بعد إعلان التقرير الأممي عن خاشقجي.. أيُ مصير ينتظر بن سلمان؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كثيرون انتظروا تلك اللحظة، عندما تعلن الأمم المتحدة تقرير خبيرتها التي تقود التحقيق الدولي في اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، قبل أكثر من 8 أشهر، لكن أن يحمل اتهاما مباشرا بتورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فهذا ربما لم يتوقعه هؤلاء ولا بن سلمان نفسه.

المفاجأة الدولية التي تضع الأمير الشاب في حرج بالغ أمام العالم، وداخل مملكته التي يسابق الزمن ليجلس على عرشها، قد تدفع الأمور باتجاهات لم يأخذها أحد في الحسبان، فإلى أي مصير تقود دماء خاشقجي ولي العهد السعودي؟

عاصفة كالامارد

بعد أشهر من التقصي والتحقيق خلصت "أجنيس كالامارد" مقررة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في اغتيال خاشقجي، إلى وجود أدلة موثوقة وذات مصداقية على وجود مسؤولية شخصية محتملة لولي العهد السعودي في مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي تقريرها لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأربعاء 19 يونيو/حزيران الجاري، أكدت أن هناك حاجة إلى إجراء تحقيق مفصل للوقوف على مدى التورط، داعية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لفتح تحقيق جنائي دولي مستقل في القضية.

التقرير قال إن مقتل خاشقجي كان جريمة قتل خارج نطاق القانون تتحمل الدولة السعودية المسؤولية عنها، كما يشكّل انتهاكا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وارتكبت السعودية عملا لا يتفق مع مبدأ أساسي من مبادئ الأمم المتحدة وهو حماية حرية التعبير.

وأشارت الأمم المتحدة إلى أنه لم يتم تزويد المقررة الأممية بأي معلومات تتعلق بالأدلة التي جمعها المحققون السعوديون، فيما رأت كالامارد أن قتل خاشقجي جريمة دولية يتعين على الدول إعلان اختصاصها القانوني بشأن البت فيها، مؤكدة أن التحقيق السعودي يصل إلى حد عرقلة العدالة.

لم يقف التقرير عند اتهام ولي العهد السعودي بصفته وشخصه، بل ذهب إلى الحديث عن عقوبات يجب فرضها عليه، منها ما يتعلق به ومنها ما رأت أن يشمل أمواله وأصوله الشخصية في خارج السعودية.

التقرير شدّد على ضرورة إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقا في جريمة مقتل خاشقجي عن طريق مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI".

تلك الاتهامات المباشرة والصريحة تأتي بعد أكثر من 4 أشهر على إعلان كالامارد أن شكوكا تساورها في مسؤولية بن سلمان عن مقتل خاشقجي، بعد لقاءات مكوكية بمسؤولين ومحققين أتراك اطلعت خلالها على ما أكدت أنقرة امتلاكه من أدلة بشأن الجريمة.

ومنذ 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي باتت قضية خاشقجي من بين الأبرز والأكثر تداولا على الأجندة الدولية، وبعد 18 يوما من الإنكار والتفسيرات المتضاربة أعلنت الرياض مقتل خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول إثر "شجار" مع أشخاص سعوديين، وتوقيف 18 مواطنا في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة.

وفي 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي أصدر القضاء التركي مذكرة توقيف بحق أحمد عسيري النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية، وسعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد للاشتباه في ضلوعهما بالجريمة.

أكباش فداء

لم يصبح الأمر إذًا مجرد اتهامات تطلقها تركيا التي تناصبها السعودية العداء لملفات عدة أبرزها مقتل خاشقجي، أو حتى تقارير استخباراتية أمريكية تؤكد ضلوع مقربين من بن سلمان في الجريمة، لكن أدلة موثقة بصبغة دولية تؤكد تورطه شخصيا بانتظار جولة أخرى لتحديد مدى هذا التورط.

وبينما كان الأمير يبحث عن مخرج لإنقاذ رقاب معاونيه المتهمين المباشرين، واجتهدت سلطاته في إخفائهم وفرض السرية على محاكماتهم، يحمل الآن عبء دفع الاتهامات عنه شخصيا، وسط حرج دولي بالغ ربما لم يتعرض له مسؤول سعودي رفيع المستوى من قبل.

هذه الصورة المرتبكة، التي ربما استعد بن سلمان لمواجهتها منذ فترة، قد تدفع الرياض نحو سيناريوهات عدة يتوقف جميعها على توجهات بن سلمان في معالجة الأمر من ناحية، وكم الضغوط الدولية التي يتعرض لها من ناحية أخرى.

داخليا، فإن الأمر ينطوي على سيناريوهات قد يتم اللجوء إليها لمواجهة الأزمة، من بينها الاستجابة لبعض مطالب التقرير في إجراء محاكمات علنية للمتهمين المحتجزين حاليا، أو حتى توسيع دائرة الاتهام وإعلان ما توصل إليه المحققون السعوديون من نتائج.

