إغلاق "وحشي".. صحيفة فرنسية: قيس سعيد يعيد تونس إلى زمن بن علي

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

حذرت إديث لوميل سكرتيرة لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس (CRLDH)، مما أسمته بـ"الإغلاق الوحشي للأقواس الديمقراطية" بعد ظهور نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد.

وأوضحت في مقال بصحيفة لوموند الفرنسية أنه لم يكن أحد بحاجة إلى معرفة نتائج "الاستفتاء" على مشروع الدستور الجديد في تونس، الذي نظم بشروط معيبة منذ البداية، لتخمين ماهية النظام السياسي الذي يعمل الرئيس قيس سعيد على إنشائه.

و"لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس"، منظمة غير حكومية، تأسست في باريس عام 1996، من قبل مجموعة من الناشطين التونسيين وغير التونسيين.

ترهيب وعنف

ونظم الاستفتاء في 25 يوليو/تموز 2022، وأعلنت هيئة الانتخابات لاحقا أنه "حظي بثقة 94.60 بالمئة من أصوات مليونين و630 ألفا و94 ناخبا شاركوا في التصويت من أصل 9 ملايين و278 ألفا و541 ناخبا (30.5 بالمئة من المسجلين)".

لكن أحزابا تونسية ومؤسسات وجهات رقابية شككت في تلك النتائج وقدمت طعونا بشأنها، أبرزها منظمة أنا يقظ (رقابية مستقلة)، وحزبا آفاق تونس والشعب يريد، المشاركان في الحملة الانتخابية للاستفتاء.

ويجرى حاليا النظر في تلك الطعون على أن تعلن النتائج النهائية في أجل أقصاه 27 أغسطس/ آب. 

والاستفتاء حلقة في سلسلة إجراءات استثنائية بدأ الرئيس قيس سعيد فرضها في 25 يوليو 2021، ومنها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وأوضحت الكاتبة أن العنف الذي فرقت به الشرطة بضع مئات من المتظاهرين الذين تجمعوا أمام المسرح الوطني بتونس العاصمة للاحتجاج على هذا المشروع، في 22 يوليو، يدل على الدعم الحماسي لقوات الأمن من قبل سعيد الذي يرفض تحمل أي معارضة منذ فرض الإجراءات الانقلابية. 

في أعقاب الانقلاب (إقامة نظام استثنائي) في 25 يوليو 2021 ، بدا أن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (LTDH) مثل العديد من الجمعيات أو الاتحاد العام التونسي للشغل أو حتى العديد من الجماعات السياسية مترددة في إدانة الرئيس، حول العملية التي أطلقها، ولا سيما مبادرته الخاصة بالاستفتاء.  

وقد جرى تفسير هذا الحذر من خلال الانقسامات الداخلية، وهو اتجاه داخل هذه التنظيمات يبدو أنه يعطي المصداقية لرئيس الدولة لتحرير البلاد مما يسميها "قبضة الإسلاميين". 

لكن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (ATFD)، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES)، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين (SNJT) جمعت نفسها أخيرا في مواجهة هذا الدستور الجديد. 

ويكرس الدستور ترسيخ أفضلية النظام الرئاسي ودولة تراعي أكثر من أي وقت مضى تعاليم الدين الإسلامي، وفق الكاتبة.

وتقول "إن فشل هذه الجمعيات التاريخية للأسف في جمع كل القوى السياسية والمدنية معا على شعار واحد (رفض الحكم المطلق المعلن) يعكس جزءا من الانقسامات غير قابلة للاختزال، وانعدام الرؤية السياسية، والتعب الشديد بعد عشر سنوات من التعبئة، وعودة الخوف لدى التونسيين".

يعود هذا الشعور الخبيث إلى بلد تمتع طوال عشر سنوات بحرية التعبير التي دفعت ثمنها وحسدتها الشعوب العربية المحيطة بها.  

من المسلم به أن بعض "الممارسات القديمة ذات المنفعة" للقمع لم تختف، بسبب الافتقار إلى إصلاحات منذ عام 2011 لجهاز الأمن الذي يبتهج اليوم بالإفلات من العقاب الذي كفله له قيس سعيد، تقول الكاتبة.   

وهذا الأمر نتج عنه مشهد يجرى فيه نقل رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، مهدي الجلاصي في 22 يوليو بسيارة إسعاف بسبب تعرضه للغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة.

