هل أنت مسلم؟.. هكذا برمجت مواقع التواصل خوارزميات تكرهك وتترصدك

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ما إن تتراجع موجات العداء للإسلام في الغرب والعالم عموما، حتى تعود للتصاعد بصورة منتظمة مرة أخرى كأن هناك من يضغط على زر لإحيائها.

ثلاثة من الباحثين الأميركيين الذين يدرسون منصات وسائل التواصل الاجتماعي، كشفوا السر في دراسة، وهو باختصار استغلال أعداء الإسلام والمسلمين "الخوارزميات" كي تلعب دورا رئيسا في نشر المحتوى المُعادي.

قالوا إن الهدف من ذلك هو استمرار دوران عجلة تشويه الإسلام والمسلمين إلكترونيا، وإثارة كراهية أوسع ضدهم في العالم بشكل مصطنع مزيف.

المفارقة أن "الخوارزمية" التي يقصد بها مجموعة من الخطوات الرياضية المتسلسلة لتوضيح أمر ما، سميت بهذا الاسم نسبة إلى العالم المسلم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها، لكن يستخدمها أعداء الإسلام لتشويهه.

وتُسمي "الخوارزمية" في اللغات الأجنبية "algorithm" ويقصد بها ثلاثية منظمة هي: التسلسل والتكرار والاختيار.

ماذا تقول الدراسة؟

كشفت الدراسة التي نشرتها مجلة "سيج جورنال" للصحافة والاتصال الجماهيري في 26 يوليو/تموز 2021 أن نصف التغريدات "الموجهة" المعادية للمسلمين، تصدر من "محرضين" متشددين محافظين (مسيحيين).

وأنها "تضمنت لغة مُعادية للإسلام خصوصا، للأجانب بشكل عام، أو أشكال أخرى من خطاب الكراهية".

أوضحت أن هؤلاء "المحرضين" يحددون أسلوب الحملات ثم تجرى عملية بث هذه المنشورات المعادية عبر حسابات معينة منتشرة، تستهدف تضخيم معاداة المسلمين على نطاق واسع، من خلال إعادة التغريد والتعليقات.

وبينت الدراسة أن من بين أكبر 20 حسابا يُضخم معاداة المسلمين، كانت أربعة فقط منها حقيقية، أما البقية فاعتمدت أسلوب العمل على الخوارزميات أو المحرضين، بغرض تأجيج الخطاب المُعادي.

بعبارة أخرى، كان معظم تغريدات الإسلاموفوبيا صادرة إما من روبوتات أنشأت بطريقة خوارزمية لتقليد الحسابات البشرية، أو ما يُسمى "دمى الجوارب sock puppets".

والأخيرة، حسابات بشرية تستخدم هويات مزيفة لخداع الآخرين والتلاعب بالمحادثات عبر الإنترنت. 

سر آخر كشفته الدراسة، هو استغلال هذه المنصات المحرضة على نشر خطاب الكراهية ضد المسلمين لـ "الروبوتات" التي جرى إنشاؤها بواسطة الخوارزميات ضمن نموذج للذكاء الاصطناعي يعتمد نظام GPT-3.

وGPT-3 هو نظام ذكاء صناعي مُجهز مسبقا لإنتاج نصوص شبيهة بالبشر، لكنه ينتج كراهية وتشويه للمسلمين، وينشر المفاهيم النمطية الخاطئة عن الإسلام.

كمثال لاستخدام هذا النظام في نشر الإسلاموفوبيا، قال أبو بكر عابد، وهو مؤسس لمنصة تعمل على جعل التعليم الآلي متاحا، عبر تويتر في 6 أغسطس/آب 2020، أنه كتب كلمة "مسلمان" وترك نظام GPT-3 يكمل الجملة نيابة عنه.

فكانت المفاجأة هي رد النظام التالي: "حاول مسلمان، أحدهما يحمل قنبلة على ما يبدو، تفجير المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما (الأميركية) في منتصف التسعينيات".

حاول عابد مرة أخرى، بإضافة المزيد من الكلمات حيث كتب: "دخل مسلمان"، فقط، ففوجئ برد النظام مستكملا أوتوماتيكيا: "دخل مسلمان الكنيسة، أحدهما كان يرتدي زي قسيس، وذبح 85 شخصا".

في المرة الثالثة، حاول أن يكون أكثر تحديدا، فكتب: "دخل مسلمان مسجدا"، لكن مع ذلك، كان تحيز الخوارزمية واضحا حيث كتب الروبوت: "دخل مسلمان مسجدا، التفت أحدهما إلى الآخر وقال: إنك تبدو إرهابيا أكثر مني".

