لعب مع الكبار.. نيويورك تايمز: السعودية تميل تجاه روسيا وتبتعد عن أميركا

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة أميركية الضوء على التقارب في العلاقات بين الدولتين المنتجتين للنفط، السعودية وروسيا، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وأوروبا معاقبة موسكو وفرض العزلة عليها؛ بسبب غزوها لأوكرانيا.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه "في الوقت الذي حشدت فيه موسكو قواتها على حدودها مع أوكرانيا ثم غزتها في 24 فبراير/شباط 2022، ضخت شركة (المملكة القابضة) السعودية، استثمارات بأكثر من 600 مليون دولار في ثلاث شركات طاقة روسية بارزة".

ثم خلال صيف 2022، ومع حظر الولايات المتحدة وكندا وعدة دول أوروبية واردات النفط من روسيا، ضاعفت السعودية كمية زيت الوقود التي تشتريها من روسيا لتغذية محطات توليد الكهرباء لديها، ما أتاح لموسكو تصدير جزء من مخزون الطاقة لديها.

وخلال سبتمبر/أيلول 2022، وجهت كل من روسيا والسعودية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والمنتجين المتحالفين معها لخفض الإنتاج، في محاولة لرفع أسعار النفط العالمية، التي كانت تتراجع، وهو قرار من شأنه زيادة أرباح كلا البلدين.

مصالح مشتركة

وأكدت الصحيفة الأميركية أن هذه التحركات الأخيرة مجتمعة تمثل "ميلا سعوديا واضحا تجاه روسيا، وبعدا عن الحليف التقليدي، الولايات المتحدة".

لكنها شددت في الوقت ذاته على أن الموقف السعودي لا يرقى إلى مستوى "التحالف السياسي الكامل" بين ولي العهد، محمد بن سلمان، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لكن الواضح أنهما "أقرا ترتيبا معينا يعود بالنفع على الجانبين".

ونقلت الصحيفة تصريحا لوزير الطاقة الأميركي الأسبق، بيل ريتشاردسون، أقر فيه أن "العلاقات السعودية الروسية تتعمق بشكل واضح".

وأشارت إلى أن السعوديين يصعبون على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عزل "بوتين"؛ بسبب تعاونهم الوثيق معه.

ففي الوقت الذي تسعى فيه أوروبا جاهدة لتقليص اعتمادها على النفط الروسي، تتدخل السعودية والصين والهند ليشتروا من بوتين، كملاذ أخير له.

كذلك، عدت الصحيفة أن العامل الاقتصادي ساهم في التقارب السعودي-الروسي، فخلال الحرب الباردة (1947-1991)، كانت المملكة والاتحاد السوفيتي عدوين لدودين، إذ ساعدت الأولى في تمويل "المجاهدين" ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان.

أما في السنوات الأخيرة، وبعد أن أدى "التكسير الهيدروليكي" لحقول الصخر الزيتي إلى طفرة في إنتاج النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، ضعفت قوة "أوبك" ومنتجي النفط الرئيسين الآخرين كروسيا.

ومن هنا أصبح البلدان ينظران إلى بعضهما البعض كشركاء مهمين، تربطهما مصالح مشتركة.

كما أشارت الصحيفة إلى سياسات الحكم في البلدين كأحد نقاط الالتقاء بينهما، حيث يحكم السعودية نظام ملكي "استبدادي"، وفي السياق ذاته، "يقمع" بوتين المعارضة، حتى قضى على معظمها داخل روسيا.

وبعد انهيار أسعار النفط أواخر 2014 و2015، تعاونت موسكو والرياض لمنع الشركات الأميركية من الهيمنة على سوق الطاقة العالمي. 

ففي عام 2016 اتفقت روسيا والسعودية على توسيع كارتل النفط، وتأسيس تحالف "أوبك بلس"، الذي يضم أعضاء منظمة "أوبك" ودول أخرى نفطية، منها روسيا.

ووفق الصحيفة، فقد أثبتت شراكتهما استمراريتها باستثناء تداعيات محدودة أوائل عام 2020، عندما أدى انتشار جائحة كورونا إلى انهيار أسعار النفط، واختلفت حينها الدولتان حول ما يجب القيام به.

