزة على ثنائية الفساد والاستبداد.

لقد حقق الحراك الشعبي إنجازات كبيرة بفضل ديمومته، سلميته ووعيه العالي، وبفضل الانحياز الواضح للجيش لمطالب الحراك ابتداءً من تنحية عبدالعزيز بوتفليقة وانتهاءً بمحاكمات رموز نظامه التي عاثت في الجزائر فسادًا وإفسادًا طيلة العشرين سنة الأخيرة. 

فمع استمرار المسيرات الشّعبية وتدفق المبادرات الحزبيّة والجمهورية والنّقابية وغيرها، إذ تجاوز عددها الخمسة والعشرين مبادرة تقدمت بها مختلف الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والجمعيّات المدنية بصفة فردية وجماعيّة، ناهيك عن مبادرات مجموعات وتكتّلات شعبيّة ونخبويّة خرجت من رحم الحراك الشعبي بالإضافة إلى مبادرات الشخصيات المستقلة.

رغم هذا العدد الكبير من المبادرات والمقترحات والحلول للخروج من الأزمة السياسية، إلّا أن هذه المبادرات لم تصل بعد إلى مرحلة توحيدها والخروج بخارطة طريق ومبادرة جامعة تكون مؤهلة لحيازة رضى الحراك الشعبي في أغلبيته ولتكون منطلقا ورسالة واضحة لقيادة الجيش بأنها أمام مبادرة تحظى بالقبول والرضى الشّعبي العريض.

إن المؤسسة العسكرية الجزائرية وبعد نجاحها في السيطرة على مركز الرئاسة وبدء المحاكمات لكل رموز نظام بوتفليقة خلال عشريتي النهب الممنهج لثروات البلاد، لا يمكن أن تقبل بمنطق التوافقات وثقافة التعيين والمراحل الانتقالية وتقاسم السلطة مع أحزاب ومنظمات ونقابات لم تستطع لحد الآن أن تقدم مشروعا بديلا، وهو بروز مؤسسات سياسية قوية بديلة للمؤسّسة العسكرية في قيادة البلاد. 

إذ تكتفي الأحزاب السياسية، بالخصوص في تتبّع خطوات الحراك الشعبي منذ اللّحظات الأولى، وأثبتت فشلا كبيرا في تأطير الحراك، بل تعرض قادتها إلى الطرد من طرف الحراك الشعبي حيث يعتبرهم شركاء لمنظومة الثنائي، السعيد بوتفليقة ومحمد مدين اللّذين أشرفا على قيادة الحياة السياسية وتوجيه الأحزاب والمنظمات المدنية بما يخدم أهدافهما في البقاء في الحكم مقابل بعض الفتات السياسي الذي يتم توزيعه على رؤساء الأحزاب والمنظمات والمجموعات المحيطة بهم.

إنّ غياب مشروع جامع يحظى بتزكية الحراك الشعبي، يعني أنّنا سنبقى أمام ثنائية الحراك-الجيش مع تفوق الأوّل في البقاء في الميادين ومواصلة الضغوط، في حين يتفوق الثاني بقدرته التنظيمية الهائلة في ترتيب السّاحة وفق خارطة الطريق التي أعدها للمرحلة. إذ ستتواصل المحاكمات لرموز نظام بوتفليقة على مختلف المستويات ممّا يعطي للجيش مصداقيّة أكثر أمام الحراك خاصة وأنّه استطاع ولأوّل مرة في تاريخ الجزائر أن يرافق جهاز القضاء لمحاكمة كبار المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم رؤساء حكومات ووزراء وولاة اشتغلوا لسنين طويلة في الطّواقم الحكومية للرّئيس عبدالعزيز بوتفليقة. 

ممّا أعطى لهذه المتابعات القضائية وفي سابقة فريدة طابع الجدّية والترحيب الشعبي الواسع، ممّا شجع قوى الحراك على طلب المزيد، خاصة وأنّها استهدفت شخصيات من الصّف الأول في نظام بوتفليقة، كالوزير الأوّل أحمد أويحيى الذي قاد خمس حكومات، والوزير الأول عبد المالك سلاّل الذي كان مدير حملة بوتفليقة للإنتخابات الرئاسية لعدّة مرات. بالإضافة إلى وزراء يُجمع الرّأي العام الجزائري على فسادهم وارتباطهم بقضايا نهب الأموال العمومية والإستغلال السيء لمناصبهم لفائدة عائلاتهم ومحيطهم.

