سفارات مصر بالخارج.. هل هي بؤر أمنية تترصد المعارضين؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الأول من فبراير/ شباط 2019، أعلنت القنصلية المصرية في إسطنبول، من خلال صفحتها الرئيسية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تقديم خدمة تلقي الطلبات والاستفسارات على الصفحة، متحججة بشكاوى المواطنين الذين يتعذر عليهم التواصل على خدمة الهاتف.

 وأوردت الآتي "تهدى القنصلية العامة لجمهورية مصر العربية أطيب تحياتها، في ضوء ما ورد إليها من رسائل من بعض المواطنين الكرام تفيد بتعذر تواصلهم مع القنصلية من خلال خدمة الهاتف، فإن القنصلية ترغب في إحاطة المواطنين الكرام علما، بأنه في ضوء الضغط الكبير في الاتصال بالهاتف يوميا من قبل المواطنين والأجانب وما ترتب عليه من تعذر استقبال كافة المكالمات الهاتفية الواردة إلى القنصلية خلال مواعيد العمل الرسمية".

 وأضافت: "فإن القنصلية حرصا منها للتغلب على هذه الإشكالية، فقد قامت بتخصيص خدمة "فيسبوك" للرد على كافة الاستفسارات القنصلية، حيث يقوم المواطن بإرسال استفساره في رسالة وتقوم القنصلية بالرد عليه في أسرع وقت ممكن خلال مواعيد العمل الرسمية".

الأمر الذي يعد نذير خطر، في إقدام القنصلية المصرية على تتبع حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للمعارضين المصريين، وتحليل بياناتهم، وآرائهم السياسية، خاصة وأن الخطوة الأخيرة بتقديم هذه الخدمة، يمكن أن تعوضها أساليب مختلفة، عن طريق الإيميلات الشخصية، أو الهواتف، التي تتبعها سائر الأعراف الدبلوماسية في العالم.

وتعد تركيا من البلاد التي تضم طيفا عريضا من المعارضين السياسيين لنظام عبد الفتاح السيسي، فضلا عن موقف الحكومة التركية المناهض للانقلاب العسكري الذي وقع في مصر يوم 3 يوليو/ تموز 2013، وعلى أثره تم تخفيض العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة.

إلى جانب ذلك، شكلت المعارضة في الخارج بشكل عام مبعث قلق مستمر لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، خاصة في زياراته الخارجية، التي يحتشد فيها قطاع من الجاليات المصرية تعلن رفضها انتهاكاته، وسياسته في إدارة البلاد.

مبعث القلق

في فبراير/ شباط 2019، نشرت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، تقريرا ذكرت فيه أعداد المصريين في تركيا، وقالت: "تتجاوز أعداد الجالية المصرية في تركيا 30 ألف مقيم، وفق إحصاءات غير رسمية لجمعيات مصرية".

وتتركز معظم الجالية المصرية في مدينة إسطنبول التركية، أكبر مدن البلاد، ومركزها التجاري والاقتصادي، إضافة إلى وجود العدد الأكبر من المدارس والجامعات والمراكز التعليمية بداخلها.

ويتوجه أفراد الجالية المصرية يوميا إلى القنصلية المصرية في إسطنبول، التي تقع بحي "بيبيك" الراقي، بإطلالة رائعة على مضيق البسفور، في الجانب الأوروبي من المدينة، والمقصد من الزيارة غالبا لإنهاء معاملات مختلفة، على رأسها تجديد جواز السفر، أو إجراءات تتعلق بالزواج واستخراج شهادات الميلاد وتوثيق الأوراق.

ولكن مسألة تجديد جوازات السفر هي أكثر ما يؤرق المقيمين في إسطنبول خاصة، وعموم تركيا، حيث تمتنع القنصلية عن تجديد الجوازات، حتى وإن لم يكن لهؤلاء أي مشكلة أمنية في مصر، فمجرد إقامتك في تركيا، يضعك مباشرة داخل دائرة شك النظام المصري.