ووفقا لهذا السيناريو، قد يصل التراجع السعودي إلى حد تقديم أكباش فداء برغبتهم أو رغما عنهم، بغية تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لبن سلمان، وإبعاد الأنظار ولو مؤقتا عن مسألة تورطه شخصيا.

بلا شك، إذا انتهجت الرياض هذا التوجه فإنها لابد أن تكون مستعدة لتقديم أدلة مقنعة للمجتمع الدولي قد تشمل اعترافات صريحة من قبل المتهمين الذين سيُضحى بهم، ليخرج بن سلمان من القضية كما تقول الأمثال الشعبية "كالشعرة من العجين".

يرى البعض أن الأمور ليست بهذه السهولة، مع وجود تقرير دولي يترافق مع اهتمام ومتابعة غير مسبوقة من قبل الغرب، تُرجمت إلى عقوبات فعلية شملت تجميد صفقات تسليح مثل الحال مع ألمانيا.

آخرون يقولون إن تلك الخطوات التي قد تقدم عليها السعودية، ربما تساهم في تخفيف حدة الضغط الدولي تجاه الرياض، لكن في حقيقة الأمر فإنها تثبت الاتهامات بحق بن سلمان أكثر، وتُظهر تخوفه من الاستسلام لما يبدو أنه رغبة دولية.

سحابة صيف

السيناريو الآخر الذي قد تتجه نحوه السعودية في مواجهة عاصفة كالامارد، والمرشح بقوة بين جميع السيناريوهات، يرتبط ارتباطا وثيقا بكيفية تعامل سلطات المملكة مع القضية منذ البداية وحتى الآن، وملخصها "دع الجميع يتكلم فلن يهمنا أحد".

ولعل هذا ما عبّر عنه صراحة ولي العهد السعودي في حوار نشرته "الشرق الأوسط" السعودية قبل أيام عندما قال: إن "خاشقجي مواطن سعودي، ولا شك أن ما تعرض له أمر مؤلم ومؤسف، ولقد اتخذنا في المملكة الإجراءات كافة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، وتمت إحالة المتهمين إلى القضاء".

وأضاف: "القضاء في المملكة سلطة مستقلة ليس لأحد التدخل فيها، ونحن نواجه أي حدث بحزم ومن دون تردد، واتخاذ الخطوات الكفيلة بتحقيق العدالة وإصلاح مكامن الخلل ومنع تكرار الأخطاء، من دون أن نلتفت لأي مزاعم واتهامات من هنا أو هناك".

بن سلمان هنا بدا حاسما وواضعا النقاط فوق الأحرف، ومتحديا الجميع بأنه لن يلتفت لما يردده أحد بشأن اتهامات قضية خاشقجي، ووضع الأمر برمته في عهدة القضاء، الذي يعلم القاصي والداني كيف يديره آل سعود ويسيطرون عليه.

لكن الضغوط التي دفعت السعودية للاعتراف بالجريمة وتقديم متهمين إلى المحكمة وإعادة هيكلة أجهزة الأمن والاستخبارات ولو بشكل صوري إرضاء للمجتمع الدولي، ربما تقود لإجراءات أخرى شكلية في السياق ذاته.

هذه الإجراءات يمكن أن تشمل كف يد بن سلمان عن التصرف في ملفات بعينها، أو سحب بعض الصلاحيات من تحت يده، ووضعها في يد آخرين من أبناء الملك سلمان وأبرزهم نجله خالد الذي يشغل منصب نائب وزير الدفاع.

لوبي المساعدات

إدارة الأزمة على نحو يمنع أي تجاوب أممي مع توصيات تقرير كالامارد، خاصة تلك المتعلقة بمساءلة بن سلمان، ربما يكون أحد السيناريوهات المطروحة في التعاطي السعودي إزاء تطورات قضية خاشقجي.

وهنا يبرز اللوبي السعودي ورفيقه الإماراتي وما يمكن أن يلعباه من دور في سبيل عرقلة أية مساعي قد تتجه إليها قوى غربية ساعية لتفعيل آليات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تجاه القضية.

هذا اللوبي الذي تمكّن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من عرقلة مشروع قرار بريطاني بمجلس الأمن الدولي حول وقف القتال في اليمن واستئناف إيصال المساعدات إلى البلاد، ونقلت "التليجراف" عن مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة، أن العرقلة تسببت فيها "حملة لوبي" أطلقتها السعودية والإمارات.

في أعقاب مقتل خاشقجي، نشرت "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا كشف أن السعودية تقاوم الانتقادات الموجهة إليها في الولايات المتحدة، عن طريق دفع ملايين الدولارات لجماعات الضغط وشركات المحاماة الكبرى ومراكز الأبحاث البارزة وكبار مقاولي الدفاع.

وأظهرت السجلات العامة في عام 2017، أن المدفوعات السعودية لجماعات الضغط والمستشارين في واشنطن قد ارتفعت إلى أكثر من 3 أضعاف عن عام 2016، وبسبب هذا الإنفاق السخي تمتع السعوديون بميزة لا تُقدَّر بثمن.

