"إندبندنت": هذه الأسباب الحقيقية لتراجع ترامب عن قصف إيران

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، مقالا للصحفي البارز باتريك كوكبيرن، كشف فيه عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتغيير رأيه في اللحظات الأخيرة بشأن شن ضربات جوية ضد إيران، ردا على إسقاط طائرة أمريكية.

وأكدت الصحيفة، أن قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغيير رأيه في اللحظات الأخيرة بشأن شن ضربات جوية أمريكية ضد إيران يدل على أن الصراع العسكري من نوع ما في الخليج أصبح محتملا للغاية.

لماذا تردد؟

بحسب مقال باتريك كوكبيرن، فإن ترد ترامب على الأرجح غير ذي صلة بصاروخ أرض جو إيراني أسقط طائرة استطلاع أمريكية بقدر صلة ذلك بحدسه الذي يرى أن عسكرة الأزمة ليس في مصلحة أمريكا.

وأضاف كوكبيرن: "إذا لم يتراجع ترامب، وتم تنفيذ ضربات ضد الرادارات الإيرانية والبطاريات الصاروخية قد مضت، فإلى أين كان سيذهب؟".

وأوضح: إن "هذا النوع من العمليات العسكرية المحدودة عادة ما يكون أكثر فعالية كتهديد أكثر منه عندما يتحول إلى حقيقة"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة، لن تشن حربا شاملة ضد إيران سعيا لتحقيق نصر حاسم، وأي شيء أقل من ذلك سيخلق مشاكل أكثر مما يحل".

ومضى يقول: "من المؤكد أن إيران ستحتفظ بعد الضربة بالقدرة على شن هجمات في كل أنحاء الخليج، وخاصة في مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه 35 ميلا وحوله، والذي يمر عبره 30 بالمئة من تجارة النفط في العالم".

وتابع: "أي شيء يؤثر في نقطة الاختناق هذه يتردد صداه حول العالم: الأنباء عن إسقاط الطائرة بدون طيار أدت على الفور إلى ارتفاع سعر النفط الخام برنت القياسي بنسبة 4.75 بالمئة".

وأردف الكاتب: "لاحظ أن الصاروخ الإيراني أرض - أرض أسقط طائرة بدون طيار بقيمة 130 مليون دولار، عمليا طائرة بدون طيار محشوة بمعدات إلكترونية صُممت لتكون محصنة من مثل هذا الهجوم".

وأشار إلى أن الاستنتاج هو أنه إذا بدأت الطائرات الأمريكية - على عكس الصواريخ - في العمل في المجال الجوي الإيراني أو بالقرب منه، فمن المحتمل أن تتكبد خسائر.

معضلة ترامب

الكاتب، رأى أن "معضلة ترامب أعمق، فعقوباته ضد إيران، التي أعيد فرضها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية في عام 2018، تدمر الاقتصاد الإيراني. وزارة الخزانة الأمريكية قوة دولية أكثر فتكا من البنتاغون. لقد تمسك الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بالاتفاق، لكنهم في الواقع تسامحوا مع الحصار الاقتصادي المفروض على إيران".

وبيّن، أنه "لم يتبق لإيران أي خيار سوى تصعيد النزاع. إنها تريد التأكد من أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية والآسيوية وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين السعودية والإمارات العرب، يشعرون ببعض الألم. لم تتوقع طهران الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال موقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، ووجدت أن توقعاتها المتدنية قد تحققت".

وأردف كوكبيرن يقول: "يتشارك الكثير من المعلقين في سوء فهم أساسي للمواجهة الأمريكية الإيرانية. قد يبدو من الواضح أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في استخدام تفوقها العسكري الهائل على إيران للحصول على ما تريد. ولكن بعد فشل القوات البرية الأمريكية في الفوز في العراق وأفغانستان، ناهيك عن الصومال، لا يمكن لأي زعيم أمريكي أن يبدأ حربا برية في الشرق الأوسط دون تعريض بقائه السياسي في الداخل للخطر".

ووفقا لما قاله الكاتب، فإن ترامب استوعب هذا الدرس وأخذه على محمل الجد منذ فترة طويلة قبل أن يصبح رئيسا، لافتا إلى أنه انعزالي حقيقي في التقاليد الأمريكية.

وزاد: "صوّر الديموقراطيون والكثير من وسائل الإعلام الأمريكية ترامب على أنه من دعاة الحرب، رغم أنه لم يبدأ حربا بعد. أصدر مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبو تهديدات متشددة بالدم ضد إيران، لكن من الواضح أن ترامب يرى أن مثل هذا الخطاب العدائي هو مجرد وسيلة أخرى لزيادة الضغط على إيران".

واستدرك كوكبيرن قائلا: "لكن إذا تم استبعاد حرب برية، فإن إيران منخرطة في نوع من الصراع المحدود الذي تتمتع فيه بخبرة طويلة".

