من فيديلا إلى السيسي.. كيف يستغل الطغاة الكرة لصناعة أمجادهم؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في حفل صاخب ومبهر، افتتح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بطولة الأمم الإفريقية في 21 يونيو/ حزيران الجاري، باستاد القاهرة الدولي، وسط العاصمة المصرية.

السيسي ليس وحده الذي حاول الحصول على عامل إنجاز من وراء بطولات كرة القدم، في مصر سبقه الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي أولى كرة القدم الرعاية والاهتمام.

مبارك جعل الكرة على رأس أولويات خطة توريث نجله جمال، الذي كان حاضرا في جميع فعاليات المنتخب الوطني، الذي تحطمت أحلامه في الوصول إلى نهائيات كأس العالم 2010، بعد الهزيمة أمام الجزائر في أم درمان بالسودان، وفشلت خطة "مبارك" في جعل الوصول إلى كأس العالم، جسرا للتوريث.

ولم تنس الجماهير المصرية، حضور مبارك نهائي بطولة الأمم الإفريقية عام 2006 في القاهرة، بعد أيام قليلة من غرق "عبارة السلام 98"، ومقتل 1400 مصري، لم تنتشل معظم جثثهم في ذلك الوقت، وكانت الاحتفالات عارمة، وصرخات الثكالى على شواطىء البحر الأحمر تنعي الضحايا.

سبق مبارك والسيسي "جزار" الأرجنتين الجنرال "خورخي فيديلا" الذي حكم البلاد بالحديد والنار، محاولا الحصول على شرعية في الحكم من خلال كرة القدم، وتنظيمه لكأس العالم 1978، وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وكانت البطولة سببا مباشرا في سقوطه بعد ذلك.

وفي القارة الإفريقية كم من أنظمة مستبدة، حاولت تحقيق الانتصارات في ميادين اللعبة الأكثر شعبية في العالم مثل نظام سفاح زائير "موبوتو سيكو"، وطاغية أوغندا "عيدي أمين"، لكنهم جميعا وبلا استثناء سقطوا في النهاية، ولم تمنعهم الانتصارات في الساحات الخضراء، من ملاقاة مصيرهم المحتوم في الميادين الغاضبة.

إفساد العرس

افتتاح البطولة الإفريقية "كان" 2019 جاء بعد أيام قلائل من وفاة الرئيس المدني المنتخب الأوحد في تاريخ مصر الدكتور محمد مرسي، الذي أحدثت وفاته دويا كبيرا في أرجاء العالم، واتهامات حقوقية للنظام بتعمد قتله.

وفي الوقت الذي حاول فيه السيسي استغلال حدث البطولة سياسيا للتغطية على جرائمه ونقائص حكمه، وقع أمران أفسدا عليه العرس أولهما كان خروج صوته ثقيلا غريبا أثناء كلمته الافتتاحية بالبطولة، على خلفية إشكالية في الهندسة الصوتية، الأمر الذي جعله مسارا للسخرية والتندر.

الحدث الثاني، في حضور السيسي، وفي الدقيقة 22 من زمن اللقاء، في إشارة إلى رقم "تي شيرت" تريكة هتفت الجماهير باسم محمد أبو تريكة في تحد واضح لنظام السيسي الذي ناصب تريكة العداء متهما اللاعب بأنه "إرهابي".

معركة عسكرية

"من الآن أنتم لستم في سلام، ستدفعون الثمن باهظا لتلك الهزيمة القاسية التي دنست وجه زائير في الأرض، اجعلوا العقوبة على رؤوسكم أنتم فقط، ولا تخسروا بأكثر من 3 أهداف أمام البرازيل، أكثر من 3 سيكون أمام كل هدف 3 رصاصات في رأس كل فرد من عائلاتكم".

هذه ليست رسالة في آتون معركة عسكرية حاسمة، ولكنها رسالة حملها جندي من رئيس دولة زائير "الكونغو الديمقراطية"، إلى منتخب بلاده الذي كان يخوض وقتها فعاليات كأس العالم 1974 في "ألمانيا الغربية".

كان الرئيس هو الطاغية "موبوتو سيكو" الذي حكم البلاد بالحديد والنار، وقتل مئات الآلاف من أفراد شعبه، أما الذي تسلم الرسالة فهو لاعب زائير الفذ "نداي مولامبا"، وهو من أفضل لاعبي كرة القدم في القارة السمراء عبر تاريخها.

كان موبوتو سيسي سيكو هو ثاني رئيس لزائير بديلا لـ"يوسف كاسا فوبو"، بعد انقلاب دموي، ولم ينس الشعب من قبل أن موبوتو كان الخائن الذي دل البلجيكيين على الزعيم الثائر باتريس لومومبا وسلمه للبلجيك.

