"راعي الإصلاح".. كيف يسعى الصدر للهيمنة على الدولة العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"خذوا المناصب والكراسي، واتركوا لي الوطن.. ماضون بالإصلاح ولن نتنازل"، كلمات رددها زعيم "التيار الصدري" (أكبر تيار شيعي في العراق)، مقتدى الصدر بعد فوز قائمته "سائرون" في انتخابات البرلمان، تشير إلى الزهد بمناصب الدولة، والتمسك بالمعارضة خيارا لتقويم المسار السياسي في العراق.

لكن تلك العبارات، لم تصدقها الحقائق على أرض الواقع، فعلى الرغم من حديثه المتكرر عن ترك الحرية لرئيس الحكومة عادل عبد المهدي، حتى يختار وزراءه من التكنوقراط، إلا أن مسؤولين وقادة سياسيين أكدوا أن كتلة الصدر كان لها حصة الأسد في التشكيل الوزاري.

فقد صرح كل من إياد علاوي، وحيد العبادي، وهما زعيمان لكتلتين سياسيتين، تسلما رئاسة حكومات سابقة، أن "سائرون" المدعومة من الصدر، ومعها كتلة "الفتح" بزعامة هادي العامري، تقاسما وزارات الحكومة، ولم يطبقا مبدأ فسح المجال أمام رئيس الوزراء لاختيار تشكيلته الوزارية.

التغلغل بمفاصل الدولة

عقب فوز قائمة "سائرون" بالمرتبة الأولى بحصولها على 54 مقعدا في البرلمان العراقي، دعا زعيم التيار الصدري الكتل السياسية إلى ترشيح شخصية مستقلة إلى منصب رئيس مجلس الوزراء، لتشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين بعيدة عن التحزب.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كلف رئيس الجمهورية برهم صالح، السياسي المستقل عادل عبد المهدي، المدعوم من أكبر كتلتين "سائرون" و"الفتح"، بتشكيل الحكومة في مدة أقصاها 30 يوما، لتعرض بعد ذلك على البرلمان لأخذ الثقة.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع رئيس ائتلاف الفتح هادي العامري

إلا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أعلن بعد أربعة أيام شروطا عدة، حتى تمنح قائمة "سائرون" التي يتزعمها الثقة للحكومة العراقية الجديدة، مشيرا إلى أن ما وصفها بـ"الدولة العميقة" سيطرت على الكثير من المناصب في البلاد.

وقال الصدر في بيان نشرته على حسابه في "تويتر": إن "على رئيس الوزراء أن يبقي وزارة الدفاع والداخلية بل كل المناصب الأمنية الحساسة بيده حصرا، ولا يحق لأي حزب أو كتلة ترشيح أحد لها، فجيش العراق وشرطته وقواته الأمنية يجب أن يكون ولاءها للوطن حصرا".

وتابع: "إننا إذ منعنا الترشيح للوزارات، إنما لأجل أن تكون بيد رئيس الوزراء وليس هبة للكتل والأحزاب أو أن تكون عرضة للمحاصصة، بل لا بد أن تكون بيد التكنوقراط المستقل، وإلا كان لنا موقف آخر".

وشدد الصدر على أن باقي المناصب والهيئات والدرجات الوظيفية مما لا يقل أهمية عن الوزارات، التي استولت عليها "الدولة العميقة" فيما مضى (في إشارة إلى حزب الدعوة الذي تولى الحكم من 2004 وحتى 2018)، يجب أن تكون فوق ضوابط وأسس قانونية ومنطقية صحيحة ويراعى فيها العدل والإنصاف والخبرة والابتعاد عن التحزب والفئوية.

ودعا إلى ضرورة "فتح باب الترشيح العام لذوي الاختصاص والكفاءات وفق شروط صارمة تحفظ للدولة هيبتها وللعمل نجاحه"، لافتا إلى أن "هناك مناصب مهمة حساسة قد تكون من أهم مقومات الإصلاح ودفع الفساد".

وفي حديث لـ"الاستقلال" كشفت مصادر سياسية عراقية، طلبت عدم ذكر هويتها، أن "حصة قائمة سائرون التابعة للصدر حصلت على 4 وزارات في حكومة عبد المهدي، وهي: النفط، الكهرباء، الصحة، والنقل".

وذكرت المصادر، أن "هذه الوزارات على الرغم من ذهابها إلى شخصيات مستقلة، اختارها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، ووافق عليها الصدر، إلا أن مديري مكاتب هؤلاء الوزراء، ومناصب قيادية أخرى فيها، يشغلها منتمون للتيار الصدري".

وأكدت، أن "الصدر يسعى إلى التغلغل في الوزارات الحكومية، وجميع مفاصل الدولة، على العكس مما يتحدث عنه من ابتعاد عن المناصب، والدليل على ذلك إصراره على الظفر بمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء، وهو ما تحقق بالفعل".

وصوّت البرلمان العراقي في 13 يونيو/ حزيران الجاري على حميد الغزي القيادي في التيار الصدري رئيس مجلس محافظة ذي قار السابق، أمينا عاما لمجلس الوزراء، بديلا عن مهدي العلاق عضو حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي.

