لماذا يحاول النظام المغربي السيطرة على حراك طلبة الجامعات؟

12

طباعة

مشاركة

أثار فصل جديد ضمن مشروع القانون الجنائي يعاقب فيه الطلبة الذين يعرقلون الامتحانات الجامعية، جدلا واسعا في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب المغربي، وصل إلى حد تحذير نواب من اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، في سياق الدفاع عن مطالب مشروعة.

المشروع ليس الأول، فقد سبقه مقترح قانون بمعاقبة ممارسي العنف في الجامعات المغربية بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من ألفي درهم إلى 50 ألف درهم (5 آلاف دولار) لكل ''من ساهم في أعمال العنف أو المظاهرات بالجامعات أو الأحياء الجامعية أو المؤسسات التعليمية''.

يرى البعض في إلحاق مفهوم أو لفظ العنف بحق التظاهر، استمدادا للشرعية القانونية الرسمية لتبرير "عسكرة الجامعة ومحيطها"، سعيا للحد من كل الأشكال النضالية، بعدما حاولت الدولة قتل دور النقابة الطلابية منذ عهد الملك السابق الحسن الثاني، لتنهج بعد ذلك سياسة الإضعاف من الداخل.

يُرجع الأستاذ الجامعي عمر إحرشان، القيادي في جماعة "العدل والإحسان" المعارضة، غياب التأطير السياسي داخل الجامعات، بنسبة كبيرة إلى الانحياز السياسي لبعض الأحزاب التقليدية لصف المخزن (النظام)، الأمر الذي أفقدها قدرتها على الحضور في الجامعة، لأنها أصبحت متعارضة مع الاختيارات السياسية التلقائية للشباب، وهي اختيارات تجنح غالبا إلى المعارضة والمثالية والمبدئية.

واعتبر إحرشان، في تصريح لصحيفة مغربية، أنّ فتور الجامعة، ما هو إلا صورة مصغرة لحالة الفتور العام داخل المشهد السياسي المغربي، خصوصا وأن الطلبة أكثر حيوية من فئات أخرى، بدليل أن الشباب هو الذي حرّك الشارع وتقدم الصفوف الأمامية سنة 2011. فهل لا زالت الدولة تخاف هذه الحيوية بعد التاريخ الأسود للنظام مع الطلبة؟

تاريخ أسود

بعدما حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956، بادرت مجموعة من الجمعيات الطلابية المغربية إلى تأسيس إطار جامع أطلق عليه اسم: "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، المعروف اختصارا بـ"أوطم"، مثل جميع الطلبة المغاربة. كان لاسم التنظيم وقع كبير في الحياة السياسية المغربية، إذ كان فاعلا في أهم أحداثها، وتحول إلى معارض شرس للنظام، وكان دوره بعيدا عن مشاكل الطلاب داخل الحرم الجامعي. 

تولى الملك الراحل الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك، الرئاسة الشرفية للمنظمة الطلابية، واعتبرت جمعية ذات نفع عام ما جعلها تحصل على منح مالية من الدولة لإدارة شؤونها. هذه العلاقة الحميمة بين الطلبة والنظام لم تدم طويلا بالنظر إلى المخاضات التي عرفها المغرب في فترة نهاية الخمسينات من القرن الماضي.

وعرف المؤتمر الوطني 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد بالصخيرات سنة 1961 إبعاد الأمير الحسن عن رئاسة الاتحاد، حيث أطلق على ذلك المؤتمر بـ"مؤتمر الطلاق". ارتبط الاتحاد بحزب "الاستقلال"، لكن مع بداية سنة 1958 أعلنت المنظمة القطيعة معه، وهو الحزب الذي كان يتأرجح بين تيارين متصارعين، أحدها تقليدي محافظ والآخر إصلاحي يساري، لينتهي المطاف بالحزب إلى الانشقاق، فولد حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" سنة 1959.

شكّلت هذه الولادة بداية المواجهة بين النظام والاتحاد الذي اعتبر "قطاعا موازيا" لحزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، آنذاك، الذي كان في صراع مع القصر.