بوصول سيسي سيكو للسلطة كان اهتمامه شديدا بكرة القدم، سعى لاستغلالها كأداة للمنافسة على زعامة القارة، أمام الزعيم الغاني كوامي نكروما الذي تسلح بكرة القدم أيضا لمجابهة القارة كلها، واستغلال فرصة أن مصر غارقة في تبعات النكسة وغير مهتمة وقتها بالشؤون الإفريقية ومنها كرة القدم.

وفي 15 مارس/ آذار 1974، حققت زائير بطولة الأمم الإفريقية بعد فوزها على مصر في النهائي بنتيجة 3/صفر، واستقبلوا في عاصمة البلاد "كينشاسا" استقبال الأبطال.

يقول "مولامبا" عن ذلك اليوم "جلسنا في دوائر حول موبوتو وعلى رؤوسنا الطير خوفا من أن يتحرك أحدنا لأنه كان مهووسا بفكرة تعرضه للاغتيال، حين خرجت من القصر وجدت رجلا يهلل لي من بعيد ويقول لي أنظر ما في يدك، إنها مفاتيح سيارة فولفو أحدث من القديمة التي معك.. أحدث سيارة في العالم وبداخل السيارة رسالة كانت شخصية من الرئيس".

شقاء التكريم

وفي العام 1994، اختارت اللجنة المنظمة لبطولة أمم إفريقيا بتونس أن تكرم "نداي مولامبا" الهداف الأعظم ببطولات إفريقيا، رغم مشاركته في بطولتين فقط، وكان التكريم رمزيا بميدالية، إلا أن ذلك جر عليه الجزء الأكثر شقاء في رحلته حتى الوفاة.

في بلدة مولامبا الأم بعد التكريم بشهر في الرابعة فجرا، كسر باب شقته 4 مسلحين شاهرين الأسلحة بوجهه، طالبين منه أن يسلم الميدالية، وكل الأموال التي حصل عليها، بحجة أن هذا ملك لزائير، ولا يحق له.

أبدى مولامبا اعتراضا ورفض تسليم الميدالية الشرفية، أعقب ذلك ضربة من أحد المسلحين بباطن البندقية على رأسه ثم رصاصتين صوب قدمه اليسرى، حاول ابنه مكايكانا ذو التسع سنوات الدفاع عن أبيه الجريح ودفع الجنود، إلا أن رصاصة في قلبه أنهت كل شيء، وسقط الطفل بجوار الأب مولامبا غارقا في دمائه وتوفي في الحال.

مولامبا استطاع الهرب إلى جنوب إفريقيا، وعاش متخفيا هناك، يعمل في مرآب للسيارات، أما موبوتو فاستمر في الحكم حتى عام 1997، حيث أطاحت به ثورة مسلحة بقيادة لوران كابيلا الذي تولى الرئاسة بعده، وهرب موبوتو إلى المغرب، وتوفي هناك في 7 سبتمبر/أيلول 1997 متأثرا بمرض السرطان.

جدار العار

اعتبرت بطولة كأس العالم التى أقيمت فى الأرجنتين عام 1978، الأكثر جدلية والأسوأ فى التاريخ على الإطلاق، بسبب ما شهدته من أحداث غريبة قبل وأثناء وبعد نهايتها، وبسبب اختلاطها بالسياسة بشكل كبير.

كانت الأرجنتين تحت إمرة حكم ديكتاتوري بقيادة الجنرال "خورخى فيديلا"، وذلك بعد عامين من قيادته انقلابا عسكريا فى البلاد، ضد رئيسة الجمهورية إيزابيل بيرون.

فيديلا كان يزج بمعارضيه في السجون والمعتقلات ويختطف أطفالهم، بالإضافة إلى جريمة الإخفاء القسري، التي اشتهر بها حكمه، ما دفع النجم الهولندي يوهان كرويف للامتناع عن المشاركة مع منتخب بلاده فى البطولة، بعد تعرضه لتهديدات بالاختطاف هو وأسرته حال مجيئه إلى الأرجنتين بسبب انتقاداته لسياسات الجنرال.

كانت البلاد تعاني من أزمة اقتصادية جعلتها تحتل المرتبة الأولى في العالم من ناحية ارتفاع نسبة التضخم، ورغم ذلك خصص الجنرال أكثر من 700 مليون دولار، من أجل تنظيم البطولة.

هدمت الحكومة بيوت فقراء لا ترغب في أن يراها الضيوف، ونقلت آلافا منهم للعيش في الصحراء، ومن أجل إظهار البلاد الغارقة في الدماء بحلة مختلفة ورونق جديد، بنت الحكومة جدارا عازلا يخفي آثار المنازل التي هُجّر أهلها.