وهو الأمر الذي تترتب عليه سلسلة من المعاناة لا تنتهي، فالمواطن الذي يتعذر عليه تجديد جواز السفر يجد نفسه أمام كتلة من المعضلات، أولها صعوبة إنهاء الإجراءات داخل الدولة التركية، بسبب انتهاء صلاحية الجواز، فبحسب قوانين دائرة الهجرة والجوازات التركية، لا يمكن أن يتم إعطاء الأجنبي أي نوع من الإقامة دون وجود جواز ساري يناسب مدة الإقامة المطلوبة سواء عام أو أكثر، وهذا يختص في أنواع الإقامات السياحية الدارجة، وإقامات الطلاب، وكذلك إقامات العمل، لا يمكن أن تتم أو تجدد إلا من خلال جواز سفر ساري المفعول.

ولعل الدولة التركية، خففت إجراءات الإقامة بحق المعارضين، عن طريق استحداث ما يعرف بالإقامة "الإنسانية"، والتي تمنح لبعض الحالات رغم انتهاء مدة جواز السفر بهدف تجاوز الأعباء والإشكاليات الجمة الناتجة عن ذلك القيد.

وبدون وجود إقامة قانونية في تركيا، يعرض المقيم لانتهاك الوجود غير الشرعي، مع عدم استطاعته أن يحصل على الخدمات الأساسية لحياته، من الحصول على مسكن، أو خط اتصال يتعلق بهاتفه الجوال، إضافة إلى استحالة تقديمه على خدمات المياه، والغاز، والكهرباء، التي تتم عن طريق الإقامة، ما يضطر الكثير من المواطنين المصريين الذين لم يستطيعوا تجديد جوازات السفر، ولم يحصلوا على إقامة تركية، أن يلجأوا إلى طرق أخرى، مثل دفع أموال لمواطنين أتراك، يقومون بكفالتهم للحصول على الخدمات الأساسية، وهي تكلفة مالية طائلة، وغير مأمونة العواقب.

الحل الأصعب

وقال صحفي مصري، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: "إن مشكلة انتهاء جواز السفر في الخارج تمثل أزمة صعبة، وخانقة للأفراد والأسر، فبدون جواز سفر ليس لك أي حقوق، إضافة إلى تعرضك للكثير من الأخطار، والمواقف السيئة".

وأضاف الصحفي، خلال حديثه لـ"الاستقلال"، بالقول: "انتقلت للعمل في شبكة (تي. آر. تي) التلفزيون الرسمي التركي، وهي أكبر المؤسسات الإعلامية في الدولة التركية، وتم إصدار إقامة العمل الخاصة بي من المؤسسة، وهو إجراء أساسي واعتيادي لكل العاملين الأجانب داخل الشبكة".

واستكمل الصحفي المصري روايته قائلا: "بعد فترة من العمل واجهت مشكلة تجديد جواز السفر، بسبب تعنت القنصلية المصرية في إجراءات التجديد، بسبب مهنتي كإعلامي نقلت حقيقة الأحداث بمهنية، كغيري من مئات الإعلاميين في مصر الذين يواجهون عسف السلطات، وبت مهددا بفقدان وظيفتي، لأن الجواز إذا انتهت صلاحيته، لا يمكن أن يتم تجديد إقامة العمل، وبالتالي لا يمكن أن يجدد عقد عملي داخل القناة، بحسب قوانين العمل التركية، وهو ما يعني فقدان الوظيفة ومصدر الدخل".

وأشار إلى أن "مشكلة الوظيفة تأتي ضمن مجموعة مشاكل أخرى، منها على سبيل المثال: دراسة الأبناء في المدارس، تستلزم إقامة رسمية في الدولة، ولا يمكن أن يستكملوا دراستهم دون أن يكون ولي الأمر حاملا للإقامة التي تتضمن محل سكنه، الذي تقيد عليه المدرسة".

وعقّب الصحفي، أنه "أصبح أمام خيارات محدودة للغاية، وصراع مع القنصلية والوقت، وبناء عليه لم يترك الأمر للصدفة تتلاعب به، واستطاع أن يحصل على (فيزا) لإحدى الدول الأوروبية، وانتقل إليها مع أسرته ليحصلوا على حق اللجوء السياسي".

