ثلاث سيناريوهات محتملة.. لماذا لم تحسم المعارك في ليبيا؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كر وفر، معارك ضارية، حسم مؤجل على كافة الجبهات، مشهد ضبابي بات يسيطر على الساحة الليبية، فلا قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر تمكنت من السيطرة على طرابلس، ولا قوات حكومة الوفاق استطاعت أن تطردها من المناطق المحيطة بالعاصمة.

الجارة الشرقية والأخت الكبرى مصر، أبت إلا أن تزيد المشهد غموضا، فبينما تجدد دعمها المطلق لقوات حفتر في حملته العسكرية المستمرة منذ 4 أبريل/نيسان الماضي، تؤكد في الوقت نفسه أنه لا حل عسكريا للأزمة الليبية.

مصر الغامضة

على مدار تاريخ الأزمة الليبية، وتحديدا منذ ظهور حفتر وعمليته المسماة "الكرامة" في 2014، لم يتردد الموقف المصري الرسمي في دعمه سياسيا وعسكريا إلى حد توجيه ضربات جوية لخصومه "الإسلاميين" في الشرق الليبي، بدعوى ارتباطهم بهجمات في مصر.

هذا الدعم المصري الكبير لجهود حفتر استمر على مدار سنوات دون مواربة، وتجلى في محاولته المستمرة منذ أكثر من شهرين لإخضاع العاصمة طرابلس لسيطرته.

قبل أيام عبر رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي عن تجديد الدعم بعد استقباله "عقيلة صالح" رئيس مجلس نواب طبرق الداعم لحفتر بالقاهرة، في زيارة مفاجئة، قال خلالها السيسي: إن "موقف مصر لم ولن يتغير بدعم الجيش الوطني الليبي، في حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية في البلاد".

وبحسب بيان للرئاسة المصرية، شدد السيسي على أن "إرادة الشعب الليبي هي الإرادة المقدرة، والتي يجب أن تحترم وتكون مفعلة ونافذة"، مشيرا إلى "دعم الشرعية الفعلية بليبيا المتمثلة في مجلس النواب المنتخب من الشعب".

وتجاهل السيسي في حديثه عن مسألة الشرعية، أية إشارة لحكومة الوفاق الوطني الليبي التي تحوز اعترافا دوليا، فيما تعتبر القاهرة دوما أن قوات حفتر هي "الجيش الوطني الليبي".

إلى هذا الحد ربما لا يوجد ما يمكن استغرابه في الموقف المصري، لكن الغموض اكتنفه بعد المؤتمر الصحفي الذي شارك فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري، الأربعاء الماضي، ممثلا عن بلاده ضمن المبادرة الثلاثية للحل في ليبيا.

وزراء خارجية المبادرة التي تضم بجانب مصر كلا من تونس والجزائر، أعلنوا أنه "لا حل عسكريا للأزمة التي تشهدها البلاد"، وقال وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي: "نتمسك بالحل السياسي كحل وحيد للأزمة في ليبيا، ونرفض أي حل عسكري أو تدخل أجنبي".

وأضاف: "ندعو كل الفرقاء في الأزمة الليبية إلى توخي الحوار لإيجاد حل للأزمة بطرق سلمية"، مؤكدا أن الاجتماع قرر "القيام بمساعٍ مشتركة لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، من أجل دعوة المجتمع الدولي للتحرك من أجل وقف المعارك في ليبيا".

يبدو الموقفان متناقضين إلى حد كبير، فهل يجب التسليم بما قاله السيسي بشأن دعم قوات حفتر حتى النهاية؟ أم أن الموقف الذي شارك وزير خارجيته في صياغته يعبّر عن مصر الرسمية، ولماذا هذا التضارب الذي يضفي غموضا والتباسا؟

بين حفتر وأوروبا

قبل نحو شهر من الآن، وفي قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة، استقبل السيسي، خليفة حفتر، في اللقاء الثاني بينهما منذ إطلاق الأخير هجومه على العاصمة طرابلس، وكان لافتا حضور رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل اللقاء.

الدعم المصري لحفتر تم الإعلان عنه رسميا في بيان الرئاسة المصرية، والذي نقل عن السيسي تأكيده "دعم مصر لجهود مكافحة الإرهاب، لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، وكذلك دور المؤسسة العسكرية الليبية لاستعادة مقومات الشرعية".

ولم توضح الرئاسة المصرية موعد وصول حفتر أو مدة الزيارة المفاجئة، فيما نقلت على لسان حفتر إطلاعه السيسي على مستجدات الأوضاع الليبية، وإشادته بـ"دور مصر في دعم الشعب الليبي على كافة المستويات".

هذا اللقاء الذي لم يعلن عنه مسبقا، يعد الثاني منذ إطلاق حفتر عمليته للسيطرة على العاصمة طرابلس، حيث سبق وأن التقى السيسي في القاهرة أيضا في 14 أبريل/ نيسان الماضي، وهو التاريخ الذي تلاه تقدم ملحوظ لقوات حفتر.

