"تفكك الدولة".. لماذا اختارت المعارضة التونسية مقاطعة الانتخابات التشريعية؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة جديدة صعدت الغضب المتراكم ضده، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد في 15 سبتمبر/أيلول 2022، قانونا انتخابيا جديدا استعدادا للانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول من ذات العام.

ومنذ نشره، توالت مواقف الأحزاب السياسية من القانون والمسار السياسي برمته، واتجهت أهم الأحزاب والمكونات السياسية في تونس إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة مثلما قاطعت الاستفتاء على الدستور.

وفي 25 يوليو/تموز 2022، بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء على دستور "الجمهورية الجديدة" 27 بالمئة من الناخبين المسجلين، بحسب أرقام أصدرتها هيئة الانتخابات المعينة من قبل قيس سعيّد.

شككت المعارضة في نزاهة الاستفتاء وفي صدقية النسب التي أصدرتها الهيئة، رغم كونها النسبة الأدنى مقارنة بمختلف الاستحقاقات الانتخابية منذ العام 2011.

وتشهد تونس أزمة سياسية كبرى منذ أن احتكر سعيّد السلطات بإقالته رئيس الحكومة هشام المشيشي وتعليق أعمال البرلمان الذي كان يرأسه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة (إسلامية)، قبل أن يحلّه هو المجلس الأعلى للقضاء.

وجاء ذلك ضمن جملة من القرارات منذ 25 يوليو 2021 وصفت بالانقلاب على الانتقال الديمقراطي في تونس.

مقاطعة واسعة 

التحق حزب آفاق تونس (ليبرالي) في 22 سبتمبر 2022 بقائمة الأحزاب المقاطعة للانتخابات التشريعية القادمة في تونس.

ودعا الحزب عموم الشعب بكل مكوّناته السياسية والمدنية إلى مقاومة التسلط السياسي والانحراف المتسارع نحو الحكم الفردي ومنظومة البناء القاعدي في تونس.

وكان حزب آفاق أحد الأحزاب القليلة المعارضة التي قررت المشاركة والتصويت بـ"لا" في استفتاء 25 يوليو 2022 حول الدستور الجديد الذي سنّه قيس سعيّد منفردا، واتهمته الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني بإرساء نظام سياسي استبدادي.

ودعا حزب "آفاق تونس"، في بيان، قيس سعيد إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بالاستناد إلى الدستور الجديد.

وبين أن سعيد "فقد شرعيته السياسية والقانونية إثر إلغاء العمل بدستور 2014 الذي انتخب على أساسه".

وجرى تمرير دستور جديد للبلاد عبر استفتاء شعبي في 25 يوليو ضمن إجراءات استثنائية بدأ سعيد فرضها قبل عام من ذلك التاريخ وأثارت انقساما حادا بين التونسيين.

وبين الحزب أن "المرسوم الانتخابي الذي جرى إصداره هو حجر الأساس لمنظومة البناء القاعدي".

ناهيك عن الإخلالات المتعلقة بتمثيل المرأة والشباب، والتقسيم الجغرافي، والتمويل العمومي للحياة السياسية، وإثارة النعرات الجهوية، وهو ما سيساهم في تفكيك الدولة وتهديد استقرار ووحدة مؤسساتها"، كما قال.

والتحق حزب آفاق بقائمة ضمت 14 حزبا قرر جميعهم مقاطعة الانتخابات المقبلة، من بينهم أيضا حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق لطفي المرايحي والذي شارك أيضا في الاستفتاء بالتصويت بلا.

وبادرت جبهة الخلاص الوطني التي يقودها أحمد نجيب الشابي وتتكوّن من عدد من الأحزاب من أبرزها حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس بقرار مقاطعة الانتخابات.

وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي -في مؤتمر صحفي عقده في 17 سبتمبر 2022 - إن القرار اتخذ بشكل نهائي لأسباب عدة، من بينها الأزمة المرتبطة بالقانون الانتخابي.

وأكد الشابي أن الجبهة ترفض الانخراط فيما وصفه بالمسار الانقلابي الذي ينتهجه سعيد، وأن القانون الانتخابي المنتظر يأتي في سياق "انفرادي" و"إقصائي".

إقصاء الأحزاب 

وعدّدت الأحزاب المقاطعة للانتخابات ثغرات القانون الانتخابي، والأهداف الكامنة بين فصوله التي انفرد قيس سعيّد بصياغتها دون استشارة أحد من الأحزاب أو المنظمات أو حتى خبراء القانون الدستوري.

وأجمعت هذه الأحزاب على أن هدف سعيّد من وراء القانون الانتخابي هو إقصاء الأحزاب السياسية من المشهد وإلغاء دورها تنفيذا لما طرحه سابقا خلال الحملة الانتخابية.

وذكّر الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات لسعيّد خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2019 قال فيها "بعد الثورة، أصبح هناك أحزاب على هامش الدنيا في حالة احتضار، ربما يطول الاحتضار لكن بالتأكيد بعد سنوات قليلة سينتهي دورها".

وفي إجابته حول إمكانية إلغاء الأحزاب السياسية أجاب "لا لن ألغيها.. التعددية ستبقى قائمة إلى أن تندثر وحدها".

وبدوره، رأى حزب العمال (يساري) القانون الجديد "فاشيا" وقال إنه "يشكل خطرا وتهديدا جديا لما يطمح إليه الشعب التونسي".

وأضاف الحزب خلال بيان في 23 سبتمبر 2022 أن القانون الانتخابي "جاء مكرسا لعداء سعيد للأحزاب، بما يعزز عدم التصويت لبرامج بل لأفراد يحتكمون إلى منطق الزبونية المبنية على أشد العلاقات تخلفًا مثل العلاقات العائلية والقبلية والمناطقية ويقوّي سلطة المال وشراء الذمم".

