جاء للتحقيق بمقتل مهاجرين.. لماذا منع المغرب وفدا أوروبيا من الدخول؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد منع السلطات المغربية وفدا برلمانيا أوروبيا من دخول البلاد برزت تحذيرات من اندلاع أزمة سياسية جديدة بين المملكة والتكتل الأوروبي بسبب ملف الهجرة.

وكان الوفد يرغب بمعاينة الأماكن التي وقعت فيها "أحداث مليلية" لمعرفة الأسباب التي أسفرت عن وفاة 23 مهاجرا من المقتحمين لسياج المدينة في فاجعة 24 يونيو/حزيران 2022.

ويتخوف متابعون من عودة الأزمة مجددا إلى العلاقات الثنائية بين دول من القارة العجوز والرباط، وسط أوضاع دولية صعبة وخلافات إقليمية لا تنتهي.

أزمة جديدة

وقالت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية، في 21 سبتمبر/أيلول 2022 إن "المغرب منع دخول ثلاثة من أعضاء البرلمان الأوروبي والمراقبين الدوليين إلى حدوده من مليلية".

وأوضحت أن "مجموعة اليسار في البرلمان الأوروبي أنهت في 20 سبتمبر مهمتها إلى مليلية، التي كانت قد خصصتها للوقوف على الأحداث".

وفي 24 يونيو 2022 لقي 23 مهاجرا غير نظامي مصرعهم، حينما حاول نحو 2000 منهم، أغلبهم أفارقة من جنوب الصحراء والسودان، عبور السياج الحدودي العسكري في منطقة مليلية (أقصى الشمال).

وانتقدت منظمات حقوقية أسلوب تعامل السلطات المغربية والإسبانية مع المهاجرين خلال محاولة الاقتحام، وطالبت الأمم المتحدة بالتحقيق في الحادث، فيما تقول الرباط إن طالبي اللجوء استخدموا العنف ضد قوات الأمن.

وفي 7 يوليو/تموز 2022 قال المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، إن المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى مدينة مليلية "استعملوا العنف الكبير تجاه أفراد القوات العمومية".

وتخضع مدينتا سبتة ومليلية، فضلا عن الجزر الجعفرية وجزر صخرية أخرى في المتوسط، للإدارة الإسبانية، فيما يعد المغرب الجزر والمدينتين "ثغورا محتلة" وتطالب مدريد بالتفاوض حول مستقبلها.

من جانبها، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 21 سبتمبر عن أعضاء البعثة، وهم في طريقهم للعودة، أنهم أجروا اتصالات مع رئيس البرلمان الأوربي، روبرتا ميتسولا، لشرح ما حدث ونقل شكاوى القائمين على المهمة، بعدما جرى منعهم من دخول المغرب عبر بوابة مليلية.

عضو البعثة ميغل أوربان، تحدث في مقطعي فيديو على تويتر في 21 سبتمبر عن كيفية منع سلطات الحدود المغربية الوفد من الوصول إلى المملكة في اليوم الذي سبقه، عندما كان في طريقه إلى مدينة الناظور (شمال) للقاء حقوقيين.

وجاءت محاولة دخول المغرب بعد زيارة الوفد في 19 سبتمبر مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين ولقاء ممثلين عن المفوضية الإسبانية لمساعدة اللاجئين في مليلية.

بدورها، أوضحت المجموعة في بيان أن الوفد كان برفقة أعضاء من منظمات غير حكومية أوروبية ومحامين، يصل عددهم إلى 16 شخصا.

وبينت أن شرطة الحدود المغربية منعتهم من الدخول "حتى قبل" أن يتمكنوا من تسليمها جوازات السفر "وبدون أي نوع من التفسير".

من جانبه، أكد فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، أنه "كان من المرتقب أن يستقبل وفدا من برلمانيين أوروبيين ومحامين وناشطين حقوقيين للبحث والتقصي في فاجعة 24 يونيو التي خلفت عشرات الوفيات والمفقودين".

وأوضح خلال بيان في 21 سبتمبر أن "السلطات المغربية أبلغتهم المنع دون تقديم أي أسباب".

سيادة وحق

واقعة منع وفد البرلمان الأوروبي من طرف السلطات المغربية، أعادت إلى الأذهان أزمة سابقة في سياق ملف المهاجرين غير النظاميين.

وقبل سنة حدثت أزمة خانقة بين البرلمان الأوربي والمغرب بسبب الهجرة، حينما صوت الأول في 10 يونيو 2021 بأغلبية كبيرة على مشروع قرار يدين المملكة، ويتهمها بممارسة الضغط على إسبانيا، على خلفية دخول الآلاف من المهاجرين المغاربة لمدينة سبتة.