من ناحية أخرى ستتمكن المؤسّسة العسكرية من تصفية كلّ بُؤر المقاومة للعصابة الحاكمة قبل وبعد مجيئ بوتفليقة، التي تمّ تكوينها من طرف الجنرال محمد مدين المدعو توفيق رئيس الاستخبارات الجزائرية لمدة خمسة وعشرين سنة، ومن طرف السعيد بوتفليقة قائد القوى غير الدستورية التي تحكّمت في ختم رئاسة الجمهورية خلال السنوات السبع الأخيرة. وهي شبكة عميقة متداخلة ومتجذرة في دواليب الدّولة، المجتمع السّياسي، الإعلام، القضاء وعالم المال والأعمال، وفي عدّة مجالات ومستويات من الحياة العامّة الجزائرية. 

أمام هذا المشهد الذي يتحكم فيه الحراك الشعبي والجيش الشعبي تطرح جملة من الأسئلة حول قدرة الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، النّقابات المهنية، ونشطاء الحراك الشعبي المؤدلجين حول قدرتهم على تجاوز محدودية مبادراتهم للمرور نحو مبادرة جامعة للذهاب إلى مؤتمر وطني شامل يعوض الندوات المحدودة ويقدم البديل المتكامل للحراك والجيش.  

إذا استطاعت هذه القوى المخضرمة أن تحقّق هذا المشروع الوطني التّاريخي فإنّ المؤسّسة العسكرية وقيادة أركانها يجدون أنفسهم مجبرين على الوفاء بما تمّ الإعلان عنه ودعوا إليه بضرورة تأطير الحراك وتقديم المقترحات للخروج من الأزمة السياسية، أم أنّ الجيش سيستفيد من حالة التشرذم والأنانية والبقاء أسرى التكتّلات الإيديولوجية والمقترحات الخاصة بكل جهة عوض الإستفادة من الفرصة التاريخيّة التي وفّرتها ظروف التعفن السياسي الذي أحدثه نظام بوتفليقة، والحراك الشعبي الذي استلم زمام المبادرة بعد يأسه من الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات التي لم تستطع طيلة سنين أن تفرض شروط التحول الدّيمقراطي.

فهل سيجدّد الجيش الجزائري، وهو النّواة الصلبة للنظام منذ الاستقلال، الكرّة ويعيد إنتاج النظام في غياب مؤسّسات سياسية قوية ومجتمع مدني متماسك؟ أم أنّنا سنشهد ميلاد نخب سياسية جديدة قادرة على القبول بالمساحات المتوفّرة لتعزيز وتيرة الانتقال الديمقراطي الذي يعاني البطئ والتّأخر منذ انطلاقته في إنتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 1988 ولا زال لم يصل إلى نهايته رغم مرور ثلاثين سنة من إعتماد دستور فبراير 1989 المكرّس للحريات العامة والخاصة والتعددية السياسية والنقابية والجمعوية الضرورية لأي حياة ديموقراطية سليمة.

إنّ الندوات الوطنية للمجتمع المدني والتّكتلات الحزبية ليس بمقدورها موازنة المؤسّسة العسكرية، لأنّ هذه الأخيرة أصبحت تملك أوراقا كثيرة من بينها أنّها أصبحت جزءا من الحراك الشعبي، وذلك بتبنيها المتواصل لمطالبه وتنفيذها وفق طريقتها، فهي ليست بحاجة لأحزاب وجمعيات ومنظمات ليس لها القدرة على تأطير الحراك الشعبي. فنحن أمام مكاسب مرحليّة ستتحقق للانتقال الديمقراطي، لكنّنا لا زلنا بعيدين على تحقيق تحوّل ديمقراطي حقيقي تتحمّل النخب السّياسية الحالية مسؤولية تأخّره بالدرجة الأولى.