منذ التسعينيات.. كيف فشلت الجزائر بإغلاق ملف معتقلي "الجبهة الإسلامية"؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وصفت صحيفة لوبوان الفرنسية قضية سجناء "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر بأنه "ملف ثقيل" يعود تاريخه إلى ثلاثين عاما.

وهذه الجبهة هي حزب سياسي إسلامي جزائري؛ أنشئ أوائل 1989 وخاض الانتخابات البلدية 1990 والتشريعية نهاية 1991 واكتسح نتائج شوطها الأول، فأوقف الجيش العملية الديمقراطية مطلع 1992.

وهو ما أدى إلى اندلاع عنف عارم في البلاد دام أكثر من عشر سنوات وخلف نحو 200 ألف قتيل، حسب أرقام رسمية.

وبينما تتهم الحكومة الجبهة بممارسة "الإرهاب"، تصف الأخيرة نفسها بأنها "الحزب الممثل للقضية الجزائرية".

وبينت الصحيفة الفرنسية أن هذا الملف بدأ منذ أن كانت البلاد تواجه ما أسمته الصحيفة "تمردا إسلاميا هائلا أغرق البلاد في الحرب الأهلية الرهيبة في التسعينيات".

وأعيد الحديث عن الأمر بعد إعلان السلطات الجزائرية، أنه سيجرى إطلاق سراح 298 سجينا جزائريا محكوم عليهم من قبل العدالة الاستثنائية التي وقعت في الجزائر في إطار قمع الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وأعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية في بيان صحفي مطلع يوليو/تموز 2022 عن إعداد "قانون لم الشمل" لفائدة "المحكوم عليهم أحكام نهائية".

وفي 21 يوليو، قالت الحكومة في بيان إن وزير العدل عبد الرشيد طبي، بتوجيهات من الرئيس عبد المجيد تبون، "قدم مشروعا تمهيديا لقانون يتضمن تدابير خاصة للمّ الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية".

ولم تكشف الحكومة عن تفاصيل المشروع الذي سيُعرَض في سبتمبر/أيلول 2022 أمام البرلمان للتصويت عليه قبل دخوله حيز التنفيذ. 

3 قوانين سابقة

وهذا الإجراء يأتي في تكملة لثلاث مبادرات سابقة لحلّ هذه الأزمة، هي "قانون الرحمة" و"قانون الوئام المدني" و"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية".

وبعد قرابة ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة عام 1992 أصدر الرئيس الأسبق اليمين زروال في 25 فبراير/شباط 1995 ما سُمي "قانون الرحمة".

وهذا القانون كان موجها إلى جماعات مسلحة متطرفة من أجل إلقاء السلاح مقابل العفو، عبر تخفيف الأحكام القضائية بحق المتورطين في القتل إضافة إلى عفو شامل لمن لم يرتكبوا جرائم.

ووفق الأرقام الرسمية، ترك 4 آلاف شخص العمل المسلح استجابة لهذا القانون، الذي رأت المعارضة الإسلامية حينها أنه لم يعالج أسباب الأزمة وجاء بلا مشاورات.

وفشل "قانون الرحمة" في إنهاء المواجهات المسلحة بين النظام وهذه الجماعات، وازدادت حدة العنف في مختلف مناطق البلاد خلال الأشهر التي تلته.

ودفع هذا الوضع الرئيس زروال عام 1998 إلى إعلان تقليص ولايته وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة تمهيدا لمغادرته الحكم.

أما "الوئام المدني"، فهو قانون جاء به الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بعد أشهر من وصوله إلى الحكم في أبريل/نيسان 1999، تتويجا لمفاوضات بين النظام وقيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" (الذراع المسلحة للجبهة الإسلامية للإنقاذ) .

وأقر القانون عفوا شاملا بحق عناصر "الجيش الإسلامي للإنقاذ" مع تسليم سلاحهم والعودة إلى المجتمع. ومع دخوله حيز التنفيذ ترك قرابة 6300 عنصر من التنظيم العمل المسلح، كما أُعلنَ حله نهائيا.

