الراجحي في إسرائيل.. هكذا ورط ابن سلمان أكبر عائلات السعودية ليصل إلى العرش

محمد السهيلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

صدمة جديدة لرافضي التطبيع والمدافعين عن القضية الفلسطينية، تسببت بها عائلة "الراجحي" السعودية صاحبة أكبر بنك إسلامي في العالم، عندما أصبحت أكبر مساهم بإحدى أهم الشركات الإسرائيلية.

موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، كشف عن الصفقة المثيرة في 28 يوليو/تموز 2022، مبينا أن شركة استثمارية مملوكة للراجحي، إحدى أغنى العائلات غير المالكة بالسعودية، أصبحت أكبر مساهم بشركة إسرائيلية لتكنولوجيا السيارات.

تحول الرياض

"ميثاق كابيتال" المسجلة بجزر "كايمان" بالكاريبي، ومقرها الرئيس الرياض، زادت حصتها بشركة تكنولوجيا السيارات "Otonomo Technologies" في تل أبيب، لـ20.41 بالمئة، وفقا لإيداع 20 يوليو 2022، لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.

مدير "ميثاق كابيتال" محمد آصف سيماب، أرجع تلك الخطوة في تعليقه بأنهم يحبون "الابتكار وثقافة التكنولوجيا التي تمتلكها إسرائيل"، مضيفا: "ونحاول إيجاد طرق للاستفادة من ذلك". 

والراجحي من أغنى عائلات السعودية والخليج، وتمتلك أكبر بنك إسلامي بالعالم، بأصول تبلغ 125 مليار دولار، بجانب مصنع الراجحي للبلاستيك والإسفنج، والشركة الوطنية لتصنيع الدجاج.

شراكة الراجحي والشركة الإسرائيلية تمثل انقلابا من الرياض على قرارها السابق في يوليو 2022، حينما راجعت امتيازات التعريفة الجمركية على الواردات من دول الخليج.

حينها، وفي قرار لاقى حفاوة الكثيرين، اتخذت إجراءات لاستبعاد البضائع التي تحتوي على مكون مصنوع أو منتج "صُنع في إسرائيل"، أو تصنعه شركات مملوكة بالكامل أو جزئيا من قبل إسرائيليين.

لكن ووفق مراقبين، يبدو أنه كان لذلك القرار أبعاد اقتصادية أخرى تنافسية مع دول الخليج، خاصة أنه دائما ما تتحدث تقارير صحفية غربية وعبرية عن اتصالات وصفقات تجارية وأمنية سرية بين مسؤولي السعودية وإسرائيل، وسط تكتم شديد.

المثير أن شراكة الراجحي، تأتي برغم تأكيد السعودية رسميا عدم الانخراط بالتطبيع مع الكيان المحتل لأرض فلسطين، في موقف معلن منذ تطبيع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب عام 2020.

ويرى متابعون أنه كان يمكن للشركة السعودية استغلال ما لدى بعض الدول العربية وخاصة المغرب ومصر من خبرات بمجال السيارات، بدلا من الشركة الإسرائيلية، خاصة أن الرباط لها باع كبير بهذه الصناعة.

 ووفق الخبير الاقتصادي المصري إبراهيم نوار، فالمغرب أهم منتج سيارات بإفريقيا، وانتزع المركز الأول من دولة جنوب إفريقيا.

وتعمل بالمغرب شركات عالمية مثل "رينو- نيسان"، و"بيجو- سيتروين- أوبل"، و"بي واي دي" الصينية، وفيات الإيطالية، و"سوميتومو" اليابانية، و"ليوني" الألمانية.

ليست الوحيدة

ويبدو أن تطبيع الإمارات كان بابا تنفذ منه السعودية للتطبيع الاقتصادي مع الكيان المحتل سرا، والاستفادة من تكنولوجيا الدولة العبرية بالزراعة والمياه بشكل خاص.

وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في مايو/ أيار 2022، عن صفقة سعودية بملياري دولار بصندوق أنشأه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حجمه 3 مليارات دولار، يستثمر بمجالات التكنولوجيا بشركات إسرائيلية.

الصحيفة الأميركية أكدت أن هذه ليست المرة الأولى للسعودية، إذ استثمرت بشركات إسرائيلية ناشئة بأميركا عبر صندوق استثمار يديره ستيفن منوشين المسؤول السابق بإدارة ترامب، وبعقود مع مؤسسة الدفاع الأميركية وشركتي الإنترنت "Zimperium" و"yberreason".

في السياق، كشفت صحيفة "غلوبز" العبرية، في 29 مايو 2022، عن صفقات تجارية سرية بين الرياض وتل أبيب، مؤكدة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يدفع لعلاقات مفتوحة خلف الكواليس عبر شركات مسجلة بأوروبا ودول أخرى.

وسمحت السعودية أخيرا لرجال أعمال إسرائيليين بالدخول بتأشيرات خاصة مغتنمين مشروع مدينة "نيوم" على البحر الأحمر، لعقد صفقات تجارية واستثمارات بملايين الدولارات مع "صندوق الثروة السيادي" السعودي، يجرى تنفيذها بالمملكة في تقنيات المياه الزراعة، وفق الصحيفة.