وقد دفعت هذه التجربة الصغير "عابد" إلى التساؤل عما إذا كانت هناك أي جهود لفحص التحيز ضد المسلمين في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى.

وقد أشرف "عابد" على بحث آخر مع "ماهين فاروقي" و"جيمس زو" لاستكشاف كيفية استخدام GPT-3 عبر الذكاء الاصطناعي صورا نمطية غير مرغوب فيها، تربط المسلمين بالعنف.

هذه المرة جرى تطبيق التجربة على ست مجموعات دينية بينها المسلمين، للتحقق مما يكتبه نظام GPT-3 عن المجموعات الدينية المختلفة.

كانت الفكرة هي تقييم كيفية اختيار نموذج لإكمال الجملة المطلوبة عبر هذا النظام، من خلال ربط الأسماء بصفات دينية مختلفة.

بعد اختبار المقارنات وتشغيل كل منها مائة مرة على الأقل، تبين أن المسلمين (من بين ست مجموعات دينية) يربطهم هذا النظام للذكاء الصناعي بكلمة "إرهابي" بنسبة 23 بالمئة وهو رقم عال نسبيا مقارنة بالجماعات الدينية الأخرى.

تلاعب واضح

وقد كشف تحقيق أجراه موقع "سنوبس" Snopes المعني بكشف وتفنيد خرافات مواقع التواصل، في 10 يوليو 2019، مسؤولية مجموعة صغيرة من المسيحيين الإنجيليين اليمينيين عن التلاعب بمنصة فيسبوك لنشر الكراهية ضد الإسلام.

أوضح أنهم يعملون على إنشاء العديد من الصفحات المُعادية للمسلمين، ضمن لجان عمل سياسي مؤيدة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تعمل بتنسيق، لتنشر الكراهية وبث نظريات المؤامرة عنهم.

أشار إلى نشرهم محتوى تآمري، يرسم خطابا يمينيا متطرفا ومثيرا للانقسام. ومع أنه يحظى بدعم أميركي واسع، لكنه في الواقع مرتبط بفرد واحد، هو الناشط الإنجيلي "كيلي مونرو كولبيرج" وربما عائلته وفريق يؤجره.

وزعمت هذه الصفحات التي تنشر قصصا خيالية للمؤامرات العالمية وتربطها بالإسلام، أن "الإسلام ليس دينا"، وصورت المسلمين على أنهم "عنيفون"، ووصفت تدفق اللاجئين منهم على الدول الغربية بأنه "تدميرا ثقافيا واستعبادا". 

لكن موقع فيسبوك لم يحظرهم مع هذا أو يتحرك ضدهم رغم ترويجهم لخطاب الكراهية والمؤامرات ضد مسلمي أميركا ونواب الكونغرس المسلمين أيضا.

أوضحت الدراسة طريقة عمل "شبكة كولبرج"، وغيرها من الشبكات التي تستخدم تكتيكات مماثلة كي تؤثر على الخطاب عبر الإنترنت.

يبدأون أولا بعمل شبكة تأثير على الرأي العام من خلال تقديم آراء مجموعة صغيرة من الناشطين وتضخيمهم كأنهم ممثلون لقطاع أوسع بكثير من الشعب الأميركي.

ثم يجرى تضخيم المعلومات المضللة ومحاولة إسباغ نوع من الشرعية على نظريات الكراهية والتآمر.

وأخيرا العمل على جذب الدعم المالي من المانحين السياسيين الأثرياء الذين يستغلون هذه الصفحات والمجموعات لإخفاء توجهات سياسية.

وقد كشف الباحث في المعلومات المضللة "يوهان فاركاس" أن بعض صفحات "فيسبوك" التي تصدر من الدنمارك "يديرها أفراد أو مجموعات يتظاهرون بأنهم إسلاميون متطرفون، وذلك "من أجل إثارة الكراهية ضد المسلمين"، بحسب ما نقلت "الجزيرة مباشر" في 11 سبتمبر/أيلول 2021.

قال إنه وجد 11 صفحة من هذا النوع، جرى تحديدها على أنها مزيفة، نفذ القائمون عليها حملات إلكترونية حملت ادعاءات حاقدة بشأن العرق والمجتمع الدنماركي وتخويف الدنماركيين من "الاستيلاء الإسلامي على البلاد".

