المشهد المتجمد في حراك الجزائر.. لماذا الخوف من سيناريو السودان؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قرابة الثلاثة أشهر مرت على تقديم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة استقالته مساء 3 أبريل/نيسان 2019، في وقت كانت تجتاح فيه جموع الشعب الجزائري شوارع مدن البلاد مطالبة بإسقاط نظامه في مسيرات متعاقبة منذ 22 فبراير/شباط 2019.

ووفق الإجراءات التي أقرها الدستور الجزائري، اختارت السلطة أن تسير وفق ضوابطه وتعيّن رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد إلى حين تنظيم انتخابات رئاسية، لم ينجح النظام في إجرائها في ظل استمرار التظاهرات المطالبة بإزاحة رموزه من الحكم.

ومع هذا الانسداد الحاصل يحاول الرئيس الجديد تحريك المياه بالدعوة لحوار وطني، أو حالة قريبة من المفاوضات، مع أحزاب المعارضة ورموز الحراك، يخشى الشارع الجزائري حرف بوصلة أهدافه أو الوقوع في حالة قريبة أو مشابهة لما يحدث في السودان والذي تزامنت ثورته مع حراك الجزائريين، لكنه يشهد اتجاها إلى العنف من قبل السلطة في مواجهة التحركات الشعبية.

خطاب إلى الأمة

مساء الخميس 6 يونيو/ حزيران 2019، ألقى الرئيس الجزائري الانتقالي عبد القادر بن صالح "خطابا إلى الأمة" بحسب ما نقله التلفزيون الجزائري الرسمي، دعا فيه الطبقة السياسية والمجتمع المدني إلى حوار من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية "في أقرب الآجال"، وذلك بعد إعلان المجلس الدستوري "استحالة" إجراء الانتخابات في 4 يوليو/تموز 2019، في ظل عدم تقديم أي ملف جدي للترشح للانتخابات الرئاسية.

وقال بن صالح في خطابه: "هذه المرحلة الجديدة هي حقا فرصة ثمينة لتوطيد الثقة وحشد القوى الوطنية لبناء توافق واسع حول كافة القضايا المتعلقة بالجانب التشريعي والتنظيمي والهيكلي لهذه الانتخابات، وكذا ميكانزمات الرقابة والإشراف عليها".

مضيفا: "لذا فإني، سيداتي سادتي، أدعو الطبقة السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية الغيورين على وطننا ومصيره، أقول أدعوهم جميعا إلى اختيار سبيل الحوار الشامل وصولا إلى المشاركة في رسم معالم طريق المسار التوافقي، الذي ستعكف الدولة على تنظيمه في أقرب الآجال".

متابعا: "أقول أدعوهم لأن يناقشوا كل الانشغالات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية القادمة والتوصل من ثم إلى وضع معالم خارطة طريق مهمتها المساعدة على تنظيم الاقتراع الرئاسي المقبل في جو من التوافق والسكينة والانسجام".

وأكد بن صالح إصرار السلطة "المؤقتة" على السير في الطريق الذي اختاره منذ تنحي بوتفليقة، قائلا: "من هنا استمد قناعتي بأن الذهاب إلى تنظيم انتخابات رئاسية في آجال مقبولة، دونما إضاعة للوقت، هي السبيل الأنجع والأوحد سياسيا والأكثر عقلانية ديمقراطيا".

مزيد من الرفض

للمرّة 17 على التوالي منذ الجمعة الأولى في 22 فبراير/شباط، جدّد الجزائريون عهدهم مع الشوارع في الجمعة الثانية التي تلت دعوة الرئيس المؤقت إلى الحوار، بينما ردّد المتظاهرون شعاراتهم الرافضة لاستمراره على رأس السلطة في البلاد، وعدم ائتمانه على إدارة انتخابات جديدة.

كما رفضت أحزاب وشخصيات معارضة مضمون خطاب بن صالح، وأجمعت جل الأحزاب السياسية على رفض التمديد لبن صالح بعد 9 يوليو/تموز، وهي المدة الانتقالية المحددة دستوريا لتنظيم الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة للرئيس المنتخب، وهو ما لم يتم بعد تأجيل الانتخابات إلى موعد غير محدد.

اعتبر رئيس حركة "مجتمع السلم" الإسلامية، عبد الرزاق مقري، أنّ التظاهرات التي تلت خطاب بن صالح تمثل أبرز رد على دعوته للحوار والتوافق حول الانتخابات الرئاسية، وتؤكد على تمسك واضح للشعب بمطلب رحيل رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة".

مشدداً على أنّ الحل الوحيد المتاح هو الاستجابة لمطالب الشعب، قائلا عبر حسابه على تويتر "الحمد لله، الحراك نجح في امتحان رمضان، ثم ينجح في امتحان الاستئناف بشكل أقوى بعد شهر رمضان. بنفس التحضر، وبنفس المطالب، وبنفس العزم، وبنفس الإصرار، من كان يحب الوطن بصدق فليقدر هذا الشعب وليستجب لمطالبه".