دخل "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" في مواجهة سياسية مع القصر، في 1960، سانده فيها "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، وكانت بداية مسلسل من الصراع مع السلطة، إذ كان الطلبة اليساريون لا يتعاملون مع "أوطم" كتنظيم طلابي ينبغي أن يعمل على الاهتمام بمصالح الطلاب، بل كحزب سياسي ينبغي أن يباشر مهام التغيير السياسي بدل الأحزاب التقليدية المتهمة بكونها أحزابا "متواطئة" مع النظام الحاكم، الذي بدوره رأى في الحراك الطلابي تهديدا حقيقيا، فتم حظر الاتحاد قانونيا سنة 1973، واعتقلت جل قياداته وصدر في حقها حكم الإعدام.

الطلاق

زاد العداء بين الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنظام بعد المؤتمر الـ15، الذي انتزع الطلبة الجبهويون (نسبة إلى الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين) فيه الأغلبية من باقي الفصائل، في فترة حساسة جدا تميزت بوقوع محاولة انقلابية فاشلة على الملك السابق، الحسن الثاني، يومين قبل نهاية المؤتمر.

حُظرت المنظمة الطلابية وحوكمت قياداتها وناشطيها، ودخلت نضالات الطلبة مرحلة أخرى أفرزت قوى جديدة على الساحة الجامعية، فظهر الطلبة القاعديون (ماركسيون) وهم امتداد للطلبة الجبهويين.

مارس الطلبة ضغطا كبيرا للدفاع عن منظمتهم إلى أن رُفع الحظر القانوني سنة 1979، وتمكنوا من عقد مؤتمرهم الـ16، لكن سرعان ما عاد القمع لفرض الحظر بعد مؤتمر 1981. ودخلت المنظمة الطلابية منذ ذلك التاريخ في صراعات لا زالت مستمرة في مواجهة النظام أو في المواجهات بين فصائل اليسار والتيارات الإسلامية والحركة الثقافية الأمازيغية.

داخل الحركة

عرفت الساحات الجامعية المغربية صراعا دمويا بين مكونات الحركة الطلابية منذ بداية التسعينات، وصلت إلى حد التصفية الجسدية، هذا الصراع اعتبره البعض بحثا من جانب النظام عن توازنات سياسية وتحكمه في القوى داخل الجامعة، و أيضا للحد من تنامي قوة أي جهة، خاصة القوى اليسارية الراديكالية المختلفة مع النظام وهي:

  • الطلبة القاعديون: يسمون رسميا بالنهج الديمقراطي القاعدي وهم امتداد لفصيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين. كانوا يمثلون الحركة الماركسية اللينينية بالمغرب، ويعرفون بأنهم فصيل سياسي جذري من داخل الجامعة لا تربطهم أي علاقة بالأحزاب اليسارية المغربية، يشتغلون وفق البرنامج المرحلي الذي يعتبرونه بمثابة الحد الأدنى النضالي داخل الحركة الطلابية، المتمثلة في النضال من أجل رفع الحظر العملي عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومواجهة بنود التخريب الجامعي في أفق المواجهة الشاملة، ومواجهة البيروقراطية.
  • طلبة العدل والإحسان: القطاع الطلابي لجماعة العدل والإحسان، المحظورة في المغرب، كان دخولهم إلى الجامعات في بداية التسعينات بعد مواجهات دامية مع الفصائل التاريخية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، استطاعوا خلال تلك الفترة السيطرة على أغلب المواقع الجامعية، وشكّل عقد التسعينات أوج قوة هذا التيار، لكن هذه السيطرة سرعان ما عرفت تراجعات كبيرة في السنوات الأخيرة بالعديد من الجامعات.
  • طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية: تيار مقسم إلى عدد من الخطوط، يشتركون جميعا في تصورهم العرقي للقضية الأمازيغية وضرورة النضال ضد الاحتلال العروبي في بلاد تمزغا، يوجدون بمختلف الجامعات خاصة القريبة من الريف والأطلس.
  • طلبة التجديد الطلابي: هي الوجه الآخر لفصيل الوحدة والتواصل المقرب من حزب "العدالة والتنمية"، أعلنت عام 2003، وتعرف بكونها جمعية وطنية مستقلة تعمل أساسا في الوسط الطلابي.