وهو شأن خمسة ناشطين آخرين خرجوا دون أي مبالاة في الوقت الذي جرى التصريح بالتظاهرة، "كل ذلك يعطي لمحة عن المناخ القادم في تونس". 

وأوضحت الكاتبة أن إجراءات الترهيب (الهرسلة والضغط وما إلى ذلك) وعنف الشرطة يتخلل الآن أي مظاهرة، سواء كانت بدعوة من الحزب الدستوري الحر (بزعامة عبير موسي)، جبهة الإنقاذ الوطني (FSN) أو الحزب الليبرالي آفاق تونس.

مناخ متدهور

وتابعت: "مناخ سياسي يتدهور بسرعة عالية، كما يتضح من تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 21 يوليو بشأن الانتهاكات والاعتداءات على الحريات الفردية والجماعية التي ارتُكبت منذ انقلاب قيس سعيد في 25 يوليو 2021". 

وفي سياق شيطنة الديمقراطية، يبدو الآن أن التمتع بحرية التعبير التي لا يمكن إنكارها لمدة عقد من الزمان يعد إنجازا هامشيا في نظر غالبية السكان الذين يعانون يوميا من ظروف معيشية متدهورة.  

وهكذا، فإن النصائح لمحاربة الفساد ومعارضة حزب النهضة (إسلامي يمكن أن تغريه مسودة الدستور في نهاية المطاف) تنجح في خداع أطراف بأكملها في مجتمع يعاني من تفاوتات صارخة، والتي تفاقمت بسبب السياسات الاقتصادية الكارثية والبيئة الإقليمية والعالمية المعاكسة، وفق تقدير الكاتب. 

وتساءلت: لكن كيف يمكن لهذا النص الذي يؤسس لـ "جمهورية جديدة" (مصطلحات مأخوذة من المشير المصري السابق ورئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي) أن يكون استجابة موثوقة لتوقعات المجتمع التونسي؟

بعد تخلي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (ISIE) عن أي حيادية كان يجب أن تكون ضامنا للاستفتاء، صارت منذ أن حلها سعيد في مارس/آذار 2022، الذراع الدعائية للتصويت بـ "نعم".  

ويشير مشهد انتشر لأطفال صغار تحت إشراف معلمهم وهم يلوحون بأعلام تحمل كلمة "نعم"، هنا أيضا، إلى عمليات الدعاية المحزنة التي سادت تونس في فترة ما قبل 2011.

وتساءلت الكاتبة أيضا: هل يكون لدى "المناضلين من أجل الحرية"، وخاصة أولئك الذين كانوا على الخطوط الأمامية منذ سبعينيات القرن الماضي، أي خيار؟

وبينت أن سعيد يحمل مشروعا رجعيا، يصطدم بجدار الحقائق الاقتصادية، والسخط اليائس لمئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل. 

 وفي هذه الأثناء، كيف لا نخشى أن يشتد القمع، على وجه الخصوص، كما هو الحال في مصر، ضد الطرف التقدمي للمعارضة، أولئك الذين يرفضون تصديق روايات ومغامرات هذا الرئيس الذي يريد الحكم وحيدا، تتساءل الكاتبة.

وتابعت: "كان هناك شيء مثير للشفقة بشأن السخط الذي عبّر عنه زعيم حزب العمال حمة الهمامي، أثناء تفريق تجمع 22 يوليو بالقوة".

وواصلت: "هل صار من الضروري اليوم استئناف النشاط في الشارع ضد الديكتاتورية، كما كان الحال، بالنسبة لعدد قليل من المناضلين؟"

وبينت أن "رئيس النظام الأسبق زين العابدن بن علي وبعد الانقلاب ضد سابقه الحبيب بورقيبة، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، أنشأ لنفسه رئاسة مدى الحياة".

ولذلك فإن "الإغلاق الوحشي للأقواس الديمقراطية"، الذي يُعزى إلى كل من عدم مسؤولية النخب وخيبة أمل السكان، يمثل تسلسلا رجعيا جديدا في تاريخ البلاد.  

تقول إديث لوميل في نهاية مقالتها "يبقى أن نأمل أن تكون هذه الفترة قصيرة وأقل كآبة قدر الإمكان، مع العلم، مرة أخرى، أن سبب وجود لجنتنا ضروري".