تسهيلات إسرائيلية مصرية مفاجئة لأهالي غزة.. ماذا يحاك للقطاع؟

محمد النعامي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لطالما شكلت غزة تهديدا وجوديا للكيان الصهيوني، وعجز جيش الاحتلال عن تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية خلال 4 حروب وعديد من التصعيدات والاشتباكات.

لكن في الآونة الأخيرة، بدأت الحكومة الإسرائيلية، وفق مراقبين، تنتهج سياسة مغايرة تماما في التعامل مع القطاع المحاصر، لا تعتمد على الحروب والدمار، بل على ملء الجيوب وإطعام البطون، أملا في زيادة الضغط على المقاومة.

وتحاصر إسرائيل غزة منذ يونيو/ حزيران 2007، وتفرض قيودا على حركة المواطنين والبضائع من وإلى القطاع.

المال مقابل السلام

ويتمثل جوهر هذه السياسة التي بدأت تظهر ملامحها منذ مطلع عام 2022، باستخدام "سلاح الاقتصاد" بدلا من الآلة العسكرية، وابتزاز الغزيين في إصدار تصاريح العمل في الداخل المحتل.

حيث يغرق قطاع غزة بالبطالة التي بلغت 45 بالمئة حسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في أغسطس/ آب 2021. 

وفي 7 يوليو / تموز 2022، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس عن رفع عدد تصاريح العمل في الداخل المحتل لقطاع غزة إلى 20 ألف تصريح، مؤكدا أن هذه الزيادة نتيجة الهدوء الأمني في غلاف غزة وأن استمرار "السلام" هو شرط استمرار هذه التسهيلات.

وأضاف: "حال تقدمنا إلى جانب الحفاظ على الهدوء الأمني، على طريق عودة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، فسنكون قادرين على توسيع هذه السياسة وتطوير قطاع غزة".

وضمن التسهيلات، تعمل إسرائيل حاليا على بناء منطقة صناعية في "غلاف غزة"، تستوعب عشرة آلاف عامل فلسطيني من قطاع غزة، وتطوير معبر بيت حانون في شمالي القطاع، وفق ما نقلت صحيفة "الأيام" الفلسطينية في  28 يونيو/ حزيران 2022 عن مصدر حكومي لم تسمه.

وأضافت الصحيفة أن إسرائيل أبلغت الجانب الفلسطيني بذلك خلال اجتماع في معبر بيت حانون، شارك فيه مسؤولون في هيئة الشؤون المدنية في غزة وممثلون عن وزارة العمل والقطاع الخاص.

وسيعمل الفلسطينيون في هذه المنطقة الصناعية بموجب تصاريح عمل يصدرها الاحتلال الإسرائيلي، بدءا من سبتمبر/ أيلول 2022، التي ستحل مكان تصاريح "احتياجات اقتصادية"، وستكون مشابهة لتلك التي يصدرها الاحتلال للعمال من الضفة الغربية.

ويحتاج العمال من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى تصاريح لعبور نقاط التفتيش لدخول إسرائيل حيث الأجور أعلى.

وتوظف إسرائيل ما يقرب من 100 ألف عامل فلسطيني من الضفة وغزة، وفقا لسلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، ومعظمهم يعملون في البناء أو الزراعة، مع منح عدد صغير نسبيا تصاريح للعمل في المصانع أو قطاع الخدمات.

ويبلغ معدل البطالة في إسرائيل نحو ثلاثة بالمئة، وفق وزارة الاقتصاد الإسرائيلية في 26 يونيو 2022، التي قالت إن وجود 14 ألف وظيفة شاغرة في قطاع الصناعة يشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي.

تواطؤ مصري 

وبالتوازي مع التسهيلات الإسرائيلية طرحت مصر تسهيلات أخرى، حيث أعلن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سلامة معروف، مطلع يوليو، أنه تم إبلاغ لجنة متابعة العمل الحكومي بغزة بنية الجانب المصري بدء نقل المسافرين ذهابا وإيابا عبر حافلات وبأسعار معقولة من خلال نفق "تحيا مصر".

