توتر العلاقات بين المغرب وتونس.. ما تأثيره على حكم قيس سعيد داخليا؟

سلمان الراشدي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي، لم يقتصر على غضب المغرب حكومة وشعبا، بل استنكرت أصوات تونسية بنخبها السياسية والنقابية والشعبية هذا الفعل.

وشددت قوى سياسية تونسية على أن الاستقبال له تداعيات على الداخل التونسي، في ظل أزمات دستورية وشرعية تلاحق سعيّد منذ انقلابه على السلطات.

ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة حين بدأ سعيّد فرض إجراءات انقلابية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد وتبكير الانتخابات البرلمانية.

وأمام هذه الأزمات الداخلية فتح سعيد جبهة خارجية جديدة مع المغرب، بـ"شرخه" لملف "إقليم الصحراء" الذي يعد حساسا بالنسبة للمغرب، إذ تشدد المملكة على مغربية هذا الإقليم المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو منذ سنوات.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها في إقليم الصحراء، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم، وهو ما وتر العلاقات بين البلدين الأخيرين‎.

ومنذ إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة يشهد إقليم الصحراء منذ 1975 نزاعا بين المغرب و"البوليساريو"، وتحول النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.

تخريب للبلاد

وفي 26 أغسطس/آب 2022، اندلعت أزمة بين البلدين على خلفية استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، الذي شارك في أعمال النسخة الثامنة لقمة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا "تيكاد 8".

واحتجاجا على هذا الاستقبال الأول من نوعه، استدعى المغرب في اليوم نفسه سفيره لدى تونس، حسن طارق، للتشاور، ورأى أن ما حدث "عمل خطير وغير مسبوق".

وهو ما ردت عليه تونس بالمثل في اليوم التالي، إذ استدعت سفيرها لدى الرباط، محمد بن عياد، للتشاور.

بعد الاستقبال تعالت أصوات تونسية رافضة لخطوة سعيّد، مبينة أن تأثيرها يزيد "الطنة بلة" و"يشعل الزيت" أكثر في ما تعيشه تونس من صراعات سياسية وصعوبات اجتماعية.

وقال وزير الخارجية التونسية الأسبق، رفيق عبد السلام، إن "قيس سعيد بعدما خرب الوضع الداخلي وفجر كل عناصر التوتر فيه، استدار الآن لتخريب السياسة الخارجية للبلد".

وانتقد عبد السلام في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك" في 28 أغسطس: "خروج سعيد عن ثوابت الدبلوماسية التونسية منذ بداية الاستقلال وقد التزمت بها مختلف الحكومات المتعاقبة، ومن يخرج عن هذا الخط العام يدمر مصالح البلاد ويدمر نفسه في نهاية المطاف".

وأضاف "نعم لدينا علاقات إستراتيجية بالجار الجزائري لأسباب خاصة بالبلدين، وهذه الحقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر؛ ولكن هذا لا يعطينا أي مبرر في توتير علاقتنا بالمغرب الشقيق".

بدورها، قالت الوزيرة التونسية السابقة، سهام بادي: "لا أقبل اليوم بأي حال أن يقع التعامل بهذا الشكل مع المغرب الشقيق من طرف منقلب يضرب عرض الحائط بكل الأعراف الدبلوماسية ويفرق بين الأشقاء ويرغب في عزل البلاد و في خلق عداوات لا يقدر تداعياتها" .

وأضافت بادي في تدوينة نشرتها في 3 سبتمبر/أيلول: "قيس سعيد لا يمثلنا، عاشت الشعوب المغاربية بوحدتها مغاربيا وعربيا وإفريقيا".

ولفتت إلى أن "سعيد سعى إلى تفريق شعبه فكيف لا يسعى للتفرقة بين الدول الشقيقة والصديقة"

وأردفت: "أتضامن مع الشعب المغربي ومع حكومته في غضبه واستنكاره لاستقبال زعيم البوليزاريو من طرف سعيد".

"غباء دبلوماسي"

وأكدت بادي أن "هذا لا يغير شيئا من محبتنا واحترامنا للمغرب موحدا كامل السيادة على كل شبر من ترابه، ومرة أخرى يسقط الانقلاب".

وقالت: "قيس سعيد يليق بهم، فشل سياسي، غطرسة وتغول في مفاصل الدولة بالولاءات، عودة الاستبداد وغياب الحوار والتشاور".

ورأت الوزيرة السابقة أنه "فشل دبلوماسي وارتهان الخيارات لبعض الدول التي تدير الانقلاب عن بعد وتمد في أنفاسه، فشل اقتصادي بكل المقاييس: غلاء أسعار غير مسبوق، تفاقم بطالة، تدهور المقدرة الشرائية، وعود زائفة للاستثمار لم تر النور".

واستطردت: "فشل في مجال الحقوق والحريات: محاكمات عسكرية، منع من السفر تضييق على المعارضة، انفلات على جميع المستويات وفوضى غير مسبوقة مع عدم القدرة على إدارة الشأن العام".