وأكدت أن صندوق الثروة السعودي استثمر ملياري دولار، بموافقة ابن سلمان، بشركات إسرائيلية تعمل بمجال التكنولوجيا المتقدمة، ملمحة لعقد اتفاقيات تعاون أمني واستخباراتي، وشراء الرياض أنظمة أمنية إسرائيلية.

وفي الإطار ذاته، رأى موقع "المونيتور" الأميركي أن التطبيع السعودي الإسرائيلي (السياسي) قد يستغرق وقتا، لكن التطبيع الاقتصادي قد بدأ.

وفي الثاني من يونيو/حزيران 2022، نقل الموقع عن مصادر إسرائيلية وسعودية، توقيع صفقات كبيرة بين رجال أعمال ومديري شركات تكنولوجيا من الجانبين وصناديق استثمار بالدولة الخليجية.

وتحدث الموقع الأميركي، عن زيارة عشرات رجال الأعمال للرياض و"نيوم"، وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو للمدينة الساحلية، وعقد صفقات بملايين الدولارات بمجال الزراعة تتضمن تكنولوجيا مائية ضرورية لمناخ الصحراء السعودية وتقنيات زراعية إسرائيلية أخرى.

"المونيتور"، أشار إلى انطلاق رحلة طيران مباشرة من تل أبيب إلى الرياض في 31 مايو 2022، مع رجال أعمال يهود أميركيين على متن طائرة خاصة.

وأوضح أن الصفقات تجرى بين رجال أعمال والقطاع الخاص وليس بين الدولتين، وأن الاجتماعات تجرى في دبي وأبوظبي والمنامة.

ولفت إلى التطبيع بمجالات الأمن والاستخبارات، ملمحا إلى تقارير صحفية عن بيع أنظمة أمنية إسرائيلية للسعودية، بما في ذلك برنامج التجسس "بيغاسوس".

وأول خطوة عملية علنية في العلاقات السعودية الإسرائيلية، تمثلت بقرار سلطات الطيران بالمملكة في 15 يوليو 2022، فتح المجال الجوي لجميع الناقلات الجوية دون استثناء.

يومها، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، باللقاءات السرية قائلا: "بعد طريق طويل من الدبلوماسية المكثفة والسرية مع السعودية وأميركا، لدينا اليوم أخبار سارة".

تطبيع من الأسفل

وفي تعليقه، قال الباحث الفلسطيني بالشؤون الإسرائيلية صلاح الدين العواودة: "الغريب في أمر السعودية أنه على عكس تطبيع الدول العربية الأخرى مثل مصر والأردن، التي بدأت التطبيع من الرأس إلى الأسفل، ومنعت التطبيع الشعبي، فإن الرياض تتخذ اتجاها تطبيعا بداية من الأسفل".

في حديثه لـ"الاستقلال"، أوضح أن "مصر أول من وقع اتفاق سلام مع الكيان 1978، لكن اقتصر التطبيع على المستويات السياسية ولم يُسمح للشعب به، فكان يجري ملاحقة التاجر الذي يدير صفقات مع إسرائيل أمنيا ومقاطعته شعبيا، وكذلك في الأردن تعقد الحكومة صفقات ويثور الشارع لإلغائها مثل صفقات الغاز".

 وأضاف: "في دول الخليج والسعودية يبدأ التطبيع من الشارع ونذكر هنا المغرد السعودي محمد سعود الذي زار القدس منتصف 2019، والتقى شخصيات إسرائيلية ورئيس الوزراء حينها بنيامين نتنياهو".

وتابع: "ونذكر كتابا وصحفيين ومحرري صحف سعودية كتبوا مقالات بصحف وتحدثوا لوسائل إعلام عبرية، ولقاءات عقدت على مستوى جنرالات متقاعدين استخباراتيين سابقين مثل رئيس المخابرات السعودي الأسبق تركي الفيصل، وخبراء بمستوى مراكز دراسات التقوا إسرائيليين، وإسرائيليين زاروا المملكة".

 ‏الباحث‏ بمركز "رؤية للتنمية السياسية" ‏باسطنبول، أكد أن "السعودية تترك التطبيع يصعد من الأسفل إلى الأعلى، بتوجيه أوساط شعبية ونخب للتطبيع وتعزيز العلاقات مع الكيان قبل أن تعلن القيادة أي موقف رسمي".

وبين أن هذا الأمر يأتي تزامنا مع ما يثار بشأن علاقات تحت الطاولة واتفاقيات دفاعية وشراء أسلحة وتنسيق وتعاون ضد أعداء مشتركين (إيران).

ويرى العواودة، أنه "لذلك تأتي خطوة شركة الراجحي في هذا الإطار، ولا يستطيع سعودي واحد أن يتصرف ولا سيما في مجال يتعلق بالعلاقات الدولية إلا بتوجيه ودعم وإسناد من العائلة المالكة ومن رأس النظام السعودي المتمثل في الأمير محمد بن سلمان".

