بعد تقصير.. هل تستخدم الجزائر "سلاح" القنصليات بأزمتها مع المغرب؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد توجه دبلوماسي مغربي على مدار نحو سنتين بفتح قنصليات في إقليم الصحراء المتنازع عليه، يقول مراقبون إن الجزائر تفطنت إلى "خطأ" دبلوماسي تجاهلته وتسعى لتداركه.

واختار المغرب إستراتيجية جديدة اعتمدت "دبلوماسيات القنصليات" بعد إعلان واشنطن في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020 اعترافها بـ"سيادة المغرب على إقليم الصحراء".

سياسة المغرب في فتح قنصليات بالإقليم والتركيز على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع عواصم إفريقية، قابله خلال عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة "إهمال" لتقريب الرؤى مع دول القارة.

ويرى مراقبون أن خطوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عزمه فتح سفارة لبلاده في غينيا بيساو، انطلاقة للتقرب من دول القارة أكثر وعدم ترك "المكان الشاغر" في عواصم كانت غائبة فيها "دبلوماسيا" ما سمح لتلك الدول باختيار صف الرباط بشكل صريح وافتتاح قنصليات بإقليم الصحراء.

تصحيح الخطأ

وفي 30 أغسطس/آب 2022، أعلن تبون أن بلاده تعتزم فتح سفارة لها في غينيا بيساو، لـ"إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين إلى طبيعتها".

وخلال مؤتمر صحفي جمع تبون مع نظيره في غينيا بيساو، عومارو سيسوكو أومبالو، قال تبون: "هناك ظروف جعلت البلدين يبتعدان عن بعضهما البعض، غير أنه انطلاقا من هذه الزيارة ستعود العلاقات إلى طبيعتها".

وأشار إلى أنه "من غير المعقول" ألا تكون للجزائر سفارة بغينيا بيساو"، مضيفا: "وعليه سنصحح هذا الخطأ".

بالموازاة، أعلن المغرب في 31 أغسطس 2022 افتتاح جمهورية الرأس الأخضر قنصلية لها في مدينة الداخلة بإقليم الصحراء.

وقالت الخارجية المغربية، في بيان، إن "وزير الخارجية ناصر بوريطة ونظيره بجمهورية الرأس الأخضر روي ألبيرتو دي فيغيريدو سواريس أشرفا بالداخلة على افتتاح القنصلية".

وبافتتاح جمهورية الرأس الأخضر قنصليتها ارتفع إجمالي القنصليات في الإقليم إلى 27، منها 14 في الداخلة، و12 بمدينة العيون في الصحراء.

والدول التي افتتحت قنصليات في العيون هي: كوت ديفوار، وجزر القمر، والغابون، وساو تومي وبرنسيبي، وإفريقيا الوسطى، وبوروندي، وزامبيا، وإسوتين، والإمارات، والبحرين، والأردن، ومالاوي.

فيما افتتحت دول قنصليات بمدينة الداخلة وهي غامبيا وغينيا وجيبوتي وليبيريا وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية وهايتي والكونغو الديمقراطية والسنغال وسيراليون وسورينام ومنظمة دول شرق البحر الكاريبي وتوغو والرأس الأخضر.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها في إقليم الصحراء، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم‎.

ومنذ إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة يشهد إقليم الصحراء منذ 1975 نزاعا بين المغرب و"البوليساريو"، وتحول النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.

ويرى مراقبون مغاربة أن الدول التي افتتحت قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية تؤكد على مغربية الصحراء، وأنها تساند الموقف الدبلوماسي في ذلك.

موقع "هسبريس" المغربي قال إن "الأيام الأخيرة أبانت عن تحرك النظام الجزائري بشكل واسع ضد المغرب، من خلال محاولات استقطاب مجموعة من الدول التي عبرت عن دعمها للطرح المغربي، وافتتحت قنصليات لها في مدن الجنوب، كالداخلة والعيون بإقليم الصحراء".

وأفاد في تقرير نشره في الأول من سبتمبر/أيلول 2022، بأن "تبون عمل على محاولة استمالة أصوات تؤيد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب.

وفي هذا الصدد، استقبلت الجزائر رئيس غينيا بيساو، الذي يشغل حاليا رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو)، وأعلن أنه سيجري فتح سفارة بغينيا بيساو لإعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، وفق التقرير.

وبين الموقع أن "مناورات الجزائر بلغت مستوى كبيرا من التحرك الذي يسائل الدبلوماسية المغربية، إذ وضعت طائرة خاصة تحت تصرف رئيس بوروندي إيفاريست ندايشيميي لنقله إلى تونس (للمشاركة في القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي/تيكاد يومي 27و28 أغسطس).

وذكر أن "غينيا بيساو وبوروندي تدعمان مغربية الصحراء ومقترح الحكم الذاتي، وذلك من خلال افتتاحهما سابقا قنصلتين عامتين في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية".

تدارك التقصير

فيما قال الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الجزائري، عبد الرحمن بن شريط: "لا أعتقد أن الجزائر تتجه لفتح السفارة كرد فعل على القنصليات التي يسعى المغرب لفتحها في الصحراء المتنازع عليها".

وأوضح ابن شريط لـ"الاستقلال" أن "الجزائر تبحث عن التغلغل في إفريقيا، وأعتقد أنها تريد أن يكون لها سفارات في العديد من الدول الإفريقية، وبعد زيارة رئيس غينيا بيساو عبّر تبون عن رغبته بأن تكون له سفارة، والجزائر رحبت بهذا الطلب".