القرار عارضه البرلمان المغربي بقوة، وقال مكتب مجلس النواب في بيان عقب اجتماع طارئ في 11 يونيو 2021 إن ما صدر "ينطوي على العديد من الأكاذيب".

وشدد على "الوضع القانوني" لسبتة الواقعة شمال المملكة بكونها "مدينة مغربية محتلة"، قبل أن يعيد الطرفان استئناف العلاقات الطبيعية قبل أشهر فقط.

وبالنسبة إلى أوربان، فإن المنع الأخير "مثال واضح على إرادة إخفاء جرائم القتل التي وقعت في 24 يونيو".

إذ أرادوا التحقيق فيما "حدث على جانبي سياج مليلية، بحيث انتهى الأمر بمقتل 23 شخصا وإصابة 76 بجروح، واعتقل العشرات".

أوربان أكد أيضا أن كلا من البرلمان الأوروبي والحكومة الإسبانية "يجب أن يقولا شيئا عما جرى".

وبين في الفيديو المنشور على تويتر أن ما حدث "فضيحة كبيرة" لأنهم لم يعطوا أي مبرر لعدم السماح لهم بدخول المغرب، الأمر الذي منعهم من التحدث مع المنظمات غير الحكومية والناجين من محاولة القفز فوق السياج.

موقع "كود" المغربي نقل عن متتبع لهذا الشأن (لم يسمه) قوله إن "المغرب لديه سيادة ومن حقه رفض زيارة وفد البرلمان الأوربي، خصوصا في سياق نقاش حول تكلفة احتواء المهاجرين والضغط الذي تمارسه أوروبا على المهاجرين، خاصة أن المملكة تقول إن المساعدات الأوربية غير كافية".

وفي حوار مع وكالة "إيفي" الإسبانية في 17 سبتمبر 2022، قال مدير الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية المغربية، خالد الزروالي، إن "قيمة المساعدات الأوروبية (500 مليون يورو) غير كافية".

وأكد أن "المغرب يصرف 427 مليون يورو سنويا على مجهودات محاربة الهجرة السرية".

وشدد الزروالي على أن المغرب "لا يستعمل ملف الهجرة كأداة سياسية"، مؤكدا أن المملكة "تعتمد على الحكامة الإنسانية في التعامل مع هذا الملف".

وعن أسباب منع الوفد، قال سياسي مغربي، لـ"الاستقلال" إن "طريقة وصول الوفد مع بدء الزياة من مليلية كان عليها بعض التحفظ، كما أن جدول لقاءاته في المملكة لا يستقيم، كونه يلتقي هيئات حقوقية دون سماع وجهة النظر الرسمية".

وبين السياسي الذي طلب عدم نشر اسمه لأسباب خاصة، أن "حضور الوفد بتلك الطريقة أيضا يجعل المغرب كأنه مذنب في ملف يتحمل الجميع تبعاته، وبالتالي محاولة التأثير على الرأي الدولي بهكذا تحركات وجب على السلطة الرسمية توقيفها لحظة الوصول للحدود".

وأفاد بأن "جميع المتدخلين (سلطات مليلية والمغرب والمهاجرين غير النظاميين) يتحملون جزءا من مسؤولية ما وقع في يونيو، ومحاولة إصلاح هذه الأعطاب مشتركة، بعيدا عن زيارات يطبعها شو (استعراض) والتعامل بدونية مع دول أخرى".

وحول إمكانية تسبب هذا المنع في أزمة دبلوماسية، قال السياسي إن "المغرب لم يعد يعر أي اهتمام لهذه الاستفزازات والابتزازات ويتعامل معها بندية، والأزمات الدبلوماسية (حول ملف الصحراء) التي خرج منها منتصرا مع ألمانيا وإسبانيا دليل على أن التعامل يجري بالمثل".

من جانبه، استبعد عضو جمعية حقوق الإنسان، محمد أمين أبيدار، أن يسبب المنع أزمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بسبب الهجرة، لأن "هذا الملف يشهد تنسيقا كبيرا ومصالح مشتركة تجمع الأطراف".

وشدد أبيدار في حديث لـ"الاستقلال" على أن "هذا المنع يدخل في إطار التضييق على الكشف عن الحقيقة حول الأحداث المؤسفة التي حصلت في 24 يونيو".

ولفت إلى أنه "حتى اللحظة لا نعرف سبب المنع، لأن السلطات في المعبر الحدودي بمليلية المحتلة لم تطلع الوفد على الأمر، وحسب علمنا كانت هناك ترتيبات مسبقة مع المفوضية الأوروبية في الرباط، وقد نفذت جميع إجراءات قدومه".