مجموعة "بريكس" ضد أميركا وإسرائيل.. هكذا تخطط الجزائر لمواجهة المغرب

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

برزت تساؤلات كثيرة بشأن مدى قدرة الجزائر على تلبية شروط الانضمام إلى مجموعة "بريكس" العالمية بعد إعلانها عن رغبتها بهذا الأمر.

وتوقف خبراء ووسائل إعلام في الجزائر عند المكاسب المرتقبة حال الانضمام إلى مجموعة الدول الـ5 الأسرع نموا في العالم، لكن آخرين حذروا من التسرع في التفاؤل نظرا لأن البلاد لا تتوفر على المقومات والشروط التي تؤهلها لتكون الرقم 6 في المجموعة.

بالتوازي طغت مقارنات بعيدا عن الجانب الاقتصادي ترى أن الحسابات السياسية مع الجار المغربي دفعت الجزائر لهذا الإعلان، خاصة بعد تقرب المملكة من المعسكر الأميركي الإسرائيلي منذ أواخر 2020. 

رغبة الانضمام

وفي لقائه الدوري مع الصحافة الذي بث في 31 يوليو/تموز 2022 على القنوات التلفزيونية والإذاعية الوطنية، قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن بلاده تلبي بنسبة كبيرة من الشروط التي تمكنها من الالتحاق بمجموعة "بريكس"، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

وأوضح تبون، أن "هناك شروطا اقتصادية للالتحاق بمجموعة بريكس، أظن أنها تتوفر بنسبة كبيرة في الجزائر".

وردا على سؤال حول إذا ما كان للجزائر رغبة في الالتحاق بهذه المجموعة، بالقول: "ممكن.. لن نستبق الأحداث، لكن إن شاء الله تكون هنالك أخبار سارة".

وأضاف أن مجموعة "بريكس" تهم الجزائر بالنظر لكونها "قوة اقتصادية وسياسية". وسبق أن شارك تبون في قمة "بريكس" عبر الفيديو نهاية يونيو/حزيران 2022.

وتحدث تبون وقتذاك عن "مقاربة الجزائر حول ضرورة السعي نحو إقامة نظام اقتصادي جديد يضمن التكافؤ والمساواة بين مختلف الدول"، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية.

وتأسست المجموعة عام 2009 من 4 دول، قبل أن تلتحق بها جنوب إفريقيا عام 2010، وتمثل الدول الـ5 الأسرع نموا في العالم.

و"بريكس" (BRICS) اسم مشتق من الحروف الأولى باللاتينية للدول الأعضاء في المجموعة، وهي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا.

وأنشئت المجموعة بغية ضمان مصالحها الاقتصادية التي تسهم بنسب كبيرة من نمو الاقتصاد العالمي.

وتمثل "بريكس" 23 بالمئة من الاقتصاد العالمي بقيمة 24.2 تريليون دولار، و18 بالمئة من تجارة السلع، و25 بالمئة من الاستثمار الأجنبي، وتعد قوة اقتصادية صاعدة لا يمكن تجاهلها في العالم.

وتتصدر الصين المجموعة بـ17.7 تريليون دولار، ثم الهند بـ3.1 تريليونات دولار، وروسيا بـ1.7 تريليون دولار، والبرازيل بـ1.6 تريليون دولار، ثم جنوب إفريقيا بواقع 419 مليار دولار.

فيما تؤكد تقارير اقتصادية أن الناتج الداخلي الخام للجزائر بالكاد يصل إلى 150 مليار دولار سنويا، خاصة أنه اقتصاد يرتبط بالأساس بمداخيل النفط.

وكانت رئيسة المنتدى الدولي لدول مجموعة "بريكس"، بورنيما أناند، قد قالت إن مجموعة من الدول منها مصر قد تنضم قريبا، مضيفة أن انضمام الأعضاء الجدد "سيجرى بسرعة".

متنفس مهم

وفي تعليقه على رغبة الالتحاق، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، محمد صاغور، إن “حديث تبون جاء بعد دراسة واستشارة المستشارين والخبراء والمختصين والإستراتيجيين والمجلس الأعلى للأمن، فهو لا يتكلم في مثل هذه المسائل اعتباطيا، وإنما بناء على معطيات وأسس صحيحة”.

وأكد صاغور لموقع "الشروق اليومي" المحلي في 3 أغسطس 2022 أن "الانضمام إلى هذه المجموعة يفيد الجزائر، لأن العالم حاليا يعيش عصر التحالفات الكبرى، وبالتالي فمن حق البلاد أن تبحث عن التحالفات التي تناسبها".

وأوضح أن "البريكس تحالف اقتصادي سياسي اجتماعي. الجزائر لها الإمكانات التي تمكنها من الانضمام إلى هذه المجموعة، فهي اليوم انتقلت، كما يقال، إلى السرعة الثانية، ولاسيما في مجال استغلال المناجم مثل الحديد والفوسفات، وتعزيز إنتاجها الطاقوي”.

ويرى صاغور أن "انضمام الجزائر إلى هذه المجموعة سيوفر لها متنفسا في محيط عالمي مليء بالمطبات".

وتابع: "من المؤكد أن الجزائر استشارت هذه المجموعة، ولمست لدى الدول الأعضاء فيها تجاوبا مع الرغبة الجزائرية. وكما نعلم فإن لها علاقات مميزة مع هذه الدول”.