وبين أن تلك الخطوات "تأتي بعد زيارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن إلى جدة منتصف يوليو 2022، بما يعزز هذا الاتجاه بعد أخبار متداولة عن صفقات سلاح وتعاون أمني، ونقل الجزيرتين المصرية (تيران وصنافير) للسعودية وباتفاق وترتيب مع إسرائيل".

الباحث الفلسطيني، أكد أن "هذا الاستثمار من الراجحي في شركات إسرائيلية ليس الأول فهناك استثمارات في شركات إسرائيلية لنفس الشركة"، معتبرا أنه "نمو واضح في منحنى تصاعدي للتطبيع السعودي مع الكيان ودعم من النظام للتطبيع الشعبي".

ويعتقد أن "الخطير في الأمر أنه قبل الإعلان عن التطبيع الرسمي يدفع الشعب والقطاع الخاص والنخب والمثقفين نحو الأمر، ليأتي الرسمي منه على بيئة جاهزة ومهيأة".

ولفت إلى أن "كل سياسات المملكة في السنوات الأخيرة وأهمها تخصيص خطيب يوم عرفة محمد العيسى أحد المشاركين في عمليات التطبيع تأتي في هذا الإطار، لذلك السعودية تذهب في خطوات متسارعة جدا وتقطع مسافات وتختصر كثيرا من الوقت".

مؤشرات التغير

ورغم الرفض السعودي رسميا للتطبيع مع إسرائيل، فهناك الكثير من المؤشرات على وقوع تطبيع سري طوال السنوات الماضية من حكم الملك سلمان بن عبدالعزيز (يناير/ كانون الثاني 2015)، وفي ظل الحضور القوي لولي العهد محمد بن سلمان.

وقبل الإعلان عن التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل عام 2020، بنحو 4 سنوات وفي عام 2016، التقى رئيس المخابرات السعودية الأسبق تركي الفيصل، الجنرال يعقوب عميدرور مستشار بنيامين نتنياهو.

في ذات العام، أجرى اللواء السعودي السابق أنور عشقي، ومجموعة من رجال الأعمال والأكاديميين، محادثات هي الأولى علنيا مع أعضاء الكنيست (البرلمان) الإسرائيليين.

الأمر وصل إلى أعلى من ذلك بكثير حينما استضاف الملك سلمان الحاخام المقيم بالقدس ديفيد روزين، في فبراير/شباط 2020.

وعقدت أميركا اجتماعا سريا بشرم الشيخ المصرية لعسكريين إسرائيليين وقيادات من السعودية ومصر والأردن وقطر والإمارات والبحرين، مارس/آذار 2022، للتنسيق العسكري ضد إيران.

وكانت نقطة فاصلة وصف ابن سلمان إسرائيل بأنها "حليف محتمل"، وقوله لمجلة "ذي أتلنتيك" الأميركية مارس 2022، إن "المملكة لا تنظر لإسرائيل كعدو".

وهو التوجه الذي أكدت عليه تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في 24 مايو 2022، بقوله إن "رؤيتنا تقول إن التطبيع سيحصل بنهاية المطاف"، معلنا أنه "يجلب فوائد جمة للجميع".

وهو ما قابله الجانب الإسرائيلي بترحاب وود، مطلع يونيو 2022، حينما قال يائير لابيد: "من الممكن أن تكون هناك عملية تطبيع مع السعودية"، مؤكدا أن هذا يصب بمصلحة الكيان المحتل.

الإعلام الغربي ظل يرصد دائما تطور العلاقات السعودية الإسرائيلية وما يجرى سرا فيها خلف الكواليس.

وفي 6 يونيو 2022، أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إلى أن سلسلة الخطوات السياسية والعسكرية والاقتصادية السرية يمكن أن تسرع "بإنهاء الصراع بين البلدين"، وفق وصفها. 

ورغم نفي المملكة، تحدثت الصحيفة عن سفر نتنياهو إلى المملكة للقاء ابن سلمان، بحضور وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، عام 2020.

وأيضا، تطرقت إلى سفر رئيس المخابرات الإسرائيلي سابقا يوسي كوهين، سرا عدة مرات إلى السعودية، ولقائه ولي العهد.

الصحيفة، أشارت إلى إغراءات أميركية للسعوديين جراء التطبيع، موضحة أن مسؤولين أميركيين حذروا الرياض من خسارتها صفقات اقتصادية وأمنية بينما الإمارات والبحرين تتحركان بسرعة للاستفادة من علاقاتهما بإسرائيل.

وقبيل زيارة جو بايدن للسعودية بثلاثة أيام، رصدت وكالة الأنباء الفرنسية في 14 يوليو 2022، مؤشرات على التحول السعودي، مشيرة إلى تأكيد مسؤولين أميركيين تغير نظرة السعوديين لإسرائيل.

ولكن يبدو أن محاولات بايدن خلال زيارته للمنطقة لزيادة نقاط ومحطات التطبيع نتج عنها استثمار الراجحي في الشركات الإسرائيلية، فيما قد تكون هناك صفقات أخرى تعقد في تكتم شديد، وهو ما ستكشفه الأيام.