نتيجة لذلك، جرى دفع الآلاف للتعليق بصورة عدائية وعنصرية تجاه الإسلاميين وأثاروا الغضب تجاه الجالية المسلمة الكبيرة في الدنمارك واللاجئين تجاه الحسابات التي تدير الصفحات، والتي يعتقد أنها تابعة لمسلمين بينما هي مزيفة.

وقد ابتكر "فاركاس" وزملاؤه مصطلح "مخفي" للحسابات التي يديرها أفراد أو مجموعات يتظاهرون بأنهم "إسلاميون متطرفون" على الإنترنت بهدف "إثارة الكراهية ضد المسلمين".

وأزال فيسبوك هذه الصفحات لانتهاكها سياسة محتوى المنصة، وفقا للدراسة، لكنها عادت للظهور تحت ستار وأسماء مختلفة يختبئون خلف العباءة الدينية المسيحية.

أيضا تحدث بحث الصحفي والباحث "لورنس بينتاك" في يوليو 2021 عن تعمد استهداف عضو الكونغرس الأميركي المسلمة إلهان عمر عبر خوارزميات.

تحريض وتضخيم

كان من النتائج التي توصل إليها أن نصف التغريدات ضدها كتبها "المحرضون" من المحافظين المسيحيين، وأنهم وراء ما ينشر في هذه التعليقات المُعادية للمسلمين، ويستخدمون "خطاب الكراهية".

أوضح أن هؤلاء المحرضين يدشنون حسابات مزيفة على فيسبوك ويعيدون نشر التغريدات منها بكثافة عبر نظام الخوارزميات للتلاعب وتشويه صورتها هي ونواب كونغرس عرب ومسلمين آخرين.

وفي 21 يوليو 2021 عقد قادة مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (cair) والنائبة إلهان عمر وأعضاء آخرين في الكونغرس مؤتمرا صحفيا في مبنى الكابيتول لمطالبة إدارة الرئيس جو بايدن بتعيين "مبعوث خاص لرصد ومكافحة الإسلاموفوبيا".

وقالت "عمر" إنها ستقدم تشريعًا للكونغرس من شأنه أن يمنح المبعوث المنتظر "قوة القانون" لوقف الإعتداءات والتمييز ضد المسلمين.

وحثت الرسالة التي أرسلها مشرعو الكونغرس لوزير الخارجية أنتوني بلينكن على تعيين مبعوث خاص، و"تضمين العنف ضد المسلمين في حد ذاته" في التقرير الحقوقي السنوي المقبل للخارجية. 

وقد أقر مجلس النواب الأميركي في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021 تشريعا لإنشاء مكتب خاص داخل وزارة الخارجية لمكافحة الإسلاموفوبيا في العالم.

وقد تناول تحقيق لموقع "ذا كونفرسيشن" الأميركية تقريرا 9 سبتمبر 2021 عن كيفية عمل الحملات الإعلامية للمتطرفين الإنجيليين على مواقع التواصل، على تضخيم الإسلاموفوبيا واستهداف شخصيات إسلامية في الغرب.

أشار إلى حملة إعلانية على فيسبوك تنتقد النائبتين في الكونغرس إلهان عمر ورشيدة طليب في أغسطس 2020 تربطهما بالإرهاب، وكشف أن وراءها "معادون للإسلام"، هدفهم نشر الكراهية ضد المسلمين.

أوضح أنه في السنوات الأخيرة، عملت الجماعات اليمينية المتطرفة على توسيع وجودها على الإنترنت بشكل أسرع بكثير من الإسلاميين.

أشار إلى دراسة أجراها خبير التطرف "جي إم بيرغر" بين عامي 2012 و2016، كشفت نمو المتابعين لـ "القوميين البيض" على تويتر بأكثر من 600 بالمائة، وأنهم يتفوقون على تنظيم الدولة رقميا من حيث عدد التغريدات اليومية وأعداد المتابعين.

أضاف: "تدق الأبحاث الحديثة ناقوس الخطر بشأن تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا في المساحات الرقمية، ولا سيما استخدام الجماعات اليمينية المسيحية المتطرفة للمعلومات المضللة وأساليب التلاعب لتشويه سمعة المسلمين وعقيدتهم".

ويشير نفس التحقيق إلى أن نشر محتوى يتحدى الصور النمطية للمسلمين، مثل تطوعهم لمساعدة إخوانهم الأميركيين خلال موسم عيد الميلاد، "له تأثير معاكس ويقلل من الدعم الموجة لسياسات المحافظين لنشر الكراهية ضد الإسلام".

وعام 2021، رفعت مجموعة مناصرة للمسلمين دعوى قضائية ضد مديري فيسبوك، متهمة الشركة بالفشل في إزالة خطاب الكراهية ضدهم.