وبعد حل هذا التنظيم المسلح، بقي الجيش والقوى الأمنية في مواجهة جماعات مسلحة متطرفة أخرى مثل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي التحقت لاحقا بتنظيم "القاعدة" تحت اسم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

وساهم القانون في انحسار نسبي للعنف المسلح في الجزائر، بعد أن ترك آلاف المسلحين الجبال.

ورغبة منه في طيّ ملف الأزمة الأمنية نهائيا، أعلن بوتفليقة مع بداية ولايته الثانية عام 2004 عزمه على إصدار عفو جديد أكثر شمولية.

وفي 2005، أعلن بوتفليقة مبادرة سُمّيَت "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" وزُكّيَت في استفتاء شعبي في سبتمبر من العام نفسه.

وتضمن تدابير أشمل من قانون الوئام المدني وشمل عفوا شاملا عن المسلحين باستثناء المتورطين في القتل الجماعي، وتعويضات مالية لحالات الاختفاء القسري عبر الاعتقال على أيدي القوات الأمنية، وكذا لضحايا الجماعات المسلحة.

ولم تُنشر إلى اليوم أرقام رسمية بشأن تطبيق هذه التدابير، لكن منظمات حقوقية قالت إن نحو تسعة آلاف مسلح استفادوا منه، سواء بالعفو الكامل أو الجزئي عبر تخفيف العقوبات، مع تعويض آلاف العائلات المعنية بالأزمة.

كما ترك القانون الباب مفتوحا لرئيس الجمهورية لإصدار تدابير تكميلية لمعالجة الأزمة، وحتى الآن ما زال مسلحون يسلمون أنفسهم للسلطات من أجل الاستفادة منه.

ورغم أن هذا القانون كان وراء إنهاء المواجهات بين الجيش والقوى الأمنية والجماعات المسلحة على نطاق واسع، فإنه لاقى انتقادات من معارضين ومنظمات حقوقية.

وحسب معارضين إسلاميين فإن القانون كان تجسيدا لقاعدة "القوي يفرض شروطه" بلا توافق، فيما قالت منظمات حقوقية محلية ودولية إنه كرّس ثقافة اللا عقاب بحق المتورطين في القتل وانتهاكات حقوق الإنسان من الطرفين. 

انتقادات مستمرة

وتقول صحيفة لوبوان: "تعرضت جملة هذه الإجراءات (القوانين السابقة) لانتقادات شديدة من قبل المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان والجمعيات المعنية بالضحايا".

ورأت تلك المنظمات أن مبادئ الحقيقة والعدالة لم تُحترم في تطوير وتطبيق هذه المبادرات، التي تندرج في إطار قوانين العفو الجزئي.  

كما طالبت بعض الجمعيات وناشطون باستخدام العدالة الانتقالية - كما كان الحال، على سبيل المثال، في الأرجنتين لجرائم الديكتاتورية - بوصفها السبيل الوحيد للمصالحة الحقيقية بين الجزائريين.

وأوضحت لوبوان أنه على سبيل المثال "فإن ما يقرب من 50 بالمئة من العدد الإجمالي لأعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة كان من الممكن أن يستفيد من تدابير العفو".

أما النصف الآخر فقد "جرى تحييده من قبل قوات الأمن والجيش خلال هذه المعركة الطويلة والشاقة "ضد الإرهاب" منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، وفق وصف الصحيفة.

 جنبا إلى جنب مع المجموعات المختلفة من الضحايا الذين عارضوا هذه الأحكام، رفعت أصوات للمطالبة بإدراج السجناء المدانين من قبل محاكم خاصة أو القضاء العسكري لتعاطفهم أو تمسكهم بالجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى قوائم العفو. 

