رفاعة الطهطاوي.. رئيس "الديوان" الذي رفض خيانة مرسي فاعتقله السيسي

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

السفير محمد رفاعة الطهطاوي، دبلوماسي مصري رائد، تمرس في وزارة الخارجية لعقود، حتى استقال من أجل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ثم رفضه خيانة الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013.

وفي 6 أغسطس/آب 2022، فجع الموت السفير المعتقل برحيل زوجته ماجدة حفيدة عبدالرحمن عزام باشا أول أمين عام لجامعة الدول العربية.

وانهالت برقيات العزاء على السفير المصري المعتقل منذ عام 2013 في سجون رئيس النظام عبد الفتاح السيسي. 

وقد رفض الطهطاوي الانصياع للانقلاب العسكري في ذلك العام ورسم طريقا صعبا ربط فيه بين خبرة السياسي المتمرس، ووفاء الرجل النبيل.

فلم يكن براغماتيا في أحلك المواقف وأشدها، وأعلن استعداده للتضحية بحياته مقابل مبادئه التي تربى عليها.

عائلة عريقة 

ولد محمد فتحي رفاعة الطهطاوي عام 1949 في القاهرة، لعائلة عريقة تنتمي إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج في صعيد مصر. 

يعد أكبر أحفاد رفاعة بك بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع (الطهطاوي)، المشهور بـ "رفاعة الطهطاوي" أحد أشهر وأكبر قادة النهضة العربية في مصر الذي اشتهر بالبعثة إلى فرنسا في عهد مؤسس مصر الحديثة "محمد علي باشا الكبير". 

ويتصل نسب السفير محمد رفاعة الطهطاوي، بمحمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. 

وشغل الطهطاوي (الحفيد) العديد من المناصب في سلك الخارجية، وعمل في السفارة المصرية بالعاصمة البلجيكية بروكسل.

ثم كان ضمن الطاقم الدبلوماسي المصري في العاصمة الإيرانية طهران ما بين أعوام 1998 و2001، وذلك بناء على اختيار وزير الخارجية (آنذاك) عمرو موسى.

وهي الفترة التي شهدت توترات شديدة بين الجانبين المصري والإيراني.

ثم عمل بعد ذلك سفيرا لمصر في ليبيا، وشغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية.

سياسي ثائر 

عند اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كان الطهطاوي (73 عاما) يشغل منصبا مرموقا، كمتحدث رسمي باسم الأزهر الشريف. 

لكن سرعان ما قدم الاستقالة من منصبه لينضم إلى الثوار في ميدان التحرير للمطالبة برحيل رئيس النظام المخلوع حسني مبارك عن الحكم.

هذا الموقف جعله محل تقدير من مختلف فئات المجتمع المصري، ونظرا لما يتمتع به الرجل من رزانة ورجاحة في التفكير، وخبرة طويلة في دولاب العمل الدبلوماسي. 

ودفع ذلك بعض الأحزاب والجبهات الثورية للمطالبة بترشيح الطهطاوي أمينا عاما لجامعة الدول العربية، خلفا لعمرو موسى.

لكن المجلس العسكري لم يلتفت لتلك المطالب، لأن السفير أصبح من رموز الثورة المصرية التي ظلت تحتفظ برصيد كبير لدى المواطنين.

وقد شغل الطهطاوي عضوية الجمعية التأسيسية الأولى التي جرى حلها عام 2012، ووقتها عرض التنازل عن موقعه في الجمعية لأحد الأقباط سعيا لإحداث نوع من التوافق الوطني.

وهو رجل بطبيعته توافقي يسعى إلى تمكين الشعب وتخفيف قيد السلطة، وهو ما ظهر في لقائه بقناة الجزيرة الفضائية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2012.

وقال حينها: "لماذا نريد دستور؟ لأننا لا نريد رئيسا يبطش ويقبض ويضرب، لكننا نريد برلمان لما يتخذ قرار يبقى ده قرار معبر عن الناس". 

وأضاف: "نريد أن تكون القرارات مستندة إلى شرعية الجماهير مش (ليس) إلى قوة الموجود في السلطة، ولذلك نحن نحرص على الدستور حتى تعود وتستقر الأمور وتصبح الحقوق مكفولة للناس جميعا وبإرادة شعبية". 

  

رئيس الديوان 

وفي 9 أغسطس/آب 2012، أصدر محمد مرسي قرارا بتعيين السفير محمد رفاعة الطهطاوي رئيسا لديوان رئاسة الجمهورية.