تم تلوين الجدار بالرسومات المتعددة، فأطلق عليه لاحقا "جدار العار"، كان شعار البطولة "25 مليون أرجنتيني ينظمون بطولة كأس العالم"، وكانت الحقيقة أن 25 مليون أرجنتيني أقيمت على ظهورهم، ومن معاناتهم البطولة.

قال فيديلا في خطابه للمنتخب الأرجنتيني قبل بداية البطولة "نحن جميعا معكم، الأرجنتين تريد الفائزين كما يحتاج القائد لجنوده قبل المعركة، سوف تكونوا فائزين".

ومن المفارقات كانت المدرسة الميكانيكية البحرية أحد أهم معتقلات "فيديلا"، حيث يمارس التعذيب بشكل يومي، وشهدت مقتل أكثر من 5 آلاف سجين، حسب تقارير حقوقية كانت تبعد 1000 متر فقط عن ملعب "المونيمونتال" الذي استضاف مباريات أصحاب الأرض.

"جراسيلا ديلو" إحدى المعتقلات في المدرسة، قالت في شهادتها عن معذِبها خورخي أكوستا: "أتذكر أنهم كانوا يهينونا عند الفوز ويقولون لنا لقد فزنا لقد فزنا.. أتذكر هذا الشعور جيدا، إن كانوا قد فازوا فقد خسرنا، إذا كان هذا انتصارا لهم فإنه هزيمة لنا".

وتتابع: "أتذكر أنهم قرروا نقلي في سيارة بينما كان الناس يحتفلون في الشوارع ويهتفون باسم الأرجنتين، فكرت في أنني حتى لو صرخت إنني مختطفة فلن يلتفت أحدا إلي".

وفازت الأرجنتين في النهائي 3-1 على هولندا، واحتفل الجنرال بالكأسِ، والسُّلطة بالانتصار، وبكى الناس على أقربائهم المقتولين، بينما رَفضَ المُنتخب الهولندي، عند صعوده لاستلام ميدالياته، مُصافحة قادة الديكتاتورية العسكرية، وبَقَت البطولة في الذاكرة كأقبحِ استخدام سياسي لكرة القدم.

انتهى بعد ذلك الانقلاب العسكري في الأرجنتين، وفي عام 2010 حكم على "خورخي فيديلا" بالسجن مدى الحياة قبل أن يتوفى في السجن في مايو/ آيار 2013.

شرعية الإنجاز

في يناير/ كانون الثاني 1971، عزل الجنرال عيدي أمين الرئيس الأوغندي ميلتون أوبوتي في انقلاب عسكري، واشتهر حكمه بانتهاك واسع لحقوق الإنسان والقمع السياسي، والتمييز العنصري، والإعدامات غير القانونية، حتى أن المراقبين الدوليين قدروا أعداد القتلى في عهده من 100 إلى 500 ألف قتيل.

عاشت أوغندا في الفترة من 1971 وحتى 1979 تحت حكم ديكتاتوري دموي مخيف، اعتمد على الجنرال، والآلة العسكرية القمعية فقط.

لكن الجنرال أمين منح كرة القدم اهتماما خاصا، وأعطاها شرعية الإنجاز لنظامه المستبد، ووصل الأمر أن قوام الفريق القومي لأوغندا كان من جنود وحرس الرئيس، وعادت أوغندا للمشاركة في كأس الأمم الإفريقية بعد غياب دام دورتين، في نسختي 1974 و1976.

وفي العام 1978، وصلت التعبئة الكروية إلى الذروة، بعد أن فاز المنتخب على إثيوبيا، والصعود إلى نهائيات كأس الأمم في غانا، وقال "توم لوانجا" النجم التاريخي لأوغندا عن تلك اللحظة: "كنا مستضعفين، ساعدنا ذلك جميعا على أن نقاتل، أن نحاول إثبات شيئا ما للجميع".

ذهب المنتخب إلى غانا بقوام غير متناسق، معظم لاعبيه كانوا هواة لديهم وظائف يومية في الشرطة والجيش وحراس في السجون والخدمات المدنية. ووعدهم أمين قائلا: "إن فزتم هناك، سأشتري لكم منازلا وسيارات".

في نهاية عام 1978 بدأ أمين في خسارة نفوذه في أوغندا، وفي أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام أمر بغزو تنزانيا، وكانت تلك بداية النهاية له، فيما عرف بمعركة "لوكايا"، وخلال 6 أشهر نجحت القوات التنزانية في اجتياح القصر الرئاسي في أوغندا، وهرب أمين إلى ليبيا.

وعمت الفوضى أنحاء أوغندا، الناس كانت تموت كل يوم نهارا وليلا، وكان هناك من ضمن القتلى لاعبين من المنتخب الأوغندي الذي شارك في البطولات الإفريقية.