المؤكد أن هذا التقارب بين الزيارتين، إذا علمنا أن القاهرة كانت المحطة الخارجية الأولى لحفتر في أعقاب شن عمليته ضد طرابلس، يوضح بشكل جلي دعم القاهرة القوي للعملية العسكرية التي يشنها حفتر.

كما أن توقيت اللقاء وسط حالة من الجمود الميداني، حينها، والعزلة التي يعاني منها اللواء الليبي المتقاعد يرجح مزيدا من الدعم السياسي والأمني لقوات حفتر في الأيام المقبلة، ربما سعيا لتغيير موازين القوة على الأرض.

ولعل مسألة الدعم الأمني تلك عززها حضور مدير المخابرات المصرية اللقاء، ما يحمل دلالة قاطعة على حيوية الملف الليبي وانعكاساته المباشرة على الأمن القومي المصري.

لكن هذه الجزئية تتزامن مع فتور غربي يواجهه حفتر، حيث نقلت تقارير إعلامية عن مصادر غربية في القاهرة قولها، إن الاتحاد الأوروبي طالب مصر رسميا بعدم التورط في الهجوم على العاصمة الليبية، أو الدفع بأسلحة هجومية مصرية لدعم عناصر حفتر.

وأشارت إلى أن الغرب تقبّل تلك المساعدات المصرية والإماراتية في وقت سابق، عندما كانت المعركة موجهة من حفتر نحو المجموعات المسلحة التي يعتبرونها متطرفة، سواء في درنة أو بنغازي، لكن الوضع مختلف تماما هذه المرة، إذ إن الهدف في تلك المعركة هو أحياء مدنية وحكومة شرعية.

تقارير أخرى تحدثت في وقت سابق عن خلاف مصري مع أوروبا بشأن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في ليبيا وفق مخرجات مؤتمر باليرمو أواخر العام الماضي، فبينما تعجلت أوروبا عمل السيسي على تعطيل إجراء الانتخابات لحين تحكم حفتر في أكبر مساحة ممكنة من الأراضي.

كرٌ وفرٌ

ميدانيا وعلى أرض المعركة، ليس الوضع أقل غموضا وتعقيدا، فطرفا الصراع حشدا قواتهما في العاصمة والمناطق المحيطة بها، والقتال مستمر بضراوة شديدة، لكن لم يستطع أحدهما أن ينتصر، وبقي الوضع كما هو عليه منذ أن استولى حفتر على بعض المناطق المحيطة بطرابلس.

في نهاية مايو/أيار الماضي، أعلنت عملية "بركان الغضب"، التابعة لحكومة الوفاق، إرسال تعزيزات عسكرية جديدة من كتيبة حطين (تتبع لكتائب مصراتة) إلى محاور القتال، وضمت التعزيزات آليات ثقيلة بينها دبابات، كما وصلت تعزيزات عسكرية من مدينة القلعة، في الجبل الغربي، التابعة للمنطقة العسكرية الغربية لحكومة الوفاق.

أما قوات حفتر، فأظهرت عدة صور وتقارير إعلامية وصول آليات وذخائر إلى محاور القتال، قالت قوات الوفاق إنها قادمة من مصر، بعدما تم ضبط كميات كبيرة من الذخائر الخاصة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بالمحور الجنوبي، خلف خطوط قوات حفتر.

وبالفعل اندلع القتال عقب عيد الفطر، وتبارى الطرفان في إعلان انتصارهما كل على حدة وبمعزل عن الآخر ودون تعليق منه، فيما يشبه الحرب النفسية التي يمارسها المتحاربون لأهداف عدة.

من جانبها، أعلنت حكومة الوفاق الوطني أنها عززت مواقعها الخميس الماضي، في محور المطار جنوبي طرابلس، وأن قواتها دمرت دبابة ثانية وثلاث آليات مسلحة تابعة لقوات حفتر، بينما استمرت المواجهات المسلحة في محيط مطار طرابلس الدولي القديم.

على الجبهة المقابلة، أعلنت قوات حفتر إسقاط طائرة حربية تابعة لقوات حكومة الوفاق قرب مدينة مصراتة، مشيرة إلى "مقتل قائد الطائرة الحربية بمنطقة الدافنية قرب مصراتة"، دون مزيد من التفاصيل.

حرب النفط

ليس ببعيد عن تفاصيل تلك المعارك الدائرة حول طرابلس، فإن النفط قد يكون سببا لنكبة البلاد لا رفاهية شعبها، وهو ما ألمح إليه تقرير نشرته "تايمز" البريطانية، قال إن حفتر نقل بالفعل المعركة من العاصمة الليبية إلى حقول النفط، بعد فشل هجومه على طرابلس.

ونقلت الصحيفة -عن مدير المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله- تحذيره من أنه في حال تقسيم القطاع النفطي، فإن ليبيا ستُدمر، معتبرا أن "الشركة هي الصمغ الذي يجمع البلاد".