وهؤلاء الذين يقبعون في السجن منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا والذين لم يجر التعامل مع قضيتهم خلال قوانين العفو الثلاثة المتعاقبة. 

ومنذ سنوات تتعالى مطالب من أحزاب ومنظمات حقوقية بالإفراج عن السجناء المتبقين، وتتساءل عن سبب عدم إدراجهم ضمن تدابير العفو السابقة، وسط صمت من السلطات.

وصرح مصطفى غزال المتحدث الرسمي باسم تنسيق سجناء المأساة الوطنية (غير المعترف به من قبل السلطات) أنه "حان الوقت للنظر في مأساة أسرى التسعينيات". 

وأضاف أن هناك "أصداء من داخل السجون متفائلة للغاية"، بحسب أهالي السجناء الذين جرى الاتصال بهم. 

إذ إن العديد من هؤلاء السجناء هم من كبار السن - أكبرهم في الخامسة والثمانين من العمر الآن - وهم اليوم مرضى بعد كل هذه السنوات في السجن، تقول لوبوان.

 وبحسب محامٍ تابع هذه القضية ووصف هؤلاء السجناء بـ "السياسيين"، "كان من الصعب الحصول على العدد الدقيق للمعتقلين في هذه الفئة - المصنفين على أنهم" قضايا خاصة "وغالبا ما يكونون معزولين عن الآخرين".

ويعود هذا إلى أن بعضهم حُوكم أثناء حالة الانغلاق في يونيو/حزيران 1991، والبعض الآخر أمام محاكم خاصة، والبقية من قبل محاكم عسكرية وبأحكام قاسية، من السجن المؤبد إلى الإعدام (بموجب وقف مؤقت منذ عام 1993).

وتقول الصحيفة: "لا تعترف الجزائر بوضع السجين السياسي، وهو مصطلح يستخدمه المحامون في كثير من الأحيان للإشارة إلى معتقلي الجبهة الإسلامية للإنقاذ". 

وفي تقرير حقوق الإنسان السنوي لعام 2015، أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن "الحكومة (الجزائرية) مستمرة في إنكار وجود 160 شخصا (كانوا معروفين في ذلك الوقت) ظلوا محتجزين منذ التسعينيات هم من السجناء السياسيين".

وأكدت أنهم غير مؤهلين للعفو بموجب ميثاق السلم والمصالحة لأنهم ارتكبوا جرائم عنف أثناء الصراع الداخلي في الجزائر.

 وبحسب لوبوان، فإن إطلاق سراح واحد فقط أثر على هذه الفئة: في عام 2014، جرى الإفراج عن محمد حصار، 86 عاما في ذلك الوقت، "لأسباب صحية".  

كما أوضح المحامي عمار خبابه حينها لوسائل الإعلام: "بعض الأسرى يصابون بالجنون، بينهم أيضا مبتورو الأطراف ومكفوفون ومصابون بأمراض مزمنة".

وأردف: "هذه قضية إنسانية ملحة، خصوصا أنهم جرى العفو - في إطار قوانين المصالحة الوطنية - عن حالات أكثر حرجا من الانضمام إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أو إنشاء خلايا سرية بعد العصيان المدني عام 1991".

 وأشار مصطفى غزال إلى أنه "مع اقتراب التصويت في البرلمان على هذا القانون الجديد الخاص بسجناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، سنتواصل مع الكتل النيابية المختلفة للتعريف بالمراقبة الطبية والنفسية للإفراج عنهم في المستقبل".

 وقد أدرجت هذه المبادرة التالية، بحسب بيانات صحفية صادرة عن الحكومة ورئاسة الجمهورية، في المشروع الرئاسي، الذي لم يحدد بعد، وهو "تعزيز الوحدة الوطنية" و "شدّ الصفوف".

 وهي مصطلحات بدأت الجهات الرسمية في الرئاسة الجزائرية بتداولها في وقت مبكر وتحديدا في مايو/أيار 2022.