وعلى مدار 50 عاما ظلت فرنسا تسيطر على الاقتصاد الجزائري، وبحلول عام 2012، فتحت الجزائر أبوابها للتبادل التجاري مع الصين، ووقعت معها عدة اتفاقيات شراكة إستراتيجية.

وتاريخيا، ترتبط الجزائر بالصين وروسيا بعلاقات قوية، فبالإضافة إلى التعاون الاقتصادي فإن موسكو تعد حليفا إستراتيجيا مهما للدولة المغاربية من الناحية العسكرية.

وتنظر دول "بريكس" إلى الجزائر كدولة متحررة من الديون الخارجية، لها احتياطي جيد من العملة الصعبة يفوق 44 مليار دولار، وهي ثالث دولة من حيث احتياطي الذهب بـ 173 طنا.

من جانبه، قال الكاتب الصحفي الجزائري، توفيق رباحي: "بحثُ الجزائر عن مكانة إقليمية قادها إلى الاقتناع بأن هدفها هذا لن يتحقق إلا من خلال معسكر روسيا والصين".

وتابع أن "المعسكر الآخر يعج بدول وأنظمة، عربية وغير عربية، ذات خبرة طويلة في خدمة أميركا، ولأسباب عديدة سيكون من الصعب أن تنافس الجزائر في هذا المعسكر مهما أرادت"، وفق ما قال في مقال نشره موقع "القدس العربي" في 31 يوليو 2022.

وبين أن "رسالة الجزائر اليوم أنها ضمن المعسكر الروسي، لكنها ليست في خصومة مع الولايات المتحدة".

واستطرد "هذا (التعايش) جرّبته الولايات المتحدة مع دول أخرى، كالهند والبرازيل، وقبلت به طالما لم يخض الطرف الآخر في ما تعدها واشنطن أعمالا عدائية ضد مصالحها ومصالح حلفائها، خصوصا إسرائيل".

واقع متقلب

وفي تفاعل مع إعلان تبون، قال موقع "هسبريس المغربي إن "الجزائر تسعى إلى الانضمام إلى بريكس لتعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي خارج المنطقة، بالنظر إلى الهيمنة المغربية على الاتحاد الإفريقي في السنوات الأخيرة".

ونقل عن الباحث في العلاقات الدولية المتخصص بالشؤون الإفريقية، أحمد صلحي أنه "في ظل التعثرات الدبلوماسية بالمنطقة، أصبحت الجزائر تفكر في البحث عن تحالفات إقليمية جديدة، بما يشمل هذه المجموعة الهادفة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضائها، خاصة في ظل التهديدات التي يلوح بها المارد الأميركي تجاه القطبين الصيني والروسي".

وبين أن “الطلب يبقى مجرد خطوة سياسية ترمي من خلاله الجزائر إلى تأكيد تحالفاتها مع روسيا والصين؛ لأن الموافقة عليه تستغرق سنوات عديدة، وتتطلب شروطا اقتصادية وسياسية”.

وأفاد صلحي بأن “الطلب الجزائري يرمي إلى توسيع العلاقات مع الدول الإفريقية، في ظل ضعف التعاون الاقتصادي مع حلفاء الجزائر بالمنطقة، بما يشمل جنوب إفريقيا”.

من جانبه، قال المحلل السياسي المغربي، محمد الإبراهيمي، إن "رغبة تبون في الالتحاق ببريكس يجب أن تنطوي على معايير اقتصادية قوية، لأن هناك خللا واضحا في أرقام الناتج الخام مع الدول المؤسسة للمجموعة".

وأضاف الإبراهيمي في حديث لـ"الاستقلال" أن محاولة اعتماد بوتين على قوة النفط خلال هذه المرحلة التي تشهد انتعاشا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية لا يمكن أن تستمر على المدى الطويل.

ورأى أن "الهدف من إعلان الانضمام هو محاولة لتطمين الداخل بأن دول الجوار لن تحرجنا وخاصة المغرب مع الامتيازات التي استفاد منها في القارة خلال السنوات الأخيرة، إذ أصبح وجهة مفضلة لدول إفريقية لعقد الشراكات الاقتصادية، ومركزا للفعاليات العالمية ومحط ثقة لدى المنتظم الدولي".

وأشار إلى أنه "منذ استئناف المغرب للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وفتح عشرات القنصليات لدول إفريقية وعربية في الصحراء، والجزائر تبحث عن حلول وبدائل في علاقاتها الإستراتيجية، مرة بالضغط وهو الذي لا يستمر طويلا خاصة في جانبه الاقتصادي وهنا الحديث عن إسبانيا، ومرة بمحاولة إعلان عن برامج أو اتفاقيات مرتقبة".

وكانت إسرائيل والمغرب قد أعلنتا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000 إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ومنذ توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية أواخر عام 2020، تسير العلاقات بين الجانبين في منحى تصاعدي، توج بزيارات وزراء إسرائيليين إلى الرباط وتوقيع اتفاقيات تعاون عدة منها العسكرية، وسط تنديد واستنكار ورفض جزائري لهذا القرار.

وبرر الإبراهيمي أن "التحالفات الجديدة في هذا الواقع المتقلب يدفع كل دولة للبحث عن مصالح بلدها ومواطنيها بعيدا عن كل الشعارات الرنانة، وعالم ما بعد كورونا وحاليا الحرب الروسية الأوكرانية تفرض التموقع وعقد الشراكات الثنائية أو المتعددة الأطراف لتقوية الاقتصاد المحلي”.