وأضاف: "من اعتقد بأنه يستطيع التحايل على الشعب وعلى هذا الحراك العظيم ويراهن على تقسيمه فهو واهم وهو من يتآمر على الوطن".

من جهته قال أحمد عظيمي المتحدث باسم حزب "طلائع الحريات"، الذي يقوده رئيس الحكومة السابق علي بن فليس: "خطاب بن صالح لم يقدم أي معطى جديد لحل الأزمة، بالعكس فهو مارس لعبة الهروب إلى الأمام من خلال الإبقاء على نفسه والتمسك بمنصبه".

وفي تعليق على الخطاب الرئاسي قال رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم في تصريح لـ TSAعربي: "دعوة بن صالح جاءت عامة غير موجهة لأي جهة بعينها، وأعتقد أنه لا يوجد أي شخص يمكن أن يمتنع عن الحوار من حيث المبدأ، لكن المشكل هو كيف يكون هذا الحوار؟ على أي أساس يتم؟ وما هي أطرافه؟".

ويضيف: "نحن نبض هذا الشعب، ونحن معه إذا كان الشعب مع تجديد الشخصيات التي تدعو للحوار فنحن معه، سنستجيب لإرادة الشعب إذا رفض تولي بن صالح للحوار" .

سيناريو السودان

نشرت مجلة "الجيش" الناطقة باسم المؤسسة العسكرية، في افتتاحية عدد يونيو/ حزيران الجاري عن تجديد الجيش الجزائري موقفه لحل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، عبر التمسك بالدستور واستبعاد أي خيار مخالف لذلك بما فيه خيار "المرحلة الانتقالية" المؤقتة.

هذا الموقف يؤكّد من جديد سيطرة الجيش في الجزائر على السلطة في الجزائر وهيمنته على الحياة السياسية، وهو ما أكّدته صحيفة لوموند الفرنسية حيث قالت: "هذه المظاهرات انطلقت ضد نظام استبدادي، في السلطة منذ الاستقلال، يرفض التخلي عن تقديم بعض التنازلات، بما في ذلك استقالة بوتفليقة"، مشيرة إلى أن "الجيش الآن هو من يسيطر على السلطة".

وأكدت "لوموند" أنه لكي تتاح الفرصة لفتح هذا الحوار، يجب على الجنرال قايد صالح إعطاء الشارع ضمانات بالشفافية والتزام السلطة الحالية باحترام عملية الانتقال المنظم ديمقراطيا، مؤكدة أن هذا هو المخرج الوحيد الموثوق فيه بالنسبة للجزائر، حيث صور السودان والقمع الدموي للحركة الشعبية التي أدت إلى استقالة الرئيس عمر البشير حاضرة يوم الجمعة في أذهان المحتجين".

ويشير الكاتب كيليان كلارك في مقال نشرته مجلة ذي فورين بوليسي الأمريكية للاحتجاجات الشعبية في السودان والجزائر إلى أن "الجنرالات في كل من السودان والجزائر تدخلوا لإزاحة الطغاة عن السلطة، ليتحكموا في بلدانهم بعد الثورة، تماما مثلما حدث في الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك".

وأكّد كلارك أن "القادة الشباب الناشطين الذين قادوا الحركة المناهضة لمبارك في مصر اكتشفوا خلال مفاوضاتهم مع الجيش بشأن شروط الانتقال وإنشاء مؤسسات ديمقراطية جديدة أن أعظم نفوذ لديهم يتمثّل في قدرتهم على الاحتشاد في الشوارع".

ويضيف أن "الجنرالات من طرفهم اكتشفوا بأنهم أكثر عرضة للتهديد وأكثر استعدادا لتقديم التنازلات أمام هذه الاحتجاجات الشعبية".

كما اعتبر الكاتب الأمريكي أنّ "تلبية هذه المطالب المحددة وإجبار الجنرالات في كلا البلدين على منح القادة المدنيين سلطة سياسية مهمة تعتمد على مدى قدرة هذه الاحتجاجات على تعبئة الشوارع".

كما كتبت هبة صالح تقريرا في صحيفة فاينانشيال تايمز، قالت فيه إن التظاهرات في الجزائر تمثل "أملا لانتقال سلمي وديمقراطي للسلطة، إن التظاهرات التي تُعرف محليا بالحراك، لم تسمح لأي جهة باختطافها وخصوصا الإسلاميين، بل حافظت على هدفها الرئيس وهو نقل السلطة إلى حكومة مدنية مؤقتة، وبذلك وضعت الجيش، القوة المسيطرة في البلاد، في تحد صعب.

ونقل التقرير عن الباحث المتخصص في علم الاجتماع الجزائري بمعهد الدراسات السياسية في ليون، لاهوري عدي، قوله إن قادة الجيش حذرون من استخدام القوة مع المتظاهرين خوفا من عدم انصياع الجنود لهم. وأشار إلى أن الملايين من المتظاهرين "يحاصرون قادة الجيش بشكل سلمي وبحنكة سياسية".