وهذا يعني أنه لن تكون هناك حاجة للمرور بما تعرف بـ“المعدية”، وهي سفينة عائمة تحمل المركبات التي تقل المسافرين بين ضفتي القناة، وهو أمر كان يحتاج إلى وقت كبير، وكان يجبر بعضهم للمبيت على ضفتي القناة.

وبدلا من ذلك، سيجري نقل المسافرين عبر حافلات تقلهم من معبر رفح إلى القاهرة، والعكس، وهو أمر سيسهل تكلفة السفر المرتفعة، وإجراءات التفتيش عبر الحواجز المنتشرة في شمال سيناء.

ويحتاج المسافرون العائدون من القاهرة إلى غزة ليومين كاملين من أجل قطع مسافة تصل إلى نحو 500 كيلومتر، ويضطرون إلى المبيت في فنادق مدينة العريش المصرية في اليوم الأول من السفر.

كما يحتاج المسافرون الذين يتجهون من غزة إلى القاهرة مدة يوم كامل، وأحيانا أكثر من ذلك، لقطع هذه المسافة.

وتنشر قوات الجيش المصري الكثير من الحواجز العسكرية في منطقة شمال سيناء، بسبب الأوضاع الأمنية المتردية هناك، ويتم في بعض هذه الحواجز إجراء عمليات تفتيش شاملة للحقائب، ما يزيد من مدة السفر.

وعلاوة على ذلك، تؤخر عملية انتظار الدور على “المعدية” وصول المسافرين إلى مقصدهم، حيث يضطر بعضهم للمبيت على ضفتي القناة، بسبب طول مدة الانتظار، حتى يصل الدور للعربة التي تقله ليتم حملها على تلك “المعدية”.

وتشترط مصر أيضا الهدوء في غزة لاستمرار تسهيلاتها، حيث سبق أن أغلقت معبر رفح في 23 أغسطس/ آب 2021، كعقاب على قتل المقاومة  الفلسطينية قناصا إسرائيليا على حدود غزة.

ابتزاز المقاومة

من جانبه، قال رئيس قسم العلوم السياسة في الجامعة الإسلامية بغزة الدكتور وليد المدلل، إن السياسة الإسرائيلية الراهنة مع غزة بدأت مع خوف الاحتلال من انفجار وشيك في وجهه، وتزايد الغضب الشعبي والاعتداءات في الضفة والقدس والداخل وتوتر الإقليم من حوله.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "تقديم الاحتلال تسهيلات اقتصادية مرتبطة به ويستطيع التحكم بها كيفما شاء الهدف منها ابتزاز المقاومة في غزة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه القطاع المحاصر، حيث تستمر هذه التسهيلات ما دامت غزة مسالمة".

وأوضح المدلل أن "الخطورة في الموضوع هو تعويد الناس على مستوى معيشة أفضل عبر ربط كمية أكبر من المواطنين في العمل في الداخل، ومن ثم وقف هذا العمل مع أول تصعيد، أو تقليل عدد العمال، وهو بذلك يرجو أن يجعل المواطنين في حالة سخط على المقاومة".

وتابع: "على مدار السنوات الماضية كان من المعروف أن غزة ليس لديها ما تخسره في أي مواجهة، ولكن في حال ربط عدد كبير من التسهيلات الاقتصادية بالوضع الأمني سيكون لديها ما تخسره ويخشى المزاج الشعبي فقدانه".

ومع ذلك أشار المحلل الفلسطيني إلى أن هذه السياسة لن تكون ذات تأثير طويل الأمد، فرغم لجوء الاحتلال للحلول الاقتصادية انتفض الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى والثانية وخاض العديد من الهبات الشعبية والمسلحة ولم يتوقف الصراع بل استمر بالتطور".  

ويتحكم الاحتلال بهذه التسهيلات حسب الوضع الأمني، فعندما أطلقت قذيفة صاروخية في 20 يونيو 2022، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس عن تراجعه عن إصدار 2000 تصريح جديد لعمال غزة.