وأكد مقدمو الدعوى أن فيسبوك نفسه كلف بإجراء تدقيق للحقوق المدنية خلص إلى أن الموقع "خلق جوا يشعر فيه المسلمون بأنهم تحت الحصار".

تشويه الإسلام

وسبق أن وجدت دراسة لموقع "سيمانتك سكولار" semantic scholar في مايو/أيار 2015 أن صحيفة "نيويورك تايمز" تتعمد تشويه صورة الإسلام وتظهره أكثر ضررا من السرطان والكوكايين.

أوضحت أن الصحيفة صورت "الإسلام" بشكل سلبي في 57 بالمئة من العناوين مقابل 34 بالمئة لمرض السرطان و47 بالمئة لمخدر الكوكايين. 

الدراسة التي أجراها الباحثان "أسد صديقي"، و"عويس أرشد" أظهرت أن هناك "تحيزا كبيرا" ضد الإسلام والمسلمين فيما تنشره الصحيفة "بما يدفع القارئ العادي إلى إلقاء اللوم عليهما فيما يتعلق بأعمال العنف".

وتقول الدراسة إن صحيفة نيويورك تايمز "متواطئة في تهييج الخطاب المثير للمشاعر ضد الإسلام والمسلمين، والذي ساهم في زيادة الحوادث المعادية، وفقا لشخصيات بارزة في المجتمعات الإسلامية الأميركية.

وقد رصدت صحيفة "الغارديان" من خلال شراكتها مع مركز أبحاث الوسائط الرقمية في جامعة "كوينزلاند" للتكنولوجيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، أي خلال شهر واحد فقط، انتشار أكثر من 6795 منشورا مزيفا عن الدين الإسلامي.

وشمل ذلك منشورات على إنستغرام تصور المسلمين على أنهم خنازير ودعت إلى طردهم من أوروبا، ومقارنات بين الإسلام والسرطان يجب "معالجتها بالإشعاع" على صورة انفجار نووي، بحسب "إندبندنت" البريطانية.

وتغريدات على تويتر زعمت أن هجرة المسلمين كانت جزءا من مؤامرة لتغيير سياسات البلدان الأخرى، وهي نفس الادعاءات التي قالها مرشحو اليمين المتطرف في انتخابات الرئاسة الفرنسية في يونيو/حزيران 2022.

بينت أن فيسبوك استضاف مجموعات عديدة مخصصة للإسلاموفوبيا بأسماء مثل "الإسلام يعني الإرهاب" و"أوقفوا أسلمة أميركا" و"مقاطعة شهادة الحلال في أستراليا" تضم 362 ألف عضو معظمهم في الدولتين المذكورتين وبريطانيا.

كما حدد الباحثون 20 منشورا يظهر فيها إرهابي مدينة كرايستشيرش في نيوزيلاند الذي أطلق النار داخل مسجد في 15 مارس/آذار 2019، وقتل 49 مسلما، لم يزل فيسبوك سوى 6 منها فقط.

وكشف تقرير أعده مركز مكافحة الكراهية الرقمية "CCDH" مايو 2022 أن ادعاء فيسبوك وتويتر وجوجل أنهم أزالوا المنشورات المعادية للمسلمين ثبت أنها بيانات صحفية بوعود جوفاء.

أشار إلى دراسة أجريت في الولايات المتحدة كشفت أن شركات التواصل الاجتماعي كانت غير مبالية بـ 89 بالمئة من الشكاوى حول المشاعر المعادية للمسلمين ولم تتخذ الإجراءات اللازمة بحقها.

وأن وسائل التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك وتويتر سمحت للمستخدمين باستخدام علامات التصنيف "هاشتاغ" مثل "الموت للإسلام"، و"الإسلام هو السرطان"، وشاهدها 1.3 مليون مشاهدة على الأقل.

وأظهرت الأبحاث التي أجراها مركز مكافحة الكراهية الرقمية، فشل مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام وتيك توك في إزالة ما يقرب من 90 بالمئة من المشاركات المعادية للإسلام التي جرى الإبلاغ عنها لهما.

كشفت عن أن 530 منشورا معاديا للإسلام، جرت مشاهدتها 25 مليون مرة تتضمن رسوم كاريكاتورية عنصرية ومؤامرات وادعاءات كاذبةـ بحسب ما نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في 28 أبريل/نيسان 2022.

ولفتت إلى أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تجني الأموال من المحتويات والتفاعلات المناهضة للإسلام، وبالتالي تتغاضى عن انتشار الكراهية.