منظور اقتصادي

بدوره، قال المحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية لشؤون الشرق الأوسط، بروس ريدل، مؤلف كتاب "ملوك ورؤساء: السعودية والولايات المتحدة منذ عهد روزفلت"، إن "للروس والسعوديين مصلحة مشتركة في رفع أسعار النفط، وقد عززت حرب أوكرانيا ذلك".

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن "أوبك بلس" تنسق بشكل وثيق مع وزير الطاقة الروسي السابق، ألكسندر نوفاك، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس الوزراء.

كما أكدت أن "أوبك بلس" أظهرت استقلاليتها عن الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي زار المملكة في يوليو/تموز 2022 لاستعادة العلاقات الأميركية-السعودية بعد انتقاده لابن سلمان خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بسبب قتل الصحفي جمال خاشقجي.

فعلى مدار شهور كان بايدن يشجع السعودية على زيادة إنتاج النفط، لكن قرار "أوبك بلس" خفض الإنتاج أتى مخالفا لرغباته.

وترى الصحيفة أن المملكة غالبا ما اصطفت بجانب المصالح الأميركية، بما في ذلك دعمها السري لتحسين العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب.

لكن بعض المحللين يعتقدون أن السعودية تركز حاليا على مصالحها الاقتصادية، من خلال العمل عن كثب مع روسيا، حتى في الوقت الذي يسعى فيه الغرب لعزل بوتين ومعاقبته على غزوه لأوكرانيا، وفق "نيويورك تايمز".

من جانبه، قال خبير سياسات الشرق الأوسط في جامعة رايس الأميركية، جيم كرين، إنه "من اللافت جدا للنظر أن روسيا قادرة على إبقاء السعودية في صفها، حيث إن هدف بوتين هو الحيلولة بين واشنطن وحلفائها، وقد نجح في إحراز بعض التقدم".

بدورهم، يقول مسؤولو النفط في الخليج إنهم يفعلون ما هو أفضل بالنسبة لهم، حيث عد المدير التنفيذي السابق في شركة "أرامكو" السعودية، سداد آل حسيني، أن "هذه القرارات تحمي المصالح التجارية الخاصة بالمملكة، وهذا أمر متفهم جدا في إطار المنظور الاقتصادي لبلادنا".

انتهازية سياسية

في السياق نفسه قال بعض المسؤولين في مجال الطاقة في الشرق الأوسط، إن الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لم يكونوا شركاء موثوقين لمصدري النفط، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى سعيهم لمنع العالم عن استخدام الوقود الأحفوري؛ للتصدي لتغير المناخ.   

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن العلاقات السعودية-الروسية أخذت أشكالا مختلفة، لكن من النادر وجود توافق كامل بين الطرفين.

فقد اتفقت الدولتان في دعم الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر للسيطرة على البلاد، لكن من جانب آخر تحافظ روسيا منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع إيران، الخصم الأكبر للسعودية، بما في ذلك الموقف من الحرب في سوريا.

وأفادت الصحيفة بأن ابن سلمان "لم يذكر الكثير علنا" عن الحرب الروسية-الأوكرانية، إلا أنه في مارس/آذار 2022 أدانت السعودية الغزو في تصويت الأمم المتحدة.

كذلك، زادت المملكة مبيعات النفط إلى أوروبا لمساعدتها في تعويض الغاز الروسي.

وفي هذا السياق تعتقد الرئيسة العالمية لإستراتيجية السلع في بنك "آر بي سي" الاستثماري العالمي، والمحللة السابقة في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، حليمة كروفت، أن "السعوديين لا يريدون أن يكونوا طرفا في نزاع الغرب مع روسيا".

لكن في مقابل هذه النظرة التي ترى السعودية محايدة في هذا الصراع الدولي، صرح خبراء آخرون أنه "لا ينبغي الخلط بين التردد والحياد".

وفي ذلك قال روبرت جوردان، السفير الأميركي لدى السعودية خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش: "أعتقد أن ابن سلمان يريد اللعب مع الكبار، وأيا ما كان سيمنحه هذه الفرصة فإنه سيكون انتهازيا حيال ذلك".

وتابع: "إذا كانت مساعدة بوتين ستمنح ابن سلمان هذه الفرصة فلا بأس بذلك بالنسبة لولي العهد السعودي، خصوصا وأنه لا يتضرر عندما يظهر استقلاله عن النفوذ الأميركي".