هل يتحرر العراق؟.. تساؤل متصاعد في بغداد بعد ليلة دامية أعادت شبح الاقتتال

بغداد - الاستقلال | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

ليلة دموية شهدها العراق، بدأت شرارتها بإعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية نهائيا؛ وتبع ذلك خروج أنصاره في مظاهرات احتجاجية وصلت لاقتحام القصر الجمهوري والمقرات الحكومية في المنطقة الخضراء وسط بغداد.

وكشفت وسائل إعلام عراقية في 29 أغسطس/آب 2022، أن مظاهرات المنطقة الخضراء شهدت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وأسفرت عن مقتل 30 شخصا وإصابة 700 آخرين، بينهم 110 من أفراد القوات الأمنية.

ومع اتساع حلقة النار بين أنصار الصدر والقوات الأمنية والمليشيات الموالية لإيران من جهة أخرى، ما دفع السلطات لفرض حظر للتجوال في جميع المحافظات، أعلن الصدر الدخول في إضراب عن الطعام حتى يتوقف العنف.

وفي اليوم التالي أمهل الصدر أنصاره مدة ساعة من الزمن للانسحاب من أمام البرلمان، وإلا فإنه سيتبرأ منهم، وهدأهم بالقول إن اعتزاله العمل العام، "اعتزال شرعي" وليس سياسيا، ليبدؤوا في الانسحاب بعد ذلك.

وتفاعلا مع الأحداث التي شهدها العراق على مدار الساعات الماضية ولا يزال، أكد ناشطون أن الخارطة السياسية في البلاد معقدة للغاية، وأن الأوضاع يصعب التنبؤ بها، إلا أن هناك إجماعا على فساد حكومات العراق المتعاقبة. 

وأكدوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة، أبرزها #الشعب_يريد_إسقاط_النظام #مقتدى_الصدر #المنطقة_الخضراء، أن العراق يدفع ثمن السياسات الخاطئة والتمسك بالسلطة، حتى لو كان على حساب دماء الشعب.

واتهم ناشطون إيران بالعبث بالعراق عندما لا تسير الأمور وفق رغباتها ومخططاتها، مشيرين إلى أن العراق جريح ومستباح بعد أن سلمته أميركا لإيران على طبق من دم العراقيين، وأن ما يحدث اليوم هو نتيجة للفوضى المدروسة التي ضربت البلاد منذ ذلك الحين.

وحثوا على نبذ الطائفية البغيضة وخلع المذهبية ورفض التوغل الإيراني والتنديد باستشراء الفساد ورفض تسلط الفاسدين، داعين الشعب العراقي بكافة طوائفه إلى أن يكون له موقف من هذا الخراب الذي يعم البلد وأن يتحمل المسؤولية.

ورأى ناشطون أن ما يشهده العراق بداية عملية لتطويق تمدد إيران، وقطع أذرعها التي عاثت فسادا منذ 2003، مذكرين بأن تحالف إيران مع أميركا تسبب في دمار العراق ونهب ثرواته ودفع الشباب للموت بغايات طائفية.

تبعات مبهمة

وتعليقا على المشهد أوضح رئيس موقع "بغداد بوست" سفيان السامرائي، أن الوضع في بغداد خرج عن نطاق السيطرة ولا أحد يسمع لنداءات الصدر ولا لنداءات إيران بالتهدئة، والكل ناقم على الكل وكأن السحر انقلب على الساحر.

وحذر أستاذ العلوم السياسية الكويتي الدكتور عبدالله الشايجي من أنه إذا لم يتم وضع حد للتدهور الأمني فإن العراق يتجه لحرب أهلية-شيعية-شيعية، معربا عن خشيته ألا تبقى محصورة في بغداد والمنطقة الخضراء.

وأكد المحامي الكويتي ناصر الدويلة أن الصراع في العراق لا علاقة له بالانتخابات، وأن أصله أن الأحزاب أصبحت تسيطر على مصادر دخل دائمة من ثروة العراق الوطنية ولا يمكن أن تسلمها للدولة أو لمن فاز بالانتخابات.

وأضاف: "لذلك فالحرب الأهلية ستقع في بلد غني جدا وستتقاسم الأحزاب المناطق وحقول النفط والموانئ والثروة".

مخطط أميركا

وتحدث ناشطون عن وجود تفاهمات سابقة بين إيران وأميركا وإسرائيل على مستقبل الحكم في العراق، وحملوا تلك البلدان مسؤولية الدم العربي الذي ينزف في بغداد.

رئيس حزب الأمة الكويتي الدكتور حاكم المطيري، أوضح أن ما يجري في العراق هو انهيار للعملية السياسية الطائفية التي فرضها المحتل الأميركي عام 2003 وهندسها الحاكم العسكري بول بريمر في 2004 وباركها المرجع السيستاني ونفذها النظام الإيراني والحشد الشيطاني، متسائلا: "هل يتحرر العراق؟".

