الحويطات.. سكان أصليون ساهموا بتأسيس السعودية فبنت "نيوم" على أشلائهم

الرياض - الاستقلال | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وفقا للمادة السادسة والعشرين من النظام الأساسي للحكم (الدستور) في السعودية، فإن "الدولة تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية". 

لكن ما حدث مع قبيلة "الحويطات" السعودية من انتهاكات مفزعة نسف تلك المادة، إذ هجرت وقتل بعض أفرادها على وقع تدشين مشروع "نيوم"، الذي يعد باكورة أحلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

لم يكتف ابن سلمان بالاستيلاء على أراضي القبيلة وتهجيرهم من موطنهم التاريخي في محافظة تبوك شمال غرب السعودية، بل أصدر أحكاما رادعة بحق رجالها. 

وهو ما جعل القبيلة في موضع ضعف وغبن، وجعلها مثالا لانتهاكات حقوق الإنسان، إذ إن الضحية هذه المرة ليست شخصية عامة أو فردا أو قطاعا صغيرا، بل قبيلة كاملة. 

50 عاما 

في 13 سبتمبر/أيلول 2022 ذكر موقع "بي بي سي" البريطاني، أن اثنين من زعماء قبيلة الحويطات السعودية، التي نزحت قسرا لإنشاء مدينة "نيوم" الجديدة، حكم عليهما بأحكام قاسية جدا، بسبب رفضهما إقامة المشروع الذي أطقله ابن سلمان بتكلفة 500 مليار دولار.

وبحسب الموقع، حكم على عبد الإله وعبد الله الحويطي، وهما أقرباء، بالسجن لمدة 50 عاما، وحظر سفر لمدة مماثلة، لرفضهما إجبار القبيلة على الإخلاء القسري من منازلهم في محافظة تبوك.

وأعلنت منظمة "القسط" الحقوقية المعارضة، المعنية بشؤون حقوق الإنسان في السعودية، أن الأحكام في القضية أصدرتها محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة. 

وكانت ضمن مجموعة من الأحكام الطويلة المماثلة التي أصدرتها المحاكم السعودية هذا الصيف على أبناء قبيلة الحويطات. 

وفي 14 سبتمبر صرح رمزي قيس، المسؤول القانوني والسياسي في (MENA Rights Group) الحقوقية، معقبا على الأحكام: "أن عقوبة السجن الطويلة الصادرة ضد أفراد قبيلة الحويطات تتبع نمطا خطيرا نراه يتكشف في السعودية".

وأضاف: "أنه منذ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية كان هناك نهج أكثر قمعية من قبل أمن الدولة السعودية وسلطات القضاء ضد الأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير"، وفق موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

وفي نفس السياق قالت لينا الهذلول، رئيسة قسم المراقبة والاتصالات في منظمة (القسط): "لقد أصبح هذا توجها جديدا، لن ينجو أحد منه، وأعتقد أن أي شخص يقبض عليه الآن سيحكم عليه بعقوبة مطولة".

قبيلة الحويطات 

والحويطات، التي يسعى ابن سلمان إلى تهجير أهلها وتجريف أرضها، هي قبيلة عربية تنتشر على مساحة واسعة في شمال غرب السعودية والأردن ومصر وفلسطين.

ولها تاريخ عريق، إذ إنها لعبت دورا بارزا في الثورة العربية بقيادة الشريف حسين، مثلما لعبت من قبل دورا كبيرا في حرب محمد علي باشا الكبير حاكم مصر، ضد الدولة السعودية الأولى ووهابية نجد.

إذ انحازت القبيلة إلى آل سعود في مهدهم، وهو الجميل الذي لم يحفظه لهم ولي العهد محمد بن سلمان.

وبدأت قوات ابن سلمان نقل أكثر من 20 ألف شخص، معظمهم من قبيلة الحويطات، من مساكنهم في تبوك، لإقامة مشروع نيوم. 

وأعلنت القبيلة وقتها أنهم تحت وطأة الترحيل القسري، وأن ذلك يعني تقطيع أوصال مجتمع بأكمله، عاش في هذه الأرض لسنوات طويلة. 

وديار الحويطات في السعودية تبدأ من ساحل البحر الأحمر ممتدة إلى الداخل حتى جبال السروات، وتقع إلى الشرق من ديار بني عطية.

وتنتشر عشائر الحويطات على ساحل خليج العقبة من مدينة حقل، وتمتد حتى الجنوب على شاطئ البحر الأحمر حتى مدينة الوجه.

فاجعة كبيرة

وفي 14 يوليو/ تموز 2022 نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تحقيقا مطولا عن ملامح مشروع مدينة "نيوم" في مخيلة محمد بن سلمان. 