ووفقا لتقرير أنتوني لويد مراسل الصحيفة في طرابلس، فقد حذّر صنع الله من تحول الصراع إلى معارك على النفط، قائلا: إن "الأطراف المتنازعة ستستخدم أموال النفط لتغذية الحرب".

وكشف المسؤولُ النفطي، أن حفتر والحكومة الموازية في طبرق وقّحعا عقودا مع شركات وهمية لبيع النفط الليبي بـ 55 دولارا للبرميل وهو أقل من السعر المعترف به، مضيفا أن هذه الشركات موجودة في دبي بالإمارات ومصر، وهما الدولتان الداعمتان للواء المتقاعد بشكل رئيسي.

وتتمتع شركة النفط التي لا تتحزب لطرف بحماية من قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ويتم الرقابة عليها بشكل دقيق، وهي الجهة الوحيدة ذات الصلاحية لتصدير النفط الخام وتوزيع العائدات منه على البلاد.

لكن قوات حفتر تسيطر على معظم المنشآت النفطية، وهو ما دفع حلفاءه إلى الدعوة لكسر احتكار شركة النفط الوطنية والسيطرة على عملية تصدير النفط الخام بالمناطق الخاضعة لهم، لكن أطرافا دولية حذرت من أن هذا السيناريو سيحول النزاع في البلاد إلى حرب على النفط.

ليبيا إلى أين؟

وعلى قدر ما يتسم به المشهد من ضبابية وتعقيد، على قدر ما تبقى مآلات الصراع الحالي مجهولة في المستقبل القريب، وسط إصرار واضح من جانب حفتر على دخول طرابلس، مقابل حائط صد قوي يسعى لإعادته من حيث أتى.

وبينما تلعب قوات الوفاق على عامل الوقت واستمرار المعارك، يبدو أن هذا العامل يلعب ضد حفتر، فرغم الدعم المصري الواضح إلا أنه كلما طال أمد الحرب ازداد الضغط عليه من حلفائه الدوليين والمحليين، ناهيك عن أعدائه المتململين في طرابلس وفزان وبرقة.

البيت الأبيض الأمريكي، نفى صحة التقارير الإعلامية التي تحدثت، أن الرئيس دونالد ترامب، سيستقبل حفتر في واشنطن، كما طالب 13 نائبا أمريكيا، ترامب، بإدانة هجوم حفتر على طرابلس.

أما فرنسا فتراجعت خطوة إلى الوراء في تأييدها لحفتر، بعد استقبالها لفائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، وكذلك السعودية، التي وجهت دعوة للسراج للمشاركة في القمتين العربية والإسلامية.داخليا، نشرت عدة وسائل إعلام محلية، وجود خلافات بين كتائب متحالفة مع حفتر، على توزيع الذخائر والرجال على محاور القتال، وخلافات بين اللواء التاسع من مدينة ترهونة (المنطقة الغربية) وكتائب من مدينة أجدابيا (المنطقة الشرقية) دفع الأخيرة إلى سحب 20 آلية برجالها من محاور القتال والعودة بهم إلى أجدابيا.

وبدا التناحر قريبا بين كتائب ورشفانة، الموالية للنظام السابق، واللواء التاسع ترهونة، وكلاهما من المنطقة الغربية ومتحالفين مع حفتر، وذلك بعد اتهام ورشفانة للواء التاسع بقتل أحد قادتها (العميد مسعود الضاوي، قائد اللواء 26).

إذا فثمة سيناريوهات عدة تنتظر الملف الليبي، في ضوء المتغيرات والمعطيات الداخلية والإقليمية والدولية، أولها أن تستمر المعارك على هذا المنوال أشهر أخرى وربما سنوات بين كر وفر دون حسم لأي من طرفيها، مذكرة بمعركة بنغازي التي استغرقت ثلاث سنوات بين عامي 2014 و2016.

أما السيناريو الثاني، فيشير إلى ما تداولته وسائل إعلام عديدة من أن الهدف الحقيقي وراء العملية العسكرية لحفتر ليس احتلال طرابلس، لكن الاستيلاء على مناطق جديدة في الغرب الليبي لتقوية موقفه في أي مسار تفاوضي آت لا محالة. وهنا تبرز التأكيدات الدولية والإقليمية المتواصلة من أنه لا حل عسكريا في ليبيا، وأن الحل السياسي هو البديل الوحيد لما يجري، وهو ما قد تحضّر له قوى دولية وإقليمية ربما تصطدم بتعنت من حفتر في التراجع إلى مواقعه قبل 4 أبريل/نيسان الماضي، وإصرار من حكومة الوفاق على هذا المطلب.

أخيرا، فإن السيناريو الثالث الذي يعتمد على مقدار تماسك حفتر داخليا وما يجده من دعم خارجي، هو تمكن قوات حكومة الوفاق من هزيمته وإرغامه على التخلي عن طموحاته السياسية والعسكرية.