"مغناطيس جاذب".. لهذا تستعيد إيران جثث عناصر الحرس الثوري من سوريا

لندن - الاستقلال | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

ما زال ملف قتلى المئات من عناصر وضباط "الحرس الثوري" الإيراني على الأراضي السورية ينكأ جراح عوائلهم، إلا أن استعادة وتسليم الرفات لهم مع إقامة "جنائز مهيبة" في مدنهم يعطي طهران حجة جديدة لتجنيد المزيد من المقاتلين تحت شعارات طائفية على رأسها شعار "مدافعو الحرم".

وتجتهد إيران في عمليات استعادة رفاة وجثث عناصر قوات الحرس الثوري من محيط المناطق التي جرت فيها معارك إستراتيجية سابقة لمساندة قوات نظام بشار الأسد ضد المعارضة السورية.

 

وفي 5 أغسطس/آب 2022 شارك آلاف الإيرانيين في جنازة خمسة من ضباط "الحرس الثوري" الذين قتلوا في سوريا، بعدما عثر أخيرا على رفاتهم في مدينة خان طومان بريف حلب.

وحدد الحرس الثوري هوية جثث هؤلاء الضباط الخمسة بعد التعرف عليهم عن طريق فحص الحمض النووي.

وبحسب وكالة "فارس" الرسمية الإيرانية، فإن "عباس أسمعي" قتل في خان طومان في 21 يناير/كانون الثاني 2014، ويبلغ من العمر 26 عاما، وينحدر من بلدة كرج الواقعة على بعد 20 كيلومترا غرب طهران.

وذكرت الوكالة كذلك، أن الضابط مصطفى طاش موسى هو أول قتيل من مدينة زابرامسر، مشيرة إلى أنه قتل في 24 فبراير/شباط 2014 في ريف حلب.

أما قائد "فيلق القدس" الإيراني، إسماعيل قاآني، فقد حضر مراسم تشييع ثلاثة من الحرس الثوري، ينحدرون من ولاية صاري ممن قتلوا أيضا في خان طومان.

وتحرص إيران على إقامة مراسم تشييع مهيبة يتخللها حضور واسع من رجال دين وقيادات عالية من الحرس الثوري بلباسهم العسكري، وبحضور شخصيات معممة من قادة المجموعات.

كما يتجمع الأهالي لحضور المراسم التي يتخللها إقامة طقوس شيعية خاصة قبل دفن الجثث في مسقط رأسها.

ويشكل اهتمام طهران باستعادة جثث قتلى الحرس الثوري حتى ولو كانت مجرد رفات من سوريا، أكبر محطة لتجنيد مزيد من المتطوعين بشكل عقائدي للقتال إلى جانب حلفائها في الدول العربية.

وتحت شعار "لن تسبى زينب مرتين"، جذبت طهران عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من إيران ولبنان والعراق وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام "السيدة زينب" جنوبي دمشق، وهي بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

واتخذت طهران من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لإرسال مقاتلين وضباط من الحرس الثوري إلى سوريا، وأطلقت عليهم اسم "مدافعي الحرم".

"مدافعو الحرم"

وسبق أن قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إن هؤلاء يقاتلون من أجل "توفير الأمن وترسيخ قواعده في إيران وبلدان العالم الإسلامي"، حسب زعمه.

و"مدافعو الحرم" هو مصطلح تطلقه إيران على المقاتلين الذين يذهبون تطوعا للدفاع عن "مراقد أهل البيت في العراق وسوريا".

وتلعب السينما الإيرانية دورا كبيرا في الإسهام بتجنيد عناصر في صفوف الحرس الثوري، من خلال الترويج لـ"بطولاتهم" المزعومة.

وسبق أن منح قائد "فيلق القدس" السابق، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في يناير 2020، مخرج فيلم "الحارس" خاتم "مدافعي الحرم".

ولذلك تولي طهران أهمية بالغة في استعادة جثث التابعين للحرس الثوري ولو بعد سنوات من مقتلهم.

وشكلت طهران لجنة خاصة مقرها دمشق لمتابعة ملف الجثث والأسرى وإجراء مفاوضات بهذا الشأن.

وخلال السنوات الماضية تمكنت طهران من استعادة عشرات الجثث لضباط إيرانيين بينهم رتب عالية، بعضهم مجرد رفات، وآخرون جسد بلا رأس أو فقط أجزاء من الجسم.

كما أنه كثيرا ما لجأت إيران إلى مبادلة معتقلين سوريين لدى سجون الأسد بجثة أو رفاة ضابط من الحرس الثوري احتفظت به فصائل المعارضة لسنوات.

وأواخر يناير 2022 جرت عملية تبادل جثة ضابط إيراني قتل بريف حماة وخمسة أسرى لنظام الأسد، مقابل ثلاثة أسرى مقاتلين من فصيل "جيش العزة".

وتعود الجثة للجنرال في الحرس الثوري، العميد داريوش درستي، الذي قتل خلال اشتباكات مع المعارضة السورية شمالي حماة في سبتمبر/أيلول 2016.