وختمت تدوينتها بالقول: "لا يمكن للشارع إلا أن ينتفض بعد أن فاض به الكأس وبلغ السيل الزبى".

الأمين العام للمنظمة التونسية للشغل، محمد الأسعد عبيد، وصف الاستقبال بأنه "غباء دبلوماسي للمنقلب".

وأضاف عبيد في تدوينة نشرها في 27 أغسطس أن "استقبال المنقلب سعيد لزعيم جبهة البوليساريو هو انتحار سياسي غير مسبوق عربيا وإقليميا ودوليا للدبلوماسية التونسية".

وشدد على أن "هذا الغباء الدبلوماسي سيكلف تونس عزلة سياسية خانقة خاصة على المستوى الإفريقي لأن دولة المغرب الشقيق لها علاقة مع الدول الإفريقية مميزة وتاريخية وأغلب الدول العربية وإفريقية"، وفق تقديره.

وأضاف عبيد: "ستقاطع تونس دبلوماسيا، واستدعاء جبهة البوليساريو دليل واضح على بداية العزلة الإفريقية والعربية والدولية للمنقلب سعيد".

ويأتي حديث الأمين العام للمنظمة التونسية للشغل، في سياق من الأزمة الداخلية التي تعيشها تونس منذ استيلاء سعيد على كامل السلطات في البلاد، في 25 يوليو 2021.

وقت غير مناسب

هذا الاستنكار لم يقتصر على الأصوات التونسية بل تعداه إلى العالم العربي، إذ قال الإعلامي اللبناني، خيرالله خيرالله: "الثابت أنّ ما أقدم عليه سعيّد باستقباله ممثل جبهة البوليساريو استقبال الرؤساء أقرب إلى مغامرة أكثر من أي شيء آخر".

وفي مقال نشره عبر موقع "أنباء تونس" في 3 سبتمبر/أيلول 2022، تابع بالقول: "لم يسبق لتونس في أي وقت قبول أن تكون في خدمة أي قوّة خارجية قريبة منها أو بعيدة عنها".

وبين أن "سعيّد لم يرتكب خطأ بل ارتكب هذه الخطيئة في حق تونس، قبل المغرب… في وقت غير مناسب لتونس".

وتابع: "ارتكب الخطيئة في وقت يسعى فيه الرئيس التونسي، في ضوء الاستفتاء الأخير على الدستور، إلى أن يكون الحبيب بورقيبة (الرئيس التونسي الأسبق) الآخر. يتبيّن بعد استقباله إبراهيم غالي أنّه لا يستطيع حتّى أن يكون زين العابدين بن علي (رئيس النظام الأسبق) الآخر!".

الخبير الأمني والمعارض الجزائري، كريم مولاي، رأى أن "ما أقدم عليه الرئيس التونسي المنقلب على خيارات شعبه في الديمقراطية، تكرار لسلوك الديكتاتوريين الذين كلما ضاقت عليهم مسارب الفعل السياسي داخليا اتجه لخلق أزمة مع الخارج، من أجل تضليل الرأي العام وتجاوز الأزمات الداخلية".

وقال في مقال نشرته وسائل إعلام عربية في 28 أغسطس، إن "السلوك التونسي باستقبال زعيم البوليساريو، موقف من المحتمل أن يتطور إلى ما هو أسوأ، لا.. لكنه بالتأكيد سيزيد من توتير الأجواء وعرقلة جهود إحياء الوحدة المغاربية التي من شأنها تذليل صعاب العيش أمام شعوب منطقتنا".

فيما يعتقد الكاتب المغربي رشيد لبكر أن قيس سعيد "فقد البوصلة وأصبح يشكل خطرا حقيقيا على تونس وآلة مبرمجة لضرب مصالحها في الداخل من خلال الإجهاز على تجربتها الديمقراطية النموذجية، ومع الخارج عبر نسف علاقاتها مع دول شقيقة كانت دائما معها في السراء والضراء".

وأوضح في مقال نشره في موقع "أنفاس بريس" أن "المغرب كان يتحاشى إحراج تونس ويتفهم حيادها ويبني موقفه منها على حسن النية، انطلاقا من وعيه، بأن أي دعم إيجابي مباشر للمملكة سيدخل تونس في مشاكل لا حصر لها عل طول حدودها الغربية مع الجزائر، وما عدا ذلك كانت العلاقات مع الجانبين ممتازة".

واستدرك: "لكن الأمور تغيرت مع هذا الرئيس، الذي بدا مصرا على تعكير الأجواء، إذ لم يسبق أن أبدى حماسا للتعاون مع المغرب، بل كانت كل مواقفه مطبوعة بالجفاء، استدرارا ربما لعطف جنرالات الجزائر وضمان عدم تدخلهم في شأن بلاده الداخلي بخلق مشاكل أخرى قد تعيق مشروعه الاستحواذي على تونس".

وعزل سعيد رئيس الحكومة وعلق أنشطة البرلمان، ومن ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وليس انتهاءً بالاستفتاء على دستور جديد للبلاد خلفاً لدستور سنة 2014.