"عسكرة الجامعة"

بعد فشل المؤتمر الـ17، دخل الاتحاد الوطني مرحلة الحظر العملي، وحاول القاعديون بعد بقائهم بمفردهم داخل الساحة الجامعية استعادة المؤسسات الجامعية ومواجهة إدخال "البوليس السري" إلى الجامعة. فتعرضوا لحملة اعتقالات واسعة في صفوفهم، تحديدا عام 1984، توفي إثرها الطالبان القاعديان بوبكر الدريدي ومصطفى بالهواري في مراكش بعد خوضهما إضرابا عن الطعام استمر مدة 62 يوما.

بدأت الانشقاقات في صفوف هذا الفصيل الطلابي تأخذ منحى تصاعديا، ففي ذكرى مرور أربعين يوما على وفاة بلهواري والدريدي، قامت مجموعة من الطلبة القاعديين بالدعوة إلى إعادة هيكلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وعقد المؤتمر الاستثنائي ومحاولة إيجاد حد أدنى للتوافق مع بقية الأحزاب.

وجهّت المجموعة الطلبة القاعديين وحمّلتهم جزءا من المسؤولية في فشل المؤتمر الـ17؛ اتهم القاعديون في ذلك الحين المنظمة بمحاولة فرض تصور يميني غريب على التجربة القاعدية ومنهجيتها وثوابتها المبدئية.

تزامن عنف الطلبة في الجامعات المغربية، في البداية، مع استعمال السلطات للعنف وحملات الاعتقالات التي شنتها القوات الحكومية، وخلّفت ضحايا في صفوف الطلبة. وانتقل النشاط التنظيمي للفصائل الطلابية من داخل الحرم الجامعي إلى مجمعات الأحياء الجامعية.

الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، قال في بيان سابق له -في أعقاب مقتل أحد الطلاب عبد الرحِيم الحسناوِي في مواجهات داخل الجامعة-:  إن "العنف داخل الجامعات المغربية، قضية موسمية يصنعها ويهوّلها المخزن (النظام) لتبرير قمع الأحرار والتضييق على نضالاتهم".

وأشار البيان إلى أن "تلك الجرائم تذكي حالة الاحتقان، في الجامعة المغربية التي ما عادت تتحمل انتكاسات أخرى". وحذر الاتحاد نفسه، من عسكرة الجامعة داعيا المنظمات الحقوقية والهيئات السياسية إلى النضال ضد التصرفات التي أوصلت الجامعة إلى ما هي عليه الآن.

إضعاف من الداخل

يرى البعض أن الأحزاب السياسية هي التي تتحمل مسؤولية ما يقع في الجامعة، لأن أهم أدوارها يكمن في تأطير المواطنين والطلبة، في الوقت الذي انشغلت فيه هذه التنظيمات الحزبية عن دورها، والنتيجة كانت نمو بعض التيارات التي تتبنى العنف منهجا وسلوكا ضد كل الأطراف، بما فيها الدولة.

وأعرب المعتقل السياسي السابق والناشط الحقوقي، مصطفى الشافعي، في حوار سابق له، عن العنف الجامعي، عن رفضه المعالجة الأمنية المتجسدة في إدخال الأمن من جديد إلى الجامعة للقضاء على أي فعل ثقافي وسياسي ونقابي داخل الحرم الجامعي، بدعوى الحماية.

ورأى أنه من الممكن تشجيع المناخ الثقافي داخل الجامعة، مشددا على أن إحياء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب له صلة بفاعلين آخرين أولهم الفاعل السياسي؛ لأن له مصلحة ذاتية موضوعية وله أثر على تجديد النخبة السياسية.

وكان المعارض من "العدل والإحسان"، عمر إحرشان، قد قال في تصريح سابق: إن "السياسة التحكمية للمخزن في المشهد العام، ورغبته في إبعاد كل الوسائط التي يمكن أن تقوم بتأطير مناهض لسياساته وتوجهاته، أسباب أساسية في هذا التراجع الملحوظ. فهو يعتبر الجامعة بؤرة لا تُصدّر إلا المعارضين والمتمردين على سياساته".