وقال مسؤول الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة سامي العمصي، إن الاحتلال يستخدم العمال كورقة سياسية واقتصادية ضاغطة على غزة، بعد زيادة أعداد العمال الذين يعملون في الداخل المحتل من القطاع

وأضاف في بيان ردا على غانتس، "أغلق الاحتلال حاجز بيت حانون لمدة يومين ما بين 23-26 إبريل/ نيسان 2022، وأغلقه بعد ذلك لمدة أسبوعين وأعاد فتحه في 14 مايو / أيار، حيث تكبد العمال خسائر كبيرة".

عزل المقاومة

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، إن إسرائيل وصلت لمرحلة تعترف بها أنها لا تستطيع هزيمة المقاومة الفلسطينية، وذلك في أعقاب الحرب الأخيرة على غزة، مايو 2021، والتي سجل الشعب الفلسطيني فيها انتصارا واضحا على دولة الاحتلال.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "إسرائيل تسعى لاستخدام سياسة الجزرة بدل العصا لعلها تمنحها أمنا خلال المرحلة المقبلة، وترجو منها أن تدفع المقاومة في غزة للتراجع عن ربط كافة الجبهات مع بعضها البعض، وألا يكون الرد على الجرائم الصهيونية من كافة أماكن الوجود الفلسطيني بما فيها غزة".

وحول رهان الاحتلال على أن  تثمر هذه التحسينات على عزل غزة، شدد الصواف على أن "القطاع تعرض لحصار خانق ومشدد منذ عام 2006 كان هدفه إيقاف المقاومة ودفعها للاعتراف بإسرائيل، ولكن النتيجة كانت عكسية تماما حيث تطورت القوة العسكرية الفلسطينية حيث باتت تطال صواريخها كامل التراب المحتل".

وتابع: "لم يكن رغيف الخبز يوما أهم من الوطن ومن الدم الذي لا زال ينزف في جنين، وشعبنا أعظم من أن يتم السيطرة عليه بتصاريح العمل في الداخل المحتل".

وتحدد إسرائيل معايير العمال المسموح لهم في العمل داخل الأراضي المحتلة بطريقة تمكنها من عقاب كل المقربين من المقاومة الفلسطينية.

وأعلن منسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة الغربية اللواء غسان عليان، في 8 يونيو 2022، أنه سيتم إصدار التصاريح وفقا للمعايير المطلوبة وبناء على تشخيص أمني يؤكد عدم وجود صلة بالمقاومة.

بدوره قال الباحث في الشأن الفلسطيني هلال وائل، إنه من الملاحظ أن الاحتلال بدأ بسياسة مختلفة مع غزة، لا تقتصر على الإجراءات المتعلقة بالعمل في الداخل، بل امتدت لشؤون أمنية وإعلامية.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "المؤسسة الأمنية والإعلامية الصهيونية توظف كافة طاقاتها للتأثير على المواطن الغزي، وإيصال رسالة أن حياته ستتحسن كثيرا وللأبد في ظل السلام مع إسرائيل".

وهذا الأمر يتم إيصاله عبر فيديوهات تبث من صفحات الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر الإعلانات الممولة وخصوصا على مواقع "فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب".

وأوضح الباحث أن محتوى هذه الفيديوهات يكون غالبا عرض التسهيلات الاقتصادية لغزة في فترات "الهدوء الأمني" ومقارنتها بفترات الصراع، وأيضا المقارنة بين الوضع الاقتصادي في الضفة التي يحكمها محمود عباس بسياسة التنسيق الأمني وغزة التي تحكم بحماس وبرنامج المقاومة المسلحة.

وتابع وائل: "الأمر لا يتوقف على ما تبثه إسرائيل من دعاية إعلامية، بل وصل لأهداف اجتماعية حيث أعلن الاحتلال معايير من يسمح لهم بالعمل في الداخل وعلى رأسها أن يكون "سليما أمنيا" أي أنه لا صلة له بتنظيم مقاوم وليس له أخوة أو أقارب أو أصدقاء من الناشطين في المقاومة".

وختم بالقول: "يتوقع الاحتلال أنه سيعزل الناشطين في المقاومة اجتماعيا ويزيد من تكلفة التحاقهم بالتنظيمات المقاومة، هذا عدا عن استغلاله الأمني لمن يعملون بالداخل ومحاولة تجنيدهم".