وكان متوقعا بنسبة كبيرة أن يكون وزيرا للخارجية كأحد أكثر الدبلوماسيين تمرسا، لكن الرئيس الراحل فضل وجوده في هذا المنصب حتى يكون على تواصل مستمر معه. 

وهو قرار لاقى ترحيبا من الطيف السياسي المصري، لأنه كان في توقيت حرج وغاية في الصعوبة.

وبعدها بيومين فقط أعلن مرسي قراره التاريخي بإقالة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان سامي عنان. 

أما عن أداء الطهطاوي، فكان لافتا في عام حكم مرسي، وذلك بشهادة العديد من السياسيين على رأسهم المستشار محمود الخضيري.

وأشاد الخضيري بوطنية وخبرة الطهطاوي في مقالة كتبها لصحيفة اليوم السابع في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2013، قال فيها: "الرجل مخلص فى عمله محب له ولمصر، ويعبر بصدق عن المصريين".

وكتب عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محمد الصغير في 8 أغسطس/آب 2022: "ذكرتني الحرب الحالية (الإسرائيلية) على غزة (جرت في ذات الشهر) بموقف السفير الطهطاوي من الحرب التي كانت في 2013 (يقصد عام 2012) وكيف أنه سافر إلى غزة مع رئيس الوزراء (آنذاك) د. هشام قنديل، تحقيقا لشعار مصر الكبيرة".

وكان الطهطاوي من رجال الرئيس الذين تمتعوا بقدر من العمل الدبلوماسي المرموق على مدار سنوات طويلة من وزارة الخارجية، إلى كونه مستشارا لشيخ الأزهر، حتى اعتقل برفقة الرئيس الراحل من داخل قصر الاتحادية الرئاسي.

 

الانقلاب والسجن 

وفي 15 أبريل/نيسان 2015، كتب أسامة مرسي، نجل الرئيس الراحل، شهادة عن السفير محمد رفاعة الطهطاوي، سرد فيها موقفه ليلة الانقلاب العسكري، وكيف أنه رفض بيع تاريخه أمام تهديدات العسكر. 

ودون أسامة شهادته عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، قائلا: "لما حان الانقلاب طلب منه أحد القيادات أن يخلي مكتبه ويترك الرئيس وحيدا تقديرا له ولعائلته، ولأنه، على حد قوله، ليس طرفا في المعركة".

وأكمل: "دخل السفير رفاعة على مرسي وأبلغه بالأمر فابتسم الرئيس وقال له يا سعادة السفير لقد أديت دورك وزيادة ولو انصرفت لما ألقيت عليك لوما أبدا".

وتابع أسامة: "فرد الرجل (الطهطاوي) ردا ما كان لي أن أنساه ما بقي لي من عمر، قال للرئيس: أنت ولي أمري ولك بيعتي وطاعتي أأتركك حين يحين أوان الرصاص وتمايز الرجال وتعير ذريتي من بعدي بأني فارقتك حين الخطر". 

وأردف نجل الرئيس: "والله لا يكون، إنما يفنى الرجال ولا يبقى إلا ذكرهم".

ووصف أسامة مرسي، الطهطاوي بأنه "ليس فقط نموذجا للاحترام والرجولة، وإنما رأيته صرحا يمثل كل قيم الصعيد النبيلة التي رويت في الأثر وكتبت في الكتب واتبعها الرجال".

واختتم قائلا: "كل التحية لك يا سيادة السفير ولأسلاف ربوك هذه التربية ولنسلك الذي تشرف بك.. أنت فخر لكل من عرفك".

ودفع السفير المصري ثمن موقفه على يد قادة الانقلاب العسكري، عندما زج به في سجن العقرب شديد الحراسة وسيئ السمعة.

وفي 18 مايو/أيار 2022 وثقت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية جزءا من الانتهاكات والتنكيل المستمر الذي يمارس بحق الطهطاوي في محبسه، داخل سجن العقرب. 

وقد جرى منعه من زيارات أسرته ومحاميه، وكل الحقوق المكفولة له بموجب الدستور والقانون.

وزج باسم الطهطاوي في عدة قضايا باتهامات "ملفقة"، حتى حكم عليه بالسجن 7 سنوات في القضية المعروفة إعلاميا بـ"التخابر مع (حركة المقاومة الإسلامية) حماس".

و3 سنوات في قضية مزعومة بشأن استغلال سلطات منصبه الوظيفي في تعيين أحد الأشخاص في "ديوان المظالم" التابع للرئاسة المصرية.