في حين ذهبت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، خلال ندوة صحفية في 21 سبتمبر 2022، إلى اعتقاد أنّ "ما سيجرى في 17 ديسمبر ليس انتخابات، بل جريمة دولة، ولهذا لن نزكّيها ولن ننخرط فيها وسنعارضها دون أن نعترف بهذه العملية".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، رأى عضو المكتب السياسي لحزب العمل والإنجاز عدنان الكرايني أن "الانتخابات المقبلة أقل ما يقال عنها أنها مهزلة".

وبين أنها ستكون "انتخابات كرتونية معلومة النتائج مسبقا وبتأطير دستور فردي ناتج عن منظومة انقلابية، وأهم سبب لمقاطعتها هو أن المشاركة فيها اعتراف بالانقلاب ويضفي شرعية عليه".

وأضاف الكرايني أن "الخطة البديلة للمشاركة في الانتخابات هي فقط المزيد من النضال من أجل استرجاع الديمقراطية المنقلب عليه".

إذ لا يمكن أن يكون إسقاط الانقلاب بالمشاركة من داخل المؤسسات التي يقوم بإرسالها، خاصة أن المواطنين اليوم يعانون من غلاء المعيشة وفقدان المواد الأساسية وأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وفق قوله.

وأكّد القيادي في الحزب الذي يقوده وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي أن "مقاطعة الاستفتاء كان خيارا صائبا، ولم يكن من الممكن شرعنة الدستور الذي وضعه سعيّد منفردا، وحاول الحصول على شرعية لانقلابه عبر آلية المشاركة الشعبية، والتاريخ يعلّمنا أن لا ثقة في منقلب مهما كانت المنظومة المنقلب عليها".

وأضاف "الورطة التي يعيشها النظام القائم اليوم خاصة في المسألة الاقتصادية والاجتماعية، جعلت قيس سعيّد في عزلة سياسية داخلية مع تواصل انفضاض عدد من القوى السياسية التي سبق أن ساندت قراراته قبل سنة، ويبدو أن موقفها من الانتخابات المقبلة لن يكون إيجابيا بسبب القانون الانتخابي ونذر احتجاجات اجتماعية".

شروط تعجيزية

مع مواقف المعارضة المبدئية الرافضة للمشاركة في الانتخابات، بدأت تتصاعد أصوات منتقدة للقانون الانتخابي الجديد من الأحزاب المؤيدة لقيس سعيّد ومساره.

واستنكر أمين عام حركة تونس إلى الأمام، عبيد البريكي، في 20 سبتمبر 2022 في حديثه للإذاعة الوطنية التونسية (رسمية) اشتراط 400 تزكية (للمترشحين) مع التعريف بالإمضاء.

وتساءل: "الفرد الذي يرغب في الترشح كيف سيتمكن من ذلك؟ الأحزاب الكبرى قادرة على توفير هذه التزكيات مثلا لكنها أعربت عن عدم نيتها في المشاركة".

وحركة تونس إلى الأمام أحد الأحزاب المساندة لانقلاب 25 يوليو 2021، وسبق لها أن عبّرت عن تأييدها لدستور قيس سعيّد الجديد.

كما عدّ هيكل المكي القيادي بحركة الشعب (قومية داعمة لتوجهات قيس سعيّد)، في 23 سبتمبر أن شروط الترشح في الانتخابات التشريعية "مجحفة وغير واقعية وتكرّس المزيد من البيروقراطية"، مستدركا القول: "لكننا نقبل شروط اللعبة وسنشارك فيها".

ويرى متابعون أن مهمّة الترشح للانتخابات التشريعية شبه مستحيلة أمام الأحزاب والأفراد على السواء.

وقسم القانون الانتخابي البلاد إلى 161 دائرة انتخابية، واشترط الترشح لكلّ فرد على الدائرة جمع تزكيات من 400 ناخب نصفهم من النساء وربعهم من الشباب أقل من 35 عاما. 

وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن كلّ حزب سياسي مطالب بجمع أكثر من 64 ألف تزكية ليضمن منافسته في كل الدوائر، في فترة زمنية لا تتجاوز يوم 24 أكتوبر 2022.

ومما يزيد صعوبة الحصول على التزكيات أن القانون الانتخابي يشترط أن يكون إمضاء الناخب إما في مقر البلديات أو مقر هيئة الانتخابات التي لن تكون متاحة خاصة في المناطق الريفية وفي الدوائر الانتخابية بالخارج.

ومن أبرز النقاط التي تعيق المشاركة في الانتخابات، إلغاء التمويل العمومي للحملات الانتخابية. وهذا عد إقصاء غير مباشر للأشخاص الراغبين في المشاركة من غير القادرين على تمويل حملاتهم بصفة ذاتية.

واستبق رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر تقديم الترشحات ليتوقع أن "لا تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية نسبة الإقبال في الاستفتاء"، والتي عُدت الأضعف من بين كل الاستحقاقات الانتخابية منذ العام 2011. 

وفي تعليق على ذلك أكد المحامي المختص في القانون العام شكري عزوز، في ندوة من تنظيم منظمة عتيد المختصة في مراقبة الانتخابات أن "نسبة المشاركة في الاستفتاء كانت ضئيلة جدا ومن الطبيعي العمل على ألا تتكرر هذه التجربة في الانتخابات التشريعية".

وأضاف في 24 سبتمبر 2022، "إلاّ أن جميع الملاحظين يرون أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع ستكون أقل من نسبة المشاركة في الاستفتاء نظرا للآليات المعقدة التي جاء بها هذا المرسوم (الانتخابي)".