 وأكد الصحفي السعودي المعارض تركي الشلهوب أن ما يجري في العراق سببه الأول أميركا التي احتلته ودمرت مؤسساته وجيشه، وسببه الثاني الدول العربية التي تآمرت على هذا البلد الكبير والمهم، وسكتت عندما سلمته أميركا لإيران.

وأوضح الكاتب والإعلامي السوري أحمد الهواس أن أميركا مكنت بمساعدة إيران مجموعة لصوص وقتلة من حكم العراق، وصنعت دولة المرجعية لتشرف على هؤلاء وتمنع انهيار هذه المنظومة الفاسدة.

وأضاف أن هذه الدولة تمنع السنة من حكم العراق مرة أخرى، لكن اقتسام الغنائم (غالبا) سبب صراع اللصوص، لأنهم يتفقون في السرقة ويختلفون في توزيع الغنيمة.

وقال الكاتب والمفكر السعودي محمد الأحمري إن أميركا وإيران وإسرائيل حققت غاياتها في العراق وبقي أن يحقق ويحرر العراقيون بلادهم.

وأضاف: تلك غايات وأهداف فقدوها في ضجة الغزو والاحتلال، وتلك عبقرية المحتلين تتجلى في تمزيق البلاد وتنافر القلوب وغياب القدرة على تحديد المشكلات وصعوبة الفكاك.

ورأت الكاتبة القطرية ابتسام آل سعد أن توقيت إثارة الأحداث السياسية في العراق العربية وباكستان الإسلامية غريب جدا، ويدل على أن الأجندة التي تديرها إسرائيل وتنفذها أميركا وتخطط لها إيران تسير وفق ما رسم لها من بنود.

ولفتت إلى أن تنفيذ الأجندة بدأت في فلسطين مرورا باليمن وسوريا ولبنان وليبيا والسودان ولن تنتهي في العراق.

دور إيران

فيما صب ناشطون غضبهم على إيران، وكشفوا عن نواياها ومخططاتها في العراق، داعين إلى التصدي لمشاريعها والخلاص من أذرعها.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أن إيران تعزر فقدانها للحاضنة الشيعية في العراق، وخطوة كاظم الحائري كشفت تخبطها.

وأشار إلى أن إيران لم تفرض عليه التخلي عن المرجعية للمرشد علي خامنئي وحسب، بل دفعته لمهاجمة الصدر والتشكيك بأهليته؛ وهو الذي يفترض أن يدافع عنه بحكم أنه مرجعه؛ حسب وصية الصدر الأب، مؤكدا أن الصدريين لن يقلدوا خامنئي، بل سيتعزز كرههم له.

وأوضح الإعلامي مختار الفقيه أن إيران لا تفرق بين عراقي شيعي وعراقي سني، وإن استخدمت الأول لضرب الآخر مرحليا، إنما الأولوية بالنسبة لها لعبيد الخميني من أي طائفة كانوا. وأكد مدير مركز المستقبل للسياسات مراد كردستان على وجوب إنهاء أذرع إيران في العراق، لأن مشاكل البلاد تأتي من طهران.

وقال هادي الأمين إن كل خروج، مهما كان حجمه وأيا كان راعيه، على اليد الغليظة للنظام الخميني ومليشياته ورجاله في العراق، وكل تجاوز لحدود الأمر والنهي التي رسمها هناك، وكل كسر لقيود "حرس الثورة" الثقيلة، وكل تمرد على صقيع "ولاية الفقيه" وسجنها، هو مبعث رجاء وأمل ومحلُ تأييد.

مسبح الرئاسة

وأشار ناشطون إلى تحويل المتظاهرين العراقيين لمسبح القصر الجمهوري إلى ساحة غير معتادة للتظاهر من خلال قفزهم في المسبح ورفعهم لافتات لمقتدى الصدر وأعلام العراق، وتلويحهم بعلامات النصر، متداولين صورا لاقتحام أنصار الصدر لقصر الرئاسة.

وذكر ناشطون بأن الأحداث مشابهة لما شهدته سريلانكا في يوليو/ تموز 2022، حيث اقتحم متظاهرون القصر الرئاسي بعد فرار الرئيس غوتابايا راجابكسا، وقفز بعضهم في المسبح، فيما اقتحم آخرون غرف النوم الفخمة. 

ولفت الإعلامي القطري جابر الحرمي إلى أن أنصار مقتدى الصدر اقتحموا القصر الجمهوري في مشهد يسترجع أحداث سريلانكا، متسائلا: "هل تعيد هذه الأحداث تشكيل العراق ليعود إلى دوره التاريخي العظيم؟".

 ونشر أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر الدكتور محمد المختار الشنقيطي صورتين؛ الأولى لأنصار الصدر عقب اقتحامهم القصر الرئاسي وسباحتهم في مسبح القصر، والثانية لمواطني سيريلانكا منذ شهور فعلوا الأمر ذاته.

وقال: "يبدو أن كل ما أصبحت الشعوب المقهورة تطالب به حكامها هو السماح لها بالسباحة في مسابح قصورهم الفخمة!".