أيديولوجيا إيرانية

ويعد "ملف الجثث" بالغ الأهمية بالنسبة لإيران على الصعيد الشعبي، ولهذا تمر عملية التأكد من الجثة وهويتها تبعا لفحص الحمض النووي الذي تجريه طهران قبل المضي بعملية إتمام صفقة استعادة الجثة أو التفاوض حولها.

ورغم ذلك، فإن إيران تتكتم عن الإحصائيات والمعلومات الدقيقة لأعداد قتلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري المفقودين في سوريا.

وخلال معارك خان طومان بريف حلب بين قوات المعارضة، وعناصر نظام الأسد والمساندين له من المليشيات الإيرانية، والتي وصفتها وسائل إعلام إيرانية بأنها "كربلاء إيران في سوريا" قتل عشرات العناصر والضباط من فيلق القدس ولم تتمكن طهران إلى اليوم من استعادة جثثهم.

جدير بالذكر أن قتلى عناصر المليشيات من غير الإيرانيين أي من لواء "فاطميون" الأفغاني و"زينبيون" الباكستاني، لا تولي لهم طهران أي أهمية من ناحية استعادة جثثهم.

وفي هذا الإطار قال الكاتب المهتم بالشأن الإيراني، عمار جلو، إن "استعادة إيران للجثث من سوريا يعود لجانب أيديولوجي، على اعتبار من يقتل شهيدا، وهنا الفائدة متشعبة، فطهران من ناحية ترصع صورة نظام الملالي، وأنه لا يتخلى حتى عن الجثث أو الرفاة".

وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "من ناحية أخرى يستخدم نظام الملالي تلك الجنائز من باب دعائي لتجنيد متطوعين/مرتزقة للقتال تحت ولاية الفقيه في سوريا وسواها من الساحات".

وعد جلو، أن "المواكب المهيبة تصب في ذات المجرى، فهي أيديولوجية مذهبية، فكلما زاد الموكب عظمة زادت دعائية التجنيد".

ومضى قائلا: "وفي الحالتين الإعادة والموكب تعطيان إيران رسالة لوجودها في هذه الدولة أو تلك، واستمرار مشاريعها هناك، والتأكيد على قوتها وامتدادها أو اختراقها لهذه الدولة أو تلك".

استغلال العقيدة

وتلقت إيران ضربة كبيرة حينما خسرت العميد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، حسين همداني، بعد مقتله في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015 بمحافظة حلب.

وعقب ذلك نشر موقع "تابناك" المقرب من "الحرس الثوري"، أن المرشد علي خامنئي كان شخصيا يستمع لهمداني ليعطيه صورة كاملة عن آخر التطورات الميدانية في سوريا.

وخلال أكتوبر 2020 أجرت إيران مراسم تشييع منفصل لثمانية عناصر من "الحرس الثوري" قتلوا في سوريا ينحدرون من مدن "بابول وأمول وغيمشهر وفريدونكنار وكرج وأنديمشك وقزوين".

كما استعادت إيران في 11 أكتوبر 2020 جثامين سبعة من عناصر الحرس الثوري، ممن قتلوا عام 2016، في معارك خان طومان.

وفي مايو 2016 ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن 13 "مستشارا عسكريا" من "الحرس الثوري" قتلوا، وأصيب 21 آخرون في معارك خان طومان.

وخلال عام 2017 وحدها قتل لواء الحرس الثوري، خير الله صمدي قرب مدينة البوكمال خلال معارك مع "تنظيم الدولة"، إضافة لقائد كتيبة "فاتحين" التابعة للحرس، اللواء عبد الله خسروي شرقي حمص.

وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لا سيما وهي تمتلك نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا عام 2012؛ لوأد الثورة السورية التي تفجرت في مارس/آذار 2011.

ومن بين المؤشرات التي ظهرت عقب عام 2016 على سعي إيران ربط مواطنيها بسوريا، لاستمرار عملية تجنيد المقاتلين، هو تأهيل مزارات في دير الزور وحلب يعتقد الشيعة بقدسيتها.

ولأجل ذلك سهل النظام السوري السياحة الدينية للشيعة الإيرانيين، وفي ذلك تأكيد لرواية طهران لدى عوام الشيعة بأن تدخلها بسوريا لحماية المراقد الشيعية.

فضلا عن استغلال تلك المناطق لرمزيتها في حملات تعبئة الشيعة للقتال والاستثمار في سوريا، وإظهار نفوذها الثقافي المتنامي هناك.

وتنطلق القوافل البرية من مدن محددة في إيران والعراق لتنتهي بسوريا، في رحلة محفوفة بالمخاطر، قبل أن تصل عند "مقام السيدة زينب" في أحد أحياء العاصمة دمشق، الذي بات منطقة إيرانية منفصلة بشكل كامل عن محيطها.

كما عمدت إيران إلى تسيير قوافل "للحجاج الشيعة" إلى مقام "عين علي" بريف دير الزور، بعد أن قامت بتحويل نبع ماء إلى مزار وأقامت عليه قبة خضراء وسورته وزرعت حوله أشجارا مطلع عام 2017.