ويبدو أن سعي المملكة لمواجهة ما تتعرض له من انتقادات ليس بجماعات الضغط فقط، لكن بسلاح المساعدات الإنسانية، فقد أظهر تقرير أممي أنه في عام 2014 بلغ إجمالي حجم المساعدات الإنمائية الرسمية السعودية 14.5 مليار دولار، لتحتل السعودية المركز الرابع كأكبر مانح للمساعدات الإنمائية والسابع كأكبر مانح للمساعدات الإنسانية.

هذا السلاح ربما يكون مثار مقايضة أو ابتزاز تمارسه الرياض وتلوّح به في وجه المنظمات الأممية، فكما فعلت في اليمن وحاولت غسيل سمعتها وتنظيف يديها من دماء اليمنيين بتسديد فاتورة باهظة تحت لافتة المساعدات الإنسانية، يمكنها أن تفعل في قضية خاشقجي.

رحيل وعقوبات

ثمة سيناريو آخر، لكنه يبدو مستبعدا إلى حد كبير، ويشير إلى ازدياد موجات الغضب والضغط الدوليين على السعودية بسبب التقرير الأممي بشأن خاشقجي، وتصاعد حدة الانتقاد على نحو يجبر بن سلمان على التخلي عن طموحاته للجلوس على عرش البلاد.

هنا يضطر بن سلمان إلى الانزواء بعيدا عن سلم الحكم في المملكة، ربما برغبة والده الأضعف من أن يتحمل موجات الضغط تلك، فيعيد الأمور إلى نصابها الصحيح بعد أن مهّد الطريق لابنه بإبعاد اثنين من أولياء العهد.

غير أن هذا السيناريو الحالم تقف في وجهه عقبتان رئيسيتان، أولهما داخلية وتتعلق بما وصل إليه بن سلمان من قوة ونفوذ وإحكام لقبضته على مفاصل الحكم في السعودية، إلى حد يجعل الملك أضعف من أن يعزله.

وعلى مدار عامين تمكن ولي العهد من بسط سيطرته على الحكم ليصبح ملكا فعليا ينتظر التتويج، وأزاح من أمامه جميع الطامحين في أي سلطة من أعمامه وأبناء عمومته عبر الابتزاز والاعتقال والتخويف والاستيلاء على الأموال.

العقبة الثانية تكمن في الدعم الأمريكي المتوقع لمساندة بن سلمان بقضية خاشقجي سواء من جانب الرئيس دونالد ترامب الذي عزز معادلة استنزاف السعودية مقابل حماية حكامها، أو صهره ومستشاره جاريد كوشنر الذي تربطه ببن سلمان علاقات وُصفت بشديدة الخصوصية.

ونقلت تقارير متلفزة أوائل يونيو/حزيران الجاري، عن كوشنر رفضه بشكل قاطع إلقاء اللوم على ولي العهد السعودي في القضية، ورغم تقارير الاستخبارات الأمريكية التي أكدت ضلوع بن سلمان في الجريمة من خلال توجيهه لأمر القتل، فإن كوشنر قال إنه ينتظر نتائج التحقيقات الأمريكية، لتوجيه اللوم للشخص الصحيح.

وكانت مجلة نيوزويك الأمريكية ذكرت أن كوشنر وصف خاشقجي بالإرهابي، من خلال ما جاء في كتاب "الحصار.. ترامب تحت النار" لمؤلفه مايكل وولف، وجاء في الكتاب أن كوشنر قال: إن خاشقجي "إرهابي متنكر في صفة صحفي"، وأنه كان حلقة وصل بين جهات من العائلة المالكة، وبن لادن".

ورغم الانقلاب الذي أحدثته جريمة اغتيال خاشقجي فيما يخص علاقة بن سلمان بالسياسيين الأمريكيين، فإن صهر ترامب "ظل وفيا لولي العهد السعودي، حيث أسدى له نصيحة بالصمود أمام العاصفة ووصف له كيفية العمل"، وفق مقال نشرته "واشنطن بوست".

ورأى المقال أن الأمريكيين سيكونون محظوظين إذا كان بينهم صديق مخلص ووفي كوفاء كوشنر لمحمد بن سلمان، إذ لم يعد من الأسرار أن الرجلين ظلا على علاقة منتظمة منذ بدء رئاسة ترامب.

وبعد مقتل خاشقجي استمر كوشنر يتبادل الأحاديث بانتظام مع بن سلمان، ونصحه بالصمود أمام العاصفة بحل صراعاته في المنطقة وتجنب إثارة قلاقل أخرى، ولعل أحدثها ما كشفه موقع "ميدل إيست آي" قبل يومين.

وبحسب المكالمة الهاتفية التي تحدث عنها الموقع، فإن كوشنر تدخّل لمنع إعدامات جديدة في السعودية تدمر صورة البلاد في واشنطن، بعد أن خفتت فضيحة مقتل خاشقجي، ورأى كاتب المقال أن المحادثة تشير إلى أن البيت الأبيض يسعى إلى دفن الفضيحة بدلا من السعي وراء المساءلة.