واستدرك قائلا: "خيار اللجوء خيار صعب من شتى النواحي، النفسية والمادية والاجتماعية، ترك وظيفتي كصحفي عملت لسنوات في مجال الإعلام لم يكن بالأمر السهل، والانتقال إلى مجتمع جديد مختلفا تماما في العادات والتقاليد عن مجتمعاتنا الشرق أوسطية، وبدء التأقلم معه، مسألة معقدة".

وختم الصحفي المصري تصريحاته: "الحل الذي أقدمت عليه، ليس متاحا لآلاف الأفراد الذين يعيشون في الخارج، وبالتالي لابد من حلول ناجعة لإنقاذ الأسر والمواطنين العالقين على أبواب السفارات المصرية، للحصول على حقهم الطبيعي في تجديد جواز السفر الخاص بهم".

سياسيو المنافي

تعددت في السنوات الأخيرة الحالات التي تم التعنت معها في تجديد جواز السفر، منهم سياسيون بارزون، انتقلوا إلى الخارج مع انهيار الأوضاع المزري في مصر فيما يتعلق بالحقوق والحريات، منهم المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور، الذي حرم من تجديد جواز سفره، رغم حصوله على حكم قضائي.

وجاء نائب رئيس الجمهورية السابق، محمد البرادعي، الذي ماطلت الخارجية المصرية معه لعدة أسابيع قبل أنه تمنحه الجواز الجديد بعد شنه حملة إعلامية على النظام، ونشره سلسلة تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".

وانطبق الوضع على أستاذ العلوم السياسية الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، الذي رفضت القنصلية المصرية في إسطنبول تجديد جواز سفره، وهو ما دعاه إلى إصدار تصريح يطلب فيه "اللجوء إلى المجتمع الدولي للضغط على الحكومة المصرية في هذه القضية".

حتى أولئك الذين كانوا يوما في إطار النظام مثل المرشح الرئاسي الأسبق أحمد شفيق، الذي كان مقيما في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، واجه تعنتا في تجديد جواز سفره لعدة أسابيع قبل أن يتم حل المشكلة بعد تدخل إماراتي، قبل أن يتم إعادته إلى مصر بصورة شبه قسرية إبان الانتخابات الرئاسية المصرية في مايو/ أيار 2018.

وطلبت السفارة المصرية في لندن من الصحفي المعارض عبد المنعم محمود، ضرورة العودة إلى القاهرة، إذا أراد الحصول على جواز سفره المحروم منه، وهو طلب غريب من السفارة، المنوط بها في الأساس إجراء الخدمة للمقيمين في الخارج، وأكد وقتها الصحفي المصري تخوفه من العودة إلى مصر، وتعرضه للاعتقال كغيره من آلاف المعارضين السياسيين.

بيع السفارة

بحسب جريدة "الأهرام" المصرية الرسمية، يبلغ عدد البعثات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات لمصر في الخارج 162 بعثة يعمل بها قرابة 531 دبلوماسيا، فضلا عن طاقم المعاونين الإداريين، يتوزعون بين دول العالم، ويصلون إلى عواصم بعيدة.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أعلنت وزارة الخارجية المصرية تبني خطة كاملة لتخفيض النفقات شملت سحب 40 دبلوماسيا وإغلاق 3 قنصليات وسفارة واحدة.

وكان الإعلامي المصري المقرب من النظام عمرو أديب، قد طالب في 16 يناير/ كانون الثاني، الاستثمار في سفارات مصر بالخارج، داعيا إلى بيع السفارتين المصريتين في تركيا وفرنسا.

وأكد أديب: "أنا مع إن الدولة مايبقاش ليها أي حاجة، مالهاش علاقة خالص، الدولة كل دورها إنها تراقب من بعيد وتهيأ مناخ الاستثمار".

وفي 12 فبراير/ شباط 2019، كشفت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، عن أعداد المصريين المقيمين بالخارج والتي تقدر بنحو 14 مليون مواطن.

كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خلال احتفالية "إعلان نتائج تعداد سكان مصر لعام 2017"، أن إجمالي عدد المصريين المقيمين في الخارج حتى نهاية عام 2016، بلغ 9 ملايين و470 ألفا و674 مصريا.