وتناول التحقيق الفاجعة التي حلت بأبناء قبيلة الحويطات السعودية، وقال: "لطالما كان الخط الساحلي لهذه المنطقة من أكثر الأماكن إهمالا في المملكة، لدرجة أن بعض البلدات لم يجر وصلها بشبكة الكهرباء إلا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي".

وأضاف: "ينتسب كثير من السكان إلى الحويطات، وهي قبيلة بدوية تاريخيا باتت الآن مستقرة في المنطقة التي تلتقي فيها حدود السعودية والأردن ومصر". 

وذكر التحقيق أنه "من اللحظة الأولى لم يكن لهم موقع في مخططات نيوم، وقيل للآلاف منهم في وقت مبكر من عام 2020 إن الدولة ستحتاج إلى أراضيهم مقابل تعويضات". 

وأوضحت الوكالة أنه "بحسب السكان فإن التعويضات في حالة الممتلكات الكبيرة قد تصل إلى مليون ريال سعودي (ما يعادل 266 ألف دولار)".

أما أصحاب البيوت الصغيرة فقد لا يستلمون أكثر من مئة ألف ريال أي أقل من الراتب الشهري الذي يتقاضاه بعض الموظفين في نيوم. 

عبد الرحيم الحويطي 

تجسدت مأساة قبيلة الحويطات وما حل بها من تنكيل في رجل يسمى عبد الرحيم الحويطي، يبلغ من العمر (47 سنة)، سعودي الجنسية، وينتمي إلى قبيلة الحويطات.

وهو من مواليد قرية "الخريبة" بتبوك التي تقع جغرافيا في المنطقة التي سيقام فيها مشروع نيوم شمال غربي السعودية. 

وبدأت الأحداث حينما ذهب مسؤولون إلى المنطقة وانتقلوا من منزل إلى آخر يجرون مسحا للبيوت التي سيجري إخلاؤها.

حينها قابلهم الحويطي بغضب، وبدأ بتسجيل سلسلة من الفيديوهات باستخدام هاتفه الجوال، ما لبثت تلك المقاطع أن انتشرت كالنار في الهشيم. 

واتهم ابن قبيلة الحويطات الحكومة السعودية بتخويف السكان لإجبارهم على التنازل عن بيوتهم.

وقال إن عهد محمد بن سلمان هو "حكم الولدان"، ووصف علماء الدين الذين يعملون لصالح الحكومة بأنهم "جبناء صامتون".

وأعلن الحويطي أنه يتوقع أن تعتقله السلطات أو تقتله، لكنه عقب أن "الحياة لا تقاس بالزمن الذي يمضيه المرء على الأرض". وأضاف "موقفا في يوم واحد يعادل تسعين سنة". 

وفي منتصف أبريل/نيسان 2020 وصلت قوات أمنية خاصة مدججة بالسلاح إلى منزله، فنشبت معركة بالأسلحة النارية، أسفرت عن قتل الحويطي وإصابة ضابطي شرطة بجراح. 

وقالت الشرطة السعودية إن المواطن كانت لديه أسلحة في منزله وأنه فتح النار متجاهلا مطالبات له بالاستسلام، وفق زعمها.

تنكيل مستمر 

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا عن مدى التنكيل الذي تتعرض له قبيلة الحويطات. 

وأفاد بتصاعد حملة السلطات السعودية لطردهم من أراضيهم، وشملت الإجراءات قطع إمدادات المياه والكهرباء، وتحليق طائرات الاستطلاع بدون طيار فوق المساكن.

وحسب الموقع البريطاني، فإن أجهزة الأمن اعتقلت أكثر من 150 شخصا من قبيلة الحويطات، ووضعتهم في السجون رهن المحاكمة بسبب مقاومتهم مشروع نيوم.

وفي 30 أبريل 2020 غرد المعارض السعودي "سعد الفقيه" على موقع تويتر، قائلا: "إن "الحملة ضد الحويطات أثبتت أن أولوية محمد بن سلمان ليست مجابهة فيروس كورونا أو الحفاظ على صحة السكان".

بل يحضر محمد بن سلمان الأرضية للاستيطان الصهيوني وإقامة الملاهي الليلية والمجون في تلك المنطقة، وفق قوله.

وفي 14 سبتمبر 2022 أفادت الناشطة السعودية المعارضة علياء الحويطي، ابنة القبيلة، أن حملة الحكومة لمراقبة القبيلة وطردها استكملت بقوة عندما قبض على مجموعة من الرجال في بداية هذا العام بتهمة التخطيط لمظاهرة سلمية.