ماذا يريد الصدر؟

لم يكتف التيار الصدري بالمناصب داخل الحكومة، وإنما حصل على منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، حسن الكعبي، إضافة إلى رئاسة 5 لجان برلمانية، إذ يؤكد نواب عن "سائرون" أن هذه المناصب هي ضمن الاستحقاق الانتخابي للقائمة.

تمدد التيار الصدري بهذه الطريقة في مفاصل مهمة داخل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، رغم حديثه المتكرر عن ضرورة الابتعاد عن المناصب، يثير تساؤلات حول أهداف الصدر من مناوراته السياسية هذه؟ وهل يسعى إلى تأسيس دولة عميقة تدين له بالولاء داخل تلك المؤسسات؟

وتعليقا على الموضوع، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي الدكتور سعدون التكريتي: إن "مقتدى الصدر يتجه نحو فرض الهيمنة المستقبلية على الدولة، في تجربة قد تكون هي أقرب إلى ولاية الفقيه في إيران، بحيث يكون هو الآمر الناهي الأول في البلد ويستمع له حتى رئيس الحكومة".

ولفت إلى أن "هناك توجها غربيا يطرح ضرورة أن يعزز دور الشيعة في العراق، ثم يصبح العراق منافسا لإيران في قيادة الشيعة، لأن توحد الشيعة بقيادة واحدة يمثل خطرا على الغرب، حتى لو مارس الشيعة تحالفا مع الغرب في فترة ما فذلك كان تحالفا لمصلحتهم".

ورأى التكريتي، أنه "من ناحية أخرى، فإن إيران وقد يتعذّر عليها منع ذلك، ستسعى لتعدد القيادات الشيعية وبعض هذه القيادات الشابة اليوم في العراق التي ننظر لها باعتبارها عنوانا للجهل ستصنع مستقبلا".

وتراجع الصدر عن اتخاذ مسار مشابه لما أقدم عليه كتلة تيار الحكمة التابعة لرجل الدين الشاب عمار الحكيم الأسبوع الماضي، بالذهاب إلى تشكيل معارضة برلمانية، بعدما هدد في أكثر من مناسبة باللجوء إلى المعارضة في حال استمرار القوى السياسية بالنهج الفاسد.

وفي 13 سبتمبر/أيلول الماضي، نشر الصدر تغريدة على حسابه في "تويتر"، قال فيها: "قد توافقنا مع كبار العراق على ترشيح عدة شخصيات تكنوقراط ومستقلة لرئاسة مجلس الوزراء، وفق قرار عراقي محض"، مشددا على أنه "يختار تشكيلته الوزارية بعيدا عن الطائفة والمحاصصة، بل وفق معايير صحيحة ومقبولة من العلمية والنزاهة".

وأضاف أن "البعض من السياسيين سارعوا إلى رفض هذه الفكرة من أجل العودة إلى المربع الأول"، مهددا بالقول: "في حال استمرار هذا الرفض والنهج الفاسد سيتم اللجوء إلى المعارضة السياسية".

"راعي الإصلاح"

حديث الصدر عن محاربة الفساد لم يكن جديدا، فطالما أثار زعيم التيار الصدري، الجدل بتقلباته السياسية، وكان آخرها تحالفه الانتخابي مع الأحزاب الشيوعية وذات التوجه المدني الليبرالي، معلنا توافقه معهم في الهدف الواحد، وهو إصلاح العملية السياسية وتقويم الأداء الحكومي ومكافحة الفساد المستشري في البلاد.

قاد الصدر تظاهرات شعبية تطالب بمحاربة الفاسدين، إذ دخل في 28 مارس/آذار 2016 إلى خيمة في المنطقة الخضراء لمواصلة اعتصام بدأه أنصاره عند بواباتها للضغط على الحكومة بعد رفض رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي تحديد موعد لإعلان تشكيلة حكومية جديدة من الكنوقراط، بعد عامين من رئاسته للحكومة.

وقال الصدر، إنه وحرسه سيدخلون المنطقة الخضراء لمواصلة الاعتصام، وأمر المئات من أنصاره المحتشدين خارج المنطقة التي تضم البرلمان والسفارات ومكاتب حكومية بالبقاء في الخارج والتزام السلمية.

وبثت قنوات تلفزيونية قول الصدر لآلاف المعتصمين أمام أبواب المنطقة الخضراء إنه يمثل الشعب، وأضاف: "سأدخل المنطقة الخضراء بمفردي وأعتصم داخلها وأنتم تعتصمون على أبوابها"، وتابع مخاطبا الحضور: "لا تبرحوا المكان" قبل أن يتوجه إلى داخل المنطقة.

ويطلق أنصار الصدر على زعيمهم مقتدى لقب "راعي الإصلاح"، في إشارة منهم إلى تصدره في المطالبة بإصلاحات سياسية في البلد، تنهي ظاهرة الفساد التي نخرت جميع مؤسسات الدولة العراقية، جراء سياسات حكومات تشكلت بعد الغزو الأمريكي للبلد عام 2003 وحتى الآن.