وأشار إلى أن مسؤولا رفيع المستوى ذات مرة، قال له إن الإيرانيين "يحملون شهادة دكتوراه" في هذا النوع من الحروب السياسية، والتي جزء منها عسكري، موضحا أن تلك التكتيكات نجحت بشكل جيد مع طهران في لبنان والعراق وسوريا خلال الأربعين سنة الماضية. كما أن لدى الإيرانيين العديد من نقاط الضغط ضد الولايات المتحدة، وقبل كل شيء ضد حلفائها السعوديين والإماراتيين في الخليج.

ومضى يقول: "يمكن للإيرانيين أن يتمادوا: ترامب هو انعزالي، لكنه أيضا زعيم وطني شعبوي يدّعي في أول تجمعات انتخابية له استعدادا للانتخابات الرئاسية المقبلة أنه جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. ومثل هذه التفاخر يجعل من الصعب عدم الانتقام من إيران، البلد الذي شيطنه كمصدر لجميع المشاكل في الشرق الأوسط".

خيار جذّاب

وأشار الكاتب في مقاله إلى أن ثمة خيار عسكري أمريكي واحد يبدو جذابا بشكل سطحي، ولكنه يخفي الكثير من المآزق، مضيفا: "هذا الخيار هو محاولة القيام بعمليات على غرار النزاع العسكري المحدود بين الولايات المتحدة وإيران الذي يطلق عليه (حرب الناقلات)،  الذي كان جزءا من الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات والتي خرجت منها الولايات المتحدة فائزة".

ومضى يقول: "سعى صدام حسين إلى خنق صادرات إيران من النفط وحاولت إيران أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للعراق. ووقفت الولايات المتحدة وحلفاؤها علنًا على جانب صدام حسين - وهي حلقة تم نسيانها بسرعة بعد أن غزا الزعيم العراقي الكويت في عام 1990".

وبيّن كوكبيرن، أنه "منذ عام 1987، كانت الناقلات الكويتية التي أعيد تسجيلها ترافقها السفن الحربية الأمريكية عبر الخليج. كانت هناك غارات جوية أمريكية ضد السفن والمنشآت الإيرانية، وبلغت ذروتها في حادث إسقاط طائرة مدنية إيرانية كان على متنها 290 راكباً بواسطة حاملة الطائرات فينسنس عام 1988. وقد أجبرت إيران على رفع دعوى من أجل السلام في حربها مع العراق".

وتابع: "يتحدث بعض الجنرالات الأمريكيين المتقاعدين عن شن حرب على ناقلات النفط اليوم، ولكن الظروف تغيرت. خصوم إيران الرئيسيين في عام 1988 كان عراق صدام حسين وإيران كانت في طريقها لخسارة الحرب، التي كانت عبارة عن جبهة واحدة فقط".

واستطرد الكاتب: "اليوم ذهب صدام ويحكم العراق حكومة يسيطر عليها الشيعة. تحاول بغداد الحفاظ على الحياد في الأزمة الأمريكية الإيرانية، لكن لا يوجد زعيم عراقي قادر على تحمل معارضة إيران باعتبارها أكبر قوة شيعية".

وأشار كوبيرن إلى أن الجغرافيا السياسية في هذا الجزء من الشرق الأوسط تغيرت منذ الحرب الإيرانية العراقية، مع تغير كبير لصالح إيران.

وأضاف: "من الحدود الأفغانية إلى البحر الأبيض المتوسط - في إيران والعراق وسوريا ولبنان - تسيطر المجتمعات الشيعية أو هي أقوى القوى في الدولة. وغالباً ما تشير إليهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بوصفهم (وكلاء إيران). ولكن في الممارسة العملية تقود إيران تحالفًا طائفيًا له أساس ديني".

ولفت إلى أن هذا التحالف فاز بالفعل في معاركه الرئيسية – من خلال الأحزاب الشيعية في العراق وبشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان - وهذه النتيجة لن تتغير. كما نجا الحوثيون في اليمن، الذين ينتمون إلى نوع مختلف من الشيعة، من محاولة طويلة من قبل السعودية والإمارات لهزيمتهم".

وتابع: "بمقارنة الوضع بما كان عليه الحال قبل 28 عاما في الخليج عندما كانت الولايات المتحدة تخوض آخر حرب محدودة مع إيران، فإن الولايات المتحدة في وضع أضعف"، مضيفا: "ربما تكون إسرائيل والسعودية والإمارات قد حثّوا ترامب على تمزيق الصفقة النووية ومواجهة إيران، لكنهم لا يبدون أي حماس للانضمام إلى أي حرب تالية".

واختتم بقوله: "لنفترض أن هجمات هذا الشهر على ناقلات النفط نفذت بالفعل من قبل إيران، وهو ما يبدو مرجحا، فإن الهدف سيكون إرسال رسالة مفادها أنه إذا كان من الممكن وقف صادرات النفط الإيرانية، فبإمكانها فعل ذلك أيضا مع المنتجين الخليجيين الآخرين. يعتقد ترامب أنه يستطيع تجنب مستنقع حرب أخرى في الشرق الأوسط، لكنه ربما يكون بالفعل غارقا في عمق كبير".