وأكد الأستاذ الجامعي على أن "التصرف الجزائري ليس كنتيجة فعل للممارسات الدبلوماسية للمغرب بقضية الصحراء المتنازع عليها، بل هذا السلوك الدبلوماسي يظهر رغبة في تدارك الغياب بكثير من العواصم الإفريقية وليس (فقط) في غينيا بيساو".

ورأى ابن شريط أن "المكاسب الدبلوماسية للجزائر بالموازاة مع فتح الرباط لقنصليات في إقليم الصحراء، لها علاقة بالتوجه الجزائري نحو التغلغل في إفريقيا وفتح أسواق جديدة والتفكير في تنويع علاقاتها الاقتصادية مع القارة".

وأشار إلى أن "الجزائر تتدارك هذا الغياب والتقصير، وهي تملك الآن كل الرغبة السياسية والاقتصادية والاستعداد حتى تتغلغل بطريقة منظمة ومستمرة، وهذا ما فعلته مع دول الساحل حتى الآن، فأصبحت البضائع الجزائرية تصل إلى مالي والنيجر وغيرها من العواصم القريبة من الجزائر".

واستطرد: "الجزائر سيكون لها دور كبير جدا في فتح هذه العلاقات الاقتصادية، وهذه الدول في أمس الحاجة لمثل هذه المبادرات الجزائرية".

وشدد ابن شريط على أنه "لا يمكن الربط لأن التصرف الجزائري اقتصادي محض، أما الرباط فخطواتها سياسية ولها علاقات بطموحات المغرب لضم الصحراء إليها مستقبلا".

من جانبه، تساءل الباحث والإعلامي المغربي، يونس مسكين: "الدول التي تفتتح قنصليات لها في الصحراء.. هل تمنحنا ورقة كي نوظفها أم هي التي تحصل على ورقة تفاوض بها (تساوم) في الجزائر؟ هل من إمكانية للتقييم والدراسة أو فقط (ترديد آمين)؟".

وفي تدوينة نشرها في 31 أغسطس، قال مسكين: "نحن أمام تململ جل الشركاء الجدد الذين كسبهم المغرب حديثا (هم الشركاء الجدد الحقيقيون وليست إسرائيل كما يحاول البعض أن يوهم نفسه ويوهمنا)، وعودتهم التدريجية إلى المحور الذي كنا قد احتفلنا بكسره (..) وتحرك دول كنا نعتقد أنها (في الجيب) ومنها من افتتح قنصليات في الصحراء".

وأضاف "رئيس غينيا بيساو عمر سيسكو إمبالو الذي قال بعض باعة الوهم عندنا أنه انسحب من قمة (تيكاد) دعما للمغرب، كان ينهي صفقة جديدة مع الجزائر لاستعادة علاقات دبلوماسية طبيعية معها".

من جانبه، قال الباحث المغربي في العلوم السياسية أمين الإدريسي، إن "سياسة المغرب في فتح قنصليات بالصحراء مبادرة من خلال التطورات التي عرفتها قضية وحدتنا الترابية مع اعتراف واشنطن بمغربيتها"، وفق قوله.

وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "الأرقام الرسمية تؤكد أن 40 بالمئة من الدول الإفريقية فتحت قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، وهذا انتصار للدبلوماسية المغربية للتشبث بالحقوق المشروعة لأراضي المملكة".

وبشأن خطوة الجزائر بعزم فتح السفارة، قال الإدريسي: "حتى وإن جاءت في سياق منافسة المغرب في القارة الإفريقية فهي تبقى محدودة وبحاجة لوقت طويل للوصول إلى إنجازات المملكة في هذا الباب".

وتابع: "حينما نتحدث عما يقرب من 50 بالمئة من دول لها وزنها في القارة اتخذت قرارا بالوقوف بجانب المغرب وفتح قنصليات فلا مجال للمقارنة مع قرار بفتح أو إعادة فتح سفارة في تلك الدولة".

ولفت الإدريسي إلى "إعلان الرباط مؤخرا عن قرب انعقاد اجتماع وزاري للدول التي فتحت قنصليات في مدينتي الداخلة والعيون، رسالة لكل منافسي المغرب دبلوماسيا، خاصة على مستوى الاستقطاب، أن المملكة لها التفوق في هذا الباب".

وفي خضم هذه الأزمة بين البلدين الجارين، قال "المجلس الأطلسي"، وهو مركز بحثي مقره واشنطن، إن المنطقة المغاربية دخلت في أزمة على مدار العام ونصف العام الماضيين، إذ اتخذت التوترات بين الجزائر والمغرب "منعطفا جديدا نحو الأسوأ".

ولفت في تقرير نشره في الأول من سبتمبر/أيلول 2022، إلى أسباب التوتر بين الجزائر والرباط، قائلا إن التصدعات بدأت منذ الاستقلال في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. 

وذكر بالأساس حرب الرمال عام 1963 حول الحدود الموروثة عن الاستعمار، ونزاع الصحراء الغربية المستمر منذ عام 1975، وإغلاق الحدود بين البلدين عام 1994.

وقال إن هذه العوامل ضمن أخرى "أعاقت السلام" بين البلدين الجارين منذ البداية، مؤكدا أن الخلاف "يعرقل" النهوض الاقتصادي لهما.

وتابع: "رغم أنهما جاران ويشتركان في نفس اللغة والثقافة والدين، لم يتمكنا من الاستفادة من موارد بعضهما البعض".